المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني حكم بيع جلد الميتة - البيوع المحرمة والمنهي عنها

[عبد الناصر بن خضر ميلاد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالبيع

- ‌المطلب الأول: البيع لغة

- ‌المطلب الثاني: البيع اصطلاحاً

- ‌المطلب الثالث: أركان البيع

- ‌المطلب الرابع: شروط المعقود عليه "المبيع

- ‌المبحث الثاني: مشروعية البيع وحكمه

- ‌المبحث الثالث: المقصود بالأعيان المحرمة

- ‌المطلب الأول: تعريف العين لغة واصطلاحاً والمحرم لغة والحرام عند الأصوليين

- ‌المطلب الثاني: الأعيان المحرمة لنجاستها

- ‌المطلب الثالث: الأعيان المحرمة لغلبة المفسدة فيها

- ‌المطلب الرابع: الأعيان المحرمة لكرامتها

- ‌الباب الأول: في النجاسات

- ‌التمهيد في بيان اختلاف الفقهاء في حرمة بيع النجاسات وأسبابه

- ‌الفصل الأول: بيع الميتة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول حكم بيع الميتة

- ‌المبحث الثاني حكم بيع أجزاء الميتة

- ‌المطلب الأول: حكم بيع عظم الميتة

- ‌المطلب الثاني حكم بيع جلد الميتة

- ‌المطلب الثالث حكم بيع شعر الميتة

- ‌المبحث الثالث خلاصة القول بشأن بيع الميتة

- ‌الفصل الثاني بيع الدم

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف الدم المسفوح

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع الدم المسفوح

- ‌المبحث الثالث: خلاصة ما قاله الفقهاء بشأن بيع الدم

- ‌الفصل الثالث: بيع فضلات الإنسان والحيوان

- ‌المبحث الأول حكم المني وحكم بيعه

- ‌المطلب الأول: حكم المني

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع المني

- ‌المبحث الثاني: حكم أرواث الحيوانات وحكم بيعها

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع رجيع الحيوانات

- ‌المطلب الثالث: حكم التداوي بأبوال الحيوانات

- ‌الفصل الرابع: بيع الكلب والخنزير

- ‌المبحث الأول: حكم الكلب وحكم بيعه

- ‌المطلب الأول: حكم الكلب

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع الكلب

- ‌المبحث الثاني: حكم الخنزير وحكم بيعه وبيع شعره

- ‌المطلب الأول: حكم الخنزير

- ‌المطلب الثاني حكم بيع الخنزير

- ‌المطلب الثالث: حكم بيع شعر الخنزير

- ‌الفصل الخامس: بيع الخمر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حكمة تحريم الخمر

- ‌المبحث الثاني: حكم الخمر

- ‌المبحث الثالث: حكم التداوي بالخمر، وحكم بيعها

- ‌المطلب الأول: حكم التداوي بالخمر

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع الخمر

- ‌الفصل السادس: حكم بيع المتنجسات والانتفاع بها

- ‌الباب الثاني: مانهى الشارع عن الانتفاع به

- ‌الفصل الأول: بيع أواني الذهب والفضة

- ‌المبحث الأول: حكم أواني الذهب والفضة

- ‌المطلب الأول: حكم استعمال واقتناء أواني الذهب والفضة

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع أواني الذهب

- ‌المبحث الثاني: حكم المضبب بالذهب والفضة

- ‌المطلب الأول: حكم استعمال المضبب بالذهب

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع المضبب بالذهب

- ‌المطلب الثالث: حكم استعمال المضبب بالفضة

- ‌المطلب الرابع: حكم بيع المضبب بالفضة

- ‌المطلب الخامس: حكم استعمال المموه بالذهب والفضة

- ‌المطلب السادس: حكم بيع المموه بالذهب أو الفضة

- ‌المطلب السابع: حكم اتخاذ خاتم وساعة الذهب المعدين للرجال واستعمالهما

- ‌المطلب الثامن: حكم بيع خاتم وساعة الذهب المعدين للرجال

- ‌المطلب التاسع في المستثنيات

- ‌الفصل الثاني: وبيع الأصنام والصور

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: بيان حكم الشرع للصور بأنواعها

- ‌المطلب الأول الصور المجسمة

- ‌المطلب الثاني: التصوير لغير ذي الروح

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع الصور بأنواعها

- ‌المبحث الثالث: المستثنيات

- ‌الفصل الثالث: بيع آلات اللهو

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: آلات اللهو

- ‌المطلب الأول: حكم سماع الغناء

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع آلات اللهو

- ‌المبحث الثاني: النرد

- ‌المطلب الأول حكم اللعب بالنرد

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع النرد

- ‌المبحث الثالث: الشطرنج

- ‌المطلب الأول: حكم اللعب بالشطرنج

- ‌المطلب الثاني بيع الشطرنج

- ‌الفصل الرابع: بيع المخدرات والمفترات

- ‌المبحث الأول: التعريف بالمخدرات والمفترات

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع المخدرات

- ‌المبحث الثالث: حكم بيع المفترات

- ‌الفصل الخامس: بيع الإنسان الحر وأجزائه

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حكم بيع الإنسان الحر

- ‌المبحث الثاني: حكم نقل وبيع بعض أجزاء الإنسان الحر

- ‌المطلب الأول حكم نقل أعضاء الإنسان

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع بعض أجزاء الإنسان

- ‌الفصل السادس: بيع الأشياء المحرمة لقدسيتها

- ‌المبحث الأول: بيع المصحف

- ‌المبحث الثاني: بيع المصحف للكافر

- ‌المبحث الثالث: بيع أرض مكة

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني حكم بيع جلد الميتة

نجاسة عينه وهذا شامل كذلك لما توسع فيه محمد بن الحسن من تخريجه عظم الفيل على أصل المنع لعظم الخنْزير، وبناء عليه فإن عظم الفيل هو الآخر غير جائز بيعه وأنه لا خلاف بين محمد بن الحسن وفقهاء الحنفية إلا في التوسع في الاستثناء وأنه معهم في القول بطهارة عظم الميتة وإمكان الانتفاع بها من بيع ونحوه وأنه يستثنى من هذا الحكم عظم الخنْزير كما قالوا وأضاف هو كذلك عظم الفيل.

وهكذا يكون الراجح في هذا الخلاف ما عليه أصل مذهب الحنفية من القول بجواز

بيع عظم الميتة تحقيقاً لمصالح العباد خاصة وأنهم لا يشترطون طهارة المبيع طالما تحققت ماليته.

