المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: حكم التداوي بالخمر - البيوع المحرمة والمنهي عنها

[عبد الناصر بن خضر ميلاد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالبيع

- ‌المطلب الأول: البيع لغة

- ‌المطلب الثاني: البيع اصطلاحاً

- ‌المطلب الثالث: أركان البيع

- ‌المطلب الرابع: شروط المعقود عليه "المبيع

- ‌المبحث الثاني: مشروعية البيع وحكمه

- ‌المبحث الثالث: المقصود بالأعيان المحرمة

- ‌المطلب الأول: تعريف العين لغة واصطلاحاً والمحرم لغة والحرام عند الأصوليين

- ‌المطلب الثاني: الأعيان المحرمة لنجاستها

- ‌المطلب الثالث: الأعيان المحرمة لغلبة المفسدة فيها

- ‌المطلب الرابع: الأعيان المحرمة لكرامتها

- ‌الباب الأول: في النجاسات

- ‌التمهيد في بيان اختلاف الفقهاء في حرمة بيع النجاسات وأسبابه

- ‌الفصل الأول: بيع الميتة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول حكم بيع الميتة

- ‌المبحث الثاني حكم بيع أجزاء الميتة

- ‌المطلب الأول: حكم بيع عظم الميتة

- ‌المطلب الثاني حكم بيع جلد الميتة

- ‌المطلب الثالث حكم بيع شعر الميتة

- ‌المبحث الثالث خلاصة القول بشأن بيع الميتة

- ‌الفصل الثاني بيع الدم

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف الدم المسفوح

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع الدم المسفوح

- ‌المبحث الثالث: خلاصة ما قاله الفقهاء بشأن بيع الدم

- ‌الفصل الثالث: بيع فضلات الإنسان والحيوان

- ‌المبحث الأول حكم المني وحكم بيعه

- ‌المطلب الأول: حكم المني

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع المني

- ‌المبحث الثاني: حكم أرواث الحيوانات وحكم بيعها

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع رجيع الحيوانات

- ‌المطلب الثالث: حكم التداوي بأبوال الحيوانات

- ‌الفصل الرابع: بيع الكلب والخنزير

- ‌المبحث الأول: حكم الكلب وحكم بيعه

- ‌المطلب الأول: حكم الكلب

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع الكلب

- ‌المبحث الثاني: حكم الخنزير وحكم بيعه وبيع شعره

- ‌المطلب الأول: حكم الخنزير

- ‌المطلب الثاني حكم بيع الخنزير

- ‌المطلب الثالث: حكم بيع شعر الخنزير

- ‌الفصل الخامس: بيع الخمر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حكمة تحريم الخمر

- ‌المبحث الثاني: حكم الخمر

- ‌المبحث الثالث: حكم التداوي بالخمر، وحكم بيعها

- ‌المطلب الأول: حكم التداوي بالخمر

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع الخمر

- ‌الفصل السادس: حكم بيع المتنجسات والانتفاع بها

- ‌الباب الثاني: مانهى الشارع عن الانتفاع به

- ‌الفصل الأول: بيع أواني الذهب والفضة

- ‌المبحث الأول: حكم أواني الذهب والفضة

- ‌المطلب الأول: حكم استعمال واقتناء أواني الذهب والفضة

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع أواني الذهب

- ‌المبحث الثاني: حكم المضبب بالذهب والفضة

- ‌المطلب الأول: حكم استعمال المضبب بالذهب

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع المضبب بالذهب

- ‌المطلب الثالث: حكم استعمال المضبب بالفضة

- ‌المطلب الرابع: حكم بيع المضبب بالفضة

- ‌المطلب الخامس: حكم استعمال المموه بالذهب والفضة

- ‌المطلب السادس: حكم بيع المموه بالذهب أو الفضة

- ‌المطلب السابع: حكم اتخاذ خاتم وساعة الذهب المعدين للرجال واستعمالهما

- ‌المطلب الثامن: حكم بيع خاتم وساعة الذهب المعدين للرجال

- ‌المطلب التاسع في المستثنيات

- ‌الفصل الثاني: وبيع الأصنام والصور

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: بيان حكم الشرع للصور بأنواعها

