الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: آلات اللهو
تتنوع آلات اللهو إلى نوعين: نوع يستعمل في الغناء مثل المعازف 1 والمزامير والنايات ونحوها، ونوع لا يستعمل في الغناء وإنما يتخذ في اللهو والقمار مثل النرد والشطرنج.
الغناء لغة 2: بالكسر والمد - السماع، وقيل: هو رفع الصوت وموالاته وقيل: الغناء من الصوت ما طرب به، ويقال: غناه الشعر وغنى به وتغنى به بمعنى واحد، وغنى بالمرأة: تغزل بها، إذا ذكرها في شعره وغنى يزيد مدحه أو هجاه كتغنى به فيهما، ويراد به رفع الصوت بالشعر أو ما يقال به من الزجر على نحو مخصوص.
المطلب الأول: حكم سماع الغناء
مذهب الحنفية: اختلف فقهاء الحنفية في حكم الغناء المجرد عن الآلة أي غير المصحوب بآلة عزف، فقال بعضهم حرام مطلقاً -أي فعل الغناء-، أما الاستماع إليه فهو معصية، وقال البعض يجوز أن يتغنى الشخص لزوال الوحشة عن نفسه إذا كان وحده، أما الغناء المصحوب بالمزامير فحرام، وكذلك يحرم الاستماع إليه، ولا يجوز قصد الاستماع إلى الغناء بالمزامير، ولا الجلوس عليها، فإذا كان المستمع للغناء شخصاً يقتدى به فله أن يمنعهم ويكفهم عن الغناء إذا قدر على ذلك، وإلا فعليه أن يخرج ولا يقعد معهم، أما إذا كان المستمع للغناء شخصاً غير مقتدى به فلا يلزمه الخروج إذا ابتلي بذلك بعد أن حضر، أما إذا علم أن هنالك غناء بمزامير ودعي إليه فلا يلزمه إجابة الدعوى، فالحرمة عندهم شاملة للغناء والاستماع إليه ويدخل فيه رقص المتصوفة.
1 وهي الملاهي كالعود والطنبور ونحوهما ووحداها معزف والعازف هو اللاعب بها. راجع: القاموس المحيط للفيروز أبادي 3/180.
2 راجع: تاج العروس للزبيدي 10/271، ومختار الصحاح للرازي صفحة 226.
فقد جاء في البحر الرائق: "ومن دعي إلى وليمة وثمة لعب بها وغناء يقعد ويأكل
…
يعني إذا أحدث الغناء واللعب بعد حضوره يقعد ويأكل ولا يترك ولا يخرج"1. وجاء في الفتاوى الهندية: ".... يجوز التغني لدفع الوحشة إذا كان وحده على سبيل اللهو.... السماع والقول.... في زماننا حرام لا يجوز القصد إليه والجلوس عليه وهو الغناء والمزامير...." 2. وجاء في تبيين الحقائق: "وقال أبو حنيفة: ابتليت بهذا مرة، هذا إذا لم يكن مقتدى به، فإن كان مقتدى به ولم يقدر على منعهم يخرج ولا يقعد، لأن في ذلك شين الدين، وفتح باب المعصية على المسلمين
…
وإن كان ذلك على المائدة فلا يقعد
…
وإن كان هناك لعب وغناء قبل أن يحضرها فلا يحضرها، لأنه لا يلزمه إجابة الدعوة إذا كان هناك منكر
…
ودلت المسألة على أن الملاهي كلها حرام حتى التغني بضرب القضيب، وكذا قول أبي حنيفة: ابتليت يدل على ذلك لأن الابتلاء يكون بالمحرم
…
واختلفوا في التغني المجرد، قال بعضهم: إنه حرام مطلقاً والاستماع إليه معصية
…
"3.
وجاء في مجمع الأنهر: ".... استماع صوت الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق؛.... والإطلاق شامل لنفس الفعل واستماعه بالفعل كرقص المتصوفة والتصفيق وضرب الأوتار والصنج والبوق ونحوها
…
"4.
