الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النجاسة بالمنع، إذ العذرة والبول أغلظ من لعاب الكلب وغسلها دون السبع1.
فقد ورد في إحكام الأحكام شرح عمده الأحكام: "
…
وأما كونه لا يكون أغلظ من النجاسة العذرة فممنوع عند القائل بنجاسته نعم ليس بأقذر من العذرة ولكن لا يتوقف التغليظ على زيادة الاستقذار"2.
والذي يترجح لدي في هذا الخلاف: هو القول بنجاسة الكلب، وأنه في هذا مثل الخنْزير، وأن نجاسته عينية، وذلك على نحو ما تقرر عند الشافعية والحنابلة وبعض الحنفية وسحنون وابن الماجشون وأبي عمر من المالكية، وذلك لقوة ما استدلوا به مع سلامته عن المعارض في مقابل ضعف استدلال القائلين بالطهارة مع التسليم بصحته. والله تعالى أعلم.
1 عارضة الأحوذي 1/134 – 135.
2 ابن دقيق العيد 1/26.
المطلب الثاني: حكم بيع الكلب
اختلف الفقهاء بشأن حكم بيع الكلب فمنهم من أجاز ذلك نظراً إلى ماليته وإمكان الانتفاع به شرعاً، ومنهم من منع ذلك على خلاف في علة المنع، فمنهم من علل ذلك بعدم طهارته، ومنهم من علل المنع بالنهي الشرعي عن اقتنائه، وهذا ما قاله الفقهاء:
مذهب الحنفية: القول بجواز بيع الكلب، وقد قاسوا عليه كل ذي ناب من السباع، سوى الخنْزير، وذلك لأن الكلب عندهم مال، فكان محلاً للبيع، حيث إنهم يعتبرون مالية المبيع وإمكان الانتفاع به الركن المهم في البيع، ويقولون إن كل ما فيه منفعة مباحة جاز بيعه.
فقد جاء في الاختيار لتعليل المختار: "ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع معلماً كان أو غير معلم، وأهل الذمة في البيع كالمسلمين، وعلق الشارح على هذا بقوله: ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع معلماً كان أو غير معلم، لأنه حيوان منتفع به حراسة واصطياداً فيجوز، ولهذا ينتقل إلى ملك الموصى له والوارث بخلاف الحشرات
كالحية والعقرب والضب والقنفذ ونحوها لأنه لا ينتفع بها"1. وجاء في بدائع الصنائع: "ويجوز بيع كل ذي مخلب من الطير، معلماً كان أو غير معلم بلا خلاف، وأما بيع كل ذي ناب من السباع سوى الخنْزير كالكلب والفهد والأسد والنمر والذئب والهر ونحوها فجائز عند أصحابنا
…
، ثم عندنا لا فرق بين المعلم وغير المعلم في رواية الأصل فيجوز بيعه كيف ما كان، وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يجوز بيع الكلب العقور
…
"2.
فالمستفاد من نصوص الحنفية: هو جواز بيع الكلب وما في حكمه كالفهد والأسد ونحوهما من كل ذي ناب من السباع وذلك باعتبار مالية الكلب المعتبرة أساساً في عقد البيع عندهم وإن كانت هناك رواية لأبي يوسف تمنع بيع الكلب العقور.
وهذا بالنسبة لأصل حكم بيع الكلب عند الحنفية، وهذا متمش كذلك بالنسبة لحكم بيع الكلب المأذون في اتخاذه واقتنائه، وذلك للانتفاع به واعتبار ماليته، وهذه المالية والانتفاع متحققة في بيع الكلب للصيد والماشية والزرع ونحو ذلك عملاً بأصلهم من القول بجواز البيع مطلقاً معلما كان أو غير معلم، مأذوناً فيه أم غير مأذون فيه، وهذا فضلاً عن ورود النص باستثناء كلب الصيد، وقيس عليه كلب الزرع والماشية ونحو ذلك.