- ‌المطلب الأول الصور المجسمة

- ‌المطلب الثاني: التصوير لغير ذي الروح

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع الصور بأنواعها

- ‌المبحث الثالث: المستثنيات

- ‌الفصل الثالث: بيع آلات اللهو

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: آلات اللهو

- ‌المطلب الأول: حكم سماع الغناء

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع آلات اللهو

- ‌المبحث الثاني: النرد

- ‌المطلب الأول حكم اللعب بالنرد

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع النرد

- ‌المبحث الثالث: الشطرنج

- ‌المطلب الأول: حكم اللعب بالشطرنج

- ‌المطلب الثاني بيع الشطرنج

- ‌الفصل الرابع: بيع المخدرات والمفترات

- ‌المبحث الأول: التعريف بالمخدرات والمفترات

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع المخدرات

- ‌المبحث الثالث: حكم بيع المفترات

- ‌الفصل الخامس: بيع الإنسان الحر وأجزائه

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حكم بيع الإنسان الحر

- ‌المبحث الثاني: حكم نقل وبيع بعض أجزاء الإنسان الحر

- ‌المطلب الأول حكم نقل أعضاء الإنسان

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع بعض أجزاء الإنسان

- ‌الفصل السادس: بيع الأشياء المحرمة لقدسيتها

- ‌المبحث الأول: بيع المصحف

- ‌المبحث الثاني: بيع المصحف للكافر

- ‌المبحث الثالث: بيع أرض مكة

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: حكم التداوي بالخمر

‌المبحث الثالث: حكم التداوي بالخمر، وحكم بيعها

‌المطلب الأول: حكم التداوي بالخمر

مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى القول بحرمة التداوي بالخمر، وعدم جواز الانتفاع بالخمر في المداواة وغيرها من الأمور "

وكذا لا يجوز الانتفاع بها للمداواة وغيرها

"1. "

ولا يجوز بها التداوي على المعتمد قاله المصنف"2.

وروي عن جماعة من أئمة بلخ3 أنه يجوز للمريض شرب الخمر للتداوي، إذا أشار إليه الطبيب بذلك وعلم يقيناً أنه يصح، وأن ذلك يحل له.

"ولو أن مريضاً أشار إليه الطبيب بشرب الخمر، روي عن جماعة من أئمة بلخ أنه ينظر إن كان يعلم يقيناً أنه يصح حل له التناول

"4.

واختلفت الرواية عندهم في تناول القليل من الخمر للتداوي إذا لم يجد ما يقوم مقام ذلك القليل من الخمر من الحلال.

"

هل يجوز شرب القليل من الخمر للتداوي إذا لم يجد شيئاً يقوم مقامه فيه وجهان

"5.

وفي هذا يقول علاء الدين الحصكفي6 في الدر المختار: "اختلف في التداوي

1 بدائع الصنائع للكاساني 5/113.

2 حاشية ابن عابدين 10/35 - 36.

3 المقصود بهذا المصطلح الطبقة المتقدمة التي تلقت عن أئمة المذهب الحنفي ومنهم خالد بن سليمان البخلي والحكم أبو المطيع البلخي وغيرهما. راجع: مشايخ بلخ من الحنفية للدكتور محمد معروس المدرس 1/154-163.

4 الفتاوى الهندية 5/355.

5 المرجع السابق نفس الموضع.

6 هو الفقيه الحنفي، ومفتي المذهب بدمشق، محمد بن علي بن محمد الحصني المعروف بعلاء الدين الحصكفي، ولد بدمشق عام 1025?، من تصانيفه الدر المختار في شرح تنوير الأبصار وإفاضة الأنوار على أصول المنار، توفي رحمه الله عام 1088?. راجع: الأعلام للزر كلي 6/294.

