الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أحجاراً للاستنجاء، فأتى بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين ورمى الروثة وقال: إنها ركس" 1 أي نجس، لأن الركس هو النجس حيث إنه خارج من الدبر وقد أحالته الطبيعة فكان نجساً كالغائط، والحديث يدل على نجاسة الروثة، إذ لو كانت طاهرة لاستجمر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
أما أصحاب المذهب الثاني: فلم ترد لهم أدلة صريحة في كتب الفقه المختلفة ولعل مستندهم في هذا هو طهارة أصل الحيوان المأكول اللحم فكان روثه كذلك طاهراً.
وقد استند زفر في قوله بنجاسة روث ما لا يؤكل لحمه على نفس مستند الجمهور القائلين بالنجاسة مطلقاً، في حين أنه فيما يتعلق بالشق الآخر من رأيه -وهو قوله بطهارة روث ما يؤكل لحمه- فإن مستنده في هذا هو اعتبار أصل الحيوان المأكول اللحم من حيث طهارته.
والذي يترجح لدي في هذا الخلاف: ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من القول بنجاسة أرواث البهائم وما في حكمها، وذلك لقوة ما استدلوا به. والله تعالى أعلم.
1 الحديث أخرجه البخاري في كتاب الوضوء باب لا يستنجى بروث من حديث عبد الله بن مسعود بنحوه 1/47.
المطلب الثاني: حكم بيع رجيع الحيوانات
سبق أن علمنا نجاسة العذرة، وهي الغائط الذي يلقيه الإنسان المعروف برجيع بني آدم1، وأن السرقين -أو يقال له السرجين- وهي رجيع غير الإنسان من الحيوان2 وغيره المعروف بالزبل نجس هو الآخر3.
فالزبل لغة: السرقين، وهما فضلة الحيوان الخارجة من الدبر، والمزبلة مكان طرح الزبل وموضعه، والجمع مزابل4.
1 لسان العرب لابن منظور 9/108.
2المرجع السابق 6/229.
3المرجع السابق 6/15.
4 المرجع السابق 6/15، ومختار الصحاح للرازي صفحة 137.
والسرقين: أصلها "سركين" بالكاف فعربت إلى الجيم والقاف، فيقال سرجين وسرقين، والروث والسرقين لفظان مترادفان1.
فالسرجين والسرقين والروث ألفاظ مترادفة، وأصل الكلمة سركين، وأنها عربت إلى الجيم والقاف، وقال علماء اللغة: إن الزبل هو السرقين، وهو فضلة الحيوان الخارجة من الدبر، وقالوا: إن السرقين هو رجيع غير الإنسان.
وقد اختلف الفقهاء بشأن حكم بيع العذرة والسرجين "الزبل"، فمنهم من قال بجواز ذلك، ومنهم من منعه، ومنهم من فرق في الحكم بين الشيئين، وذلك بناء على مدى الانتفاع بهما من عدمه، أو على أساس المالية وعدمها عند البعض، أو على أساس النجاسة عند البعض الآخر.
مذهب الحنفية: القول بصحة بيع السرقين والسرجين والبعر، ولو خالصتين، لجواز الانتفاع بهما، أما العذرة فلا يجوز بيعها خالصة لعدم جواز الانتفاع بها بأي وجه، فلا تكون مالاً، أما العذرة المخلوطة بالتراب فيصح بيعها إذا كان التراب غالبا، لجواز الانتفاع بها، أما إذا كانت العذرة غالبة فلا يصح بيعها ولا هبتها، وروي عن الإمام أبي حنيفة القول بأن كل شيء أفسده الحرام والغالب عليه الحلال فلا بأس ببيعه، وما كان غالبا عليه الحرام لم يجز بيعه ولا هبته، وعلى هذا فمناط صحة البيع وعدمه هو المالية والانتفاع وليس الطهارة، وذلك لأن المقرر أن الحنفية لم تشترط طهارة المبيع مكتفين بإمكان الانتفاع به والمقرر على أساسها مالية ذلك المبيع.
فقد جاء في بدائع الصنائع: "ويجوز بيع السرقين والبعر، لأنه مباح الانتفاع به شرعاً على الإطلاق، فكان مالاً، ولا ينعقد بيع العذرة الخالصة، لأنه لا يباح الانتفاع بها بحال، فلا تكون مالاً، إلا إذا كان مخلوطاً بالتراب، والتراب غالب فيجوز بيعه، لأنه يجوز الانتفاع به، وروي عن أبي حنفية رضي الله عنه أنه قال: كل شيء أفسده الحرام، والغالب عليه الحلال، فلا بأس ببيعه، ونبين ذلك، وما كان الغالب عليه الحرام، لم يجز
1 المصباح المنير للفيومي 1/273.