مذهب المالكية: قالوا بأنه لا يصح بيع الكلب مطلقاً سواء كان كلب صيد أو حراسة أو غيرهما وذلك لورود النهي عن بيعه شرعاً وإن صح اقتناء كلب الصيد والحراسة لأن إباحة المنفعة لا تبيح البيع كأم الولد، وهذا هو الأصل في مذهب المالكية وأن هناك من قال بغير هذا فقد قال سحنون بجواز بيع الكلب عامة وأنه لا بأس بثمنه، وكأنه لم يقف كغيره من المالكية في الجواز عند حد ما فيه منفعة ككلب الصيد والحراسة والماشية، ونحو ذلك، فسحنون يخالف في الأصل العام عند المالكية المانع من بيع الكلب وعدم حل ثمنه للنهي عن ذلك.
فقد جاء في المنتقى شرح موطأ مالك: قال مالك: "أكره ثمن الكلب الضّاري
1 الموصلي 2/9 – 10.
2 الكاساني5/142 – 143.
وغير الضّاري لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب"1. وجاء في مواهب الجليل شرح مختصر خليل: "
…
والكلب
…
وثمنه لا يحل قد حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى عن ثمنه
…
"2.
وجاء في حاشية الدسوقي: "
…
وشرط له "عدم نهي" من الشارع عن بيعه إلا ككلب صيد وحراسة وأولى غيرهما ويجوز اتخاذه لهما"3.
وورد في بلغة السالك: "قوله: وقيل بجواز بيعه" هذا قول سحنون فإنه قال: أبيعه وأحج بثمنه
…
واتفقوا أن كلاب الماشية يجوز بيعها ككلب البادية
…
ولا ككلب صيد وحراسة للنهي عن بيعه وإن كان طاهراً منتفعاً به
…
"4.
وهكذا: يتضح لنا أن حكم بيع الكلب بحسب أصله عند المالكية هو المنع، وأن إباحة الانتفاع به لا تبرر جواز بيعه. أما بالنسبة لبيع الكلب للحراسة والصيد ونحوهما فقد اختلف فقهاء المالكية في ذلك، فمنهم من أوقفه عند أصل المذهب في بيع الكلب وقال بعدم بيعه لهذا الغرض حيث سحب الحكم في أصل المنع لبيع الكلب على كلب الصيد والحراسة ونحوهما، ومنهم من اعتبر في كلب الصيد والحراسة ونحوهما الاستثناء من أصل المنع حيث قال فيهما بجواز البيع لما فيه من منفعة حتى إن سحنون صرح بقوله أبيعه وأحج بثمنه، وقد حكى صاحب بلغة السالك الاتفاق عند المالكية على بيع كلاب الماشية ككلب البادية ونحو ذلك.
مذهب الشافعية: القول بمنع بيع الكلب سواء كان معلماً أو غير معلم صغيراً كان أو كبيراً ولا قيمة على من أتلفه لنجاسته والنهي عنه، خاصة وأن الشافعية مع غيرهم يشترطون طهارة المبيع، ولهذا فإنهم يمنعون بيع الكلب ونحوه من نجس العين حتى ولو كان للصيد والحراسة ونحوهما. فقد جاء في نهاية المحتاج: عند الحديث عن شروط المبيع: "
…
أحدها طهارة عينه شرعاً ولو كانت النجاسة غالبة في مثله، فلا
1 الباجي 6/372.
2 الحطاب 4/262.
3 الدسوقي 3/11.
4 الصاوي 2/350 – 351.
يصح بيع الكلب ولو معلماً، والخمر يعني المسكر وسائر نجس العين ونحوه
…
"1 وجاء في مغنى المحتاج: "وللمبيع شروط: طهارة عينه؛ فلا يصح بيع الكلب والخمر والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره كالخل واللبن، وكذا الدهن في الأصح"2. وجاء في المجموع: "
…
أنه لا يحوز بيع الكلب سواء كان معلماً أو غيره، وسواء كان جروا أو كبيراً ولا قيمة على من أتلفه
…
قال ابن المنذر: لا معنى لمن جوز بيع الكلب المعلم لأنه مخالف لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ونهيه عام يدخل فيه جميع الكلاب"3.
فالمستفاد من نصوص الشافعية: هو عدم جواز بيع الكلب، حتى ولو كان معلماً، وذلك لنجاسته عيناً، خاصة وأنهم يشترطون في المبيع طهارة عينه، وهذا الحكم عام يشمل الكلب المعلم وغيره، والمأخوذ للصيد والحراسة والماشية تمشياً مع أصلهم في منع بيع الكلب مطلقاً أي سواء كان مأذوناً فيه أو كان غير مأذون فيه معلماً أو غير معلم.
