الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجس لقوة ما استدلوا به من النصوص والقياس، ولأن هذا الحكم متفق مع طبيعة الأمور لأن النفس البشرية تعاف الخنْزير وتستقذره. والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني حكم بيع الخنزير
مذهب الحنفية: القول ببطلان بيع الخنْزير إذا كان مبيعاً.
"
…
وبيع الميتة والدم
…
والخنْزير والحر
…
باطل"1.
أما إذا كان عوضاً عن المبيع "ثمناً" فإن البيع يكون فاسداً، لأن الحنفية في أصولهم يفرقون بين الباطل والفاسد2.
فقد جاء في شرح فتح القدير: "وإذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرماً فالبيع فاسد كالبيع بالميتة والدم والخنْزير والخمر، وكذا إذا كان غير مملوك كالحر
…
والبيع بالخمر والخنْزير فاسد لوجود حقيقة البيع وهو مبادلة المال بالمال
…
"3.
فهناك فرق عند الحنفية بين الباطل والفاسد، وأن الباطل ما كان بحسب أصله باطلاً، والفاسد ما كان الخلل بحسب وصفه، وقالوا إن بيع الخنْزير باطل، ولا ينعقد أصلاً كما ورد في نص الاختيار لتعليل المختار، بخلاف البيع بالخنْزير حيث يكون البيع فاسداً، لأن الخلل في هذه الحالة يتعلق بوصف العقد، وليس بأحد أركانه المعتبرة عندهم وهي
1 الاختيار لتعليل المختار للموصلي 2/23.
2 العقد غير الصحيح عند الحنفية قد يكون باطلاً وقد يكون فاسداً.
فالعقد الباطل: هو ما اختل ركنه أو محله أو ما لم يشرع بأصله ولا بوصفه، كأن يكون أحد العاقدين فاقد الأهلية أو تكون الصيغة غير سليمة، أو يكون محل العقد غير قابل لحكم العقد شرعاً كبيع ما ليس بمال أو ما ليس مالاً متقوماً كالخمر والخنْزير والسمك في الماء.
وحكم الباطل: أنه لا يعد منعقداً أصلاً وإن وجدت صورته في الظاهر.
أما العقد الفاسد: هو ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه أي كان صادراً ممن هو أهل له والمحل قابل لحكم العقد شرعاً والصيغة سليمة ولكن صاحب ذلك وصف منهي عنه شرعاً
وحكم الفاسد ثبوت الملك فيه بالقبض بإذن المالك صراحة أو دلالة. راجع: الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور/ وهبة الزحيلي 4/3089 – 3090.
3 ابن الهمام6 /402 – 403.
مبادلة مال بمال، والخنْزير مال عندهم فصح أن يكون مقابلاً في عقد البيع مع فساد ذلك العقد.
وجاء في بدائع الصنائع: "
…
ولا ينعقد بيع الخنْزير من المسلم لأنه ليس بمال في حق المسلمين، فأما أهل الذمة فلا يمنعون من بيع الخمر والخنْزير أما على قول بعض مشايخنا فلأنه مباح الانتفاع به شرعاً لهم كالخل وكالشاه لنا فكان مالاً في حقهم فيجوز بيعه
…
وعن بعض مشايخنا حرمة الخمر والخنْزير ثابتة على العموم في حق المسلم والكافر لأن الكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات هو الصحيح من مذهب أصحابنا فكانت الحرمة ثابتة في حقهم لكنهم لا يمنعون عن بيعها لأنهم لا يعتقدون حرمتها ويتمولونها ونحن أمرنا بتركهم وما يدينون
…
"1.
فقد تقرر وجه الخلاف بشأن بيع الخنْزير من المسلم وأنه لا ينعقد ذلك البيع لأنه ليس بمال في حقه، أما أهل الذمة ففي بيعهم للخنْزير خلاف، فعند بعض مشايخ الحنفية أن هذا يجوز ولا يمنعون من ذلك البيع لأنه مباح الانتفاع به عندهم، وعند بعض المشايخ من الحنفية أنهم يمنعون من ذلك البيع تمشياً مع أصل المنع عملاً بعموم الحكم وأنه لا فرق بين المسلم وغيره في هذا الشأن.
