الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مشروعية البيع وحكمه
ثبتت مشروعية البيع بالكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} 1، وقوله:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} 2
وقوله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} 3، وقوله سبحانه:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} 4.
فهذه الآيات الكريمة تقرر حل البيع وإباحته للناس، كأسلوب لتبادل المنافع مما لا غنى للإنسان عنه، وفي هذا التوسعة وتحقيق التكامل بين العباد، فالتبايع والتجارة عن رضا، ومن خلال ما شرعه الله سبحانه محل عناية الشرع حلاً وإباحة وحثاً للناس على صونها بالأطر التي حددتها الشريعة الإسلامية الغراء.
أما السنة: فمنها أحاديث كثيرة ومن هذا: قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل أي الكسب أطيب قال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور" 5، أي لا غش فيه ولا خيانة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما البيع عن تراض" 6، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذ أحدكم حبلة على
1 سورة البقرة: الآية 275.
2 سورة البقرة: الآية 282.
3 سورة النساء: الآية 29.
4 سورة البقرة: الآية 198.
5 الحديث أخرجه البزار في مسنده 9/259، والحاكم في المستدرك 2/12 وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في السنن 5/263، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/60 راجع: التلخيص الحبير 3/5-6.
6 الحديث أخرجه ابن ماجه في السنن 2/736-737 برقم 2185 وابن حبان في صحيحه 11/340 والبيهقي في السنن 6/17. وصححه الشيخ الألباني، راجع: إرواء الغليل للشيخ الألباني 5/125-1،26 برقم 1283.
ظهره فيأتي بحزمة حطب فيبيعها فيكف بها وجهه خير من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه" 1، وقوله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" 2.
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس يتبايعون فأقرهم عليه وقال: "التاجر الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء"3.
فهذه النصوص تقرر أن البيع هو أطيب ما كسبه الإنسان، وأنه لا يقل عن عمل الرجل بيده، فالبيع المبرور - وهو غير المقرون بالغش والخيانة والقائم على الرضا بين المتعاقدين - هو أساس التنمية، وفيه سد لإحتياجات الناس، طالما كان ذلك بصدق وأمانة.
وأن التجار الملتزمين بضوابط الأمانة مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
وقد أجمعت الأمة على جواز البيع والتعامل به من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فضلاً عن أن الحكمة تقتضيه، لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه وصاحبه لا يبذله بغير عوض، ففي شرع البيع وتجويزه طريق لوصول كل إنسان إلى غرضه ودفع حاجته.
الحكمة من مشروعية البيع: البيع مشروع للتوسعة على العباد لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه وصاحبه لا يبذله بغير عوض، فكان تشريع البيع طريقاً إلى تحقيق كل واحد غرضه ودفع حاجته والإنسان مدني بالطبع، لا يستطيع العيش بدون التعامل والتعاون مع الآخرين، فالإنسان بمفرده لا يستطيع توفير حاجياته من الغذاء والكساء وغيرها، وقد يجنح بمقتضى حاجته الملحة إلى أخذ ما في يد الغير عن طريق المغالبة أو المقاهرة، أو يلجأ إلى السؤال وتكفف أيدي الناس، وفي ذلك من المفاسد العظام ما لا
1 الحديث أخرجه البخاري 2/18 وابن ماجة في السنن 1/588 برقم 1836 وأحمد 1/164، 167 من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه.
2 الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري 82-83 برقم 2079 ومسلم 3/1164 برقم 1532.
3 الحديث أخرجه الترمذي 2/498 برقم 1209 والدارمي 2542 والدارقطني 3/7.
يخفى، ومن الذل والصغار ما لا يقدر عليه الإنسان.
فالبيع قد شرعه الله سبحانه توسعة منه على عباده، فإن لكل فرد من أفراد النوع الإنساني ضرورات من الغذاء والكساء وغيرها مما لا غنى للإنسان عنه ما دام حياً، وهو لا يستطيع وحده أن يوفرها لنفسه
لأنه مضطر إلى جلبها من غيره، وليس ثمة طريق أكمل من المبادلة، فيعطي ما عنده مما يمكنه الاستغناء عنه، بدل ما يأخذه من غيره مما هو في حاجة إليه.
ولكل هذا: اقتضت حكمة البارىء سبحانه شرعية البيع والشراء، وتنظيمه بما يكفل رفع الحرج والمشقة عن الناس ودوام البقاء.
هذا: ويعتبر البيع والشراء في الجملة من الأمور الحاجية1 التي قصد التشريع الإسلامي توفيرها للناس، وقد يرقى إلى الأمور الضرورية عند ما يؤدي عدمه إلى فوات أصل من الأصول الخمسة، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
1 الحاجيات: هي التي يحتاج إليها الناس للتيسير عليهم ورفع الحرج ودفع المشقة عنهم بحيث إذا فقدت وقع الناس في ضيق دون أن تختل الحياة، ولهذا فكل ما قصد به دفع المشقة ورفع الحرج والاحتياط للكليات الخمس فهو حاجي.
والضروريات: هي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت اختل نظام الحياة، وعمت الفوضى والمفاسد، وضاعت المصالح، وفات النعيم، وحل العقاب في الآخرة، فهي كل ما يؤدي عدمه إلى فوات أصل من الأصول الخمسة. أصول الفقه/ للدكتور زكي الدين شعبان صفحة 297.