وهذا هو أصل الكلام في المسألة بمراعاة استثنائهم لعظم الخنْزير حيث نصوا على إخراجه من هذا الحكم ومنعوا بيعه، أما بالنسبة لاستثناء عظم الفيل فإنه يترجح شموله بالاستثناء وسريانه عليه كما هو مذهب محمد بن الحسن لأنه أقرب ما يكون في نجاسته للخنْزير والمعنى القائم عليه الاستثناء موجود ومتحقق فيه هو الآخر. والله تعالى أعلم.

ص: 61

‌المطلب الثاني حكم بيع جلد الميتة

اختلف العلماء بشأن مدى جواز بيع جلد الميتة وإخضاعه للتصرفات الأخرى، وهذا الخلاف نشأ عن خلاف في مسألة أخرى وهي مدى تأثير الدبغ على طهارة الجلد1، وهذا يستلزم ضرورة تحقيق القول في هذا الخلاف أولاً، وإظهار وجه الحق

1 الدباغ: هو معالجة الجلود بمادة ليلين ويزيل ما به من رطوبة ونتن. راجع: المعجم الوسيط للدكتور إبراهيم أنيس وجماعه 1/270.

والدباغ على ضربين: أحدهما حقيقي: وهي أن يدبغ بشيء له قيمة كالقرظ والعفص والشب ونحوها من كل ما يمنع النتن والفساد. والثاني: حكمي: وهو أن يدبغ بالتشميس والتشريب والإلقاء في السريح، والنوعان مستويان في سائر الأحكام إلا في حكم واحد وهو أنه لو أصابه الماء بعد الدبغ الحقيقي لا يعود نجساً أما بعد الدبغ الحكمي ففيه روايتان، ويرى الشافعية أن الجلد لا يطهر إلا بالدبغ الحقيقي فقط غير أنه لا وجه لهذه التفرقة حيث لا خلاف في الأثر بينهما =

ص: 61

منه بترجيح ما يترجح بالدليل، حتى يمكننا كشف وجه الحقيقة بشأن صلب هذا المبحث والمقصد منه وهو حكم بيع جلد الميتة.

أولاً: موقف العلماء من تأثير الدبغ على طهارة الجلد اختلف العلماء بشأن مدى تأثير الدبغ على طهارة الجلد، وذلك على النحو الأتي:

مذهب الحنفية: القول بطهارة جميع الجلود بالدبغ ما عدا جلد الخنْزير والآدمي، فأما الخنْزير فلنجاسته بالنص القطعي، وهو قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} 1 وأما الإنسان فلكرامته وتشريفه حيث قال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} 2.

فالدبغ له تأثيره على كافة الجلود حيث قالوا بطهارتها بعده، خلافاً لجلد الخنْزير لنجاسته، وجلد الآدمي لكرامته.

فمذهب الحنفية: أن الدبغ مطهر للجلود وأنه بهذا تكون محلاً للبيع والشراء بعد الدبغ، باستثناء جلد الخنْزير لنجاسته، وجلد الآدمي لكرامته. فقد جاء في بدائع الصنائع: "

فالدباغ تطهر للجلود كلها إلا جلد الإنسان والخنْزير

والصحيح أن جلد الخنْزير لا يطهر بالدباغ، لأن نجاسته ليست لما فيه من الدم والرطوبة، بل هو نجس العين فكان وجود الدباغ في حقه والعدم بمنزلة واحدة. وقيل إن جلده لا يحتمل الدباغ، لأن له جلوداً مترادفة، بعضها فوق بعض، كما للآدمي، وأما جلد الإنسان فإن كان يحتمل الدباغ وتندفع رطوبته بالدبغ ينبغي أن يطهر، لأنه ليس بنجس العين

= هذا: وضابط الدباغ عند الشافعية: نزع فضوله وهي مائيته ورطوبته التي يفسده بقاؤها ويطيبه نزعها بحيث إنه لو نقع في الماء لم يعد إليه النتن والفساد وهذا يحدث بحريف مثل القرظ والعفص وقشر الرمان ولا يكفي عندهم التجميد بالتراب ولا بالشمس ونحو ذلك مما لا ينزع الفضول. راجع: المهذب للشيرازي 1/10، سبل السلام للصنعاني 1/30، ونيل الأوطار للشوكاني 1/73.

1 سورة المائدة: الآية 3.

2 سورة الإسراء: الآية 70.

ص: 62

لكن لا يجوز الانتفاع به احتراماً له"1.

مذهب المالكية: يقولون بأن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، وبالتالي لا يجوز بيعه، وذلك على مشهور المذهب، ولا يصلى عليه، وأن هذا قول الإمام مالك رحمه الله خلافاً لمن قال بطهارة الجلد المدبوغ للمنافع دون الصلاة على نحو ما ذكره ابن رشد2.

ولمن رخص فيه مطلقاً إلا من خنْزير بعد دبغه في يابس وماء وهذا هو المشهور في قول مالك.

فقد جاء في مواهب الجليل: "

قال في التوضيح3: اختلف عبارة أهل المذهب في جلد الميتة المدبوغ، فقال أكثرهم مطهر طهارة مقيدة أي يستعمل في اليابسات والماء وحده، وقال عبد الوهاب4 وابن رشد نجس ولكن رخص في استعماله في ذلك ولذلك لا يصلى عليه وهو خلاف لفظي، ولفظ ابن رشد من سماع أشهب5 من كتاب الطهارة المشهور من قول مالك المعلوم من مذهبه أن جلد الميتة لا يطهره الدباغ، وإنما يجوز الانتفاع به في المعاني التي ذكرت

فجلود الميتات كلها نجسة ولو دبغت على المشهور

"6.

1 الكاساني 1/85 – 86.

2 هو القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي المالكي المولود سنة 405? وتفقه على كثير من العلماء وأخذ عنه القاضي عياض وغيره ومن مؤلفاته "المقدمات لأوائل كتب المدونة" وتوفي رحمه الله سنة 520?. راجع: شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف 1/129، والديباج المذهب لابن فرحون 2/150.

3 كتاب فقهي للعلامة خليل بن إسحاق اختصره في مختصره المشهور.

4 هو القاضي عبد الوهاب بن إسحاق بن علي بن نصر بن أحمد بن حسين البغدادي المالكي، ولد ببغداد سنة 362?، وولي القضاء في أسعرد، وبادرايا في العراق ورحل إلى الشام فمر بمعرة النعمان واجتمع بأبي العلاء، وتوجه إلى مصر فعلت شهرته وتوفي رحمه الله فيها سنة 422? من تصانيفه "النصرة لمذهب مالك". راجع: الأعلام للزركلي 4/184، والديباج المذهب لابن فرحون 2/26.

5 هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري الجعدي فقيه الديار المصرية في عهده كان صاحب الإمام مالك قال الشافعي: ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه وقيل: اسمه مسكين وأشهب لقب له مات بمصر رحمه الله سنة 204?. راجع: الأعلام للزركلي 1/335.

6 الحطاب 1/101.