فمسلك الشافعية اعتبار الأصل العام عندهم هو القول بعدم جواز بيع الكلب حتى ولو كان معلماً عملاً بعموم النهي عن ذلك، رغم أنهم جوزوا اقتناءه للصيد ولحراسة الماشية والزرع.
مذهب الحنابلة: القول بعدم صحة بيع الكلب ولو كان معلماً، وذلك للنهي عنه، وأنه لا قيمة على من قتل الكلب المعلم.
فقد جاء في المغني والشرح الكبير: "لا يختلف المذهب في أن بيع الكلب باطل أي كلب كان وإن كان معلماً، وبه قال الحسن4
1 الرملي 3/392
2 الشربيني 2/15.
3 النووي 9/272 – 273.
4 هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، تابعي كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمنه، وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك، ولد بالمدينة وسكن البصرة، وعظمت هيبته في القلوب وله مع الحجاج مواقف وقد شل من أذاه. توفي رحمه الله تعالى سنة 110?. راجع: الأعلام للزركلي 2/226.
وربيعه1 وحماد2 والأوزاعي3
…
وكره أبو هريرة ثمن الكلب"4. وجاء في كشاف القناع: الشرط الثالث: "أن يكون المبيع والثمن مالاً لأنه مقابل بالمال إذ هو مبادلة المال بالمال وهو أي المال شرعاً ما فيه منفعة أو لغير حاجة ضرورة، فخرج ما لا نفع فيه أصلاً كالحشرات وما فيه منفعة محرمة كالخمر وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب وما فيه منفعة تباح للضرورة كالميتة في حال المخمصة وخمر لدفع لقمة غص بها
…
"5. وجاء في المغني: "وبيع الكلب باطل وإن كان معلماً
…
"6.
ولهذا فقد تقرر عند الحنابلة بطلان بيع الكلب، وعدم صحة ذلك البيع، وذلك لنجاسته ولو كان معلماً أو مأذوناً فيه، لأنهم يحرمون بيع العين النجسة التي يمكن إزالة نجاستها، ونجاسة الكلب لا يمكن إزالتها فمنع بيعه آكد عندهم.
الموازنة: بمراجعة نصوص كتب الفقه عند مذاهب الأئمة الأربعة يتضح لنا أن خلاصة أقوال الفقهاء في بيع الكلب كما يلي:
المذهب الأول: يرى أنه لا يجوز بيع الكلب مطلقاً، حتى ولو كان معلماً، وإلى هذا ذهب الشافعية والحنابلة وهو أصل مذهب المالكية.
1 هو ربيعة بن فروخ التيمي - تيم قريش - بالولاء المدني أبو عثمان إمام حافظ فقيه مجتهد من أهل المدينة من أهل الرأي قيل له ربيعة الرأي لقوله بالرأي فيما لا يجد فيه حديثاً أو أثراً، عليه وبه تفقه الإمام مالك توفي رحمه الله بالهاشمية في أرض الأنبار بالعراق سنة 136 ?. راجع: الأعلام للزركلي 3/17.
2 هو حماد بن أبي سليمان الأشعري مولاهم أبو إسماعيل الكوفي، فقيه صدوق له أوهام، توفي رحمه الله سنة مائة وعشرين أو قبلها. راجع: تقريب التهذيب لابن حجر ترجمة رقم 1500.
3 هو عبد الرحمن بن عمرو بن ُيحْمد الأوزاعي إمام فقيه محدث نسبته إلى الأوزاع من قرى دمشق وأصله من سبي السند نشأ يتيماً وتأدب بنفسه فرحل إلى اليمامة والبصرة وبرع وأراده المنصور على القضاء فأبى ثم نزل بيروت مرابطاً وتوفي بها رحمه الله سنة 157 ?. راجع: البداية والنهاية لابن كثير 10/115، وتهذيب التهذيب لابن حجر 6/238.
4 ابن قدامة 4/300.
5 البهوتي 4/1382.
6 ابن قدامة 4/278 – 281.