فالمستفاد من نصوص مذهب الحنفية: أن الاستماع لصوت الملاهي معصية وأن الجلوس والحضور في مجالسها فسق، وأنه يجب على الإنسان ألا يحضر مجالس الغناء خاصة لو كان بالمزامير، وأنه إذا تواجد في مثل هذه المجالس عليه أن يخرج لأن في ذلك فتحاً لباب المعصية على المسلمين، وأنه إذا دعي إلى مائدة على هذا النحو لا يجب عليه تلبية الدعوة.
1 ابن نجيم 8/345.
2 الشيخ نظام 5/351 – 352.
3 الزيلعي 7/30 – 31.
4 عبد الرحمن الكيبولي 4/222.
أما الغناء المجرد فقد اختلفوا فيه فقال بعضهم: إنه حرام مطلقاً والاستماع إليه معصية، وقال بعض الحنفية يجوز أن يتغنى الشخص لزوال الوحشة عن نفسه إذا كان وحده.
مذهب المالكية: الاستماع إلى الغناء مكروه بشرط ألا يكون مصحوباً بآلة عزف، وألا يكون الغناء قبيحاً، ولا يحمل على قبيح، وسواء في هذه الكراهية إذا كان الغناء بسب عرس أو صنيع أو بدونهما، وسواء في الحرمة إن تكرر الاستماع أو لم يتكرر، ويكره فعل الغناء ككراهة الاستماع.
أما الاستماع إلى الغناء القبيح أو الذي يحمل على القبيح فحرام ولو لم يكن مصحوباً بآلة العزف.
أما الغناء المصحوب بآلة عزف والاستماع إليه فحرام، سواء كان قبيحاً أو لم يكن قبيحاً، وسواء حمل على قبيح أو لم يحمل عليه، وسواء أكان بسبب عرس أو صنيع أو لم يكن بسببهما، وسواء تكرر ذلك أم لم يتكرر. فقد جاء في شرح منح الجليل:"سماع الغناء"
…
وظاهره كان مع آلة أم لا؟..، وذكر ابن عبد الحكم: سماع العود جرحة
…
والغناء إن كان بغير آلة فهو مكروه، أما إذا كان الغناء بآلة فإن كانت ذات أوتار كالعود والطنبور فممنوع وكذا المزمار واستظهر إلحاقه بالمحرمات
…
وإن أطلق محمد في سماع العود أنه مكروه وقد يريد به التحريم
…
"1.
وجاء في حاشية الدسوقي: "سماع الغناء".... مكروه إذا لم يكن بقبيح ولا حمل عليه ولا بآلة، وإلا حرم
…
ولكن المعتمد كما قال شيخنا أنه متى كان بكلام قبيح، أو يحمل على قبيح، أو كان بآلة كان حراماً، سواء كان بعرس أو صنيع أو غيرهما، تكرر أم لا، فعلاً أو سماعاً، وإن لم يكن بقبيح ولم يحمل عليه ولم يكن بآلة فالكراهة، سواء كان بعرس أو صنيع أو غيرهما، تكرر أم لا، فعلاً أو سماعاً
…
ولا بآلة أي كعود وقانون2، وقوله وإلا حرم، أي وإلا بأن تخلف شرط من الشروط
1 الشيخ محمد عليش 4/220.
2 آلة من آلات الطرب ذات أوتار تحرك بالكشتبان. المعجم الوسيط للدكتور أنيس وجماعه 2/763.
الثلاثة كان سماعه وكذا فعله حراماً، ولو في عرس على المعتمد
…
"1.
فالمستفاد من نصوص المالكية: أن الغناء المجرد مكروه بشرط أن لا يكون قبيحاً ولا يدعوا إلى قبيح، وأما إذا كان قبيحاً أو دعا إلى قبيح فيكون حراماً وأن الاستماع إليه إذا لم يكن قبيحاً ولا يدعو إلى قبيح مكروه وأن الاستماع للغناء القبيح أو الذي يدعوا إلى قبيح حرام.