ص: 63

وجاء في التاج والإكليل: "

والمشهور المعلوم من قول مالك أن جلد الميتة لا يطهره الدباغ

ولا يصلى عليه، ورخص فيه مطلقاً إلا من خنْزير بعد دبغه في يابس وماء، ابن رشد: المشهور أن جلد الميتة لا يطهره الدباغ إلا للمنافع دون الصلاة، وفي هذه المسألة خمسة أقوال الآتي منها على مذهب مالك في المدونة أن الذي يطهر بذلك جميع الجلود إلا جلود الدواب، وجلود الخنْزير، ومن سماع أشهب من الضحايا وإذا دبغ جلد الميتة فقال ابن عرفة المشهور أنه يستعمل في اليابسات والماء فقط

"1.

وورد في الشرح الكبير: "وجلد" إذا لم يدبغ بل ولو دبغ فلا يؤثر دبغه في طهارة في ظاهره ولا باطنه وخبر: "أيما إهاب2 دبغ فقد طهر" 3 ونحوه محمول – عندنا في مشهور المذهب على الطهارة اللغوية وهي النظافة، ولذا جاز الانتفاع به فيما أشار له المصنف بقوله: ورخص فيه أي جلد الميتة مطلقاً سواء كان من جلد مباح الأكل أو محرمة، إلا من جلد خنْزير فلا يرخص فيه مطلقاً ذكي أم لا، لأن الذكاة لا تعمل فيه إجماعاً فكذا الدباغ على المشهور"4.

وجاء في حاشية الدسوقي: "

قوله وجلد يعني أن الجلد المأخوذ من الحي أو الميت نجس قوله "ولا باطنه" خلافاً لسحنون5 وابن عبد الحكم6 القائلين أن

1 المواق 1/101.

2 الإهاب: هو الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ، وقيل: هو اسم للجلد سواءً دبغ أم لا. راجع: لسان العرب لابن منظور 1/252.

3 أخرجه مسلم في كتاب الحيض باب طهارة جلود الميتة بالدباغ برقم 366.

4 الدردير 1/54.

5 ابن الإمام: هو محمد بن عبد السلام "سحنون" بن سعيد بن حبيب التنوخي أبو عبد الله فقيه مالكي من أهل القيروان لم يكن في عصره أحد أجمع لفنون العلم منه كان كريم اليد وجيهاً عند الملوك عالي الهمة رحل إلى المشرق وتوفي بالساحل ونقل إلى القيروان ودفن بها رحمه الله سنة 256?. راجع: الديباج المذهب لابن فرحون 2/169، الأعلام للزركلي 6/204.

6 هو عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن الليث، فقيه مصري، من أجلّ أصحاب مالك، أفضت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب، وكان صديقا للشافعي، وعليه نزل الشافعي بمصر، وعنده مات. من مصنفاته "المختصر الكبير" و"سيرة عمر بن عبد العزيز" ولد بالإسكندرية سنة 150 توفي رحمه الله تعالى سنة 214?. راجع: الديباج المذهب لابن فرحون 1/419، والأعلام للزركلي 4/95.

ص: 64

جلد الميتة مطلقاً ولو لخنْزير يطهر بالدباغ طهارة شرعية"1.

فخلاصة مذهب المالكية: الاختلاف بشأن طهارة جلد الميتة وبالتالي الانتفاع به وذلك على النحو الآتي:

أكثر المالكية: إن جلد الميتة المدبوغ طاهر طهارة مقيدة، يعني أنه يستعمل في اليابسات والماء.

وقال عبد الوهاب وابن رشد: إن جلد الميتة نجس، غير أنه قد رخص في استعماله في ذلك أي في اليابسات والماء، ولهذا فإنه لا يصلى عليه.

المشهور من مذهب الإمام مالك: أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، وإنما يجوز الانتفاع به فيما ذكر.

وعلى هذا فالمشهور عند المالكية أن جلد الميتة نجس، وأنه لا يطهره الدباغ.

ذكر صاحب التاج والأكليل: أن في هذه المسألة خمسة أقوال، وقال: إن الآتي منها على مذهب مالك في المدونة أن الذي يطهر بذلك جميع الجلود إلا جلود الدواب وجلود الخنْزير، ومن سماع أشهب من الضحايا، وإذا دبغ جلد الميتة فقال ابن عرفة: المشهور أنه يستعمل في اليابسات والماء فقط.

ويرى ابن عبد الحكم وسحنون أن جلد الميتة مطلقاً يطهر بالدباغ طهارة شرعية ولو كان جلد خنْزير.

مذهب الشافعية: يرون أن جلد الميتة يطهر بالدبغ سواءً كان الجلد لحيوان مأكول اللحم أو كان لغيره، غير أنهم أخرجوا من هذا الحكم كلاً من الخنْزير والكلب، والثابت عندهم هو أن ظاهر الجلد وهو ما لاقى الدابغ يطهر قطعاً أما باطنه وهو ما لم يلاق الدابغ فيطهر على المشهور عندهم، وعلى القول الثاني لا يطهر باطن الجلد لأن آلة الدبغ لا تصل إليه، وهو مردود عليه بأنها تصل إليه بواسطة الماء أو رطوبة الجلد.

وبناء على هذا: يكون الراجح عندهم أن باطن الجلد يطهر بالدبغ كظاهره

1 الدسوقي 1/54.

ص: 65

فقد جاء في مغني المحتاج: "

وجلد نجس بالموت ولو من غير مأكول فيطهر بدبغه يعني باندباغه ولو بإلقاء الدابغ عليه بنحو ريح، أو إلقائه على الدابغ كذلك ظاهره وهو ما لاقى الدابغ لقوله صلى الله عليه وسلم:"أيما أهاب دبغ فقد طهر" رواه مسلم وفيه في البخاري "هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" وكذا باطنه وهو ما لم يلاق الدابغ على المشهور لظاهر الخبرين المتقدمين، والثاني: يقول آلة الدبغ لاتصل إلى الباطن، ودفع بأنها تصل إليه بواسطة الماء أو رطوبة الجلد"1.

فالشافعية: على أن الجلد يطهر بالدباغ وبالتالي يجوز بيعه، وأنهم قد استثنوا من ذلك جلد الخنْزير وجلد الكلب، فلا تأثير للدبغ عليه، وهذا ما عليه المذهب بالاتفاق بالنسبة لظاهر الجلد الذي يلاقي الدبغ، غير أنهم قد اختلفوا بالنسبة لباطن الجلد غير الملاقي للدبغ من حيث مدى تأثير ذلك الدبغ عليه، والمشهور في المذهب أنه يطهر بالدبغ، وأنه في هذا كظاهره.

