الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: بيع المصحف للكافر
اختلف الفقهاء بشأن بيع المصحف للكافر.
مذهب الحنفية: لم أجد نصا في هذا الموضوع فيما اطلعت عليه من كتب الحنفية1.
مذهب المالكية: لا يجوز بيع المصحف لكافر، وإن باعه مسلم لكافر فمشهور المذهب يجبر الكافر على إخراجه من ملكه من غير فسخ ببيع ونحوه، ومقابل المشهور أنه يفسخ البيع إذا كان قائماً، وذكر ابن رشد أن الخلاف يفيد بما إذا علم البائع أن المشتري كافر، أما إذا ظن أنه مسلم فلا يفسخ البيع بلا خلاف، ويجبر الكافر على إخراجه من ملكة ببيع ونحوه.
فقد جاء في مواهب الجليل: "
…
ومنع بيع مسلم ومصحف وصغير لكافر
…
وأما
…
المصحف فلا يصح بيعه منه بلا خلاف، فإن وقع ذلك فاختلف فيه، فمذهب المدونة أن البيع يمضي ويجبر الكافر على إخراج ذلك من ملكه،
…
قال في المدونة
…
فإن ابتاع الذمي أو المعاهد مسلماً أو مصحفاً أجبر على بيعه،
…
وقيد ابن رشد الخلاف بأن يكون البائع عالماً بأن المشتري نصراني، قال ولو باعه من نصراني وهو يظن أنه مسلم بيع عليه ولم يفسخ اتفاقاً
…
"2.
مذهب الشافعية: قالوا بأن بيع المصحف للكافر فيه طريقان مشهوران، الأول فيه قولان أصحهما لا يصح بيع المصحف للكافر، والثاني يصح البيع، والطريق الثاني: القطع بأنه لا يصح البيع، والخلاف عندهم في صحة البيع أو عدم صحته، أما البيع نفسه فحرام بلا خلاف.
فقد جاء في المجموع شرح المهذب: "أما إذا اشترى الكافر مصحفاً ففيه طريقان
1 كحاشية ابن عابدين والبحر الرائق لابن نجيم.
2 الحطاب 4/253.
مشهوران أحدهما
…
أنه لا يصح البيع، والثاني يصح "والطريق الثاني" القطع بأنه لا يصح البيع وقطع به جماعة،
…
والخلاف إنما هو في صحة البيع، ولا خلاف أنه حرام
…
"1.
مذهب الحنابلة: يرى الحنابلة عدم جواز بيع المصحف مطلقاً للكافر، وأن البيع يكون باطلاً.
فقد جاء في المغنى والشرح الكبير: "
…
ولا يجوز بيعه لكافر، فإن اشتراه فالبيع باطل
…
"2.
الموازنة: بمراجعة نصوص الفقهاء نستخلص في المسألة ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: يرى صحة بيع المصحف للكافر ويجبر الكافر على إخراجه من ملكه، وهو مذهب المالكية.
المذهب الثاني: أنه لا يصح بيعه لكافر، وهو مذهب الحنابلة، ومشهور مذهب الشافعية، وقد عبر الشافعية عن ذلك بعدم الصحة، في حين قال الحنابلة إن البيع يكون باطلاً.
المذهب الثالث: يرى صحة بيع المصحف للكافر مع حرمة ذلك البيع وهو قول عند الشافعية.
الأدلة: استدل أصحاب المذهب الأول القائلون بصحة بيع المصحف للكافر، وإن الكافر يجبر على إخراجه من ملكه:
1 -
بأن الكافر أهل للشراء، والمصحف محل له فصح البيع، ويجبر الكافر على ان يخرجه من ملكه لأن فيه حفظ لكتاب الله من الإهانة والابتذال إن وقع في أيدي الكفار.
1 النووي 9/434.
2 ابن قدامة 4/13.
واستدل أصحاب المذهب الثاني القائلون بعدم جواز بيع المصحف للكافر بمايلي:
حفظ كتاب الله من الإهانة والابتذال إن وقع في أيدي الكفار، كما أن الكافر يمنع من استدامة الملك عليه فمنع من ابتدائه كسائر ما يحرم بيعه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم "عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو"1. مخافة أن تناله أيديهم، فلا يجوز تمكينهم من ذلك ببيع ونحوه، هذا فضلاً عن أن تمكين الكافر من ملك المصحف فيه تعريض له للإهانة والابتذال، ولأن بيع المصحف للكافر عقد منع منه لحرمة الإسلام فلم يصح كتزويج المسلمة من الكافر.
واستدل أصحاب المذهب الثالث القائلون بجواز بيع المصحف للكافر مع حرمة ذلك البيع: بأن الكفار أهل للشراء، ولكن تمكينهم من ملكه فيه تعريض وإهانة لكتاب الله لأنهم لا يستأمنون عليه.
والذي يترجح لدي: هو عدم صحة بيع المصحف للكافر، وأن البيع يقع باطلاً كما هو مذهب الحنابلة، لأن الكافر لا يؤتمن على كلام الله لعداوته للإسلام فلا يمكن مما يوصله إلى ذلك حفظاً لكتاب الله من المهانة والابتذال والله تعالى أعلم.
1 رواه البخاري 3/1090 برقم 2828، ومسلم 3/1490 برقم 1869.