بيعه ولا هبتة
…
"1.
فقد أطلق الحنفية جواز بيع السرجين والبعر لحل الانتفاع بها شرعاً، وهذا بخلاف العذرة لأنه لا ينتفع بها إلا مخلوطة، حيث إن العادة جرت على الانتفاع بها بعد خلطها بالتراب أو الرماد بحيث يكون ذلك المضاف إليها غالباً عليها.
وهكذا نجد أن الحنفية لم ينظروا إلى النجاسة حين يقولون بعدم انعقاد البيع أو فساده أو عدم جوازه، لأنهم لم يشترطوا طهارة المبيع، وعليه يبنون حكمهم بعدم الانعقاد وما يترتب عليه من الفساد وعدم الجواز على ما اشترطوه في المبيع بالنسبة لعقد البيع وهو المالية، وإمكان الانتفاع بالمبيع.
وفي رد المختار على الدر المختار: "السرجين والسرقين
…
والمراد أنه يجوز بيعهما ولو خالصين
…
ويجوز بيع السرقين والبعر والانتفاع به
…
ولم ينعقد بيع العذرة خالصة بخلاف بيع السرقين والمخلوطة بتراب"2.
فالحنفية على أن العذرة الخالصة لا ينعقد بيعها، أما المخلوطة بتراب فيجوز بيعها، وأما السرجين والسرقين والبعر فيجوز بيعهما ولو خالصين كما يجوز الانتفاع بهما.
أي إن الحنفية يرون صحة بيع السرجين والبعر ولو خالصتين، وانه بالنسبة للعذرة فلا يجوز بيعها خالصة، ويجوز بيع المخلوطة بالتراب أو الرماد إذا كان التراب أو الرماد غالباً، فأساس مذهب الحنفية هو إمكان الانتفاع والمالية المعتبرة في عقد البيع ركنا لديهم دون اعتبار للنجاسة أو الطهارة، لأنهم لم يشترطوا طهارة المبيع طالما كانت المالية متحققة ووجه الانتفاع قائماً.
مذهب المالكية: أن الأعيان النجسة لا يصح بيعها، وإن كان الخلاف حاصل بين فقهاء المذهب بالنسبة لبعض الصور، وقد فصل المالكية القول بشأن بيع العذرة
1 الكاساني 5/144.
2 ابن عابدين 7/244 – 245.
والزبل وذلك على النحو الآتي:
بالنسبة للعذرة: فقد ذكروا في حكم بيعها أربعة أقوال: أحدها: القول بمنع البيع. والثاني: بكراهيته. والثالث: القول بجواز بيع العذرة. أما القول الرابع: فقد فرق بين حالة الاختيار فقال بمنع البيع، وبين حالة الاضطرار حيث قال بجواز البيع.
فقد جاء في الشرح الكبير: "
…
وقد حصل في بيع العذرة أربعة أقوال: المنع،
…
والكراهية على ظاهرها،
…
والجواز،
…
والفرق بين الضرورة لها فيجوز، وعدمها فيمنع
…
"1.
أما بالنسبة للزبل: فقد اختلفت النقول عنهم، فذكر أنه يجوز، وقيل لا يجوز بناء على نجاسته، وروى عن أشهب القول بجواز البيع عند الضرورة فقط، وظاهر المدونة الكراهة إذا لم تكن هناك ضرورة.
فقد جاء في بلغة السالك لأقرب المسالك في شرحه لقول صاحب الشرح الصغير: "فلا يباع كزبل""وحاصل ما فيه أنه ذكر ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال: المنع مطلقاً، والجواز مطلقاً، وقال أشهب بجوازه عند الضرورة، وظاهر المدونة الكراهة إن لم تكن ضرورة"2.
وعلى هذا فأصل مذهب المالكية على عدم صحة بيع الأعيان النجسة، إلاّ أن هناك اختلافاً في تطبيق هذا الأصل على الأفراد، فالنجاسة التي لا تدعو الضرورة لاستعمالها ولا تعم بها البلوى حرم بيعها كالخمر والميتة، أما النجاسة التي تدعو الضرورة إلى استعمالها فقد اختلف فيها على ثلاثة أقوال.
أما الصور المختلف فيها فهي: كل ما فيه منفعة مقصودة، فاختلف فيه لمراعاة تلك المنفعة، لأن سبب منع بيع النجس هو عدم وجود المنفعة أصلاً، أو إلغاء هذه المنفعة بواسطة الشارع وعدم الاعتداد بها منه لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً،
1 الدردير 3/10.
