الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: عدم جواز بيع العذرة، وهو رواية عند المالكية ومذهب الشافعية وفي القول المشهور عند الحنابلة، ورواية عندهم: سرجين ما لا يؤكل لحمه، وهو قول الحنفية في العذرة الخالصة غير المخلوطة، والمخلوطة إذا كانت العذرة غالبة.
الثاني: كراهية بيع العذرة في قول عند المالكية.
الثالث: جواز بيع العذرة في رواية عند المالكية، وجواز بيع العذرة المخلوطة إذا كان ما خالطها من تراب أو رماد غالباً في قول عند الحنفية.
الرابع: التفرقة بين حالة الاختيار والاضطرار، فيمنع البيع في حالة الاختيار ويجوز في حالة الاضطرار.
والذي يترجح لدي في هذا الخلاف:
أولاً بالنسبة للعذرة: فالذي يترجح بشأنها عدم جواز بيعها بناء على نجاسة عينها، وأنه لا توجد ضرورة للانتفاع بها عند عامة الناس، فالعادة لم تجر على الانتفاع بها حتى من قال بجواز بيع المخلوط منها بالتراب أو الرماد انتهى إلى أن التراب أو الرماد هو الغالب في الخليط، أو كان هذا يمنع أثر العذرة، فالحكم عنده لما غلب في ذلك الخليط. وبهذا ينتهي أيضاً – إلى منع بيع ما يطلق عليه اسم العذرة أو النجس مطلقاً.
ثانياً بالنسبة للسرقين: فالذي يترجح هو القول بجواز بيعها رغم نجاستها العينية للانتفاع بها فتحقق ماليتها على ما ذهب إليه الحنفية، أو إعمالاً لحالة الضرورة والحاجة التي تجيز الانتفاع بها في كثير من البلاد بهدف تحسين خصوبة الأرض وتكثير ريعها، فكان بيعها جائزاً لهذا السبب حتى عند من قال بنجاستها وانتهى في الأصل إلى عدم بيعها. والله تعالى أعلم.
المطلب الثالث: حكم التداوي بأبوال الحيوانات
المقرر أن الأصل في أبوال الأنعام من الإبل ونحوها هو المنع أي منع تناولها، وذلك لنجاسة هذه الأبوال، غير أنه إذا كان ذلك التناول بقصد التداوي فقد أجازه
الفقهاء خروجاً عن هذا الأصل، رغم نجاسته دفعاً لحالة الضرورة، وهي قصد الشفاء طالما أنه قد تحتم هذا التناول، وهذا ما عليه الفقهاء مع خلاف بينهم في التعبير، فمنهم من عبر عنه بأنه لا بأس بالتداوي، ومنهم من قال لا بأس بشرب أبوال الأنعام الثمانية، ومنهم من عبر بجواز تناول أبوال الحيوانات بغرض التداوي، وهذا ما قالوه:
مذهب الحنفية: القول بأنه لا بأس بالتداوي بأبوال الحيوانات وغيرها من سائر الأبوال، وقال بهذا أبو يوسف.
فقد جاء في الفتاوى الهندية: "
…
لا بأس بأبوال الإبل ولحم الفرس للتداوي"1. وجاء في الدر المختار شرح تنوير الأبصار: "
…
[كره لحم الأتان]
…
وبول الإبل، وأجازه أبو يوسف للتداوي"2.
وهناك رأي آخر للحنفية: وهو حرمة التداوي بأبوال الإبل وغيرها من سائر الأبوال.
فقد جاء في شرح فتح القدير: "
…
لا يحل شربه للتداوي ولا لغيره، لأنه لا يتقين بالشفاء فيه
…
"3.
فالخلاف حاصل بين فقهاء المذهب الحنفي بشأن التداوي بأبوال الحيوانات، فذهب أبو يوسف إلى جواز ذلك التداوي رفعاً لضرورة العلاج به، وهناك رأي مخالف في المذهب بعدم جواز التداوي بأبوال الإبل ونحوها.
مذهب المالكية: يرى بأنه يحل شرب أبوال الحيوانات بغرض التداوي
فقد جاء في المنتقى شرح موطأ مالك: "
…
ولا بأس بشرب أبوال الأنعام الثمانية التي ذكرها الله سبحانه4؛ قيل له: أكل ما يؤكل لحمه؟ قال: لم أقل إلا أبوال
1 الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند 5/355.
2 الحصكفي 6/340.
3 ابن الهمام 1/102.
4 أي التي ذكرها الله في سورة الأنعام في قوله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ*وَمِنَ الْأِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} سورة الأنعام الآية 143– 144.
الأنعام الثمانية، بل ولا خير في أبوال الآدمي
…
" 1.
فالمالكية: على جواز التداوي بأبوال الإبل ونحوها مما ورد في سورة الأنعام من الضأن اثنان ومن المعز اثنان ومن الأبل اثنان ومن البقر اثنان فكان المجموع ثمانية غير أنهم التزموا بحدود الأنعام الثمانية المنصوص عليها في سورة الأنعام ومنها الإبل، فقد قال تعالى:{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ}
…
{أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} وقال: {وَمِنَ الْأِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} 2.
