الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحصل باستعمال المضبب بها فيكره ذلك.
2-
بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان لا يشرب في قدح فيه حلقه أو ضبة من فضة"1.
3-
بما روي عن عائشة رضي الله عنها: "أنها نهت أن تضبب الآنية، أو تحلق بالفضة"2.
لقد كان امتناع ابن عمر عن الشرب من قدح فيه حلقة أو ضبة من فضة، ونهي عائشة عن تضبيب الآنية أو تحلقيها بالفضة، لا يكون منهما إلا عن توقيف، لأنه لا مدخل للرأي فيه، فدل هذان الأثران على كراهة استعمال المضبب بالفضة.
والراجح في هذا: هو ما ذهب إليه القائلون بإباحة استعمال المضبب بالفضة إذا كانت الضبة يسيرة ودعت الحاجة إليها، على نحو ما ذهب إليه جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة ومن وافقهم من المالكية كالقاضي عبد الوهاب، لقوة ما استدلوا به، فضلاً عن أن هذه الضبة تابعة لما ضبب بها فأبيحت، لأن العبرة بالمتبوع دون التابع، وأن الحاجة تدعو إلى هذه الضبة، فإن كانت يسيرة فلا يكون سرفاً ولا خيلاء. وأما ما استدل به القائلون بكراهة استعمال المضبب من حديثي أم سلمة وحذيفة فلا دلالة فيهما على ذلك، لأنه لم يرد فيهما النهي صراحة عن استعمال المضبب بالفضة أو ذكر حكم التضبيب بها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
1 السنن الكبرى للبهقي 1/29.
2 الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 5/105.
المطلب الرابع: حكم بيع المضبب بالفضة
اكتفت كتب الفقه المختلفة حسب ما اطلعت عليه بالنص على حكم استعمال واتخاذ المضبب بالفضة، وما جرى بشأن ذلك من خلاف بين العلماء على نحو ما تقرر في المطلب السابق، ولهذا فلا مناص من تخريج حكم بيع ذلك المضبب واستخلاص حكمه مما ذكره العلماء بشأن استعمال ذلك المضبب، فالخلاف هناك له أثره هنا على
نحو ما يلي:
مذهب الحنفية: إباحة بيع المضبب بالفضة من نحو السيف والسكين والمنطقة المضببة، وقالوا: إن العبرة في عين ذلك المضبب بالفضة، فطالما كان الأصل مباحاً في استعماله واتخاذه، كان التابع كذلك، وأن هذا الحكم يسري بعينه في البيع، فلا بأس من بيع المضبب بالفضة عندهم، بناء على جواز استعماله وتخريجاً عليه.
مذهب المالكية: كراهية بيع الإناء المضبب بالفضة، وأن هذا لا يعجب الإمام مالكاً على نحو ما ورد في العتبية بشأن الأكل والشرب في الإناء المضبب بالفضة، المعتبر أصلاً لحكم الشرع بالنسبة لبيع هذا الإناء على هذا النحو تخريجا للحكم هناك على ما استقر عند المالكية هناك؛ وعند القاضي عبد الوهاب المالكي جواز بيع ذلك الإناء بناء على جواز الأكل والشرب فيه عنده إذا كانت الضبة يسيرة.
مذهب الشافعية: حرمة بيع المضبب بالفضة، وهذا ما عليه جمهور فقهاء الشافعية إذا كانت الضبة كبيرة كلها أو بعضها لزينة، وإن كانت لحاجة فإن بيعها لا يكون محرماً بل يقف عند حد الكراهة، وهذا الحكم تخريجاً على ما قاله جمهور الشافعية بشأن استعمال واتخاذ المضبب بالفضة، واستخلاصاً لحكم غير المنصوص مما شمله النص الشرعي.
مذهب الحنابلة: إباحة بيع المضبب بالفضة بناء على قولهم بإباحة استعمالها واتخاذها، وأن هذا الحكم مشروط بعدة شروط منها: أن تكون الضبة يسيرة، ولحاجة، ومن الفضة، وأن الصحيح في المذهب الحنبلي عدم كراهية البيع المتحقق فيه هذه الشروط، وقيل يكره ذلك البيع.
الموازنة: بمراجعة ما تم استخلاصه وتخريجه في مسألة بيع المضبب بالفضة يتضح الآتي:
أن الحنفية يرون أنه لا بأس من بيع المضبب بالفضة، بناء على إباحة استعماله واتخاذه.
أن ظاهر مذهب المالكية كراهة بيع المضبب، تخريجا على قولهم بهذا في حكم استعماله واتخاذه؛ وهناك وجه مقابل لهذا على القول بتحريم ذلك البيع، وإن كان القاضي عبد الوهاب المالكي يرى أن ذلك البيع جائز.
أن الخلاف عند الشافعية تشعب كثيراً ما بين من قال بعدم كراهية بيع المضبب، طالما كان قليلاً ولحاجة، وإن كان للزينة، أو كان كثيراً، فإن بيعه يكون مكروهاً حتى ولو كان لحاجة، ومنهم من قال إن بيعه للزينة محرم مطلقاً، أي قليلا كان أم كثيراً، ومنهم من يقول بأنه يحرم بيعه للشرب ولا يحرم فيما سواه.
أن الصحيح عند الحنابلة عدم كراهة بيع المضبب بالفضة، وقيل إن هذا البيع مكروه.
وعلى هذا فمسألة بيع المضبب بالفضة يحكمها مذهبان مخرجان على خلاف العلماء بشأن أصل هذه المسألة، وهو حكم استعمال واتخاذ المضبب بالفضة.
المذهب الأول: يرى إباحة بيع المضبب بالفضة، وإلى هذا ذهب الحنفية، وهو قول القاضي عبد الوهاب المالكي إذا كانت الضبة يسيرة، وهو قول الشافعية إذا كانت الضبة يسيرة، ولحاجة، وفي غير موضع الشرب، وهذا ما عليه الحنابلة عند تحقق شروط هذه الإباحة عندهم.
المذهب الثاني: يرى أن بيع المضبب بالفضة مكروه، وهذا ما عليه صحيح مذهب المالكية، وهو قول للشافعية، ورواية للحنابلة.
الأدلة: لما كان حكم بيع المضبب بالفضة مخرجاً على حكم الاستعمال والاتخاذ، فقد كانت الآراء في المسألة هي ذات الآراء، وعليه فإن الأدلة التي استند إليها كل فريق هي ذات الأدلة هنا، ووجه الاستدلال بها لا يخرج عما سبق بيانه حيث كان وجه الدعوى واحداً.
الراجح في هذا: هو القول بإباحة بيع المضبب بالفضة خاصة إذا كانت الضبة يسيرة، وكانت لحاجة داعية إليها حيث لا سرف فيها ولا خيلاء، وأن الحكم يكون للأصل وهو المتبوع دون التابع وهو الضبة، والله تعالى أعلم.