الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الشطرنج
الشطرنج: بالشين المعجمة فارسي معرب 1 مأخوذ من المشاطرة وهو المقاسمة، لأن كلا من الفريقين له شطر ما يستحقه من اللعب وهو النصيب، وقيل: هو بالسين المهملة "سطرنج" لأنه مأخوذ من التسطير أي التنظيم من التعبئة للرقعة.
المطلب الأول: حكم اللعب بالشطرنج
اتفق الفقهاء على تحريم الشطرنج إن كان اللعب به على وجه التقامر، واختلفوا فيما إذا تجرد عن القمار على النحو الآتي:
مذهب الحنفية: القول بكراهية اللعب بالشطرنج، بشرط ألا يكون ذلك على وجه القمار مع عدم المداومة، عليه مما يؤدي إلى ترك الواجب، وإلا كان حراما ً إجماعاً، ووجه القول بالكراهة مع اعتبار هذا القيد أن من اشتغل به ذهب عناؤه الدنيوي وجاءه العناء الأخروي، وفي إباحته أعانة الشيطان على الإسلام والمسلمين.
فقد جاء في البناية: "قال: ويكره اللعب بالشطرنج والنرد والأربعة عشر وكل لهو، لأنه إن قامر2 بها فالميسر3 حرام بالنص، وهو اسم لكل قمار وإن لم يقامر بها فهو عبث ولهو....، وقال بعض الناس: يباح اللعب بالشطرنج لما فيه من تشحيذ الخواطر وتذكية الأفهام....، ثم
1 المصباح المنير للفيومي 1/312.
2 القمار: كل لعب فيه مراهنة: يقال: قامره مقامرة وقماراً لا عبه القمار وقيل هو كل ما لا يخلو الملاعب فيه من ربح أو خسارة وقيل كل مراهنة على غرر محض. راجع: المعجم الوسيط للدكتور إبراهيم أنيس 2/758.
3 الميسر: مأخوذ من اليسر وهو وجوب الشيء لصاحبه. يقال يسر لي كذا إذا وجب فهو َييسر يسراً وميسراً، والياسر: اللاعب بالقداح، والميسر: الجزور نفسه الذي كانوا يتقامرون عليه، وسمى ميسراً لأنه يُجزأ أجزاء فكأنه موضع التجزئة وكل شيء جزأته فقد يسرته، والياسر الجازر لأنه يجزئ لحم الجزور، ويقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور ياسرون لأنهم أيضاً جازرون، والميسر الذي نزل تحريمه في القرآن الكريم هو ضرب القداح على أجزاء الجزور قماراً ويعرف قمار العرب بالأزلام. راجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/36 - 37.
إن قامر به تسقط عدالته، وإن لم يقامر لا تسقط لأنه متأول فيه، وكره أبو يوسف ومحمد رحمهما الله التسليم عليهم تحذيراً لهم، ولم ير أبو حنيفة رحمه الله به بأساً ليشغلهم عما هم فيه.... أي بالسلام عليهم"1.
فالمستفاد من نص البناية: أن اللعب بالشطرنج مكروه، لأنه إن كان على سبيل المقامرة كان ميسراً محرماً، وإن لم يكن على سبيل المقامرة كان عبثاً ولهواً، وهناك من قال بإباحة اللعب بالشطرنج بناء على أن فيه تشحيذاً وتذكية الأفهام، وأنه إذا كان قماراً فإنه يسقط عدالة من يلعب به، والمستفاد من قول أبي يوسف ومحمد بكراهية التسليم عليهم قولها بكراهية اللعب بالشطرنج، ورأى الإمام أبو حنيفة أنه لا بأس به بالتسليم عليهم ويفهم من هذا قوله بأنه لا بأس من اللعب به.
وجاء في حاشية ابن عابدين: ".... أما الشطرنج فلشبهة الاختلاف2 شرط واحد من ست، فلذا قال: أو يقامر بشطرنج، أو يترك به الصلاة حتى يفوت وقتها، أو يحلف عليه كثيراً، أو يلعب به على الطريق، أو يذكر عليه فسقاً، أو يداوم عليه"3.