مذهب الحنابلة: يقولون إن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ إذا كان لميتة نجس، وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية أن الدبغ يؤثر في طهارة الجلد إذا كان جلداً لمأكول اللحم في حال الحياة وبالتالي فإنه يطهر، وذلك مثل جلد الإبل، والبقر، والغنم، وعنه أنه يطهر من جلود الميتة جلد ما كان طاهراً في الحياة من إبل وبقر، ولو كان كذلك جلداً لحيوان غير مأكول كالهر وما دونه خلقة، ولا يطهر جلد ما كان نجساً في حياته كالكلب ولحمه كذلك لأنه ليس محلاً للذكاة.

فقد جاء في كشاف القناع: "

ولا يطهر جلد ميتة نجس بموتها بدبغه

وعنه أي عن الإمام أحمد يطهر منها أي من جلود الميتة جلد ما كان طاهراً في الحياة من إبل وبقر وغنم وظباء ونحوها، ولو كان جلداً لحيوان غير مأكول كالهر وما دونه خلقة

ولا يطهر جلد ما كان نجساً في حياته، كالكلب بذكاة كما لا يطهر لحمه بها لأنه ليس محلاً للذكاة فهو ميتة فلا يجوز ذبحه لذلك أي لجلده أو لحمه لأنه عبث وإضاعة لما قد

1 الشربيني 1/117.

ص: 66

ينتفع به

"1.

وجاء في الإنصاف: "ولا يطهر جلد الميتة يعني النجسة بالدباغ – هذا المذهب نص عليه أحمد في رواية الجماعة وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من مفردات المذهب، وعنه يطهر منها جلد ما كان طاهراً في حال الحياة

وعنه يطهر جلد ما كان مأكولاً في حال الحياة

"2.

وفي موضع آخر: "

وأطلق أبو الخطاب3 جواز بيع جلد الميتة

"4.

الموازنة: بمطالعة ما قاله الفقهاء نجد أن خلاصة القول هو أن المسألة يحكمها اتجاهان هما في الحقيقة مذهبان يعالجان الحكم الشرعي بشأنها وذلك على النحو الآتي:

الاتجاه الأول: يرى أن جلد الميتة يطهر بالدباغ، وهذا ما عليه الجمهور، وهو الراجح غير أن هؤلاء لهم وجهة بنى كل مسلك قوله عليها حيث يرى:

الحنفية: أن جلد الميتة يطهر مطلقا بالدباغ أي سواء كان لمأكول اللحم أم لا، وأخرجوا من هذا الحكم جلد الخنْزير حيث إنه لا يطهر بالدباغ، وهذا ما عليه إجماع الفقهاء، خلافا لسحنون وابن عبد الحكم.

المالكية: يطهر بالدباغ كل جلد حتى جلد الخنْزير وهذا ما قال به سحنون وابن عبد الحكم، وهناك قول للمالكية أنه يطهر طهارة مقيدة باستعماله في اليابسات فقط، وأنه لا يصلى عليه.

الشافعية: يسلكون ذات مسلك الحنفية بشأن القول بطهارة جلد الميتة، وإن كانوا

1 البهوتي 1/66 – 68.

2 المرداوي 1/86 – 87.

3 هو محفوظ بن أحمد الكلوذاني أبو الخطاب إمام الحنابلة في وقته أصله من كلواذا بضواحي بغداد ومولده ووفاته ببغداد رحمه الله سنة 432 ? من كتبه "التمهيد في أصول الفقه" و"الانتصار في المسائل الكبار". راجع: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلي 4/ 409.

4 الإنصاف للمرداوي 4/269.

ص: 67

يضيفون الكلب في إخراجه من هذا فضلاً عن الخنْزير.

الحنابلة: يقولون يطهر بالدباغ جلد الطاهر حال الحياة، وكذا حال مأكول اللحم.

الاتجاه الثاني: يرى أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، وأنه لا تأثير للدبغ في هذا الشأن، وهذا هو المذهب المرجوح في المسألة، ولمن قال به وجهات مختلفة في مسلكه وهي حدود المنع أو التقييد:

الحنفية: يرون أن جلد الخنْزير لا يطهر بالدباغ.

المالكية: أنه لا يؤثر الدباغ في طهارة المدبوغ، وهذا قول عند المالكية، وفي قول عندهم أن هذا خاص بالمائعات.

الشافعية: يرون أن جلد الخنْزير والكلب لا يطهران بالدباغ.

الحنابلة: يرون عدم تأثير الدبغ على جلد ما كان نجسا في حالة حياته، أو كان غير مأكول اللحم حيث لا يطهر بالدباغ.

وعلى هذا: فمجمل القول في المسألة مذهبان:

المذهب الأول: أن جلد الميتة يطهر بالدباغ مطلقاً سواء كان ذلك لحيوان مأكول اللحم أم كان لغير، وإلى هذا ذهب الحنفية ما عدا الخنْزير، والشافعية ما عدا الخنْزير والكلب، وسحنون وابن عبد الحكم من المالكية حتى لو كان جلد الخنْزير، وهو قول للمالكية في اليابسات فقط، والحنابلة فيما عليه الإمام أحمد خاصة بالنسبة لجلد الطاهر في الحياة أو كان لمأكول اللحم.

المذهب الثاني: يرى أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، وهو عند الحنفية بالنسبة للخنْزير، وعند الشافعية بالنسبة للخنْزير والكلب، وهو قول عند المالكية في المائعات، وقول عند الحنابلة لجلد ما كان نجساً في حالة حياته أو كان جلداً غير مأكول اللحم.

الأدلة: استدل أصحاب المذهب الأول بما يأتي:

أ- ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "مر على شاة ميتة

ص: 68

فقال: " هلا انتفعتم بإهابها"، فقالوا: إنها ميتة، فقال:" إنما حرم أكلها".

ب- ما رواه ابن عباس أيضاً حيث قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر"1. وفي رواية أخرى: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" 2.

وقد وجه الحنفية ومن وافقهم الاستدلال بهذين الحديثين بأن لفظ الإهاب ورد بهما عاماً وهذا يدل على شموله لكل جلد، وهذا بطبيعة الحال مع مراعاة ما سبق بيانه من تحفظ الحنفية والشافعية بالنسبة لجلد الخنْزير لنجاسته، وبالتالي فلا يؤثر فيه الدبغ بخلاف الكلب عند الحنفية، لأنهم يرون عدم نجاسة عينه حال الحياة للانتفاع به في الحراسة والصيد، وهذا بخلاف ما عليه الشافعية من أن كلاً من الكلب والخنْزير نجس العين حال الحياة، وأنه لا يدفع الدبغ النجاسة عن جلدهما3.

واستدل أصحاب المذهب الثاني بما يأتي: فقد وجه هؤلاء ما استند عليه أنصار المذهب الأول – من لفظ الطهارة الواردة في الحديثين المذكورين "إذا دبغ الإهاب فقد طهر"، "أيما إهاب دبغ فقد طهر" وجهوا هذا بأن المراد الطهارة اللغوية يعني النظافة4.