2 أحمد محمد الصاوي 2/349.
والزبل يدخل في هذه الصورة؛ وأخرى فيها منفعة ولكن نجاستها ذاتية مثل العذرة والمنع هو أصل المذهب في بيع النجاسات، أما القول بالجواز فلمراعاة الضرورة، أما القول بالكراهة فللتعارض الذي بين الأمرين "المنع وحالة الضرورة" ولأن أخذ ثمن النجس ليس من مكارم الأخلاق عند من يقول بالكراهة.
فقد جاء في مواهب الجليل: "واعلم أن المذهب على أن الأعيان النجسة لا يصح بيعها، إلا أن في بعضها خلافاً يتبين بذكر آحاد الصور،
…
فبيع كل نجاسة لا تدعو الضرورة إلى استعمالها ولا تعم بها البلوى حرام كالخمر والميتة لحمها وشحمها ولحم الخنْزير،
…
واختلف فيما تدعو الضرورة إلى استعماله على ثلاثة أقوال،
…
والصور المختلف فيها هي كل ما فيه منفعة مقصودة، فلأجل مراعاة تلك المنفعة اختلف العلماء، إذ قد علم أنه إنما منع بيع النجس لأنه لا منفعة فيه أصلاً، أو ما فيه منفعة منع الشارع منها فصار وجودها كالعدم لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، فمن تلك الصور الزبل
…
صور أخر نجاستها ذاتية وفيها منفعة منها العذرة،
…
واعلم أن القول بالمنع هو الجاري على أصل المذهب في المنع من بيع النجاسات، والقول بالجواز لمراعاة الضرورة، ومن قال بالكراهة تعارض عنده الأمران ورأى أن أخذ الثمن عن ذلك ليس من مكارم الأخلاق، والقول الآخر لأجل أن العلة في الجواز إنما هي الاضطرار فلا بد من تحققها"1.
فالمستفاد من نصوص مذهب المالكية: أنهم مختلفون بالنسبة لبيع العذرة والزبل.
فبالنسبة للعذرة: فعندهم أقوال في المذهب: قول بمنع بيعها، وقول بكراهية البيع، وقول بالجواز، وقول بجواز البيع للضرورة دون غيرها.
أما بالنسبة للزبل: فعندهم قول بالجواز، وآخر بمنع بيع الزبل، وقال أشهب بجواز البيع عند الضرورة، وفي المدونة كراهية البيع عند عدم الضرورة.
مذهب الشافعية: ذهب الشافعية إلى منع بيع العذرة والسرجين، لنجاستهما قياساً على
1 الحطاب 4/259 – 261.
الخمر والميتة والخنْزير على أساس أن هذه من الأعيان النجسة أي تخريجاً على ما نص عليه الشارع من النجاسات، وحرم بيعها، وذلك لأن جواز البيع عند الشافعية مترتب على طهارة عين المبيع.
فقد جاء في مغني المحتاج: "وللمبيع شروط: طهارة عينه، فلا يصح بيع الكلب، والخمر، والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره، والخل، واللبن، وكذا الدهن في الأصح"1.
وفي فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب: "وشرط في المعقود عليه مثمناً أو ثمناً خمسة أمور: أحدها: طهر له، أو إمكان لطهره بغسل، فلا يصح بيع نجس ككلب وخمر وغيرهما مما هو نجس العين وإن أمكن طهره بالاستحالة،
…
والمعنى في المذكورات نجاسة عينها فألحق بها باقي نجس العين"2.
وجاء في المهذب: "الأعيان ضربان: نجس وطاهر، فأما النجس فعلى ضربين: نجس في نفسه ونجس بملاقاة النجاسة، فأما النجس في نفسه فلا يجوز بيعه وذلك مثل الكلب والخنْزير والخمر والسرجين وما أشبه ذلك من النجاسات"3.
فالمستفاد من نصوص مذهب الشافعية: أن الأعيان إما نجسة أو طاهرة، والنجسة إما نجسة لذاتها أو بسبب ملاقاتها للنجاسة، ويدخل السرجين – عندهم – في الأعيان النجسة لذاتها، وعليه فهم يحرمون بيعه وأخذ ثمنه قياساً على الخمر والميتة والدم.
مذهب الحنابلة: قالوا بعدم جواز بيع العذرة والسرجين، وذلك لنجاستهما كالميتة ونحوها مما ورد به النص من حيث النجاسة ومنع البيع، وهذا هو أصل مذهب الحنابلة وهو المشهور في المذهب، وإن كان الظاهر عندهم جواز بيع سرجين ما يؤكل لحمه لطهارته كروث الإبل والبقر والحمام.