ص: 216

بالمحرم قيل: يرخص إذا علم فيه الشفاء ولم يعلم دواء آخر كما رخص الخمر للعطشان وعليه الفتوى

"1، يعني عند الحنفية فهم يبيحون استعمال الدواء المحرم في حالة الضرورة، وذلك بعد إخبار الطبيب الحاذق المسلم بأن الدواء الحرام يتعين استعماله في هذه الحالة كما ورد في الفتاوى الهندية، ويؤيد هذا ما قاله ابن عابدين "فلو خاف الهلاك عطشاً وعنده خمر له شربه قدر ما يدفع العطش إن علم أنه يدفعه" وقال في موضع آخر "بأن خاف هلاكه منه ولا يجد ما يزيله إلا الخمر"2.

فالمستفاد من نصوص الحنفية: أنه لا يجوز استعمال الدواء المحرم إلا إذا حصل اليقين أو غلبة الظن بأنه لا يمكن إنقاذ الحياة إلا بهذا الدواء مع وجود اليقين، كذلك بأن هذا الدواء منقذ للحياة عادة، وذلك بدلالة الطبيب المسلم أو بأية طريقة أخرى موثوق بها.

مذهب المالكية: القول بأن التداوي بالخمر محرم، وأن هذا لا يجوز حتى ولو كان ذلك بقصد التداوي، أو كان لخوف الموت، وهذا على أساس عدم تيقن البرء بتناولها، الأمر الذي يستلزم عدم إباحة المحرم وهو شرب الخمر، وهذا على الرأي المشهور في المذهب.

"قوله لا يجوز استعمال الخمر لأجل دواء ولو لخوف الموت"3.

"مسألة: وأما التداوي فالمشهور من المذهب أنه لا يحل ذلك

لأن التداوي لا يتيقن البرء به، فلم يجز أن يستعمل المحظور فيه"4.

فالمستفاد من نصوص المالكية: أن التداوي بالخمر محرم، وأن هذا لا يجوز حتى ولو كان ذلك لخوف الموت، وذلك على الرأي المشهور في مذهب المالكية، وذلك لعدم تيقن البرء بتناولها.

1 1/140.

2 5/215 – 289.

3 حاشية الدسوقي 4/353.

4 المنتقى شرح موطأ مالك 4/282.

ص: 217

مذهب الشافعية: القول بحرمة شرب الخمر للتداوي أو في حالة العطش، إلا أنهم أجازوا لمن غص بلقمة أن يدفعها بالخمر إذا لم يجد غيرها.

فقد جاء في مغني المحتاج: "

ومن غص بلقمة أساغها بخمر إن لم يجد غيرها، والأصح تحريمها لدواء وعطش

"1.

وجاء في المجموع: "

المذهب الصحيح تحريم الخمر للتداوي والعطش

"2.

وفي نهاية المحتاج: "

ولو كان التداوي بها لتعجيل شفاء كما يكون لرجائه وأنه يجوز بشرط إخبار طبيب مسلم عدل بذلك أو معرفة المتداوي به إن عرف، ويشترط عدم ما يقوم مقامه مما يحصل به التداوي من الطاهرات

"3.

فالنص يشعر بجواز استعمال الخمر للتداوي إذا كان ذلك لتعجيل شفاء أو رجائه، وأن الجواز يشترط له أن يوصى بذلك طبيب مسلم عدل، أو يسبق علم المتداوي بحصول الشفاء أو تعجيله فضلاً عن انعدام ما يقوم مقام الخمر في التداوي من الأشياء الطاهرة.

مذهب الحنابلة: قالوا بعدم جواز التداوي بالخمر ولا بشيء فيه محرم.

"

ولا يجوز شربه للذة ولا لتداوٍ

"4.

وجاء في المغني: "ولا يجوز التداوي بمحرم، ولا شيء فيه محرم مثل ألبان الأنثى، ولحم شيء من المحرمات، ولا شرب الخمر للتداوي"5.