مذهب المالكية: قالوا بحرمة بيع الخنْزير وحرمة ثمنه.
"
…
وبيع الخنْزير حرام وثمنه حرام
…
"2.
لأنهم يرون أن بيع كل نجاسة لا تدعو الضرورة إلى استعمالها أو لم تعم بها البلوى حرام، ومن ذلك بيع الخنْزير لأنه لا تدعو إلى بيعه ضرورة.
"
…
فبيع كل نجاسة لا تدعو الضرورة إلى استعمالها ولا تعم بها البلوى حرام كالخمر والميتة والخنْزير"3.
فالمستفاد من نصوص المالكية: حرمة بيع الخنْزير، وحرمة ثمنه، وذلك لنجاسته،
1 الكاساني 5/143.
2كتاب الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر 2/675.
3 مواهب الجليل للحطاب 4/259.
ولأن الضرورة لا تدعو إلى ذلك ولا تعم بها البلوى.
مذهب الشافعية: قالوا بعدم جواز بيع الخنْزير، وذلك لأنه نجس العين، أي نجس في نفسه، وهم يقسمون الأعيان إلى أعيان نجسة وأعيان طاهرة، ويقسمون الأعيان النجسة إلى نجسة في عينها ونجسة بملاقاة غيرها ولا يجوزون بيع نجس العين.
"باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز: الأعيان ضربان نجس وطاهر، فأما النجس فعلى ضربين نجس في نفسه، ونجس بملاقاة نجاسة، فأما النجس في نفسه فلا يجوز بيعه وذلك مثل الكلب والخنْزير والخمر والسرجين وما أشبه ذلك من النجاسات"1.
"وشرط في المعقود عليه مثمنا أو ثمنا خمسة أمور: أحدها: طهر له أو إمكان لطهره بغسل فلا يصح بيع نجس ككلب وخمر وغيرهما مما هو نجس العين وإن أمكن طهره بالاستحالة كجلد ميتة لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وقال: "إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنْزير" والمعنى في المذكورات نجاسة عينها فألحق بها باقي نجس العين"2.
فأساس تحريم بيع الخنْزير عند الشافعية هو نجاسة عينه فضلاً عن النهي عن ذلك.
وجاء في نهاية المحتاج: "
…
كالنهي عن بيع مال الغير بغير إذنه وبيع الخمر والكلب والخنْزير والملامسة والمنابذه
…
"3.
وعليه فمذهب الشافعية: عدم جواز بيع الخنْزير لنجاسة عينه، وأنه في هذا الحكم مثل كل ما كانت عينه نجسة كالكلب والخمر ونحوهما.
مذهب الحنابلة: قالوا بعدم جواز بيع الخنْزير، وذكر ابن المنذر إجماع أهل العلم على القول بعدم جواز بيع الخنْزير والإجماع على حرمة بيعه وشرائه.
1 المهذب للشيرازي 3/23.
2 فتح الوهاب للشيخ زكريا الأنصاري 1/158.
3 الرملي 3/446.
"ولا يجوز بيع الخنْزير ولا الميتة ولا الدم. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول به. وأجمعوا على تحريم الميتة والخمر وعلى أن بيع الخنْزير وشراءه حرام"1.
"ولا يصح بيع دم وخنْزير وصنم
…
"2.
فالمستفاد من نصوص الحنابلة: هو عدم جواز بيع الخنْزير وكذا شرائه.
الموازنة: إن الاتفاق حاصل بين الفقهاء على حرمة بيع الخنْزير لنجاسته ولعدم ماليته وعدم الانتفاع به ولورود النص الصريح بالنهي عن بيع الخنْزير، وإن كان هناك اختلاف في التعبير عن ذلك ما بين عدم الصحة وعدم الجواز والبطلان والفساد.
