الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قياسه على النرد، لأن التعويل في النرد على ما يخرجه الكعبان، فهو كالأزلام، أما التعويل في الشطرنج فهو على الفكر والتأمل، وأنه ينفع في تدبير الحرب 1 وأنه ما كره إلا لأنه لعب لليهود، ولأنه عبث ولهو، حتى في حالة عدم المقامرة المحرمة.
واستدل القائلون بجواز اللعب بالشطرنج: بأنه يؤدي إلى تشحيذ الخواطر وتذكية الأفهام فضلاً عن أن هذا الجواز مقيد بكون اللعب بالشطرنج غير مؤد إلى ترك واجب أو لهو عن عبادة وطالما كان مع نظير.
والذي يترجح لدي: هو القول بحرمة اللعب بالشطرنج على التفصيل الآتي:
1-
إذا كان اللعب على وجه القمار.
2-
وإذا كان على غير قمار، ولكنه يفُضي إلى محرم كتأخير الصلاة، وتلفظ بكلام فاحش أو إثارة عداوة أو بغضاء أو دوام عليه، والله تعالى أعلم.
1 المجموع للنووي 9/244، وقليوبي وعميره 4/319.
المطلب الثاني بيع الشطرنج
مذهب الحنفية: اختلف فقهاء المذهب الحنفي بشأن بيع الشطرنج وذلك على ما سبق بالنسبة لبيع آلات الملاهي كالنرد.
فيرى الإمام أبو حنيفة جواز بيع الشطرنج مع الكراهة، وأن هذا هو الصحيح في المذهب الحنفي، وذلك خلافاً لما ذهب إليه كل من أبي يوسف ومحمد من أنه يمتنع بيع الشطرنج وأن هذا البيع لا ينعقد.
فقد جاء في بدائع الصنائع: ".... ويجوز بيع آلات الملاهي من البربط والطبل والمزمار والدف ونحو ذلك عند أبي حنيفة، لكنه يكره، وعند أبي يوسف ومحمد لا ينعقد بيع هذه الأشياء
…
ومع هذا الخلاف بيع النرد والشطرنج والصحيح قول أبي حنيفة رضي الله عنه"2.
فالمستفاد من هذا النص: أن الإمام أبا حنيفة صحح بيع آلات اللهو والشطرنج
1 المجموع للنووي 9/244، وقليوبي وعميره 4/319.
2 الكاساني 5/144.
والنرد مع الكراهة، أما صاحبا الإمام أبو يوسف ومحمد فيريان عدم انعقاد بيع هذه الأشياء، والصحيح هو قول الإمام.
مذهب المالكية: القول بأن بيع الشطرنج ممنوع، باعتبار أن بيع النرد عندهم كذلك، فمن باب أولى بيع الشطرنج، وقد نص الإمام مالك على أن كراهية اللعب بالشطرنج أشد كراهة من اللعب بالنرد، وبيع النرد ممنوع، فمن باب أولى منع بيع الشطرنج فضلاً عن كونه من آلات اللهو التي نص على عدم صحة بيعها.
فقد جاء في الشرح الكبير: ".... وبيع النرد وطنبور ومزمار ونحوها من جميع آلات الملاهي مسقط للشهادة...."1.
مذهب الشافعية: لم أجد نصاً صريحاً في كتب الشافعية فيما اطلعت عليه يعالج مسألة بيع الشطرنج سوى ما أشار إليه صاحب مغني المحتاج، والذي يفيد أن بيع الشطرنج صحيح مع الكراهة، فقد ورد فيه وهو يتحدث عن بيع النرد قوله:".... ولا يصح بيع النرد إلا إن صلح بيادق للشطرنج فيصح مع الكراهة كبيع الشطرنج...."2.
مذهب الحنابلة: القول بعدم صحة بيع الشطرنج، وقد نصت كتبهم على هذا صراحة، وذكروا أنه في هذا شأنه شأن النرد وجميع آلات اللهو كالمزمار والطنبور ونحوهما.
فقد جاء في كشاف القناع: "ولا يصح بيع آلة لهو كمزمار وطنبور ومنها النرد والشطرنج"3.