فالحنابلة: يمنعون التداوي بالخمر، وقالوا بعدم جواز شربها لغرض التداوي، فقد اعتبروا الأصل في هذه وهو التحريم، ومنعوا التداوي بكل محرم وبما فيه محرم.

الموازنة: من خلال النظر فيما قاله الفقهاء بشأن التداوي بالخمر يتضح

1 الشربيني 4/233.

2 النووي 9/56.

3 الرملي 8/14.

4 كشاف القناع للبهوتي 9/3022.

5 ابن قدامة 8/605.

ص: 218

التالي:

أ – أن ما عليه الحنفية: بحسب أصلهم أن التداوي بالخمر محرم، وأنه لا يجور الانتفاع بها في المداواة وغيرها.

أن بعض علماء بلخ يجوزون تناول المريض للخمر بشرطين أحدهما: أن يشير عليه الطبيب بذلك وثانيهما: أن يتيقن صحة ذلك وأنه يحل له.

أنه بالنسبة لتناول القليل للتداوي إذا لم يجد غيره من الحلال فقد اختلف فقهاء المذهب بشأن إباحة ذلك، فمنهم من أجاز ذلك، ومنهم من منعه.

ب – المالكية: يرون في المشهور عندهم حرمة التداوي بالخمر، حتى ولو كان لخوف الموت، وأن مقابل المشهور يرى جواز ذلك في حدود الضرورة، وأن هذا لم ينص عليه وإنما استفيد من النص على المشهور.

ج – الشافعية: يرون حرمة شرب الخمر للتداوي ودفع العطش وأنه لا يجوز دفع الغصة إذا لم يجد غيرها. كما أنه يجوز التداوي بالخمر للشفاء أو رجاء الشفاء بشروط خاصة.

د – الحنابلة: يرون أنه لا يجوز التداوي بالخمر أو ما فيه محرم.

وخلاصة القول: أن هناك مذهبين في المسألة:

المذهب الأول: يرى عدم جواز التداوي بالخمر وحرمة هذا، وإليه ذهب جمهور الحنفية، وأحد قولين للمالكية، والصحيح عند الشافعية، وهو رأي الحنابلة.

المذهب الثاني: يرى جواز التداوي بالخمر وهو أحد قولي الحنفية والشافعية.

الأدلة: استدل القائلون بجوازالتداوي بالخمر:

1 – بقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} 1.

1 سورة الأنعام: الآية 119.

ص: 219

وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} 1. وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} 2.

وجه الدلالة: أن ما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه من المأكل والمشرب، فقد أسقط الله سبحانه تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة إليه، فما دام الشيء محرماً علينا فلا شفاء لنا فيه، فإذا اضطررنا إليه فلا يحرم علينا حينئذ بل هو حلال، وهو لنا حينئذ شفاء والضرورات تبيح المحظورات من طعام وشراب.

2 – وبما روى أنس قال: "قدم ناس من عكل أو عرينه فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله".

وجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح للعرنيين التداوي بشرب أبوال الإبل وهي محرمة ونجسة، إلا أنها لما كانت مما يستشفى بها في بعض العلل رخص لهم في تناولها، فكذلك الخمر تباح عند ضرورة التداوي والاستشفاء بها قياسا على إباحة التداوي بأبوال الإبل المحرمة عند الضرورة إلى التداوي بها.

واستدل القائلون بتحريم التداوي بالخمر:

1 – بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3.

وجه الدلالة: أنه تعالى أخبر في هذه الآية أن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس 4، وأمر باجتنابها، واجتنابها عام في كل الأحوال في البيع والشراء والتداوي

1 سورة البقرة: الآية 173.

2 سورة الحج: الآية 78.

3 سورة المائدة: الآية 90.

4 الرجس: النجس.

راجع: المصباح المنير للفيومي صفحة 219.

ص: 220

والشرب.

قال القرطبي قوله: "فاجتنبوه" يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه، لا بشرب، ولا بيع، ولا تخليل، ولا مداواة، ولا غير ذلك

"1.

