الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستعمال
…
ويحرم استعمال الآنية مطلقاً في الشرب والأكل وغيرهما، لأن النص ورد بتحريم الشرب والأكل وغيرهما في معناهما
…
"1.
1 ابن قدامة 1/75 – 77.
المطلب الثاني: حكم بيع أواني الذهب
مذهب الحنفية: لم تنص كتب الحنفية التي اطلعت عليه صراحة على حكم بيع أواني الذهب والفضة1 مكتفية بما تقرر في شأن اتخاذ هذه الأواني، وبما ورد في شأن بيع الذهب بالذهب، أو بيع الذهب بالفضة والعكس. وبناء على هذا فحكم بيع أواني الذهب والفضة مخرج على هذين الأمرين، وحيث كان حكم اتخاذ هذه الأواني في المذهب الحنفي على نحو ما سبق هو الحرمة مطلقاً أي فيما يتعلق بأواني الذهب والفضة، وبالنسبة للرجال والنساء على السواء، فإن حكم بيع هذه الأواني يكون هو الآخر على الحرمة وذلك لعدم كسر قلوب الفقراء، ولعدم التأثير على صرف النقدين المحتاج إليهما في التعامل بين الناس.
مذهب المالكية: القول بحرمة بيع أواني الذهب والفضة تخريجاً على قولهم بحرمة اتخاذ واستعمال مثل هذه الأواني في الأكل والشرب ونحو ذلك، بمراعاة أن معظم ما طالعته من كتب المالكية لم تتعرض صراحة لمسألة بيع هذه الأواني، وإن كانت بعض هذه الكتب قد ذكرت أن بعض المالكية يرى أنه إن كانت صنعة الإناء لا يقابلها شيء من العوض فإن البيع يصح، وإلا فإن البيع يكون على المنع وهذا ما ذكره ابن دقيق العيد2.
فقد جاء في مواهب الجليل: "
…
وبحث فيه الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد بأنه إن كان لا يقابل الصنعة شيء من العوض فظاهر -أي يصح البيع، وإن كان مع
1 بدائع الصنائع للكاساني، والهداية للمرغيناني، وشرح فتح القدير لابن الهمام وغيرهما.
2 هو العلامة تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع المالكي المولود سنة 625? وتفقه على والده كما تفقه أيضا على العز بن عبد السلام وولي قضاء مصر وتوفي رحمه الله تعالى سنة 702?. راجع: أعلام العرب للرجيلي 2/115، وشذرات الذهب لابن عماد الحنبلي 6/5.
المقابلة فلا يسلم هذا الحكم- أي لا يصح البيع
…
"1.
مذهب الشافعية: اختلف فقهاء الشافعية بشأن حكم بيع آنية الذهب والفضة، وذلك كأثر لاختلافهم فيما سبق بشأن حكم اتخاذ واقتناء مثل هذه الآنية، حيث ذكرت معظم كتب الشافعية أنه ينبغي أن يبني البيع على الاتخاذ، وقالوا إن جوزناه – أي الاتخاذ – صح البيع وإن حرمناه -أي الاتخاذ- حرم البيع.
فقد جاء في المجموع: "
…
إذا باع إناء ذهب أو فضة، قال القاضي أبو الطيب2 البيع صحيح، لأن المقصود عين يصح بيعها، هكذا أطلق القاضي هنا، ونقل أبو علي البندنيجي3 في جامعه هنا اتفاق الأصحاب عليه، وينبغي أن يبنى على الاتخاذ، فإن جوزناه صح البيع، وإن حرمناه كان حكمه حكم ما إذا باع جارية مغنية تساوي ألفاً بلا غناء، والفين بسبب الغناء
…
"4.
فمذهب الشافعية: على الخلاف في حكم هذا البيع، فالقاضي أبو الطيب يطلق القول بصحة بيع آنية الذهب والفضة، وقد تقرر الخلاف في إشارة الإمام النووي إلى أن القول في البيع مترتب على القول في الاتخاذ، وحيث كان الآخر محل خلاف، كان ذلك الخلاف سارياً هنا، كذلك بين قائل بالصحة، وبين قائل بالكراهة، وهؤلاء مختلفون بطبيعة الحال بشأن تكييف ووصف هذه الكراهة بين الكراهة التحريمية والكراهة التنْزيهية.
مذهب الحنابلة: القول بحرمة بيع أواني الذهب والفضة، بناء على أن مذهبهم
1 الحطاب 1/128.
2 هو طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري أبو الطيب القاضي، فقيه أصولي جدلي من أعيان الشافعية ولد في آمل طبرستان واستوطن بغداد من مصنفاته "شرح مختصر المزني" و"جواب في السماع والغناء" توفي رحمه الله تعالى ببغداد سنة 450 ?. راجع: الأعلام للزركلي 3/222، وطبقات الشافعية للأسنوي 2/58.
3 هو الحسن بن عبيد الله أبو علي البندنيجي، الفقيه القاضي، تفقه على أبي حامد الاسفرائيني، صاحب التعليقة المشهورة عنه والمسماة بالجامع. توفي ببلدة البندنيجين عام 425?. راجع: طبقات الشافعية للأسنوي 1/96.
4 النووي 1/309.
حرمة الاستعمال، وأن هذا ماعليه نص المذهب الحنبلي، وما عليه الأصحاب، وأن أكثرهم قطع به، ولم يخالف في هذا سوى أبي الحسن التميمي حيث قال بكراهية البيع تخريجاً على كراهية الاستعمال.
فقد جاء في حاشية ابن القاسم على الروض المربع: "
…
يحرم تحصيلها بنحو شراء أو إيهاب ولو لم يقصد الاستعمال
…
"1.
فما عليه أصل المذهب الحنبلي هو حرمة بيع أواني الذهب والفضة مطلقاً، بصرف النظر عن الغرض من اقتنائها واتخاذها.
الموازنة: بمطالعة نصوص الفقهاء بشأن حكم الشرع فيما يتعلق ببيع أواني الذهب والفضة يتضح الآتي:
1-
أن مذهب الحنفية، وكذا جمهور المالكية، وبعض الشافعية، وما عليه أصل مذهب الحنابلة، هو القول بحرمة بيع آنية الذهب والفضة ترتيباً على حرمة الاتخاذ والاستعمال لهذه الأواني.
2-
أن بعض الشافعية ممن قال بجواز الاتخاذ لهذه الأواني، يقول هنا بصحة البيع، ومن هؤلاء القاضي أبو الطيب، ترتيباً على صحة وجواز اتخاذ آنية الذهب والفضة، وذكرت بعض كتب الشافعية أن هذا اتفاق الأصحاب.
3-
أن بعض الشافعية يرى كراهية بيع هذه الأواني، مع خلاف في وصف وتكييف هذه الكراهية، بين قائل بأنها تحريمية، وقائل بأنها تنْزيهية، وأن القول بالكراهة هو ما عليه أبو الحسن التميمي الحنبلي.
فالمسألة تخلص في مذاهب ثلاثة:
الأول: حرمة بيع أواني الذهب والفضة مطلقاً، سواء كان ذلك للرجال والنساء، وسواء كان للأكل أو الشرب أو غيرهما، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء.
الثاني: صحة بيع أواني الذهب والفضة، بناء على القول بجواز اتخاذها، وهذا ما
1 ابن القاسم 1/103.
عليه بعض الشافعية كأبي الطيب.
الثالث: كراهية بيع أواني الذهب والفضة، وهذا ما عليه بعض الشافعية، وهو قول أبي الحسن التميمي من الحنابلة.
الأدلة: استدل القائلون بحرمة بيع أواني الذهب والفضة بنفس ما استدلوا به على حرمة اتخاذ هذه الأواني على نحو ما سبق، خاصة وأن أغلب أقوالهم بحرمة البيع جاءت تخريجاً على حرمة ما قالوه بالنسبة للاتخاذ والاستعمال.
وتمسك أبو الطيب الشافعي ومن وافقه -فيما ذهبوا إليه من القول بصحة بيع آنية الذهب والفضة- بأن هذه الأواني تعتبر عيناً يصح بيعها، بناء على صحة اتخاذها واستعمالها، حيث تقرر عند هؤلاء أن ما صح اتخاذه صح بيعه، بل إن هذا يعد أصلاً عاماً تأكد تقريره، ولما كان مذهبهم إنما هو جواز الاستعمال والاتخاذ، كان قولهم هنا هو صحة بيع هذه الأواني.
أما من قال بالكراهة كأبي الحسن التميمي فقد تمسك بنفس ما استند إليه الجمهور القائلون بحرمة بيع هذه الآنية، غير أنهم سلكوا مسلكاً خاصاً بهم يخدم دعواهم ووجهوا هذه الأدلة بما يقف عند حد الكراهية وعدم بلوغ الحكم درجة الحرمة الشرعية.
والراجح في هذا: هو القول بعدم صحة بيع أواني الذهب والفضة مطلقاً على نحو ما ذهب إليه الجمهور، وذلك تأسياً على ما ترجح من القول بحرمة الاتخاذ والاستعمال لهذه الآنية في الأكل والشرب ونحوهما، فضلاً عن قوة ما استدلوا به، كما أن جواز البيع سيؤدي غالباً إلى الاتخاذ والاستعمال المحرمين فكان ما أدى إليه هو البيع محرماً هو الآخر سداً لذريعة المفاسد فيما بين الناس. والله تعالى أعلم.