المذهب الثاني: يرى جواز بيع كلب الصيد والحراسة ونحوهما، وكلاب الماشية والزرع والبادية، وإلى هذا ذهب سحنون من المالكية، وما حكاه صاحب بلغة السالك من اتفاق المالكية على ذلك.
المذهب الثالث: يرى جواز بيع الكلب مطلقاً، أي معلماً كان أم لا، سواء كان للحراسة أو الصيد أم لا، وإلى هذا ذهب الحنفية.
الأدلة: استدل أصحاب المذهب الأول القائلون: بمنع بيع الكلب مطلقاً حتى ولو كان معلماً الشافعية والحنابلة وأصل مذهب المالكية بما يأتي:
1-
بما روي عن أبي مسعود البدري1: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن"2.
2-
وبما روي عن أبي جحيفة3 –رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن ثمن الدم وعن ثمن الكلب، ومهر البغي، ولعن آكل الربا، وموكله، والواشمة، والمتوشمة، ولعن المصور"4.
3-
بما روى عن رافع بن خديج5 رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كسب الحجام خبيث، ومهر البغي خبيث، وثمن الكلب خبيث" 6.
1 هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة الأنصاري أبو مسعود البدري شهد العقبة وبدراً على القول الراجح وأحداً وما بعدها نزل بالكوفة مات سنة أربعين هجرية. راجع: تهذيب التهذيب لابن حجر 7/248.
2 الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري برقم 2122، ومسلم برقم 1567.
3 هو وهب بن عبد الله ويقال ابن وهب أبو جحيفة السوائي يقال له وهب الخير روى عن علي والبراء بن عازب وعنه ابنه عون وسلمة بن كهيل وغيرهم توفي سنة أربع وستين هجرية. راجع: الأعلام للزركلي 8/125، تهذيب التهذيب لابن حجر 11/164.
4 أخرجه البخاري برقم 2123، وبرقم 5601 وبرقم 5617.
5 هو رافع بن خديج بن رافع بن عدي الأنصاري الحارثي أبو عبد الله ويقال أبو رافع، شهد أحداً والخندق روى عن عمه ظهير بن رافع وروى عنه خلق كثير مات سنة ثلاث وسبعين هجرية وقيل غير ذلك. راجع: تهذيب التهذيب لابن حجر 3/229 – 230.
6 الحديث أخرجه مسلم برقم 1568.
4-
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وقال: إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً"1.
5-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل ثمن الكلب، ولا حلوان الكاهن، ولا مهر البغي"2.
6-
القياس على الخنْزير بجامع حرمة الاقتناء في غير حال الحاجة.
ونوقشت هذه الأدلة بما يأتي:
أ- أن هذه الأحاديث منسوخة، فإنها كانت عند الأمر بقتل الكلاب، حيث لم تكن في الكلاب منفعة مباحة، ولما نسخ الأمر بقتل الكلاب وجاء الأمر بإباحة الاقتناء لبعضها، ثبت أن أحاديث النهي منسوخة.
ب – أن قرن ثمن الكلب مع مهر البغي وحلوان الكاهن لا يدل على أن حكمهما واحد فهذه دلالة اقتران وهي ضعيفة3.
استدل أصحاب المذهب الثاني القائلون: بجواز بيع كلب الحراسة والبادية ونحو ذلك، وهو سحنون ومن وافقه من المالكيه على ما خرجوا به عن الأصل في مذهب المالكية بما يأتي:
أن تحقيق مصالح العباد ومراعاة ما يحقق المنفعة لديهم يقتضي القول بجواز بيع الكلب للحراسة والزرع والماشية ونحو ذلك مما يستخدم في مصالح العباد كالصيد ونحوه، تحقيقاً لمصالح العباد المعتبرة في الأحكام الشرعية، وقالوا بجواز بيع الكلاب المدربة على الحراسة والكلاب البوليسية المدربة على كشف المجرمين خاصة وأن الحاجة تشتد إلى مثل هذا النوع من الكلاب ومنها المدربة على خدمة مكفوفي البصر
1 الحديث أخرجه أحمد في المسند 1/278، 289، 350 وأبو داود كتاب الإجارة باب في أثمان الكلاب برقم 3482، والدارقطني في السنن 3/7، والبيهقي في السنن 6/6، والطبراني في الكبير 12/102.