2-

عن وائل بن حجر الحضرمي2 أن طارق بن سويد الجعفي رضي الله عنه – "سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر؟ فنهاه عنها – أو كره أن يصنعها – فقال: "إنما أصنعها للدواء فقال: إنها ليست بدواء ولكنها داء" 3.

3-

وبما روي عن طارق بن سويد الحضرمي أنه قال: قلت: يا رسول الله إن بأرضنا أعناباً نعتصرها فنشرب منها، قال:"لا. فعاودته فقال: لا. فقلت: إنا نستشفي بها للمريض فقال: إن ذلك ليس بشفاء، ولكنه داء"4.

وجه الدلالة من هذين الحديثين: أنه صلى الله عليه وسلم صرح بأن الخمر ليست بدواء ولكنها داء وفي هذا دلالة صريحة على تحريم التداوي بها كيف وقد بين صلى الله عليه وسلم أنها داء وهل يعقل أن يزال الداء بالداء.

4 – عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام"5.

5 – عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم

1 الجامع لأحكام القرآن 6/187.

2 هو وائل بن حجر بن سعد بن مسروق بن وائل أبو هنيدة الحضرمي القحطاني، صحابي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشر أصحابه بقدومه قبل أن يصل بأيام وكان أبوه من ملوك حضرموت. راجع أسد الغابة للجزري 4/659، والأعلام للزركلي 8/106.

3 الحديث أخرجه مسلم برقم 1984.

4 الحديث أخرجه أحمد في مسنده 4/311، 5/292، وابن ماجة 2/1157 والطبراني في المعجم الكبير 8/323 والضياء في المختارة 8/107، وقال: إسناده صحيح، وابن حبان 4/231.

5 الحديث أخرجه أبو داود في سننه 4/134 برقم 3874.

ص: 221

عليكم"1.

وجه الدلالة من هذين الحديثين: أنه صلى الله عليه وسلم بين مشروعية الدواء وأنه شيء مشروع، وهو لا ينافي التوكل، ومع هذا نهى صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالمحرمات، والخمر محرمة، فالتداوي بها حرام بنص الحديث، وكذلك قول عبد الله بن مسعود يفيد تحريم التداوي بالخمر، لأنها محرمة والله لم يجعل الشفاء فيما حرم علينا.

6 – قال ابن القيم: "إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التداوي بالخمر، وإن كانت مصلحة التداوي بها راجحة على مفسدة ملا بستها -أي كما كان يظن سابقًا- سداً لذريعة قربانها واقتنائها ومحبة النفوس لها، فحسم علينا المادة حتى في تناولها على وجه التداوي وهذا من أبلغ سد الذرائع"2.

7 – قال ابن تيمية: "وليس هذا مثل أكل المضطر للميتة، فإن ذلك يحصل به المقصود قطعاً وليس له عنه عوض، والأكل منها واجب، وهنا لا يعلم حصول الشفاء ولا يتعين هذا الدواء بل الله تعالى يعافي عباده بأسباب متعددة

والذين جوزوا التداوي بالمحرم قاسوا ذلك على إباحة المحرمات كالميتة والدم للمضطر، وهذا ضعيف"3.

قال الصنعاني بعد قوله: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".

والحديث دليل على أنه يحرم التداوي بالخمر، لأنه إذا لم يكن فيه شفاء، فتحريم شربها باق لا يرفعه تجويز أن يدفع بها الضرر عن النفس4.

والراجح في هذا: هو ما ذهب إليه القائلون بتحريم التداوي بالخمر، وذلك

1 هذا الأثر علقه البخاري موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه بصيغة الجزم، وقال ابن حجر: أخرجه ابن أبي شيبة عن جرير عن منصور، وسنده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه أحمد في كتاب الأشربة، والطبراني في الكبير من طريق أبي وائل نحوه. ا?. وقد سبق هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

2 زاد المعاد 3/114 – 115.

3 مجموع الفتاوى 24/266 – 268.

4 سبل السلام 4/36.

ص: 222