أ- أن الله سبحانه قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 5 والمعروف أن جلد الميتة جزء منها فكان محرماً هو الآخر فلم يطهر كاللحم، فضلاً عن أنه جزء محرم بالموت فكان نجساً كما كان قبل الدبغ حيث تأبدت نجاسته.

ب- ما روي عن عبد الله بن عكيم6 حيث قال: كتب إلينا النبي صلى الله عليه وسلم "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب

1 الحديث بهذا اللفظ أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الحيض باب طهارة جلود الميتة بالدباغ برقم 366.

2 الحديث بهذا اللفظ أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/219، 270، والترمذي في السنن كتاب اللباس باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت برقم 1728 وقال حسن صحيح، والنسائي في المجتبى كتاب الفرع والعتيرة باب جلود الميتة برقم 4241، وابن ماجة في السنن كتاب اللباس باب لبس جلود الميتة إذا دبغت برقم 3609، وابن حبان في صحيحه 4/103، 104.

3 المجموع للنووي 1/254، وشرح فتح القدير لابن الهمام 1/82، وبدائع الصنائع للكاساني 1/ 85.

4 حاشية الدسوقي 1/54.

5 سورة المائدة الآية 3.

6 عبد الله بن عُكَيم، أبو معبد الجهني الكوفي، مخضرم، وقد سمع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهينة، توفي في إمرة الحجاج. راجع: الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر برقم 1628، الإصابة في تميز الصحابة لابن حجر 6/166 برقم 4849 أسد الغاية لابن الأثير الجزري 3/239.

ص: 69

ولا عصب" 1 لأن هذا الحديث ناسخ لما قبله لأنه كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر وذلك على نحو ما رواه ابن عكيم، كما أن لفظه يدل على ما سبق الترخيص والمقرر أن اللاحق ينسخ السابق وأن الثابت هو الأخذ بأحد الأمرين وهو عدم الانتفاع مطلقاً من الميتة بشيء، هذا فضلاً عن أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة2 "إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" 3 وفي التاريخ الكبير للبخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليهم: "ألا تنتفعوا من الميتة بشيء" 4 5.

ونوقش هذا: بأن حديث عبد الله بن عكيم مرسل وذلك لعدم سماع عبد الله من

النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن اضطراب سنده ومتنه، فتارة يقول عن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يقول عمن قرأ الكتاب، وأخرى عن مشيخة من جهينة وأن الأكثر رواه من غير تقييد، ومنهم رواه بتقيد شهر أو شهرين أو أربعين يوماً أو ثلاثة أيام يدبغ، وبهذا يمكن الجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى فينتفي التعارض بينهما.

أو أن هذا الحديث عام في النهي عن الانتفاع بالميتة مطلقاً، والأحاديث التي سبق ذكرها كحديث ابن عباس، وحديث ميمونة مخصصة لهذا النهي بما قبل الدباغ مصرحة بجواز الانتفاع بعد الدباغ، والخاص مقدم على العام سواء تقدم أو تأخر، وهذا فضلاً عن أن الأحاديث التي ثبتت الدباغ أصح إسناداً وأكثر رواة، وسالمة من الاضطراب، فهي أقوى وأولى من حديث عبد الله بن عكيم، ولأنها أيضاً عن سماع،

1 الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند4/311، وأبو داود كتاب اللباس باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة برقم 4127، والترمذي كتاب اللباس باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت برقم 1729 وقال حديث حسن، والنسائي كتاب الفرع والعتيرة باب ما يدبغ به جلود الميتة برقم 4249، 4250، 4251، وابن ماجة كتاب اللباس باب من قال لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب برقم 3613.

2 بنو جهينة -بضم الجيم وفتح الهاء وسكون المثناة تحت وفتح النون بعدها- حي من قضاعة من القحطانية، وهم بنو جهينة بن زيد بن ليث بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاني بن قضاعة.

راجع: نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي 204، معجم البلدان لشهاب الدين الحموى 2/194.

3 الحديث بهذا اللفظ أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 1/39.

4 هذا اللفظ أخرجه البخاري في تاريخه الكبير7/167، وابن حبان في صحيحه 4/95،

راجع: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رحمه الله برقم 3133.

5 نيل الأوطار للشوكاني 1/78، 79، وجامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير 7/112- 113.

ص: 70

وحديث عبد الله بن عكيم عن كتابة، والسماع أقوى من الكتابة 1.

وبالنسبة لاستدلال أصحاب هذا المذهب بالآية من سورة المائدة، فإنه يرد عليه بأن هذه الآية خصصتها الأحاديث الواردة في هذا الشأن، التي تثبت طهارة جلد الميتة بالدباغ.

ويرى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه يطهر بالدباغ جلد ما كان طاهراً في الحياة كالهر، لأن حديث "أيما إهاب دبغ فقد طهر" يتناول الحيوان المأكول وغيره، فيخرج منه ما كان نجساً، لكون الدبغ إنما يؤثر في رفع نجاسة حادثة بالموت، فيبقى ما عداه على العموم، وروي عن الأمام أحمد أيضاً أنه يطهر بالدباغ مأكول اللحم 2.

والذي يترجح لدي في هذا الخلاف: هو القول بطهارة جلد الميتة إذا دبغ، سواء كان الحيوان مأكول اللحم أم لا، باستثناء جلد الكلب والخنْزير، لأن نجاستهما عينيه لا يؤثر الدباغ فيها.

ثانياً: حكم بيع جلد الميتة بعد أن ترجح لدينا القول بطهارة جلد الميتة بعد دبغه، فإنه يلزمنا البحث عن حكم بيع هذه الجلود وإجراء جميع التصرفات عليها من الاستعمال والاقتناء ونحو ذلك، عملاً بأصل الخلاف في مسألة طهارة جلد الميتة، فضلاً عن أصل الميتة ذاتها. فبحث حكم بيع جلد الميتة هنا متفرع على الحديث عن الميتة ذاتها من هذه الزاوية فضلاً عن أن الخلاف حاصل بين الفقهاء بشأن مدى طهارة جلد الميتة من عدمه، سواء كان قبل الدبغ أو بعده، وهذا كله استلزم أن نقوم بالحديث عن حكم بيع جلد الميتة.

وهذا ما قاله الفقهاء في هذا الشأن:

مذهب الحنفية: أن جلد الميتة المدبوغ يجوز بيعه والانتفاع به، حتى ولو كان لغير مأكول اللحم، طالما أنه قد دبغ، وذلك لإباحة الانتفاع به شرعاً، ولتحقق جانب المالية

1 المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة 1/58، والإنصاف للمرداوي 1/86.