فقد جاء في المبدع: "
…
الظاهر أنه يجوز بيع الطاهر منها كروث الإبل والبقر
1 الشربيني 2/15.
2 الشيخ زكريا الأنصاري 1/158 – 159.
3 الشيرازي 3/23.
والحمام وكل ما يؤكل، ولكن المشهور في المذهب عدم جواز بيع السرجين مطلقاً"1.
وفي الكافي: "ولا يجوز بيع الدم ولا السرجين النجس، لأنه مجمع على تحريمه ونجاسته فأشبه الميتة"2.
وعليه لا يجوز بيع السرجين النجس على أصل مذهبهم، لاشتراطهم لصحة البيع طهارة العين المعقود عليها أو على منفعتها وكونها مباحة النفع من غير حاجة.
وجاء في الروض المربع: "ويشترط للبيع سبعة شروط
…
وعدّ منها: الشرط الثالث: أن تكون العين المعقود عليها، أو على منفعتها مباحة النفع من غير حاجة
…
ثم أخذ يعدد وجه تطبيق هذا الشرط ثم قال
…
والميتة لا يصح بيعها
…
ولا السرجين النجس لأنه كالميتة"3.
وجاء في المغني والشرح الكبير: "
…
لنا أنه مجمع على نجاسته فلم يجز بيعه كالميتة
…
ولأنه رجيع نجس فلم يجز بيعه كرجيع الآدمي"4.
فالمشهور عند الحنابلة عدم بيع السرجين لانعقاد الإجماع على نجاسته، وإن كان في المذهب قول بإباحة بيع سرجين ما يؤكل لحمه كروث الإبل والبقر والغنم والحمام ونحو ذلك.
الموازنة: اختلفت الأقوال وتباينت النقول عن المذاهب المختلفة بالنسبة لحكم بيع رجيع الحيوانات العذرة والسرقين والسرجين والزبل، وهذا يستتبع إيراد تفاصيل هذه الأقوال في كل مذهب على حدة من خلال مطالعة نصوصهم.
مذهب الحنفية: تعددت أقوال الحنفية في هذا الشأن على نحو ما يأتي:
1 ابن مفلح 4/14.
2 موفق الدين ابن قدامة المقدسي 2/6 – 7.
3 البهوتي صفحة 240.
4 ابن قدامة 4/302.
1– صحة بيع السرقين أوالسرجين والبعر، ولو خالصتين، وذلك لإمكان الانتفاع بهذه الأشياء.
2 – عدم جواز بيع العذرة الخالصة، وكذا المخلوطة إذا كانت العذرة غالبة، أما إذا كان التراب المخلوط بالعذرة هو الغالب فلا مانع من بيعها.
مذهب المالكية: بالنسبة للعذرة: هناك رأي يمنع بيعها، وقول ثان أن بيعها مكروه، ورأي ثالث بجواز بيعها، وقول رابع بجواز بيعها في حالة الاضطرار وعدم جواز ذلك في حالة الاختيار.
وبالنسبة للزبل: ففيه أقوال أربعة هو الآخر: رأي بالجواز، وآخر: بعدم جواز بيعه، وثالث: لأشهب بجواز بيعه عند الضرورة، ورابع في المدونة: بكراهة بيعه عند عدم الضرورة.
مذهب الشافعية: منع بيع العذرة والسرجين، بناء على نجاسة هذه الأشياء، وتأسياً على قولهم باشتراط طهارة المبيع.
مذهب الحنابلة: أصل مذهبهم على منع بيع العذرة والسرجين للنجاسة، وهذا هو المشهور عندهم، وهناك رواية في المذهب بجواز بيع سرجين ما يؤكل لحمه بخلاف ما لا يؤكل حيث إنه لا يصح بيعه تمشيا مع أصل المذهب.
وعلى هذا فخلاصة الأقوال ما يأتي:
أولاً: بالنسبة للسرقين: فيه مذهبان:
الأول: أنه يصح بيع السرقين والسرجين والبعر ولو خالصتين، وهذا هو ما ذهب إليه الحنفية، وفي رواية عن المالكية، ورواية عند الحنابلة في سرجين ما يؤكل لحمه.
أما الثاني: فيمنع بيع السرجين والسرقين، وهذا ما ذهب إليه الشافعية، وهو رواية عند المالكية وفي قول للحنابلة.
ثانياً بالنسبة للعذرة: ففيها المذاهب الآتية: