الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله عنها، ولأن الإنسان يخلق منه كالتراب الذي هو أصل خلق الإنسان، فلو كان نجساً لكان ذلك مخالفاً لقول الله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} 1 ولزم منه نجاسة جسد الإنسان، لأن ما تكون من نجس فهو نجس، وأما خروجه من مجرى البول فلثخونته لا تتخلله النجاسة، وما أصابه من مجرى البول قليل والقليل معفو عنه. والله تعالى أعلم.
1 سورة الإسراء: الآية 70.
المطلب الثاني: حكم بيع المني
لا شك أن الطريق الطبيعي الذي جعله الله سبحانه للاستيلاد إنما هو الاستيلاد الطبيعي، وأن الزواج الشرعي هو الوعاء للجنس والإنجاب، فالتناسل يتم بالتقاء الذكر بالأنثى حيث قال الله سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} 1 وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} 2 وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} 3 وقد جعل سبحانه وتعالى التقاء الذكر بالأنثى وسيلة لاستبقاء النوع الإنساني، ولذا فإنه شرع النكاح، ورغب فيه، فقال سبحانه:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 4.
وقال صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر
1 سورة الحجرات: الآية 13.
2 سورة النساء: الآية 1.
3سورة الرعد: الآية 38.
4 سورة الروم: الآية 21.
وأحصن للفرج" 1.
وقال صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" 2وقال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"3.
هذا والوقاع من المقاصد الرئيسية في الزواج لأنه لا يتم التناسل والتكاثر وحفظ النوع إلا به، ولا يتم تحصين الفرج وحفظه من الوقوع في الفواحش إلا عن طريقه، ولا تتم الألفة والمحبة ودوام العشرة بين الزوجين إلا بواسطته، حيث قال سبحانه:{وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} 4 والوقاع يعمق بين الزوجين السعادة الزوجية ويوثق الرباط بينهما5.
ومن المقرر المعلوم أن المني سواء كان من الذكر أو من الأنثى إنما له غاية واحدة كونه مادة خلق الإنسان، وأن الشرع قد حدد طريقاً واضحاً متفقاً عليه في الاستيلاد وهو النكاح أو ملك اليمين، وأن الله قد حرم الزنا وجعله من الكبائر للمحافظة على الأنساب وعدم اختلاطها، وأن الشرع قد شرع الملاعنة بين الزوجين في حالة أن يتهم الرجل زوجته بالزنا، وذلك لأجل أن لا ينسب الولد إليه في حالة حمل المرأة من الزنا الذي اتهمت به، فمن هنا جاء تحريم بيع المني تحريماً أكيداً.
بناء على أن مشيئة الله قد اقتضت وجود العقم في بعض بني آدم رجالاً أو نساءً
1 الحديث متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أخرجه البخاري كتاب الصوم باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة برقم 1806، ومسلم كتاب النكاح باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة واشتغال من عجز عن المؤنة بالصوم برقم 1400.
2 أخرجه الإمام أحمد في المسند 3/158، 245، وابن حبان في صحيحه 9/363، من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه، وأخرجه أبو داود في السنن كتاب النكاح باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء برقم 2050، والحاكم في المستدرك 2/176 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وابن حبان في صحيحه 9/338، من طريق معقل بن يسار، وصححه الشيخ الألباني، راجع: إرواء الغليل للألباني رقم 1784، والمشكاة للتبريزي بتحقيق الألباني رقم 3091.
3 الحديث أخرجه مسلم في الصحيح كتاب الرضاع باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة برقم 1467.
4 سورة البقرة: الآية 187.
5 الطبيب أدبه وفقهه للدكتور زهير السباعي والدكتور محمد البار، صفحة 338.
ولا خلاف بين فقهاء المسلمين أنه يندب العلاج من عدم الإخصاب أو ما يعرف باسم العقم.
وفي زماننا استجدت طرق حديثة في علاج العقم، وقد حدث بسبها جدال كثير وقف معه الطبيب والمريض المسلم حائرين بين متابعة ما قدمته التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال وبين ما تسمح به الشريعة الإسلامية، ومن هذه الصور:
التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب: كما نعلم أن هذه الطريقة الحديثة قد أثارت جدلاً كبيراً بين الحظر والإباحة، وبالرجوع إلى مصادر التشريع الإسلامي لم نجد حكماً صريحاً حول هذا الموضوع، كما أن الفقهاء القدامى لم يتعرضوا له بالبحث، ولم يذكروه في كتبهم إلا ما عرف عند الشافعية باسم "الاستدخال" أي استدخال المني وهو حقن ماء الرجل في قبل المرأة، وهو حلال عندهم بشرط وجود ما يمنع الاتصال المباشر بين الزوجين، أما إذا قام بالزوج مانع يحول دون اتصاله بزوجته على الوجه المشروع كان له أن ينقل ماءه إليها بأية وسيلة أخرى متى كان المني من الزوج إلى زوجته فهذا حلال شرعاً، أما إذا كان الاستدخال بطريق غير مشروع فإنه يكون محرما ولا تثبت العدة، وذلك كما لو أولج زانيا ثم نزع فأمنى فاستدخلته زوجته في قبلها2.
