الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: حكم الخنزير وحكم بيعه وبيع شعره
المطلب الأول: حكم الخنزير
مذهب الحنفية: القول بنجاسة الخنْزير نجاسة عينية أي تتعلق بعينه.
فقد جاء في بدائع الصنائع: "
…
وأما الخنْزير فقد روي عن أبي حنيفة أنه نجس العين
…
"1. وجاء في البناية شرح الهداية: "
…
بخلاف الخنْزير لأنه نجس العين
…
"2.
فنص كتب الحنفية أن الخنْزير نجس في عينه وأنه رجس وأن الاتفاق في المذهب على هذا.
مذهب المالكية: اختلف فقهاء المذهب المالكي بشأن حكم الخنْزير من حيث الطهارة أو عدمها وذلك بناء على المبدأ السائد عندهم من أن كل حي طاهر، ولهذا فقد ذهب عامتهم إلى القول بطهارة الخنْزير والمتولد من عذرة ونحوها.
وخالف سحنون وابن الماجشون في هذا وقالا بنجاسة الخنْزير، وقال ابن عرفة إن أكثر فقهاء المذهب قد حملوا قول سحنون وابن الماجشون على نجاسة سؤرهما لا عينهما، ورجح أبو عمر القول بنجاسة كل السباع غير الخنْزير، أما الإمام القرافي3 فقد ذكر أن الخنْزير نجس العين لا يطهر حتى بالذكاة وأنه لا يطهر شيء منه بها.
فقد جاء في حاشية الدسوقي: "
…
والطاهر الحي وأل فيه استغراقية أي كل
1 الكاساني 1/63.
2 العيني 1/416.
3 هو الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله الصنهاجي المالكي القرافي المولود سنة 626?، كان إماما عالما في الأصول والفقه والتفسير وغيرها، وله كتاب الفروق – وتنقيح الفصول في علم الأصول وغيرها وتوفي رحمه الله بمصر سنة 684?. راجع: الديباج المذهب لابن فرحون 1/239.
حي بحرياً أو برياً متولداً من عذرة أو كلباً وخنْزيرا
…
"1. وجاء في التاج الإكليل: "والحي" ابن عرفة الحيوان طاهر وقول سحنون وابن الماجشون الخنْزير والكلب نجسان حمله الأكثر على سؤرهما، ورجح أبو عمر نجاسة غير الخنْزير"2. وجاء في الذخيرة: "
…
الذكاة مطهرة لسائر أجزاء الحيوان لحمه وعظمه وجلده
…
إلا الخنْزير
…
لأنه سوى بينه وبين الدم ولحم الميتة وهما لا يقبلان التطهير فكذلك هو"3.
فهذا النص يفيد أن الخنْزير نجس العين لا يطهر بالذكاة لحمه أو جلده أو عظمه.
فالمستفاد من نصوص المالكية: أن الخلاف حاصل في المذهب بشأن حكم الخنْزير، فيرى سحنون وابن الماجشون أن الخنْزير نجس العين، وهذا ما ذكره الإمام القرافي ورجحه، وإن كان البعض الآخر من المالكية قد نازع في نجاسة الخنْزير، وقال بطهارته بناء على أن كل حي طاهر عندهم، وإلى هذا ذهب ابن عرفة وقد حملوا قول سحنون وابن الماجشون على نجاسة السؤر خاصة.
مذهب الشافعية: يقولون بنجاسة الخنْزير، وادعى ابن المنذر الإجماع على نجاسة الخنْزير.
فقد جاء في المجموع شرح المهذب: "وأما الخنْزير فهو نجس
…
فإذا كان الكلب نجساً فالخنْزير أولى"4.
1 الدسوقي 1/50.
2 المواق 1/91.
3 القرافي 1/165.
4 النووي 2/586.
وفي مغنى المحتاج: "
…
ادعى ابن المنذر في كتاب الإجماع، إجماع العلماء على نجاسة الخنْزير"1.