2 راجع: المرجعين السابقين: الموضع نفسه.

ص: 71

فيه، وهذا هو الركن الأعظم عندهم في عقد البيع وقد نص المذهب على أن الجلد غير المدبوغ لا يجوز بيعه، لوجود الرطوبات السيالة فيه، وبهذا فإنه يأخذ نفس حكم الميتة من حيث الحرمة ومنع بيعه شرعاً، وأن جلد الخنْزير لا ينعقد بيعه حتى ولو دبغ، وذلك لنجاسة عينه، وأن أصل المذهب طهارة الجلود بالدباغ، وجواز بيعها، بمراعاة تحفظهم بالنسبة لجلد الخنْزير خاصة.

فقد جاء في بدائع الصنائع: "

وأما جلد السبع والحمار والبغل، فإن كان مدبوغاً أو مذبوحاً يجوز بيعه لأنه مباح الانتفاع به شرعاً، فكان مالاً، وإن لم يكن مدبوغاً ولا مذبوحاً، لا ينعقد بيعه، لأنه إذا لم يدبغ ولم يذبح بقيت رطوبات الميتة فيه، فكان حكمه حكم الميتة، ولا ينعقد بيع جلد الخنْزير كيف ما كان لأنه نجس العين بجميع أجزائه، وقيل إن جلده لا يحتمل الدباغ

ولأن حرمة الميتة ليست لموتها فإن الموت موجود في السمك والجراد وهما حلالان قال عليه الصلاة والسلام "أحل لنا ميتتان ودمان" 1 بل لما فيها من الرطوبات السيالة والدماء النجسة لانجمادها بالموت ولهذا يطهر الجلد بالدباغ حتى يجوز بيعه لزوال الرطوبة عنه"2.

وجاء في الهداية: "

قال ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ، لأنه غير منتفع به، قال عليه الصلاة والسلام "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب" وهو اسم لغير المدبوغ،

ولا بأس ببيعها والانتفاع بها بعد الدباغ، لأنها قد طهرت بالدباغ"3.

مذهب المالكية: اختلف فقهاء المالكية في حكم بيع جلود الميتة، فقد نقل في المشهور عندهم أنه لا يجوز بيع جلود الميتة والانتفاع بها حتى ولو دبغت. وقيل يجوز بيعها بعد الدبغ لا قبله، والقولان مبنيان على قولهم بشأن الطهارة لهذه الجلود خاصة بعد دبغها.

1 الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/97، وابن ماجه في السنن برقم 3314، والدارقطني 4/271، والبيهقي في السنن 1/254، 9/257، 10/7

2 الكاساني 5/142.

3 شيخ الإسلام برهان الدين المرغيناني 6/426 – 427.

ص: 72

أما قبل الدبغ: فقيل لا يجوز اتفاقاً كما في رواية ابن حارث1 وإن كان ابن رشد المالكي قد روى لنا خلافاً في مذهب المالكية بشأن مدى إمكان الانتفاع بالجلد قبل دبغه وبالتالي جواز بيعه ثلاثة أقوال:

الأول: لابن وهب2 الذي قال بجواز البيع والانتفاع، وهذا القول مبني على سماعه عن ابن القاسم 3.

الثاني: القول بمنع البيع والانتفاع، وهذا هو المروي عن ابن القاسم ورواية عن مالك.

الثالث: يجوز الانتفاع دون البيع وهذا القول روى عن ابن القاسم.

أما مذهب المدونة فهو منع البيع مطلقاً لعد ذلك من البيوع الفاسدة يعني قبل الدبغ وبعده. فقد جاء في مواهب الجليل: "

وكذلك جلود الميتة لا يجوز بيعها وإن دبغت، وقيل يجوز، وقال في التوضيح القولان مبنيان على الطهارة ومقابل المشهور لابن وهب في جواز البيع بعد الدبغ انتهى. ونقل ابن عرفة هذين القولين بعد الدبغ، أما قبله فنقل في ذلك طريقتين الأولى لابن حارث لا يجوز اتفاقاً، والثانية لابن رشد في جواز البيع والانتفاع ثلاثة أقوال:

1 هو محمد بن الحارث بن أسد أبو عبد الله الخشني القيرواني ثم الأندلسي، فقيه مؤرخ من الفقهاء الحفاظ، تفقه بالقيروان على أحمد بن نصر وأحمد بن زياد وغيرهم، انتقل إلى قرطبة وتفقه عليه قوم من أهله، كان حافظاً للفقه مقدماً فيه نبيهاً ذكياً عالماً بالفتيا، وولي الشورى بقرطبة. من تصانيفه الاتفاق والاختلاف في مذهب مالك، والفتيا، والرواة عن مالك، توفي رحمه الله نحو 366?. راجع: الأعلام للزركلي 6/75.

2 هو عبد الله بن وهب بن مسلم أبو محمد الفهري بالولاء المصري من تلاميذ الإمام مالك والليث بن سعد جمع بين الفقه والحديث والعبادة كان حافظاً مجتهداً عرض عليه القضاء فامتنع ولزم منْزله، توفي رحمه الله بمصر سنة 197?. راجع: الأعلام للزركلي 4/144.

3 هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن القاسم شيخ حافظ حجة فقيه صحب الإمام مالكاً وتفقه به وبنظرائه لم يرو أحد الموطأ عن مالك أثبت منه وروى عن مالك المدونة خرج عنه البخاري في صحيحه وأخذ عنه أسد بن الفرات توفى رحمه الله بالقاهرة سنة 191 ?. راجع: الأعلام للزركلي 4/97، والديباج المذهب لابن فرحون 1/465.

ص: 73

الأول: الجواز فيهما لابن وهب مع قيامه من سماع ابن القاسم.

الثاني: المنع فيهما وهو المتقدم في قول ابن القاسم وروايته عن مالك

والثالث: يجوز الانتفاع لا البيع، وهو رواية لابن القاسم

ومذهب المدونة: المنع من بيع ذلك كله. قال في البيوع الفاسدة منها ولا يجوز بيع ميتة ولا جلدها وإن دبغ.."1.

مذهب الشافعية: اتفق فقهاء الشافعية على عدم جواز بيع الجلد قبل الدبغ، وجواز ذلك بعد دبغه وإجراء جميع التصرفات عليه لأنه طاهر منتفع به، فقد نص المذهب على أن جلد الميتة المدبوغ طاهر حتى ولو كان من غير مأكول اللحم، وعلة المنع قبل الدبغ هي وجود الرطوبات السيالة والدماء النجسة بخلاف حالة الجلد بعد الدبغ من زوال الرطوبة عنه والسيولة مما يترتب على ذلك طهارته وصحة بيعه.

