الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
الميتة لغة: ما لم تدركه تذكية.
فقد ورد في مختار الصحاح: "والميتة ما لم تلحقه الذكاة"1. وجاء في لسان العرب: "الموت والموتان ضده الحياة
…
والموات بالضم: الموت مات يموت موتاً
…
والميتة ما لم تدركه تذكية، والموت السكون، وكل ما سكن فقد مات"2. وفي المصباح المنير:"الميتة من الحيوان: ما مات حتف أنفه"3.
فالمستقر عليه الحال لدى علماء اللغة: أن الميتة هي كل ما سكن فقد مات، على خلاف بينهم بشأن التعبير عن ذلك. فمنهم من عبر عن هذا بإطلاق الميتة على كل ما لم يذك على ما معنى أن الحيوان المذكى ذكاة شرعية يقابله في الوصف والحكم قرينة غير المدرك بهذه التذكية، في حين أن البعض الآخر عمم إطلاق الميتة على كل من مات حتف أنفه -أي نفق- ليشمل غير المدرك بالتذكية وما اختل شرط من شروط التذكية الشرعية فيه، وكذا ما مات بنفسه بسبب علة أو مرض ونحو ذلك، كالعطش والحرق والغرق وما شابه هذه الأحوال.
الميتة في عرف الشرع: اختلفت عبارة الفقهاء عند تعريفهم للميتة شرعا، وإن كانت المعاني المقصودة لديهم في هذا الشأن واحدة حيث إن جميعها يحقق معنى واحداً وهو: ما فارق الحياة بدون تذكية، أو كانت تذكية على وجه غير مشروع، سواء تعلق هذا بحال الفاعل أو بحالة المفعول، وللفقهاء طريقان في التعبير عن هذا: فمنهم من صرح به لفظا كالشافعية والحنابلة، ومنهم من اقتصر على كونه على هيئة غير
1 محمد بن أبي بكر الرازي صفحة 290.
2 ابن منظور 13/217 - 218.
3 الفيومي صفحة 584.
مشروعة كالحنفية وما فهم من كلام المالكية اعتمادا على هيئة التذكية الشرعية المتحقق شروطها فيما يتعلق بكل من المذكِّي والمذكَّى، والغرض من التذكية فضلا عن آلة التذكية. وهذا ما قاله الفقهاء:
الحنفية: يرون أن الميتة هي ما أصابها الموت ويقصدون بهذا كل دابة تقصد ذكاتها إذا ماتت بدون ذكاة، أو كانت ذكاتها على هيئة غير مشروعة. فقد جاء في بدائع الصنائع:"....الميتة اسم لما زالت حياته لا بصنع أحد من العباد أو بصنع غير مشروع...."1.
فالميتة عندهم هي ما فارقت الحياة بدون صنع أحد، وكذا ما كانت مفارقته للحياة بصنع -أي تذكية، غير أنها على هيئة غير مشروعة- فما فارق الحياة بدون تذكية يعتبر ميتة حتى لو كان مأكول اللحم، وكذا ما فارق الحياة بصنع غير مشروع، أو كان غير مأكول حتى ولو تمت تذكيته، وهذا مفهوم مذهب الحنفية.
والمالكية: لم تنص كتبهم فيما اطلعت عليه2 صراحة على تعريف الميتة مكتفية ببيان أن ما حصلت ذكاته يكون طاهراً. فقد جاء في مواهب الجليل: ".... وما ذكى يعني أن ما ذكي بأي نوع من أنواع الذكاة من ذبح، أو نحر، أو عقر فيما يذكى بالعقر فهو طاهر وجزؤه، إلا محرم الأكل
…
"3.
ويستفاد من هذا: أن الميتة غير المذكى حتى ولو كان مأكول اللحم، ولعل المراد بهذا ما مات حتف أنفه.
الشافعية: تعرف الميتة بأنها هي ما زالت حياته بدون ذكاة شرعية حتى ولو كان
1 الكاساني 1/63.
2 كمواهب الجليل للحطاب، وحاشية الدسوقي..
3 الحطاب 1/88.
على هيئة المذبوح يعد ميتة، وذلك مثل ذبيحة المجوسي والمحرم وما ذبح بعظم المذبوح من غير المأكول، وأن ما زالت حياته بذكاة شرعية صحيحة فلا يعد ميتة.
وأنه يدخل في هذا الجنين المعتبرة فيه ذكاة أمه، وكذا الصيد ما لم تدرك ذكاته، والبعير النادُّ1 والمتردّي إذا ماتا بالسهم، فإن هذا كله تعتبر فيه ذكاته الشرعية.
