الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: حكم استعمال المموه بالذهب والفضة
اختلف الفقهاء في حكم استعمال المموه بالذهب أو الفضة في الأكل والشرب أو غيرهما على نحو ما يأتي:
مذهب الحنفية: حل وإباحة استعمال المموه بالذهب والفضة والانتفاع به، إذا كان لا يخلص منه شيء، سواء كان ذلك مستعملاً في الأكل، أو في الشرب، أو غيرهما.
فقد جاء في بدائع الصنائع: "وأما الأواني المموهة بماء الذهب والفضة الذي لا يخلص منه شيء فلا بأس بالانتفاع بها في الأكل والشرب وغير ذلك بالإجماع، وكذا لا بأس بالانتفاع بالسرج، والركاب، والسلاح، والسرير، والسقف المموه، لأن التمويه ليس بشيء"1.
فمذهب الحنفية: على أنه لا بأس باستعمال المموه، سواء كان التمويه بالذهب أو بالفضة، لأن التمويه لا أثر له لقلته.
مذهب المالكية: حرمة استعمال المموه بالذهب أو الفضة، وأنه يحرم كذلك استعمال المطعم بذهب أو فضة أو المكفف بها، واستظهر ابن عبد السلام في المموه الإباحة، وتردد في المغشي، ويرجح الناقل عنه المنع.
فقد جاء في مواهب الجليل: "وفي المغشي والمموه" 2
…
قال في التوضيح تردد ابن عبد السلام في المغشي، واستظهر في المموه الإباحة لأنه ليس بإناء ذهب، انتهى.
1 الكاساني 5/133.
2 المغشي: إناء من ذهب أو فضة غطي برصاص أو نحاس أو غيره.
والمموه: إناء نحاس أو رصاص طلي بفضة أو ذهب. راجع: مختار الصحاح للرازي 223 – 291، مواهب الجليل للحطاب 1/ 128 – 129، وفي جواهر الإكليل نفس المعنى حيث ورد فيه أنه بضم الميم وفتح الثانية أي المطلية بذهب أو فضة. راجع: جواهر الإكليل للأزهري 1/34.
قلت: بل في كلام ابن عبد السلام ميل إلى ترجيح المنع في المغشي، وأما المموه فالأظهر فيه الإباحة والمنع بعيد
…
"1.
فقد تردد ابن عبد السلام بالنسبة للمغشي غير أنه قد استظهر في المموه الإباحة، معللاً هذا بأن ما حدث به التمويه لا يجعل الإناء إناء ذهب حتى يمنع، ويرى المصنف في قول ابن عبد السلام المنع في المغشي.
مذهب الشافعية: اختلف فقهاء الشافعية بشأن استعمال المموه بالذهب أو الفضة، فيرى أكثرهم حل استعماله، والانتفاع به، بشرط ألا يحصل من المموه شيء عند العرض على النار، وإلا فإن حصل منه شيء فإن استعماله يكون محرماً، وذلك لكثرته، وهذا هو الأصح.
ويرى البعض أن المموه إذا حك فاجتمع منه شيء حرم، وإلا فلا، وهو قريب من القول الأول، بناء على كثرة التموية من عدمه. ومقابل الأصح أن استعمال المموه حرام مطلقاً، سواء كان قليلاً أم كثيراً، وذلك للخيلاء وكسر قلوب الفقراء.
فقد جاء في مغني المحتاج: "ويحل المموه أي المطلي بذهب أو فضة، ومنه تمويه القول: أي تلبيسه. فإن موَّه غير النقد كإناء نحاس وخاتم وآلة حرب منه بالنقد ولم يحصل منه شيء ولو بالعرض على النار، أو مموَّه النقد بغيره أو صدئ مع حصول شيء من المموه به أو الصدأ حل استعماله في الأصح
…
فإن حصل شيء من النقد في الأولى لكثرته، أو لم يحصل شيء من غيره في الثانية لقلته، حرم استعماله
…
"2.
وفي نهاية المحتاج: "
…
ويحل الإناء المموه أي المطلي بذهب أو فضة أي يجوز استعماله في الأصح لقلة المموَّه به فكأنه معدوم. والثاني يحرم للخيلاء وكسر قلوب الفقراء، فإن كثر المموَّه به بأن كان يحصل منه شيء بالعرض على النار حرم
…
"3.
مذهب الحنابلة: اختلف الحنابلة بشأن حكم استعمال واتخاذ المموه والمطلي
1 الحطاب 1/128 – 129.