فقد جاء في مغني المحتاج: "

وجلد نجس بالموت ولو من غير مأكول فيطهر بدبغه يعني باندباغه، ولو بإلقاء الدابغ عليه بنحو ريح، أو إلقائه على الدابغ كذلك ظاهره وهو ما لاقى الدابغ لقوله صلى الله عليه وسلم "أيما إهاب دبغ فقد طهر" رواه مسلم وفيه وفي البخاري "هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" وكذا باطنه وهو ما لم يلاق الدابغ على المشهور لظاهر الخبرين المتقدمين، والثاني: يقول آلة الدبغ لا تصل إلى الباطن ودفع بأنها تصل إليه بواسطة الماء أو رطوبة الجلد فعلى الثاني لا يصلى فيه ولا يباع ولا يستعمل في الشيء الرطب، وأما على الأول فهو كالثوب المتنجس

ويصير المدبوغ والمندبغ كثوب نجس أي متنجس

وعلى هذا: هل يطهر بمجرد نقعه في الماء أو لا بد من استعمال الأدوية ثانياً؟ وجهان: أصحهما في زيادة الروضة2. الثاني، والمراد نقعه في ماء كثير وإذا لم نوجبه فيصلى فيه بعد غسله، ويجوز بيعه وإن لم يغسله ما لم يمنع

1 الحطاب 4/261.

2 المقصود به ما ذكره النووي غريبا من الزيادات غير مضاف إلى قائله، ذكر ذلك في مقدمة كتابه روضة الطالبين 1/6، ط المكتب الإسلامي، راجع المجموع شرح المهذب 1/280-281.

ص: 74

من ذلك مانع

"1.

مذهب الحنابلة: اتفق فقهاء الحنابلة على منع بيع جلد الميتة قبل دبغه، واختلفوا في حكم بيع جلد الميتة بعد دبغه، والصحيح في المذهب القول بمنع بيع ذلك الجلد حتى بعد دبغه، وذلك بناءً على القول بنجاسته وعدم طهارته بالدباغ، وفي المذهب قول بجواز بيع جلد الميتة وهذا ما قال به أبو الخطاب بناء على القول الذي أفاد الطهارة بعد الدبغ، مع اختلافهم فيما يطهر بالدبغ، فقيل يطهر جلد جميع ما كان طاهراً حال الحياة وهو الصحيح في المذهب، وقيل بل تقتصر على ما كان مأكولاً.

فقد جاء في المغني: "ولا يجوز بيع جلد الميتة قبل الدبغ قولاً واحداً، قاله ابن أبي موسى2، وفي بيعه بعد الدبغ عنه خلاف

والصحيح عنه أنه لا يجوز وهذا ينبني على الحكم بنجاسة جلود الميتة وأنها لا تطهر بالدباغ"3.

وجاء في الإنصاف: "ما يطهر بدبغه انتفع به، ولا يجوز أكله على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب ونص4 عليه5 وقيل: يجوز، وقال في مكان آخر: ويحرم استعمال جلد الآدمي إجماعاً

ولا يطهر بدبغه، وأطلق بعضهم وجهين انتهى. وفي رواية

يجوز بيعه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب، وعنه لا يجوز

كما لو لم يطهر بدبغه، وكما لو باعه قبل الدبغ

وأطلق أبو الخطاب جواز بيعه مع

1 الشربيني 1/117 – 118.

2 هو محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى بن أحمد بن موسى أبو علي الهاشمي القاضي كان ثقة وهو أحد فقهاء الحنابلة كان يدرس ويفتي في جامع المدينة من تصانيفه الإرشاد وشرح كتاب الخرقي توفي رحمه الله تعالى سنة 428?. راجع: معجم مصنفات الحنابلة للدكتور عبد الله الطريقي 2/26، والأعلام للزركلي 5/314.

3 ابن قدامة 4/287 – 288.

4 المقصود نص عليه: أي الإمام أحمد.

5 لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} والجلد منها وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما حرم من الميتة أكلها" ولأنه جزء من الميتة فحرم أكله كسائر أجزائها، ولا يلزم من الطهارة إباحة الأكل بدليل الخبائث مما لا ينجس بالموت، ثم لا يسمع قياسهم في ترك كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. راجع: ابن قدامة 1/70.

ص: 75

نجاسته كثوب نجس

فيتوجه منه بيع نجاسة يجوز الانتفاع بها"1.

وجاء في كشاف القناع: "

ويجوز استعماله أي الجلد المدبوغ من ميتة طاهرة في الحياة فقط في يابس بعد دبغه، لأنه عليه الصلاة والسلام وجد شاة ميتة أعطتها مولاة لميمونة2 من الصدقة فقال عليه الصلاة والسلام:"ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به" ولأن الصحابة رضي الله عنهم لما فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وأسلحتهم وذبائحهم ميتة، ونجاسته لا تمنع الانتفاع به كالاصطياد بالكلب وركوب البغل والحمار. ومفهوم كلامه أنه لا يباح الانتفاع به قبل الدبغ مطلقاً، لمفهوم الحديث. قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: فأما قبل الدبغ فلا ينتفع به قولاً واحداً ولا الانتفاع به بعد الدبغ في مائع من ماء أو غيره لأنه يفضي إلى تعدي النجاسة

كما يحرم بيع جلد الميتة النجس قبله أي قبل الدبغ، وعنه: أي عن الإمام يطهر منها أي من جلود الميتة ما كان طاهراً في الحياة من إبل وبقر وغنم وظباء ونحوها، ولو كان جلداً لحيوان غير مأكول كالهر وما دونه خلقة

ولا يطهر جلد ما كان نجساً في حياته كالكلب بذكاة، كما لا يطهر لحمه بها، لأنه ليس محلاً للذكاة فهو ميتة

"3.

فالمستفاد من نصوص الحنابلة: أنه لا يجوز بيع جلد الميتة قبل الدبغ قولاً واحداً، وإن كان الخلاف فقط في حكم بيعه بعد الدبغ والصحيح في المذهب أنه لا يجوز بناء على قولهم بعدم طهارة الجلود بدبغها وأن جلود الميتة تظل نجسة حتى بعد دبغها وبالتالي فلا يجوز بيعها لعدم تحقق شرط الطهارة.

وبالنسبة لطهارة جلود الميتة، فهناك رواية عن الإمام أنه يطهر بالدبغ جلود ميتة

1 المرداوي 1/ 89 – 90.

2 هي ميمونة بنت الحارث بنت حزن الهلالية آخر امرأة تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وآخر من مات من زوجاته كان اسمها برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة بايعت بمكة قبل الهجرة وكانت زوجة أبي رهم بن عبد العزى العامري ومات عنها فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع للهجرة وروت عنه ستة وسبعين حديثاً، توفيت رضي الله تعالى عنها في"سرف" وهو الموضع الذي كان فيه زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم قرب مكة ودفنت بهت توفيت 51هـ. راجع: الأعلام للزركلي 7/342 والإصابة في تمييز الصحابة للعسقلاني 4/411.