أما عن الغناء المصحوب بالآلة: فهو حرام والاستماع إليه حرام هو الآخر قبيحاً كان أم غير قبيح دعا إلى قبيح أم لم يدع.
مذهب الشافعية: قالوا بأنه يكره الغناء بلا آلة، ويكره استماعه، وتشتد الكراهة إذا كان الاستماع إلى مغنية أجنبية، أو كان المغني فتاً أمرد، حتى لو سلم من خوف الفتنة من الاستماع إلى غنائهما، وحكى القاضي أبو الطيب تحريم الاستماع إلى غنائهما في هذه الحالة، أما إذا خشي الفتنة أو خافها من الاستماع إلى غناء الجارية الأجنبية والفتى الأمرد فيحرم السماع مطلقاً.
أما إذا كان الغناء مصحوباً بآلة فيحرم، وكذلك يحرم الاستماع إليه، ويحرم كذلك العزف والضرب على الآلات التي يستعملها القوم المجتمعون على شرب المحرم مثل العود والطنبور والمزمار العراقي، كما يحرم الاستماع للعزف على هذه لتسببها للطرب، ولا يكره سماع الغناء في غير قصد إذا لم يكن مصحوباً بآلة.
فقد جاء في مغني المحتاج: "ويكره الغناء بلا آلة ويكره سماعه" والمراد استماعه
…
أما مع الآلة فحرامان واستماعه بلا آلة في الأجنبية أشد كراهة، فإن خيف من استماعه منها أو من أمرد فتنة فحرام قطعاً،
…
ويحرم استعمال أو اتخاذ آلة من شعار "الشّربة"
…
واستعمال الآلة هو الضرب بها كالطنبور وعود وصنج ومزمار عراقي، ويحرم استماعها أي الآلة المذكورة لأنه يطرب"2.
1 الدسوقي 4/166 – 167.
2 الشربيني 4/542- 543 - 544.
وجاء في روضة الطالبين: "غناء الإنسان قد يقع بمجرد صوته، وقد يقع بآلة، أما القسم الأول فمكروه وسماعه مكروه
…
فإن كان سماعه من أجنبية فأشد كراهة وحكى القاضي أبو الطيب تحريمه
…
فإن كان في السماع منها خوف فتنة فحرام بلا خلاف، وكذا السماع من صبي يخاف منه الفتنة
…
"1.
وجاء في نهاية المحتاج: "
…
ويكره الغناء بلا آلة وسماعه" يعني استماعه لا مجرد سماعه من غير قصد
…
ويحرم استعمال آلة من شعار الشربة كطنبور وعود وصنج ومزمار عراقي واستماعها"2.
فالمستفاد من نصوص مذهب الشافعية: أن الغناء المجرد مكروه، وأن هذه الكراهة تشتد إذا كانت المغنية أجنبية أو كان المغني فتاً أمرد حتى ولو سلم الفتنة، وأن الاستماع إلى الغناء المجرد مكروه، وأن الكراهة تشتد إذا كان المغني فتاً أمرد أو أجنبية إذا لم يخش الفتنة، وأن هذا الاستماع يحرم إذا خشي الفتنة من سماع غناء الأجنبية أو الأمرد، وأنه لا كراهة إذا كان الاستماع من غير قصد، أما بالنسبة للغناء المصحوب بالآلة فهو حرام، وكذا الاستماع إليه.
مذهب الحنابلة: اختلف فقهاء الحنابلة في حكم فعل الغناء والاستماع إليه، فروى عن الإمام أحمد أنه قال إن ذلك لا يعجبه، لأنه ينبت النفاق في القلب، وذهب بعضهم إلى أن فعل الغناء والاستماع إليه محرم، وذهب أبو بكر والخلال3 إلى إباحة فعل الغناء والاستماع إليه مع الكراهة في ذلك. وقيل إن الغناء إذا لم يكن مصحوباً بآلة فمكروه، ويكره الاستماع إليه، أما إذا كان الغناء مصحوباً بآلة فيحرم، ويحرم الاستماع إليه، أما ضرب الأوتار والنايات والمزامير فحرام، ومن داوم على فعل ذلك
1 النووي 11/227.