الموازنة: بمراجعة ما ذكره الفقهاء بشأن حكم بيع الشطرنج يتضح لنا ما يلي:
أن ما عليه مذهب الحنفية: هو أن بيع الشطرنج جائز مع الكراهة، خلافاً لما قال به الصاحبان أبو يوسف ومحمد من أن بيع الشطرنج لا ينعقد أصلاً.
1 الدردير 4/182.
2 الشربيني 2/17.
3 البهوتي 4/1386.
أن المالكية: يرون منع بيع الشطرنج باعتبار أن بيع النرد ممنوع، ولما كان الإمام مالك قد اعتبر أن لعب الشطرنج أشد كراهة من لعب النرد فكأن الشطرنج أولى بمنع بيعه من النرد.
أن الشافعية: يرون صحة بيع الشطرنج مع الكراهة.
أن الحنابلة: يرون عدم صحة بيع الشطرنج.
وبناء عليه: فالمذاهب في حكم بيع الشطرنج تنتهي إلى مذهبين:
المذهب الأول: يرى منع بيع الشطرنج، وهذا ما عليه الحنابلة والمالكية، وهو مذهب كل من أبي يوسف ومحمد من الحنفية، حيث إنهما يريان عدم انعقاد البيع، وهذا القول يترتب عليه بطلان البيع.
المذهب الثاني: يرى صحة بيع الشطرنج مع الكراهة، وهذا ما عليه الإمام أبو حنيفة وما عليه الشافعية.
الأدلة: استدل كل فريق على ما ذهب إليه بنفس ما استدل به بشأن بيع آلات الملاهي
–عامة- على نحو ما سبق بيانه في حينه، وقد تم سحب هذه الأدلة على حكم بيع النرد، وكذا هنا على حكم بيع الشطرنج، فالأدلة هي هي، ووجه تعليل كل قول ومنهجه في عرض استدلاله يسري هنا حيث لا فرق.
والذي يترجح لدي: هو القول بمنع بيع آلة الشطرنج، لأن هذا هو الأحوط والأسلم في الدين، والله تعالى أعلم.
وبالنسبة لما سوى النرد والشطرنج من الألعاب الملهية المنتشرة في زماننا، فورق اللعب المعروف "بالكوتشينة" تنعدم فيه المقاصد الشرعية من الترويح والترفيه، فلا توجد بها مهارة جهادية، ولا خبرة علمية، ولا فائدة اجتماعية، ولا استراحة نفسية تهدأ فيها الأعصاب وترتاح بها النفوس، وهي لعبة مجردة من كل خير، بل فيها محض هرج، وجدل، وقتل وقت، ترتكز على التخمين، فشابهت النرد، وتفضي إلى الخصام والشجار فشابهت الخمر والقمار.
وقد أفتى بهذا فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين1 رحمه الله من الفقهاء المعاصرين بالمملكة العربية السعودية وذلك بناءً على إفضائها إلى العداوة والبغضاء، والإلهاء الشديد والصد عن ذكر الله، وضياع الأوقات وتفويتها في غير طاعة الله2.
وبناءً على هذا: فإن الكوتشينة حرام في تناولها باللعب والبيع، لأنها تعتمد على ما يقع في يد اللاعب من ورق أو صور معينة فأساسها الحرز والتخمين.
فلينتبه المسلمون إلى هذا الخطر العظيم حيث إنها منتشرة في المقاهي والبيوت، وتباع في كثير من المحلات، وإذا رغب الإنسان في الترويح عن نفسه فهناك الكثير من المباحات الكثيرة والبعيدة والآمنة من الفتن كجلسات السمر البريئة من الكذب والخداع مع الأهل والأصدقاء وغير ذلك، ولو تأمل الإنسان المسلم لوجد حاجته وتسليته بعيداً عما يغضب الله تعالى، وهو سبحانه أعلم.
1 هو محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين المقبل الوهيبي التميمي أبو عبد الله، ولد في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم من عائلة معروفة بالتدين والاستقامة فنشأ في كنفها وتتلمذ على بعض أفراد عائلته، وممن أخذ عنهم العلم العلامة/ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، فتعلم وعلّم، ثم تصدر للتدريس والفتيا، توفي رحمه الله تعالى ودفن بمكة المكرمة سنة 1421?. راجع: ابن عثيمين الإمام الزاهد للدكتور/ناصر الزهراني.
2 فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين 2/933.