3 البهوتي 1/67 – 68.

ص: 76

ما كان طاهراً في الحياة، من إبل، وبقر، وغنم، وظباء، ونحوها، حتى ولو كان جلداً لحيوان غير مأكول كالهر وما دونه خلقه. في حين أنه لا يطهر جلد ما كان نجساً في حياته كالكلب حتى ولو كان ذلك بذكاة قياساً على عدم طهارة لحمه وأن هذه التذكية لا أثر لها لأن الحيوان ليس محلاً للذكاة فهو ميتة حتى ولو تمت ذكاته.

الموازنة: نجد أن الفقهاء قد اختلفوا بشأن حكم بيع جلد الميتة بسبب اختلافهم في أثر الدباغ على جلد الميتة وهذا خلاصة ما قالوه:

أولاً: منع بيع جلد الميتة مطلقاً، أي سواء كان ذلك بعد الدبغ أو قبله من مأكول اللحم أم لا من مذكى أم لا، وهذا ما ذهب إليه المالكية على نحو ما ورد في المدونة، وهو المروي عن ابن الحارث من المالكية، وهو أحد القولين المحكيين عن ابن عرفة كما أنه هو المنقول عن ابن الحارث في إحدى الطريقين لديه خاصة قبل الدبغ، وهذا هو المذهب الصحيح عند الحنابلة.

ثانياً: منع بيع جلد الميتة ومنع الانتفاع به قبل الدبغ، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وإن كان ابن رشد ذكر فيه خلافاً وأورد فيه ثلاثة أقوال أحدها موافق لما قال به الجمهور من القول بمنع البيع ومنع الانتفاع.

ثالثاً: منع بيع جلد الميتة وجواز الانتفاع به فقط، وهذا هو القول الثالث عند ابن رشد.

رابعاً: جواز بيع جلد الميتة وجواز الانتفاع به، وهذا على القول الثاني عند ابن رشد وهو مبني على سماعه عن ابن القاسم، وهذا هو قول أبي الخطاب.

خامساً: جواز بيع جلد الميتة بعد الدبغ سواء كان من غير مأكول اللحم، وهذا أثر لعملية الدبغ وهذا نص المذهب الشافعي وهو أحد القولين المحكيين عن ابن عرفة.

سادساً: جواز بيع جلد الميتة بعد الدبغ لما كان مأكول اللحم، وهو ما ذهب إليه الحنفية.

ويمكن إجمال الآراء في حكم بيع جلد الميتة في مذهبين:

ص: 77

الأول: الجواز على تفصيل في هذا الجواز.

الثاني: المنع على تفصيل في هذا المنع.

الأدلة: استدل القائلون بالجواز بما يأتي:

1-

ما ورد في حديث ميمونة السابق عرضه عند الحديث عن إمكان طهارة الجلد بالدبغ، وذلك لأن المقرر أن البيع أحد وجوه الانتفاع بهذه الجلود المدبوغة، خاصة وأن الجلد المدبوغ له أهميته في حياة الناس، حيث إنه يدخل في كثير من الصناعات، وهذا بلا شك يعود على الإنسان بالخير والنفع المرادين في تحقيق مقصد التشريع الإسلامي الحنيف، ففي هذا الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما والذي ورد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاه ميتة فقال "هلا انتفعتم بإهابها فقالوا إنها ميتة. فقال إنما حرم أكلها".

وفي الحديث الأخر يقول ابن عباس أيضاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر"، وفي رواية أخرى "أيما إهاب دبغ فقد طهر"، وفي هذا القول ورد لفظ الإهاب عاماً وهذا يدل على شموله لكل جلد، طالما أنه قد لحقه الدبغ وعولج به حتى ولو كان الحيوان غير مأكول اللحم، وحتى لو لم يكن لحيوان مذكى، لأن هذا هو الأثر المباشرة لعملية الدبغ، خاصة وأن الحيوان غير نجس في عينه كالخنْزير عند الحنفية، وكالكلب والخنْزير عند الشافعية.

2-

أن الصحابة –رضوان الله عليهم- لما فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وأسلحتهم وذبائحهم ميتة، ونجاسته لا تمنع الانتفاع به كالاصطياد بالكلب وركوب البغل والحمار1.

3-

أن الجلد بعد الدبغ مباح الانتفاع به شرعاً فكان مالاً، وأن حرمة الميتة ليست لموتها، فإن الموت موجود في السمك والجراد وهما حلالان، بل لما فيها من الرطوبات السيالة والدماء النجسة لانجمادها بالموت، ولهذا يطهر الجلد بالدباغ حتى

1 كشاف القناع للبهوتي 1/67.

ص: 78

يجوز بيعه لزوال الرطوبة عنه 1.

واستدل المانعون لبيع جلد الميتة بما يأتي: تمسك المانعون سواء من قال بمنع بيع جلد الميتة مطلقاً، أو من قال بمنع ذلك قبل الدبغ، أو من قال بمنعه من غير مأكول اللحم ونحو ذلك، تمسكوا بنفس أوجه استنادهم فيما قالوه من عدم طهارة جلد الميتة حتى ولو كان ذلك بعد الدبغ، ولو كان من مأكول اللحم ونحوه.

1-

ما روي عن عبد الله بن عكيم – حيث قال: كتب إلينا النبي صلى الله عليه وسلم "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" لأن هذا الحديث ناسخ لما قبله، لأنه كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر، وذلك على نحو ما رواه ابن عكيم كما أن لفظه يدل على ما سبق الترخيص والمقرر أن اللاحق ينسخ السابق، وأن الثابت هو الأخذ بأحد الأمرين، وهو عدم الانتفاع مطلقاً من الميتة بشيء، هذا فضلاً عن أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة "إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" وفي التاريخ الكبير للبخاري:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليهم ألا تنتفعوا من الميتة بشيء".

ونوقش هذا: بأن حديث عبد الله بن عكيم مرسل لعدم سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى أنه مضطرب السند والمتن.

فضلاً عن أنه يمكن القول بأن هذا الحديث عام في النهي عن الانتفاع بالميتة، ومن هذا بيع جلد الميتة، غير أنه قد خصص بحديث ميمونة، خاصة وأن هذا بعد الدبغ، كما أن حديث ميمونة أصح إسناداً من حديث ابن عكيم.

2-

أن جلد الميتة جزء منها، وحيث كانت محرمة كان هو الآخر محرماً ولهذا فلا يمكن الانتفاع به بالبيع ونحوه والدليل على أن الميتة وجميع أجزائها محرم قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 2.

1 بدائع الصنائع للكاساني 5/142.

2 سورة المائدة الآية 3.

ص: 79