فمذهب الشافعية: أن الخنْزير نجس العين، وأنه في هذا أولى كذلك من الكلب، فإذا كان الكلب نجساً، كان الخنْزير أولى بالحكم عليه بالنجاسة.
مذهب الحنابلة: الاتفاق على القول بنجاسة الخنْزير، وأن النجاسة متعلقة بعينه.
فقد جاء في الأنصاف: "
…
وقطع المصنف: أن نجاسة الخنْزير كنجاسة الكلب وهو الصحيح في المذهب وعليه الأصحاب"2.
وجاء في كشاف القناع: "والكلب والخنْزير نجسان"3.
فالحنابلة: متفقون على القول بنجاسة الخنْزير وأن هذه النجاسة تتعلق بعينة.
الموازنة: بمراجعة ما ذكره الفقهاء على اختلاف مذاهبهم بشأن حكم الخنْزير من حيث الطهارة أو عدمها يتضح أن خلاصة القول في هذا الخلاف تنتهي إلى مذهبين:
المذهب الأول: يرى أن الخنْزير نجس، وأن هذه النجاسة تتعلق بعينه، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية كسحنون وابن الماجشون والقرافي وأبي عمر.
المذهب الثاني: يرى أن الخنْزير طاهر، وأنه ليس بنجس العين، وذلك بناء على أن كل حي طاهر، وإلى هذا ذهب جمهور المالكية.
الأدلة: استدل أصحاب المذهب الأول القائلون بنجاسة عين الخنْزير:
أ- قوله تعالى: {.... أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} 4 فهذا القرآن العظيم
1 الشربيني 1/111.
2 المرداوي 1/294.
3 البهوتي 1/216.
4 سورة الأنعام: الآية 145.
يصف لحم الخنْزير بأنه رجس، وأما تخصيص اللحم بالذكر دون سائر الأجزاء فيوضحه الجصاص حين يقول: "
…
واللحم – وإن كان مخصوصاً بالذكر فإن المراد جميع أجزائه، وإنما خص اللحم بالذكر لأنه أعظم منفعته، وما يبتغى منه
…
كما نص على تحريم قتل الصيد على المحرم والمراد حظر جميع أفعاله في الصيد، وخص القتل بالذكر لأنه أعظم ما يقصد به الصيد، كقوله:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} 1.
فخص البيع بالنهي لأنه كان أعظم ما يبتغون من منافعهم والمعنى جميع الأمور الشاغلة عن الصلاة كذلك خص لحم الخنْزير بالنهي تأكيداً لحكم تحريمه وحظراً لسائر أجزائه فدل على أن المراد بذلك جميع أجزائه وإن كان النص خاصاً في لحمه"2.
ب- حديث أبي ثعلبة الخشني وفيه: "يا رسول الله: إن أرضنا أرض أهل الكتاب وإنهم يأكلون لحم الخنْزير ويشربون الخمر فكيف نصنع بآنيتهم وقدروهم، قال: " إن لم تجدوا غيرها فارحضوها3 بالماء
…
"
…
الحديث"4.
ج - القياس على الكلب لأنه أسوأ حالاً منه إذ إنه مندوب إلى قتله، ولا يجوز اقتناؤه بحال بخلاف الكلب الذي يجوز اقتناؤه للحاجة.
واستدل أصحاب المذهب الثاني القائلون بطهارة عين الخنْزير:
1 -
تمسكوا بإعمال القاعدة العامة المقررة من أن كل حي طاهر، وأن من هذا الخنْزير فهو طاهر في عينه.
2 – أن مراد من قال بنجاسته محمول على القول بنجاسة سؤره وليس بنجاسة عينه.
والراجح في هذا: هو ما عليه جمهور الفقهاء من القول بنجاسة عين الخنْزير وأنه
1 سورة الجمعة: الآية 9.
2 أحكام القرآن للجصاص 1/151.
3 ارحضوها: أي اغسلوها والرحض الغسل. راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/190
4 أخرجه البخاري في كتاب الذبائح باب صيد القوس بنحوه برقم 5161 من حديث أبي ثعلبة الخشني.