فالحنفية: قد فرقوا بين ما إذا كان الخنْزير مبيعاً أم كان ثمناً، وقالوا إنه إذا كان مبيعاً كان البيع باطلاً، في حين أنه إذا كان ثمناً فإن البيع يكون فاسداً وذلك بناء على أنهم يفرقون في أصول مذهبهم بين الباطل والفاسد، فالباطل ما كان باطلاً بأصله في حين أن الفاسد ما كان الخلل فيه راجعاً إلى وصف فيه.
أما المالكية فقد عبروا عن ذلك بحرمة بيع الخنْزير وحرمة ثمنه وذلك لأنهم يرون أن بيع كل نجاسة لا تدعو الضرورة إلى استعمالها أولم تعم بها البلوى حرام.
والشافعية: يعبرون بعدم جواز بيع الخنْزير قياساً على نجاسة عينه، في حين أن الحنابلة يعبرون بعدم جواز بيع الخنْزير، وحكى ابن المنذر منهم الإجماع على حرمة ذلك البيع وعبر بالحرمة للدلالة على عدم جواز ذلك البيع.
وهذا الخلاف في اللفظ والعبارة فقط، ولا مشاحة في ذلك فلا أثر له من حيث الحكم لأن الجميع متفق على منع بيع الخنْزير.
وهذه خلاصة ما قالوه:
الحنفية: يرون عدم انعقاد بيع الخنْزير في حق المسلم، وأن البيع باطل إذا كان مبيعاً وفاسداً إذا كان ثمناً، واختلف فقهاء الحنفية بالنسبة لغير المسلم فقيل يجوز لهم
1 المغني لابن قدامة 4/282
2 كشاف القناع للبهوتي 4/1386.
بيعه وقيل لا يجوز منهم والمسلمون سواء في عدم صحة البيع، لأن نجاسة الخنْزير ثابتة على العموم في حق المسلم وغيره.
وهكذا: نجد أن الحنفية فقط هم الذين ينفردون بذكر حكم البيع بالنسبة لغير المسلم ولم يتعرض لحكم ذلك بقية الفقهاء.
المالكية: يرون حرمة البيع وحرمة ثمن الخنْزير.
الشافعية: يرون عدم جواز بيع الخنْزير.
الحنابلة: يرون عدم جواز بيع الخنْزير.
الأدلة:
أ – استدل الحنفية: على ما ذهبوا إليه بالنسبة لبيع الخنْزير:
بأن بيع الخنْزير باطل، ولا ينعقد أصلاً بخلاف البيع به حيث يكون البيع فاسداً وذلك لأن الخلل في هذه الحالة يكون متعلقاً بوصف العقد وليس بأحد أركانه المعتبرة وهي مبادلة مال بمال، وقالوا إن الخنْزير نجس العين إلا أنه مال عندهم، ولهذا صح أن يكون مقابلاً في عقد البيع، وإن كان ذلك العقد فاسداً لما شابه في الوصف فقط، وتمسك من فرق منهم بين بيع الخنْزير من المسلم وغير المسلم بأنه لا ينعقد بالنسبة للمسلم لأنه ليس بمال في حق المسلمين بخلاف أهل الذمة حيث يعتبر مالاً عندهم لأنه مباح الانتفاع به شرعاً لديهم ولهذا فلا مانع من بيعه في حقهم، وقد تمسك بعض الحنفية ممن لا يرون فارقاً بين المسلم والكافر بالنسبة لبيع الخنْزير تمسكوا بالأصل العام وهو منع بيع الخنْزير سواء كان من المسلم أم من غيره فكانت الحرمة ثابتة في حق غير المسلمين على العموم لأن الكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات على الصحيح من مذهب الحنفية فعموم الحكم لا يفرق بين المسلم وغيره في هذا الشأن.
ب – استدل المالكية: بأن بيع كل نجاسة لا تدعو الضرورة إلى استعمالها ولم تعم بها البلوى حرام، وأن الخنْزير لا تدعو ضرورة إلى استعماله، وأنه نجس في عينه، فحرم بيعه وحرم ثمنه.