وجاء في البحر الرائق: "
…
ويكره اللعب بالشطرنج والنرد والأربعة عشر لأنها لعب اليهود
…
"4.
فالمستفاد من نصوص مذهب الحنفية: على القول بكراهية اللعب بالشطرنج والنرد، وذلك لأن هذه الألعاب من فعل اليهود، ولأن هذا إن كان على وجه القمار فهو حرام، لاعتباره ميسراً على هذا النحو، وإن لم يكن على وجه القمار كان مكروها باعتبار أنه عبث وضياع للوقت واللهو عن ذكر الله سبحانه، وهناك من قال بإباحة اللعب بالشطرنج حيث إنه يؤدي إلى تذكية الأفهام وتشحيذ الخواطر.
1 العيني 12/ 249 – 253.
2 "فلشبهة الاختلاف" علة مقدمة على معلولها: أي اختلاف مالك والشافعي في قوليهما بإباحته وهو رواية عن أبي يوسف.
3 ابن عابدين 11/202 – 203 – 204.
4 ابن نجيم 8/38.
مذهب المالكية: أن الشطرنج مكروه لعبه، وفي قول يجوز لعبه في الخلوة مع نظيره لا مع الأوباش. فقد جاء في المدونة:"قلت -القائل سحنون- وكان مالك يكره أن يلعب بالشطرنج قليلاً كان ذلك أو كثيراً؟ قال ابن القاسم: نعم كان يراها أشد من النرد قال: وسألت مالكاً عن هذا كله فأخبرني بما أخبرتك به...."1. وجاء في مواهب الجليل: ".... وكره مالك اللعب بها، وقال هي أشد من النرد
…
إن لعبه محرم مع الأوباش على طريق حرم، وفي الخلوة مع نظائره بلا إدمان وترك مهم ولهي عن عبادة جاز، وقيل إن ألهى عن الصلاة في وقتها حرم وإلا جاز انتهى"2.
فالمستفاد من نصوص مذهب المالكية: أنه روي عن الإمام مالك كراهية اللعب بالشطرنج قليلاً كان ذلك أم كثيراً. وقيل: إنه كان يرى أن اللعب بالشطرنج أشد من النرد، علماً بأنه قد روي عنه حرمة اللعب بالنرد. وقيل لعب الشطرنج مع الأوباش حرام، وكذا يحرم لعبه على الطريق العام، وكذلك يحرم لعبه إذا ألهى عن الصلاة.
وعلى هذا: فالأقوال في مذهب المالكية في حكم اللعب بالشطرنج، فالمروي عن مالك أنه مكروه، وقيل يحرم إذا لعبه مع الأوباش، أو في الطريق العام، وإذا أدى لعبة إلى اللهي عن الصلاة، وقيل: يجوز لعبه إذا كان ذلك في غير إدمان ولم يؤد إلى ترك مهم أو ألهى عن عبادة وكان مع نظير له.
إلا أننا نلاحظ أنه جاء عن ابن القاسم أن مالكا يرى أنه أشد من النرد.
مذهب الشافعية: كراهية الشطرنج واللعب به وذلك بشرط: ألا يخرج اللاعب الصلاة عن وقتها، فالكراهية مقيدة بهذا القيد، وإن شرط في الشطرنج مال من الجانبين فإنه يعتبر قمار، وبالتالي يكون الشطرنج حراماً بالإجماع.
فقد جاء في مغني المحتاج: "ويكره الشطرنج وفرق الأول بأن الشطرنج وهو بكسر أوله وفتحه معجماً ومهملاً، وضع لصحة الفكر والتدبير فهو يعين على تدبير
1 الإمام مالك 5/153.
2 الحطاب 6/153 – 154.
الحروب والحساب
…
فإن شرط فيه أي اللعب بالشطرنج مال من الجانبين على أن من غلب من اللاعبين فله على الآخر كذا؛ فقمار فيحرم بالإجماع
…
"1.
فالمستفاد من نصوص مذهب الشافعية: كراهية الشطرنج واللعب به، وأن الحكم يأخذ صفة الحرمة إذا شرط فيه مال من الجانبين بمعنى أن من غلب من اللاعبين فله على الآخر كذا لأنه قمار.