2 الرملي 8/296- 297.
3 أحمد بن محمد بن هارون أبو بكرالخلال مفسر عالم بالحديث واللغة من كبار الحنابلة من أهل بغداد كانت حلقته بجامع المهدي من تصانيفه: "تفسير الغريب" و"طبقات أصحاب ابن حنبل" توفي رحمه الله تعالى سنة 311هـ. راجع: الأعلام للزركلي 1/206، طبقات الحنابلة 2/11.
أو الاستماع إليه ترد شهادته.
فقد جاء في كشاف القناع: "ويكره سماع الغناء والنوح بلا آلة لهو من عود وطنبور ونحوها، ويحرم معها - أي آلة اللهو- سماع الغناء"1. وجاء في المغني: "فصل في الملاهي" وهي ثلاثة أضرب "محرم" وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها، فمن أدام استماعها ردت شهادته
…
"2. وجاء في الكافي: "وهي نوعان: محرم: وهي الآلات المطربة من غير غناء كالمزمار، وسواء كان من عود أو قصب كالشبابة، أو غيره كالطنبور، والعود والمعزفة
…
قال أحمد رضي الله عنه: لا يعجبني الغناء لأنه ينبت النفاق في القلب، وقال: من خلف ولداً يتيماً له جارية مغنية تباع ساذجة، واختلف أصحابنا فيه، فذهب طائفة إلى تحريمه، وذهب أبو بكر والخلال إلى إباحته مع الكراهة، وهو قول القاضي"3.
فالمستفاد من نصوص مذهب الحنابلة: أنه بالنسبة للغناء المجرد عن الأله فالأصل في المذهب أن يكون مكروها، وكذا الاستماع إليه يكون مكروها، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يعجبه الغناء والاستماع إليه، وفي المذهب قول بأن هذا الغناء محرم، وكذا الاستماع إليه محرم هو الآخر، وقال أبو بكر والخلال من الحنابلة إنه مباح مع الكراهة، ومقصده فعل الغناء المجرد والاستماع إليه.
أما بالنسبة للغناء المصحوب بالآلة: فهو حرام وكذا الاستماع إليه.
الموازنة:
أولاً: بالنسبة لسماع الغناء المجرد بمراجعة نصوص الفقهاء في هذا الشأن نجد أن:
الحنفية: يرون أن فعل الغناء حرام مطلقاً، وأن الاستماع إليه معصية، وإن كان بعضهم يرى أنه يجوز أن يتغنى الشخص لزوال الوحشة عن نفسه بشرط أن يكون وحده.
1 البهوتي 9/3311.
2 ابن قدامة 9/173.
3 ابن قدامة 4/341 – 342.
المالكية: يرون أن فعل الغناء المجرد مكروه بشرط أن لا يكون قبيحاً ولا يدعو إلى قبيح، وكذا الاستماع إليه على هذا النحو يكون مكروهاً، فإن كان قبيحا أو يدعو إلى قبيح كان فعله حراماً وكذا الاستماع إليه.
الشافعية: يرون أن الغناء المجرد مكروه وكذا الاستماع إليه، وأن هذه الكراهة تشتد إذا كانت المغنية أجنبية أو كان المغني فتاً أمرد، وأن الاستماع إلى المغنية الأجنبية أو إلى الفتى الأمرد يكون حراماً إذا خشي الفتنة، وأنه لا كراهة إذا كان الاستماع من غير قصد.
الحنابلة: يرون أن فعل الغناء المجرد والاستماع إليه مكروه، وذكر في المذهب قول بأن هذا الغناء محرم وكذا الاستماع إليه، وروي عن الإمام أحمد أنه لا يعجبه الغناء والاستماع إليه وقال أبو بكر والخلال إنه مباح مع الكراهة.
