الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج – واستدل الشافعية: بأن الخنْزير نجس في عينه وهو رجس وقد ورد النهي عن ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وقال:"إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنْزير" وأن المعنى في المذكورات نجاسة عينها وأن الشرط عند الشافعية هو طهارة المعقود عليه وقسموا الأعيان النجسة إلى قسمين: أحدهما نجس في نفسه، ونجس بملاقاة النجاسة، وقالوا إن النجس في نفسه لا يجوز بيعه وعدوا من ذلك الخنْزير، فتقرر عندهم عدم جواز بيع الخنْزير للنجاسة والنهي صراحة عن بيعه.
د – أما الحنابلة فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بالنسبة لبيع الخنْزير بالحرمة من حيث كونه مبيعاً أو ثمناً وللنهي عن ذلك شرعاً.
الراجح في هذا: هو ما كان عليه إجماع أهل العلم وعامة الفقهاء على منع بيع الخنْزير بصرف النظر عن التعبير عن هذا أو وجه التعليل أو الاستدلال وأن هذا الحكم يسري بعمومه في حق المسلم والكافر على السواء، وأنه لا وجه للتفرقة بينهما عند بعض الحنفية لأن الكافر مخاطب بحكم التحريم فشمله القول بمنع بيع الخنْزير في حقه على نحو ما ذهب البعض الآخر من الحنفية وما عليه عامة فقهاء المذاهب المختلفة والله تعالى أعلم.
المطلب الثالث: حكم بيع شعر الخنزير
إن الإجماع قائم على منع بيع جميع أجزاء الخنْزير، ولكنهم اختلفوا في شعره.
مذهب الحنفية: اختلف فقهاء الحنفية بشأن بيع شعر الخنْزير، فمنهم من ذهب إلى جواز بيعه، لأنه حكم بطهارته، والصحيح في المذهب أنه لا يجوز بيعه، لأنه نجس تبعاً لأصله، لأن الخنْزير نجس العين، إلا أنه رخص في بيعه تبعاً للرخصة في استعماله للخرازين للضرورة، لأن عملهم لا يأتي إلا به.
"
…
وأما شعره فقد روي أنه طاهر يجوز بيعه، والصحيح أنه نجس لا يجوز بيعه، لأنه جزء منه، إلا أنه رخص في استعماله للخرازين1 للضرورة
…
"2.
1 الخرز: خياطة الأدم، والخراز صانع ذلك. راجع: لسان العرب لابن منظور 4/58.
2 بدائع الصنائع للكاساني 5/142.........الأصل أن يكون هنا=
"ولا يجوز بيع شعر الخنْزير، لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له، ويجوز الانتفاع به للخرز للضرورة، فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه
…
"1.
مذهب المالكية: يروى عن ابن القاسم جواز الانتفاع بشعر الخنْزير الوحشي، كصوف الميتة، وأنكر هذا بعض فقهائهم، لأن صوف الميتة إنما حل لأنه حلال منها وهي حية، وشعر الخنْزير ليس بحلال حياً ولا ميتاً، ولا يباع ولا يؤكل ثمنه.
"
…
وسمعت ابن القاسم يقول لا بأس ببيع شعر الخنْزير الوحشي وهو كصوف الميتة
…
وشعر الخنْزير ليس بحلال حياً ولا ميتاً ولا يباع، ولا يؤكل ثمنه، ولا تجوز التجارة فيه
…
"2.
فابن القاسم يرى أنه لا بأس ببيع شعر الخنْزير الوحشي، وأنه في هذا يشبه صوف الميتة، وذلك خلاف لما عليه أصل مذهب المالكية من منع ذلك البيع.
مذهب الشافعية: القول بمنع بيع شعر الخنْزير قياساً على منع بيع جملته وجميع أجزائه بإطلاق المنع من الاتخاذ والتناول وبالتالي منع البيع شامل لجميع أجزاء الخنْزير، شأن أصله وجملته في هذا المنع.
قال النووي: "أجمع المسلمون على تحريم شحمه أي الخنْزير ودمه وسائر أجزائه
…
"3.
وحرمة ذلك تقتضي منع بيعه واعتباره محلاً للتصرفات الأخرى، وهم في هذا اعتبروا أصل المنع في الخنْزير وسحبوا ذلك على جميع أجزائه، ومن هذه الأجزاء شعره ولا اعتبار لحالة ضرورة الخرز عندهم.
مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن أجزاء الخنْزير، نجسة تبعاً لنجاسة الخنْزير، لأن الخنْزير نجس العين عندهم، وأجزاء الحيوان تابعة لأصله سواء انفصلت عنه حال
1 الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني 6/425
2 مواهب الجليل للحطاب 4/262.
3 المجموع 9/275.
الحياة أو الموت، والنجس عندهم لا يجوز بيعه لأنهم يشترطون طهارة المبيع، وبناء على هذا لا يجوز عندهم بيع أجزاء الخنْزير ومنها الشعر.
قال ابن قدامة: "
…
وكل حيوان فشعره مثل بقية أجزائه، ما كان طاهراً فشعره طاهر، وما كان نجساً فشعره كذلك، ولا فرق بين حالة الحياة وحالة الموت"1.
واختلفت الرواية عن الإمام أحمد في الخرز بشعر الخنْزير، فروي عنه كراهة استعمال شعر الخنْزير في الخرز لكراهة استعمال العين النجسة، وبالتالي لا يجوز بيع شعر الخنْزير للخرز، وروي عنه جواز الخرز بشعر الخنْزير، وعليها يخرج صحة بيع شعر الخنْزير للخرز.
فقد جاء في المغني: "
…
واختلفت الرواية عن أحمد في الخرز بشعر الخنْزير، فروي عنه كراهته لأنه استعمال العين النجسة ولا يسلم من التنجيس بها فحرم الانتفاع بها كجلده
…
والثانية يجوز الخرز به
…
لأن الحاجة تدعو إليه"2.
الموازنة: بمراجعة ما قاله الفقهاء بشأن بيع شعر الخنْزير يتضح الآتي:
أن الحنفية: قد اختلفوا في هذا الخصوص: فمنهم من قال بجواز بيعه بناء على قولهم بطهارته غير أن الصحيح في المذهب القول بمنع بيع شعر الخنْزير لنجاسته بنجاسة أصله، وذكرت بعض كتبهم كالبدائع أنه يجوز بيعه للخرازين للضرورة.
المالكية: اختلف فقهاء المذهب بشأن بيع شعر الخنْزير، فروي عن ابن القاسم أنه يجوز بيعه خاصة ما إذا كان من الخنْزير الوحشي، وقال بأنه يجوز الانتفاع به، فجاز بيعه، وأنه في هذا مثل صوف الميتة، وهذا مخالف لما عليه أصل مذهب المالكية من القول بمنع بيعه، لأنه ليس بحلال حياً ولا ميتاً، فلا يباع ولا يؤكل ثمنه.
الشافعية: قالوا بمنع بيع شعر الخنْزير باعتبار منع أصله فكافة أجزاء الخنْزير مشمولة بمنع بيع ذات الخنْزير، ومن هذه الأجزاء شعره، وقالوا بعدم اعتبار حالة
1 المغني 1/81.
2 ابن قدامة 1/82.
ضرورة الخرز، فالاتفاق في المذهب الشافعي على منع بيع شعر الخنْزير.
الحنابلة: الأصل في مذهب الحنابلة منع بيع شعر الخنْزير لنجاسته بنجاسة أصله، وهو الخنْزير، وقالوا بأن شعر الحيوان مثل بقية أجزائه، فما كان طاهراً فشعره كذلك، وما كان نجساً فشعره نجس.
والخلاف فقط منحصر بشأن الخرز بشعر الخنْزير، وبالتالي بيعه لهذا الغرض. فالرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى مختلفة ففي رواية عنه: أن الخرز به مكروه لكراهة استعمال العين النجسة، وبالتالي كره بيعه لهذا الغرض، وعنه رواية أخرى، يجوز الخرز بشعر الخنْزير للضرورة، وبالتالي جاز بيعه لهذا الغرض ولذات العلة.
فخلاصة القول بشأن بيع شعر الخنْزير تتلخص في مذهبين:
المذهب الأول: يرى جواز بيع شعر الخنْزير، وذلك في قول عند الحنفية بناء على طهارته أو لضرورة الخرز به، وهو رواية عن ابن القاسم من المالكية لجواز الانتفاع به خاصة لو كان من الخنْزير الوحشي، وهناك رواية عن الإمام أحمد تجوز بيع شعر الخنْزير لضرورة الخرز.
المذهب الثاني: يرى منع بيع شعر الخنْزير، وهذا هو الصحيح في مذهب الحنفية، وما عليه أصل مذهب المالكية، وهو اتفاق مذهب الشافعية حتى لو كان في حالة ضرورة الخرز، وهو أصل مذهب الحنابلة، حتى ولو كان لضرورة الخرز.
الأدلة:
استدل القائلون بجواز بيع شعر الخنْزير: بأن شعره طاهر منتفع به ولهذا جاز بيعه تحقيقاً لمنافع العباد وأنه في هذا يشبه صوف الميتة المنتفع به.
واستدل القائلون بمنع بيع شعر الخنْزير: بأنه نجس بنجاسة أصله وهو الخنْزير وأن شعر الخنْزير ليس بحلال حياً ولا ميتاً وأنه لا يباع ولا يؤكل ثمنه ولا تجوز التجارة فيه وأن منع بيع شعر الخنْزير موافق لما يحقق إهانة الخنْزير، وهذا عند من لم يشترط طهارة المبيع، وعند من يرى ضرورة طهارة المبيع، فإنه يمنع لنجاسته بنجاسة أصله.
وبطبيعة الحال فإن بعض المانعين من بيع شعر الخنْزير استثنى حال ضرورة الخرز وقال بجواز بيعه لهذا الغرض إعمالاً لحالة الضرورة أو تحقيقاً لمنافع العباد.
والراجح:
ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة وأصل مذهب المالكية والصحيح من مذهب الحنفية من القول بمنع بيع شعر الخنْزير لنجاسته أو لعدم ماليته وإهانته وأنه لا ضرورة الآن في استعمال شعره في الخرز لوجود البدائل الكثيرة وهي أفضل وأمتن. والله تعالى أعلم.