فقد جاء في كلام الفقهاء الأقدمين: "إن الحمل قد يكون بإدخال الماء للمحل دون اتصال، أما إذا كان الاستدخال بطريق غير مشروع كما لو أولج زانياً ثم نزع فأمنى فاستدخلته زوجته فإنه لا عدة ويكون محرماً في هذه الحالة"3.
فهذا النص على إطلاقه يفيد أنه لا عدة على المزني بها طالما أن الزنا حصل
1 سورة الشورى: الآيتان 49 – 50.
2 مدى مشروعية التصرف في جسم الآدمي للدكتور أسامة السيد عبد السميع صفحة 208.
3 نهاية المحتاج للرملي 7/127.
بدون إنزال، وأن الاستدخال على هذا النحو المحرم بسبب وسيلة الإنزال وهو الزنا يكون محرماً شرعاً حتى لو كان الاستدخال في قبل الزوجة.
فقد صدر عن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الثالث بعمان بتاريخ 8/صفر/1407? الموافق 11/10/1986م وبعد التداول تبين للمجلس أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه الأيام هي سبع:
الأولى: أن يجري تلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع اللقيحه في رحم زوجته.
الثانية: أن يجرى التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبييضة الزوجة ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم الزوجة.
الثالثة: أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها.
الرابعة: أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبييضة امرأة أجنبية وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
الخامسة: أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى.
السادسة: أن تؤخذ نطفة من زوج وبيضة من زوجته ويتم التلقيح خارجياً ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
السابعة: أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحاً داخلياً.
وقد قرروا بهذا أن الطرق الخمسة الأولى كلها محرمة شرعة وممنوعة منعاً باتاً لذاتها أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة وغير ذلك من المحاذير الشرعية. أما الطريقان: السادس والسابع فقد رأى مجلس المجمع أنه لا حرج من
اللجوء إليهما عند الحاجة مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة1.
وكما صدرت فتوى دار الإفتاء المصرية في موضوع التلقيح الصناعي في الإنسان وأطفال الأنابيب2. وقد قررت هذه الفتوى الملامح الآتية:
أولاً: المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التي استهدفتها أحكام الشريعة الإسلامية ولذا شرع النكاح وحرم السفاح والتبني.
ثانياً: الاختلاط المباشر بين الرجل والمرأة هو الوسيلة الوحيدة التي يتم بها إفضاء كل منهما بما استكن من جسده وأنه لا يعدل عنها إلاّ لضرورة.
ثالثاً: التداوي جائز شرعاً بغير المحرم، بل قد يكون واجباً إذا ترتب عليه حفظ النفس وعلاج العقم وأحد الزوجين.
رابعاً: تلقيح الزوجة بمني زوجها دون شك في استبداله أو اختلاطه بمني غيره من إنسان أو مطلق حيوان، جائز شرعاً.
خامساً: تلقيح بويضة امرأة بمني رجل ليس زوجها، ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل صاحب هذا المني حرام ويدخل في معنى الزنا.
سادساً: أخذ بويضة الزوجة التي لا تحمل وتلقيحها بمني زوجها خارج رحمها "أطفال الأنابيب" وإعادتها بعد إخصابها إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال أو خلط بمني إنسان آخر أو حيوان لداع طبي وبعد نصح طبيب حاذق بتعيين هذا الطريق بهذه الصورة بهذه الضوابط جائزة شرعاً.
بناءً على ما سبقت الإشارة من أحكام شرعية وفتاوى فقهية فإنه يحرم بيع المني والتصرف فيه، لأن هذا سبيل إلى المحرم وهو اختلاط الأنساب وإشاعة الفاحشة بين الناس.
ولهذا فإن وسائل الاستيلاد المستحدثة من الأمور التي تمجها النفوس السليمة
1 مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدورة الثالثة العدد الثالث الجزء الأول 1408 ?- 1987 م.
2 مجلة الأزهر الجزء العاشر السنة الخمسون 1403?-1983م صفحة 1432-1433.
وترفضها النظرة السليمة، لأنها تفقد كل مزايا الوقاع الطبيعي خاصة وأنها قد تؤدي إلى اختلاط الأنساب المحرم.
وأن من جوز بعض هذه الوسائل قد احتاط كثيراً بوضع العديد من الضوابط اللازمة لذلك، وقد فطن لهذا علماء الإسلام حتى إنهم قد احتاطوا كثيراً عندما تكلموا عن التلقيح الصناعي الداخلي أو الخارجي، ووضعوا له الشروط المهمة، حرصاً على الأنساب من الاختلاط، وسداً لذريعة الزنا المقنع، فكان لا بد أن يكون ذلك بين الزوجين، وأثناء قيام الزوجية، ودون تدخل طرف ثالث في هذا، وأن تتم العملية في وجود الزوج نفسه، وأن يمنع الاحتفاظ بالمني من الزوج منعاً باتاً، ولا يسمح بقيام ما يسمى بنوك المني لأي سبب من الأسباب خاصة وأن كل نوع من نوعي التلقيح الصناعي له مخاطره ومحاذيره1. والله أعلم.
1 الطبيب أدبه وفقهه صفحة 337 – 338.