وخلاصة القول في حكم الغناء المجرد والاستماع إليه:
المذهب الأول: يرى أن فعل الغناء المجرد وكذا الاستماع إليه محرم شرعاً وإلى هذا ذهب الحنفية والمالكية إن كان الغناء قبيحاً أو يدعو إلى قبيح، والشافعية إذا كان فعل الغناء والاستماع إليه من أجنبية أو فتى أمرد إذا خشي الفتنة، وهو قول لدى الحنابلة.
المذهب الثاني: يرى أن فعل الغناء المجرد وكذا الاستماع إليه مكروه شرعاً وإلى هذا ذهب المالكية إذا لم يكن الغناء قبيحاً ولا يدعو إلى قبيح، وهو مذهب الشافعية ما لم يكن من مغنية أجنبية أو فتى أمرد، وهو مذهب الحنابلة.
المذهب الثالث: يرى إباحة الغناء المجرد وذلك عند بعض الحنفية إذا كان الشخص وحده ولا يكون على سبيل اللهو وكان ذلك بقصد زوال الوحشة، وهو قول لأبي بكر والخلال غير أن هذا مع الكراهة وأن الاستماع من غير قصد لا يكون مكروهاً وهذا يستفاد منه القول بإباحته وهو قول لدى الشافعية.
الأدلة: أ - استدل أصحاب المذهب الأول على حرمة سماع الغناء المجرد بما يلي:
1-
أن لهو الحديث الذي ورد في هذه الآية فسر بالغناء وأشباهه فقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية {مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قال: نزلت في الغناء وأشباهه"2.
وقال عبد الله بن مسعود وقد سئل عن هذه الآية: "هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات"3 وبمثل قولهما قال جابر وعكرمة والنخعي وسعيد بن جبير ومجاهد.
وقال الحسن البصري "نزلت في الغناء والمزامير"4.
2-
قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} 5.
أن اللغو في هذه الآية عام، وهو في اللغة الباطل من الكلام الذي لا فائدة فيه، والآية خارجة مخرج المدح لمن يعرض عن اللغو، ولا يخالط أهله 6.
3-
روى القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامه الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل تعليم المغنيات، ولا شراؤهن، ولا بيعهن، ولا اتخاذهن؛ وثمنهن حرام، وقد أنزل الله ذلك في كتابه:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} ، والذي نفسي بيده ما رفع رجل عقيرته بالغناء إلا ارتدفه شيطانان يضربان بأرجلهما
1 سورة لقمان: الآية 6.
2 أخرجه البخاري في الأدب المفرد صفحة 234، 432، والطبري في التفسير 21/61، والبيهقي في السنن 10/221، 223.
3 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 4/368، والطبري في التفسير 21/61، والحاكم في المستدرك 2/445 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الحافظ ابن حجر أيضا. راجع: التلخيص الحبير 4/200.
4 السنن الكبرى 10/223.
5 سورة القصص: الآية 55.
6 نيل الأوطار للشوكاني 8/104.
صدره وظهره حتى يسكت" 1.
4-
بما روي عن عبد الرحمن بن غنم2 قال: حدثني أبو مالك الأشعري3 أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير"4.
5-
بما روي عن عقبة بن عامر5 رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنهن من الحق"6.
6-
أن الغناء يخرج الإنسان عن الاعتدال، ويغير العقل وبيان هذا: أن الإنسان إذا طرب فعل ما يستقبحه في حال صمته من غيره، من تحريك رأسه وتصفيق يديه
1 الحديث أخرجه الحارث في مسنده 2/843 زوائد الهيثمي، والطبري في التفسير 21/60، وأخرج نحوه الترمذي في كتاب البيوع باب ما جاء في كراهية بيع المغنيات برقم 1205وكتاب تفسير القرآن باب ومن سورة لقمان برقم 3195، والطبراني في المعجم الكبير 8/180.