مذهب الحنابلة: القول بتحريم الشطرنج واللعب به إذا شرط فيه عوض وكان مؤدياً إلى ترك واجب أو فعل محرم على القول الصحيح في المذهب. فقد جاء في الإنصاف: "فائدة: اللعب بالشطرنج حرام. على الصحيح من المذهب، ونص عليه، وعليه الأصحاب، كمع عوض، أو ترك واجب، أو فعل محرم، إجماعاً في المقيس عليه، قال في الرعاية: فإن داوم عليه فسق، وقيل: لا يحرم إذا خلا من ذلك بل يكره"2. وجاء في المغني: "فأما الشطرنج فهو كالنرد في التحريم...."3.
فالمستفاد من نصوص مذهب الحنابلة: القول بتحريم اللعب بالشطرنج إذا شرط فيه عوض أي مال، وكذلك إذا أدى إلى ترك واجب أو فعل محرم على القول الصحيح في المذهب وقيل: يكره إذا خلا من ذلك.
الموازنة: بمراجعة نصوص كتب الفقه على اختلاف مذاهبها بشأن مسألة حكم اللعب بالشطرنج يتضح الآتي:
أن الحنفية مختلفون فيما بينهم على نحو ما يلي:
أ- أن اللعب بالشطرنج مكروه، وإلى هذا ذهب أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهما الله تخريجا على قولها بكراهة التسليم على من يلعب بالشطرنج.
ب – أنه لا بأس به، وإلى هذا ذهب الإمام أبو حنيفة تخريجا على أنه يرى عدم
1 الشربيني 4/542.
2 المرداوي 12/45.
3 ابن قدامة 9/171.
البأس من التسليم عليهم بإشغالهم عليهم عما هم فيه من التلهي باللعب بالشطرنج.
ج - أنه إذا كان الشطرنج على سبيل المقامرة، فإنه يكون محرماً شرعاً.
د - أن اللعب بالشطرنج مباح مطلقاً أي سواء كان على سبيل المقامرة أم لا؟
أما فقهاء المالكية فقد اختلفوا في حكم اللعب بالشطرنج على هذا النحو:
أ – أن اللعب بالشطرنج مكروه، وهذا ما عليه مذهب المالكية.
ب – أن اللعب بالشطرنج أشد كراهة من النرد، وإلى هذا ذهب الإمام مالك.
ج – أن اللعب بالشطرنج يكون محرماً، إذا كان مع الأوباش، أو ألهى عن الصلاة، وهذا ما عليه بعض فقهاء المالكية.
د – أن اللعب بالشطرنج جائز، إذا كان غير مؤدٍ إلى ترك مهم، أو عبادة، وكان مع نظير لمن يلعب به، وإلى هذا ذهب البعض الآخر من المالكية.
وفي مذهب الشافعية قولان بالنسبة لحكم اللعب بالشطرنج:
أحدهما: أن اللعب بالشطرنج إذا كان على سبيل المقامرة، فإنه يكون محرماً شرعاً، وذلك بالإجماع، وهذا أصل المذهب الشافعي.
الثاني: يرى أن اللعب بالشطرنج، مكروه، بقيود خاصة، ويفهم من هذا أن أهم هذه القيود أن لا يكون على سبيل المقامرة، وهذا ما قال به بعض الشافعية.
أما الحنابلة: فعندهم رأيان في المسألة:
أحدهما: أن اللعب بالشطرنج محرم، إذا كان على مال، أو أدى إلى ترك واجب أو فعل محرم.
الثاني: يرى أن اللعب بالشطرنج مكروه، إذا خلا مما سبق، أي إذا لم يكن على مال- يعني بدون مقامرة، ولم يؤد إلى ترك واجب أو فعل محرم، وهذا ما قال به بعض الحنابلة.