مذهب الشافعية: يرى جواز تناول أبوال الحيوانات بغرض التداوي وفي حالة الضرورة دون ما سواها، أي عند عدم تيسر طاهر آخر لهذا التداوي.
فقد جاء في المجموع: "
…
وإنما يجوز التداوي في النجاسة إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها، فإن وجده حرمت النجاسات بلا خلاف، وعليه يحمل حديث:"إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" 3 فهو حرام عند وجود غيره، وليس حراماً إذا لم يجد غيره،.. وإنما يجوز ذلك إذا كان المتداوي عارفاً بالطب، يعرف أنه لا يقوم غير هذا مقامه، أو أخبره بذلك طبيب مسلم عدل ويكفي طبيب واحد
…
"4.
مذهب الحنابلة: يرى جواز شرب أبوال الحيوانات بغرض التداوي
فقد جاء في الإنصاف: فائدة: "لو وجد بولاً.. والحالة هذه.. قدم على الخمر
1 أبو الوليد الباجي 3/262.
2 سورة الأنعام الآية 143 – 144.
3 الحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده 12/402، والطبراني في الكبير23/326، والبيهقي في السنن 10/5، من طريق حسان المخارق عن أم سلمة به، وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أبو يعلى والبزار
…
ورجال أبي يعلى رجال الصحيح خلا حسان بن مخارق وقد وثقه ابن حبان. ا?. راجع: الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله 4/175.
4 النووي 9/54 – 55.
لوجوب الحد بشربه دون البول فهو أخف تحريماً
…
" 1.
مراده حالة الضرورة وعدم إمكان طاهر أخر لهذا التداوي.
وجاء في مجموع الفتاوى: "
…
ولست أعلم مخالفاً في جواز التداوي بأبوال الإبل
…
"2.
فمذهب الحنابلة: كغيرهم على جواز التداوي بأبوال الإبل في حالة الضرورة، وذلك عند عدم وجود غيره لهذا التداوي.
بالموازنة بين أقوال الفقهاء: نجد أنهم أجازوا التداوي بأبوال الحيوانات بشرط أن لا يجد غيرها من المباح وأن يخبره طبيب ثقة بأن شفاءه فيها بإذن الله.
واستدلوا على ذلك بما روى أنس قال: "قدم ناس من عكل3 أو عرينة4 فاجتووا5 المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح6 وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت7 أعينهم والقوا في الحرة8يستسقون فلا
1 المرداوي 10/208.
2 ابن تيمية 21/562.
3 عكل: قبيلة من الرباب تستحمق، يقولون لمن يستحمقونه عكلي، وهو اسم امرأة حضنت بني عوف بن وائل بن عبد مناة بن أد وسموا باسمها. معجم البلدان للحموي 4/143.
4 عرينة: قبيلة من العرب، وقيل موضع ببلاد فزارة. معجم البلدان للحموي 4/115، جمهرة أنساب العرب لابن حزم 455.
5 اجتووا أي أصابهم الجوى: وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها، ويقال اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة. راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 1/318
6 اللقاح من الإبل ذوات الألبان الواحدة لقوح. راجع: المرجع السابق 1/262.
7 أي أحمى لهم مسامير الحديد ثم كحلهم بها.
راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 2/359.
8 الحرة: أرض ذات حجارة سوداء معروفة في المدينة. راجع: المصباح المنير للفيومي صفحة 129.
يستقون"1، قال أبو قلابة2 فهؤلاء سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله"3.
ووجه الاستدلال منه أنه صلى الله عليه وسلم أباح لهم التداوي بأبوال الإبل وهي نجسة، وهذا دليل على جواز التداوي بها".
واستدل القائلون بجواز التدواي في حالة الضرورة بقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} 4 فهذه الآية دلت على جواز التداوي بالنجس عند الضرورة.
والذي يترجح لدي: هو القول بحل التداوي بأبوال الحيوانات، إذا لم يوجد طاهر يقوم مقامها في التداوي به، ووصفها للمريض طبيب مسلم عدل ثقة حاذق بمهنة الطب. والله تعالى أعلم.
1 الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري برقم 3956، وكتاب برقم 6417، ومسلم برقم 1671.
2 هو عبد الله بن زيد بن عمرو ويقال عامر بن نابل أبو قلابة الجرمي، من أهل البصرة، أحد الأعلام، كان عالماً بالقضاء والأحكام، وروى عن ثابت بن الضحاك الأنصاري وسمرة بن جندب ومالك بن الحويرث وغيرهم، توفى رحمه الله سنة 104?. راجع: الأعلام 4/219، وتهذيب التهذيب 5/224.
3 الحديث: رواه البخاري 1/64، ورواه في كتاب المغازي باب قصة عكل وعرينة 5/70، ورواه في كتاب الطب باب الدواء بأبوال الإبل 7/13.
4 سورة الأنعام: الآية 119.