2 هو عبد الرحمن بن غَنْم بن كريز الأشعري شيخ أهل فلسطين وفقيه الشام في عصره ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعثه عمر بن الخطاب إلى الشام ليفقه أهلها وكان كبير القدر توفي رحمه الله تعالى سنة 78?. راجع: الأعلام للزر كلي 3/322 والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 6/314-315 برقم 5173.
3 أبو مالك الأشعري، قيل اسمه عبيد، وقيل عبد الله، وقيل عمرو، وقيل كعب بن عاصم وقيل عامر بن الحارث، صحابي جليل، مات في طاعون عمواس عام 18?. راجع: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 7/295، تقريب التهذيب لابن حجر صفحة 424.
4 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 1/304، وابن ماجة في السنن كتاب الفتن باب العقوبات برقم 4020، وابن حبان في صحيحه 15/160، والطبراني في الكبير 3/283.
5 عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو الجهني الصحابي المشهور، شهد الفتوح، وكان هو البريد إلى عمر بفتح دمشق، وشهد صفين مع معاوية، وأمرّه بعد ذلك على مصر لمدة ثلاث سنين، توفي رضي الله عنه في خلافة معاوية 58هـ. راجع: الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 1843، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 7/21، 22، 23 برقم 5594.
6 أخرجه أحمد في المسند 4/144، 148، والترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله برقم 1637 وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجة في السنن كتاب الجهاد باب الرمي في سبيل الله برقم 2811، والدارمي في السنن كتاب الجهاد باب في فضل الرمي والأمر به برقم 2405 عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
ودق الأرض برجليه إلى غير ذلك مما يفعله أصحاب العقول السخيفة، والغناء يوجب ذلك، بل يقارب فعله فعل الخمر في تغطية العقل، فينبغي أن يقع المنع منه" 1.
ب - واستدل أصحاب المذهب الثاني القائلون بكراهة سماع الغناء المجرد:
1-
أن لهو الحديث في الآية الكريمة يراد به الغناء على ما فسره ابن عباس وابن مسعود وجابر وغيرهم، ولذا فإن من اتخذ الغناء سبيلاً إنما يصنع هذا للتخالف للإسلام وأهله، واتخذ سبيل الله هزواً يستهزي بها استحق العذاب الدائم يوم القيامة، باستهانته بآيات الله وسبيله، إلا أنهم حملوا النكير في الآية على من يتخذ الغناء وسيلة للإضلال عن سبيل الله – على الكراهة وليس الحرمة3.
2-
ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل"4.
أن الغناء يكون سبباً لحصول النفاق في قلب من يغني ومن يستمع، وذلك لأنه يورث فاعله المنكر كارتكابه أمراً تحمله على أن يظهر خلاف ما يبطن، والنفاق محرم، ومقتضى هذا أن يحرم الغناء، لأنه سبب لحصول النفاق، إلا أن ما ورد في هذا الحديث من ذم الغناء محمول على الكراهة، فلا يحرم لورود أخبار تصرفه عن الحرمة إلى الكراهة ومن هذه الأخبار ما يلي:
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجارية لحسان بن ثابت وهي تغني فتقول: هل علي
1 تلبيس إبليس لابن الجوزي صفحة 290.
2 سورة لقمان: الآية 6.
3 تفسير ابن كثير 3/442.
4 الحديث أخرجه أبو داود في السنن كتاب الأدب باب في النهي عن الغناء برقم 4927 والبيهقي في السنن 10/223.
ويحكما
…
إن لهوت من حرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا حرج إن شاء الله" 1 فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الجارية ترنمها بهذا البيت، ولو كان محرماً لزجرها عن ذلك، وإنما أجاب عن تساؤلها بأنه لا حرج عليها إن لهت.
ج- استدل أصحاب المذهب الثالث والقائلون بإباحة استماع الغناء المجرد:
1-
قول الحق تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} 2.