فخلاصة القول بالنسبة لحكم الشطرنج كالآتي:
المذهب الأول: يرى حرمة اللعب بالشطرنج، وهذا ما عليه بعض الحنفية في حالة ما إذا كان اللعب على سبيل المقامرة، وما عليه إجماع المذهب الشافعي، إذا كان
على هذا النحو، وهذا ما قال به بعض المالكية، حيث وجدناهم يصرحون بحرمة اللعب بالشطرنج، إذا كان مع الأوباش أو ألهى عن الصلاة، وهو مذهب بعض الحنابلة إذا كان على مال أو أدى إلى ترك واجب أو فعل محرم.
المذهب الثاني: يرى كراهية اللعب بالشطرنج، وهذا ما عليه الصاحبان أبو يوسف ومحمد رحمهما الله، وهذا ما قال به المالكية في أصل مذهبهم، وهو قول عند الشافعية، طالما أنه لم يكن على سبيل المقامرة، وبه قال بعض الحنابلة إذا خلا من مسالك القول بالتحريم.
المذهب الثالث: يرى جواز اللعب بالشطرنج، وإلى هذا ذهب بعض الحنفية، وبعض المالكية طالما كان اللعب به غير مؤدٍ إلى ترك مهم أو عبادة، وكان مع نظير اللاعب.
هذا: وهناك أقوال أخرى بعضها قريب من بعض الآراء السابقة مع خلاف في العبارة، وعلى هذا فكل قول قريب يستدل له بما استدل لما يقرب منه، ومن هذه الأقوال:
قول الإمام مالك أن الشطرنج أشد كراهة من النرد، ويستدل لهذا بنفس أدلة من قال بالكراهة.
قول أبي حنيفة رحمه الله أنه لا بأس به، ويستدل بأدلة من قال بالجواز.
بعض الحنفية أنه مباح مطلقا سواء كان على سبيل المقامرة أم لا، ويستدل لهذين القولين بذات ما استدل به المذهب الثالث المجوز للعب بالشطرنج.
الأدلة: استدل القائلون بحرمة اللعب بالشطرنج بما يلي:
1-
1 سورة المائدة: الآيتان 90 – 91.
فهذا النص الكريم يدل على تحريم اللعب بالنرد والشطرنج قماراً أو غير قمار، وذلك لأن اللهو ولو كان قليلاً فإنه يوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه، ويصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، فهو كشرب الخمر، وأوجب أن يكون حراماً مثله1.
2-
أخرج أبو بكر الأثرم2 في جامعه بسنده عن واثلة بن الأسقع3 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن لله عز وجل في كل يوم وليله ثلاثمائة وستين نظرة إلى خلقه، ليس لصاحب الشاه فيها نصيب"4.
وفسر صاحب الشاه بلاعب الشطرنج، لأنه يقول شاه5.
3-
عن علي رضي الله عنه أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون"6.
4-
وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن الشطرنج فقال: "هي أشد من النرد"7.
واستدل القائلون بكراهة اللعب بالشطرنج: بأنه ليس كالنرد، بل دونه ويمنعون
1 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/188.
2 هو أحمد بن محمد بن هاني الطائي الإسكافي، أبو بكر، صاحب الإمام أحمد، كان إمامًا من أهل الحفظ والاتقان، وكان من أهل العناية بالحديث، توفي رحمه الله تعالى سنة 261 هـ. راجع: الأعلام للزركلي 1/194.
3 الصحابي الجليل واثلة بن الأسقع بن كعب الليثي، أسلم قبل تبوك وشهدها، وكان من أهل الصفة، ثم نزل الشام، توفي رضي الله عنه سنة 83? في خلافة عبد الملك، وهو آخر من توفي من الصحابة بدمشق. الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 2775، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 6/462 برقم 9107.
4 قال السخاوي: وفي رواته من اتهم بالوضع، مع أن في بعضهم من لم أعرفه. اهـ. عمدة المحتج في حكم الشطرنج، نقلا عن إرواء الغليل للشيخ الألباني صفحة 287.
5 نيل الأوطار للشوكاني 8/108.
6 الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 5/287، والبيهقي في السنن 10/212، والضياء في المختارة 2/361 وقال إسناده حسن.
7 الأثر أخرجه البيهقي في السنن 10/212.