الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المذهب الثاني: يرى حرمة بيع المموه بالذهب والفضة، وهذا ما قال به أصل مذهب المالكية والحنابلة، ومقابل الأصح عند الشافعية.
الأدلة: استدل كل فريق على ما ذهب إليه بنفس ما استدلوا به في أصل هذه المسألة، وهو ما قالوا به بشأن استعمال واستخدام المموه بالذهب والفضة باعتبار أن تلك المسألة أصل لما نحن بشأنه هنا تأصيلاً واستدلالاً.
الراجح في هذا: تأصيلاً على ما سبق يتضح رجحان ما ذهب إليه أنصار المذهب الأول من القول بحل وإباحة بيع المموه بالذهب، بناء على كونه يسيراً ولا أثر له، وباعتبار أن الراجح في أصل الخلاف هو إباحة الاستعمال لهذا المموه، والله تعالى أعلم.
المطلب السابع: حكم اتخاذ خاتم وساعة الذهب المعدين للرجال واستعمالهما
اتفق الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن تحلي الرجال بالذهب حرام، وأن التحلي والتزين بالذهب خاص بالنساء، وبناء على هذا فإذا كان الذهب يصاغ أو يصنع ليلبسه الرجال خاصة فإنه يحرم لبسه وكذا يحرم بيعه كالخواتم الذهبية الخاصة بالرجال المعروفة عند الصاغة.
مذهب الحنفية: النص على كراهية التزين بالذهب بالنسبة للرجال، وهو يشمل كالتختم ونحو ذلك كلبس ساعة من ذهب ونحوها.
فقد جاء في بدائع الصنائع: "
…
يكره للرجال التزين بالذهب كالتختم ونحوه ولا يكره للمرأة
…
"1.
مذهب المالكية: عدم جواز تختم الرجال بالذهب وكذا التختم بالنحاس والحديد ونحو ذلك.
جاء في مواهب الجليل: "
…
مسألة التختم بالذهب
…
لا يجوز – قال البرزلي المنقول أن الذهب لا يجوز، واختلف إذا كان فيه مسمار ذهب، وأما النحاس والحديد
1 الكاساني 5/132 – 133.
فمكروه، حكاه ابن رشد وغيره، ومثل ذلك القزدير والرصاص، وأخذ من قوله "التمس ولو خاتماً من حديد" الجواز
…
وخاتم الفضة مستحب، ويستحب جعله في اليد اليسرى "قلت" عن بعض الأوائل كراهته إلا لضرورة الطبع كما اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاء المسلمين بعده، وقال شيخنا الفقيه الإمام وهذا إذا اتخذ للسنة، وأما اليوم فلا يفعله غالباً إلا من لا خلاق له، أو يقصد به غرض سوء، فأرى أنه لا يباح لمثل هؤلاء اتخاذه، لأنه زينة لمعصية، أو لمباهاة، لا لقصد حسن
…
"1.
فمذهب المالكية: أن التختم بالذهب للرجال لا يجوز، ولو أن النص لم يخص الرجال بالذكر فإن هذا مفهوم من الأصل العام من إباحة تزين المرأة بالذهب ونحوه، فالكلام يخص الرجال هنا، والحكم خاص بهم دون النساء من الأمة.
مذهب الشافعية: أنه يحرم على الرجال التزين بالذهب باعتبار الأصل في المسألة وهو المنصوص عليه شرعاً وأنه لم يبح هذا إلا للنساء فقط دون الرجال، وعلى هذا فالتختم بالذهب هو الآخر مشمول بذات الحكم وهو الحرمة.
ففي مغني المحتاج: ".. ويحرم على الرجال حلي الذهب ولو في آلة الحرب
…
"2.
مذهب الحنابلة: حرمة التختم بالذهب للرجال، حتى ولو كان ذلك يسيراً، وأن هذا على عكس التختم بغير الذهب.
ففي كشاف القناع: "
…
وكذلك يباح فص الخاتم جوهره ولو بلغ ثمنها مهما بلغ، ويحرم ذهباً ولو كان يسيراً"3.
الموازنة: بمراجعة ما قاله الفقهاء بالنسبة لتختم الرجال بالذهب نجد أن عامة أهل العلم وكافة الفقهاء يرون منع تختم الرجال بالذهب، وأن هذا لم يبح سوى للنساء، وأن جمهورهم عبر عن هذا بالحرمة، في حين أن الحنفية قد عبروا عنه
1 الحطاب 1/126 – 127.
2 الشربيني 1/530.
3 البهوتي 1/63.
بالكراهة، ولعل قصدهم بهذا هو الكراهة التحريمية القريبة في تدرجها الشرعي من التحريم، وهكذا يتقرر أن جمهور الفقهاء يرون أن تحلي الرجال بالذهب محرماً شرعاً وذلك على سبيل الإطلاق سواء.
كان ذلك في التختم أم في غير ذلك وسواء كان في ذلك كثيراً أم كان قليلاً وقد استندوا في هذا إلى ما يأتي:
1 – ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم"1.
2 – ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن خاتم الذهب"2.
3 – ما روي عن عمران بن حصين قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب"3.
4 – ما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل، فنَزعه وطرحه وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيطرحها في يده" فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم"4.
1 الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/394، والترمذي برقم 1720 وقال حديث حسن صحيح، والنسائي برقم 5148 من حديث أبي موسى رضي الله عنه، قال الحافظ ابن حجر في الفتح 10/296: وأعله ابن حبان وغيره بالانقطاع وأن رواية سعيد بن أبي هند لم تسمع من أبي موسى. اهـ. لكن له شواهد، منها حديث علي رضي الله عنه أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم، قال علي بن المديني حديث حسن ورجاله معروفون. اهـ. خلاصة البدر المنير1/26، وحديث مسلمة بن مخلد أخرجه أحمد والطحاوي وصححه، قال الحافظ: إسناده حسن، وراجع: نصب الراية للزيعلي 4/222-224، التلخيص الحبير 1/52-54.
2 أخرجه البخاري برقم 5526، ومسلم برقم 2089.
3 أخرجه الترمذي برقم 1538، والنسائي في الكبرى 5/148 برقم 9500 وفي الصغرى برقم 1587، وابن حبان في صحيحه 12/227، والنهي عن التختم بالذهب رواه مسلم برقم 2078.
4 الحديث أخرجه مسلم برقم 2090.