أن الطيبات في الآية الكريمة جمع، عرف بـ"أل"، فيشمل كل طيب، والطيب يطلق بإزاء المستلذ، ومنه ما يستلذ سماعه من الأصوات، وهذا هو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن كما يطلق بإزاء الطاهر والحلال، وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام، فتدخل في أفراد المعاني الثلاثة كلها، ولو قصر العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادر هو الظاهر، وقد صرح ابن عبد السلام في دلائل الأحكام بأن المراد "بالطيبات" في الآية المستلذات3.
2-
بما روى عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني، وقال: أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهما" 4.
3-
بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "الغناء زاد الراكب"5.
1 الحديث رواه الأصبهاني في أماليه برقم 13 وقال: غريب من حديث عكرمة، لا أعلم رواه عنه إلا حسين. وهو حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وبه ضعفه الذهبي في ميزان الاعتدال 2/292 وذكره ابن عراق في تنْزيه الشريعة 2/223، وعزاه للدارقطني وقال: تفرد به حسين بن عبد الله عن عكرمة، وتفرد به عن حسين أويس عبد الله بن أويس، وحسين متروك، وأبو أويس ضعيف. والحديث ذكره الشوكاني في الفوائد 254 وقال: في إسناده متروك، وقد رواه أبو نعيم من غير طريقه. وذكره السيوطي في اللآليء 2/112، والفتني في التذكرة برقم 1977.
2 سورة الأعراف: الآية 157.
3 نيل الأوطار للشوكاني 8/105.
4 أخرجه البخاري برقم 907، وكتاب الجهاد باب الدرق برقم 2750، ومسلم برقم 892.
5 الأثر أخرجه البيهقي في السنن 5/68، وابن عبد البر في التمهيد 22/197
والذي يترجح لدي: هو القول بحرمة سماع الغناء خاصة وأن ابن عباس رضي الله عنه وهو ترجمان القرآن قد فسر لهو الحديث في الآية الكريمة التي تمسك بها أنصار هذا المذهب فسره بأنه الغناء، وقال ابن العربي: إن أصح ما قيل: إنه الباطل ولا يضر في هذا ما قاله ابن قتيبة من أن تفسيرها بالغناء خطأ1، لأن الثابت عن الصحابة والتابعين أنه يقصد به الغناء. والله تعالى أعلم.
ثانياً: أما بالنسبة للغناء المصحوب بالآلات الموسيقية والاستماع إليه: فبمراجعة نصوص الفقهاء في هذا الشأن نجد أن:
الحنفية: يرون حرمة الغناء المصحوب بالآلة، وقالوا بأنه معصية وفسق وكذا الاستماع إليه، وأن المرء لا تجب عليه إجابة الدعوة لمثل هذه المجالس، لأن في ذلك فتحاً لباب المعصية على المسلمين.
المالكية: يرون حرمة الغناء المصحوب بالآلة، وكذا حرمة الاستماع إليه.
الشافعية: يرون حرمة الغناء المصحوب بالآلة، وكذا حرمة الاستماع إليه.
الحنابلة: يرون هم الآخرون حرمة الغناء المصحوب بالآلة، وكذا الاستماع إليه.
وهكذا: نجد أن عامة الفقهاء يرون حرمة الغناء المصحوب بالآلة، وأن الاستماع إليه محرم تبعاً لهذا، وقد وجدنا الحنفية يعتبرون الاستماع لصوت الملاهي معصية، وأن الجلوس والحضور في مجالسها فسق، حتى إنهم قالوا بأنه يجب على الإنسان ألا يحضر مجالس الغناء وإن حضر عليه الخروج وإن دعي لا تجب عليه الإجابة.
فالإجماع حاصل بين الفقهاء على حرمة الغناء المصحوب بالآلة وكذا الاستماع إليه.
هذا وقد دعم الجمهور ما ذهبوا إليه بهذه الأدلة:
ما روي عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليشربن أناس من أمتي الخمر
1 إتحاف السادة المتقين للزبيدي 6/516.