2 الشربيني 1/46.
3 الرملي 1/104.
بالذهب أو الفضة، فالصحيح في المذهب أنه يحرم استعمال المموه بالذهب أو الفضة، أو المطعم بأحدهما، أو المطلي، أو المكفت بشيء من ذلك، وقيل إن هذا الاستعمال غير محرم، وقيل إن بقي لون الذهب أو الفضة حرم، وإلا فلا، وقيل إن اجتمع منه شيء عند حكه حرم وإلا فلا بناء على الكثرة والقلة.
فقد جاء في الإنصاف: "حكم المموه والمطلي، والمطعم، والمكفف ونحوه بأحدهما كالمصمت على الصحيح من المذهب؛ وقيل: لا، وقيل: إن بقي لون الذهب أو الفضة، وقيل: واجتمع منه شيء إذا حُكُّ حرم، وإلا فلا
…
"1.
وجاء في كشاف القناع: "
…
ويحرم اتخاذ واستعمال إناء مموه بذهب أو فضة
…
ويحرم اتخاذ واستعمال إناء ونحوه مطعم بذهب أو فضة،
…
ويحرم اتخاذ واستعمال إناء ونحوه مطلي بذهب أو فضة،
…
ويحرم اتخاذ واستعمال إناء ونحوه مكفت كالمنقوش منهما أي من الذهب والفضة أو من أحدهما"2
الموازنة: إن من يطالع كتب الفقه المختلفة بشأن المموه والمطلي ونحوهما بالذهب والفضة، يتضح له الآتي:
أن مذهب الحنفية يرى أنه لا بأس من استعمال المموه بالذهب أو بالفضة في الأكل ونحوه، معللين ذلك بأن طبيعة التموية تكون قليلة بالنسبة لأصل الشيء الحاصل له التمويه ولهذا فلا أثر لها.
أن أصل مذهب المالكية على حرمة استعمال المموه بالذهب أو بالفضة، وكذلك الشأن بالنسبة للمطعم، وإن كان ابن عبد السلام قد استظهر في المموه الإباحة.
أن فقهاء الشافعية مختلفون بشأن استعمال المموه فعند أكثرهم أن الأصل في هذا الاستعمال هو الإباحة إلا إذا أثر التمويه على الاستعمال، بأن كان كثيراً
1 المرداوي 1/81.
2 البهوتي 1/64.
ملحوظاً، فإنه يكون حراماً، وهذا هو الأصح في المذهب، ومقابل الأصح أن استعمال المموه حرام مطلقاً.
أن الحنابلة صحيح مذهبهم حرمة استعمال المموه والمطلي والمطعم مطلقاً، أي سواء كان بالذهب أم لا، وسواء كان كثيراً أم كان قليلاً، وهناك رأي في المذهب يرى أنه غير محرم على الإطلاق، وقيل إن بقي لون الذهب أو الفضة حرم وإلا فلا. وقيل إن اجتمع عند حكه حرم وإلا فلا.
هذا بمراعاة أن إطلاق الفقهاء لهذه الأحكام شامل لحكم استعمال المموه والمطلي والمطعم بالذهب أو الفضة القليل والكثير على السواء.
وبناء عليه فالمسألة فيها مذهبان:
المذهب الأول: يرى حل استعمال المموه بالذهب أو الفضة، وهذا ما ذهب إليه الحنفية، وهو قول ابن عبد السلام من المالكية، وقول الشافعية في الأصح عندهم، وهو قول عند الحنابلة.
المذهب الثاني: يرى حرمة استعمال المموه، وهذا هو أصل مذهب المالكية والحنابلة، ومقابل الأصح عند الشافعية، وقول عند الشافعية والحنابلة، إذا كان التموية كثيراً.
هذا وإطلاق الفقهاء لهذه الأحكام شامل لحكم استعمال المموه والمطلي والمطعم بالذهب أو الفضة سواء كان ذلك قليلاً أو كثيراً، وإن كان المالكية يفرقون بين المموه.
والمغشى حيث تردد ابن عبد السلام في المغشى واستظهر الإباحة في المموه.
الأدلة: استدل أصحاب المذهب الأول القائلون بحل استعمال المموه بالذهب أو الفضة بما يلي:
1-
أن المموه بالذهب أو الفضة إذا عرض على النار ولم يحصل شيء من المعدن المموه به فهذا يدل على قلة المموه به وكأنه معدوم، ومثل هذا لا يؤدي إلى خيلاء أو كسر لقلوب