2 الحديث أخرجه أبو داود كتاب الإجارة باب في أثمان الكلاب برقم 3482، والنسائي في السنن كتاب الصيد والذبائح باب النهي عن ثمن الكلب برقم 4293، وذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم 7640.
3 عارضة الأحوذي لابن العربي 5/278 – 279.
ومساعدتهم في الوصول إلى مقاصدهم.
استدل أصحاب المذهب الثالث القائلون: بجواز بيع الكلب مطلقاً معلماً كان أم لا للحراسة أو الصيد أم لا وهم الحنفية بما يأتي:
1-
بقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} 1.
2-
حديث جابر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب الصيد"2.
3-
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اتخذ كلباً إلا كلب زرع أو غنم أو صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط"3.
4-
ما روي من الآثار أن عبد الله بن عمرو قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهماً، وقضى في كلب ماشية بكبش4.
5-
وعن ابن شهاب أنه قال: "إذا قتل الكلب المعلم فإنه يقوم قيمته فيغرمه الذي قتله"5.
6-
وعن محمد بن يحي بن حبان الأنصاري6 قال: "كان يقال يجعل في الكلب الضاري إذا قتل أربعون درهماً"7.
1 سورة المائدة: الآية 4.
2 الحديث: أخرجه النسائي برقم 4295 من حديث جابر، وأخرجه مسلم أيضا وليس فيه لفظة "إلا كلب صيد"، وأخرجه الترمذي برقم 1281 من حديث أبي هريرة، وليس فيه لفظة السنور، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم 6946.
3 الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري برقم 2197، وبرقم 3146، 3147، ومسلم برقم 1575، 1576.
4 الأثر أخرجه البيهقي في السنن 6/8.
5 رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/58.
6 هو محمد بن يحيى بن حَبّان الأنصاري المدني، ثقة فقيه. راجع: تقريب التهذيب لابن حجر 906 برقم 6421.
7 رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/59.
7-
القياس على الحمار الأهلي بجامع حل الانتفاع في كل.
ونوقشت هذه الأدلة من قبل الجمهور بما يأتي:
1-
أن الآية الكريمة ليس فيها دليل على حال البيع ولا تعرض له إذ غاية ما فيها إباحة الصيد بهذه الكلاب في قوله سبحانه: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} 1 فأين ذكر حل البيع وذكر إباحة الثمن.
2-
أن حديث جابر لا يدل إلا على حل ثمن كلب الصيد، والحنفية يبيحون أثمان الكلاب كلها المعلم منها وغير المعلم2.
3-
أن الآثار المروية عن بعض الصحابة وغيرهم في تغريم متلف الكلاب فهي ضعيفة ولا تقوم بها حجة، وعلى تسليم صحتها فليس فيها إلا إيجاب القيمة بدل إتلاف المال وإلا فلا ثمن لميت أصلاً3.
4-
أما قياس الكلب على الحمار بجامع حل الانتفاع وأن الحمار طاهر الأصل بخلاف الكلب وأن قياس الكلب على الخنْزير أولى لأنه أشبه به ولو فرض تساوي القياسين فالقياس الذي تؤيده النصوص الصحيحة أولى من غيره4.
والراجح: هو القول بعدم جواز بيع الكلب، لصحة أدلة الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، فضلاً عن أنها دالة على حرمة البيع، ومنفّرة من قبض الثمن أيما تنفير على نحو ما ورد آنفاً، في حين أن الأدلة التي ساقها الحنفية لإثبات صحة وجواز بيع الكلب لا ترقى للدلالة على هذا لما في سندها من مقال، غير أنه يراعى الاستثناء الذي تقرر لدى بعض المالكية كسحنون وغيره من استثناء كلب الصيد والحراسة ونحو ذلك من الكلاب المدربة خدمة للعباد وتحقيقاً لمصالحهم. والله أعلم.
1 سورة المائدة: الآية 4.
2 المجموع للنووي 9/273.
3 زاد المعاد لابن القيم 4/248.
4 عارضة الأحوذي لابن العربي 5/278 – 279.