فقد جاء في مغني المحتاج: "
…
والميتة ما زالت حياته لا بذكاة شرعية كذبيحة المجوسي والمحرم - بضم الميم- وما ذبح بالعظم، وغير المأكول إذا ذبح، ودخل الجنين فإن ذكاته بذكاة أمه وصيد لم تدرك ذكاته، والبعير النادُّ والمتردّي إذا ماتا بالسهم
…
"2.
وأما الحنابلة: فيرون أن الميتة هو ما مات حتف أنفه أو قتل على هيئة غير مشروعة، والموت عدم الحياة عمن اتصف بها، وهذا المعنى قريب من المعنى اللغوي للميتة. فقد جاء في كشاف القناع: "
…
المراد بالميتة ما مات حتف أنفه، أو قتل على هيئة غير مشروعة، إما في الفاعل أو المفعول. فما ذبح للصنم أو في الإحرام أو لم يقطع منه الحلقوم ميتة، وكذا ذبح ما لا يؤكل لا يفيد الحل ولا الطهارة. ا?. والموت عدم الحياة عما من شأنه، قاله في المطول3. وقال السيد4: عدم الحياة عمن اتصف بها وهو الأظهر
…
"5.
الموازنة: باستعراض ما قاله الفقهاء بشأن إطلاق اسم الميتة في عرفهم الشرعي يتضح الآتي:
1 البعير النادّ: ندَّ البعير نديدا نفر وذهب على وجهه شاردا فهو ناد والجمع نواد. المصباح المنير للفيومي صفحة 597، القاموس المحيط للفيروز آبادي صفحة 411.
2 الشربيني 1/111-112.
3 المطول للتفتازاني سعد الدين مسعود بن عمر، شرح فيه تلخيص المفتاح في المعاني والبيان للقزويني، وصف هذا الشرح بالمطول، وله شرح ثان مختصر، وهذان الشرحان أهم وأشهر شروح التلخيص. كشف الظنون 1/474 و 2/1722.
4 هو علي بن محمد الجرجاني المتوفي عام 816?، له حاشية على المطول. راجع كشف الظنون 1/474.
5 البهوتي 1/67..
أـ أن الاتفاق حاصل بينهم على أن ما مات حتف أنفه -وهو ما لم تحصل له تذكية شرعية- يعد ميتة، ويستوي في هذا مأكول اللحم وغيره.
ب ـ كما أنهم متفقون كذلك على كون مأكول اللحم إذا حصلت تذكيته بطريق غير مشروع يعد ميتة، وكذا غير مأكول اللحم حتى ولو كانت تذكية على هيئة مشروعة، لأن هذه التذكية لا تفيد حلاً ولا طهارة طالما أنه غير مأكول.
? ـ أن الخلاف حاصل بينهم فقط بشأن التعبير عن هيئة التذكية غير المشروعة؛ فالحنفية اقتصروا على إطلاق هذا - أي التذكية غير المشروعة - تاركين تفاصيل ذلك لما يفهم من شرائط التذكية الشرعية، وهكذا هو مفهوم مذهب المالكية، في حين أن الشافعية والحنابلة قد نصوا صراحة على الطريق التي تجعل التذكية غير مشروعة.
وعدوا منها: ما يتعلق بالفاعل كذبيحة المجوسي والمحرم، وما يتعلق بالمفعول كتذكية غير المأكول، أو ما يتعلق بالآلة كتذكية بالعظم ونحوه، أو ما يتعلق بالغرض من التذكية كالتذكية للصنم ونحوه.
هذا: ورغم أن الفرق في النهاية ليس كبيرا مما يجعل الخلاف في اللفظ فقط دون المعنى فالأقرب إلى المعنى اللغوي هو مسلك كل من الشافعية والحنابلة، حتى اننا وجدناهم يعتدون بنفس العبارات اللغوية.
وعلى هذا فالميتة في عرف الشرع هي ما فارقت الحياة من غير تذكية فيما تجب تذكيته، فهي التي ماتت حتف أنفها ولم تذك أي من غير ذبح شرعي، والغالب أن ما ماتت حتف أنفها قد ماتت لعلة مزمنة أو طارئة أو أكل نبات سام ونحوه ذلك مما لا يؤمن ضرره، وهكذا كان الإطلاق الشرعي للميتة شاملاً لمسلك علماء اللغة سواء من اعتبر الميتة هو ما لم تدركه تذكية أو من اعتبرها ما مات حتف أنفه.
هذا: ولاستيفاء الحديث عن بيع الميتة يلزمنا بيان حكم بيع الميتة ذاتها وبيع أجزائها كالعظم والجلد والشعر وذلك من خلال النظر في المباحث الآتية.