الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللعب بالنرد يؤدي إلى التخاصم والتباغض والتشاحن والفتن بدون غاية أو هدف أو نتيجة مرجوة منه سوى الشر والعواقب الوخيمة التي نهانا عنها الإسلام، فضلاً عن أنه مبني على التخمين، وفيه تضييع للوقت والعمر بدون فائدة تعود على المسلم لا في دينه ولا في دنياه والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني: حكم بيع النرد
مذهب الحنفية: اختلف فقهاء المذهب الحنفي بالنسبة لحكم بيع النرد ترتيباً على نفس الحكم بالنسبة للاقتناء والاتخاذ، بين الإمام أبي حنفية المجوز لهذا البيع مع الكراهة، وبين كل من أبي يوسف ومحمد بن الحسن حيث قالا بعدم إمكان انعقاد هذا البيع.
فقد جاء في بدائع الصنائع: "وعلى هذا الخلاف1 بيع النرد والشطرنج والصحيح قول أبي حنيفة، لأن كل واحد منهما منتفع به شرعاً من وجه آخر بأن يجعل صنجات الميزان فكان مالاً من هذا الوجه فكان محلاً للبيع مضموناً بالإتلاف
…
"2
فمذهب الحنفية: بالنسبة لبيع النرد، فأبو حنيفة رحمه الله على القول بجواز ذلك البيع مع الكراهة، خلافاً لما عليه أبو يوسف ومحمد من القول بعدم انعقاد مثل ذلك البيع، وأن كتب الحنفية مثل بدائع الصنائع قد صححت ما قال به الإمام من جواز ذلك البيع مع الكراهة.
1 أي الخلاف في بيع آلات اللهو لدى الحنيفة، ففي بدائع الصنائع للكاساني "ويجوز بيع آلات اللهو من البربط والطبل والمزمار والدف ونحو ذلك عند أبي حنيفة لكنه يكره، وعند أبي يوسف ومحمد لا ينعقد بيع هذه الأشياء لأنها آلات معدة للتلهي بها موضوعة للفسق والفساد فلا تكون أموالا، فلا يجوز بيعها، ولأبي حنيفة رحمه الله أنه يمكن الانتفاع بها شرعا من جهة أخرى بأن تجعل ظروفا لأشياء ونحو ذلك من المصالح، فلا تخرج عن كونها أموالا، وقولهما أنها آلات التلهي والفسق بها قلنا نعم لكن هذا لا يوجب سقوط ماليتها كالمغنيات والقيان وبدن الفاسق وحياته وماله، وهذا لأنها كما تصلح للتلهي تصلح لغيره على ماليتها بجهة إطلاق الانتفاع بها لا بجهة الحرفة، ولو كسرها إنسان ضمن عند أبي حنيفة وعندهما لا يضمن
…
" 5/144.
2 الكاساني 5/144.
مذهب المالكية: القول بأن بيع النرد محرم بناء على كون اللعب به محرماً هو الآخر، ولهذا منع بيعه وتداوله والاتجار فيه، وقد نص المذهب على منع اللعب به.
فقد جاء في الشرح الكبير: ".... وبيع نرد وطنبور ومزمار ونحوها من جميع آلات الملاهي مسقط للشهادة
…
"1.
وهكذا نصت بعض كتب المالكية على حكم بيع النرد ونحوه من آلات الملاهي، وقالوا بأنه مسقط للشهادة، وإن كانت الكتب الأخرى لم تتعرض صراحة لحكم بيع النرد مكتفية ببيان حكم اللعب به واتخاذه وقد خرجوا حكم البيع على هذا.
فالمالكية: على منع بيع النرد بناء على اعتبار اللعب به واتخاذه محرم شرعاً، وقد جاء في كتب المالكية أن بيع النرد والطنبور والمزمار ونحوها من كافة آلات الملاهي مسقط للشهادة، وهذا يستفاد منه ما تقرر في المذهب من القول بمنع بيع هذه الأشياء ومنها النرد.
مذهب الشافعية: أن بيع النرد لا يصح إلا في حالة واحدة وهي ما إذا صلح لأن يكون بيادق للشطرنج، فإن بيعه لهذا الغرض يكون صحيحاً مع الكراهة كبيع الشطرنج. فقد جاء في مغني المحتاج:".... ولا يصح بيع النرد إلا إذا صلح بيادق للشطرنج، فيصح مع الكراهة كبيع الشطرنج...."2.
مذهب الحنابلة: النص على عدم صحة بيع النرد فقد جاء في كشاف القناع: "ولا يصح بيع آلة لهو كمزمار وطنبور ومنها النرد والشطرنج"3.
فالحنابلة: يرون عدم صحة بيع النرد، وأنه في هذا شأنه شأن الشطرنج وقد نصت كتبهم على عدم صحة هذا البيع.
الموازنة: من خلال مطالعة كتب الفقه المختلفة بشأن حكم بيع النرد يتضح الآتي:
1 الدردير 4/182.
2 الشربيني 2/17.
3 البهوتي 4/1386.
أ – أن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وما عليه أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة يرون عدم جواز بيع النرد، على خلاف طفيف بشأن التعبير عن ذلك، فمنهم من عبر بعدم الصحة، ومنهم من عبر بعدم الجواز، ومنهم من عبر بعدم الانعقاد مثلما فعل أبو يوسف ومحمد.
ب – أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله يقول بجواز بيع النرد مع الكراهة، وقد نصت كتب الحنفية كالبدائع على تصحيح هذا القول لدى الحنفية، وهو قول للشافعية إن صلح استخدامه بيادق للشطرنج.
فالمسألة فيها مذهبان:
الأول: يقول بمنع بيع النرد. واستدل على هذا: بأن النرد يعد ضمن آلات اللهو والفسق المحرم شرعاً، من أجل هذا كان ممنوعاً تداوله وكذا بيعه وشراؤه. وذلك سداً لما يترتب عليه من شرور وانشغال وصد الناس عن ذكر الله وعن الصلاة وما يوقعه في القلوب من البغضاء والكراهية والشحناء.
الثاني: يقول بجواز بيع النرد. واستدل على هذا: بأنه مع التسليم بكونها آلة تلهي وفسق إلا أنه لا تسقط ماليتها، وهذا لأنهاكما تصلح للتلهي تصلح لغيره على ماليتها من حيث إطلاق الانتفاع بها، فقد ينتفع به كأن يجعل صنجات للميزان فكان مالاً من هذا الوجه فكان محلاً للبيع مضموناً بالإتلاف.
والراجح في هذا: المذهب القائل بمنع بيع النرد وذلك لقوة ما استدلوا به، ولأن في القول بهذا دفعاً لشيوع الرذيلة والفساد وانشغال الناس عن ذكر الله، والله تعالى أعلم.