الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراجح في هذا: ما ذهب إليه القائلون بتحريم استعمال الأواني والآلات وغيرها المضببة بالذهب مطلقاً، سواء كانت الضبة كبيرة أو صغيرة، وهو ما عليه مذهب المالكية والشافعية وجمهور الحنابلة، لقوة ما استدلوا به، ولأنه لا حاجة إلى اتخاذ هذه الضبة من الذهب إذ يمكن اتخاذها من معدن آخر فتندفع الحاجة به، والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني: حكم بيع المضبب بالذهب
ما سبق كان عن حكم الشرع بالنسبة لاستعمال الآنية المضببة بالذهب، وهذا الحكم على ما فيه من خلاف وما يترجح بشأنه، يخرج عليه حكم بيع المضبب بالذهب، بناء على أن عامة كتب الفقه فيما اطلعت عليه لم تنص صراحة على هذا اكتفاء منها بما تقرر بشأن اتخاذ واستعمال ما ضبب من الآنية بضبة الذهب.
مذهب الحنفية: اختلف فقهاء الحنفية بشأن بيع المضبب بالذهب بناء على اختلافهم في استعماله فيرى الإمام أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن إباحة بيع المضبب بالذهب، مشياً على أن العبرة بالأصل دون التبع، فطالما كان الأصل مباحاً وبيعه لا منع منه، كان حكمه كذلك بعد أن ضبب بالذهب، سواء كان ذلك في السيف أو السكين أو المنطقة والسرج واللجام والركاب ونحو ذلك من آنية الأكل والشرب، في حين أن أبا يوسف رحمه الله يرى حرمة بيع المضبب بالذهب تخريجاً على قوله بحرمة استعماله واتخاذه، بناء على أن القول ببيعه يؤدي إلى استعماله، وهذا ممنوع عنده فما يعتبر ذريعة إليه ممنوع هو الآخر فكان البيع ممنوعاً.
فقد ورد حكم الاستعمال للمضبب بالذهب عند الحنفية المخرج عليه حكم البيع هنا في بدائع الصنائع "
…
وأما الإناء المضبب بالذهب فلا بأس بالأكل والشرب فيه عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو قول محمد ذكره في الموطأ، وعند أبي يوسف يكره "وجه" قول أبي يوسف أن استعمال الذهب حرام بالنص، وقد حصل باستعمال الإناء فيكره "وجه" قولهما إن هذا القدر من الذهب الذي عليه هو تابع له والعبرة للمتبوع دون التابع كالثوب
المعلم
…
"1.
مذهب المالكية: منع بيع المضبب بالذهب بحسب أصل المذهب المالكي، سواء كانت الضبة يسيره أم كثيرة، وسواء كانت لحاجة أم كانت لزينة، وإن كان هناك قول في المذهب استخلص من أن الإمام مالكاً يقول بأنه لا يعجبه الشرب في مثل هذا الإناء، ومفاد هذا القول كراهية البيع، بناء على كراهية الاستعمال، والأصح القول بمنع بيع المضبب بالذهب، فقد ورد حكم الاستعمال لهذا المضبب في مواهب الجليل "
…
والأصح في القولين في المضبب وذي الحلقة المنع، كما صرح به ابن الحاجب وابن الفاكهاني وغيرهما
…
"2.
مذهب الشافعية: منع بيع المضبب بالذهب، بناء على أن الأصل في المذهب الشافعي حرمة استعمال ذلك المضبب على هذا النحو، وإن كان الخلاف فقط قد تعلق بمقدار الضبة المستخدمة بين من يقول بحرمة القليل، وأن شأنه في هذا شأن الكثير، وبين من بنى قوله في الاستعمال على مقدار الضبة، وعلى الغرض من استعمالها، فجوز القليل إن كان لحاجة، وبناء عليه قد خرج حكم بيع المضبب بالذهب عند الشافعية على حكم الاستعمال، ولما كان الأصل في المذهب حرمة الاستعمال مطلقاً سواء كانت الضبة يسيرة أم لا، وسواء كانت قليلة أم لا؟ فإن هذا يعتبر هنا هو أساس المذهب والأصل فيه مع مراعاة الخلاف في الضبة اليسيرة أو الكبيرة لحاجة بين من أجراها على الأصل، ومن قال بجواز الاستعمال على هذا النحو.
فقد جاء في مغني المحتاج: "وما ضبب من إناء ذهب أو فضة ضبة كبيرة وكلها أو بعضها وإن قل لزينة حرم استعماله واتخاذه
…
"3.
1 الكاساني 5/132.
2 الحطاب 1/129.
3 الشربيني 1/46.
مذهب الحنابلة: منع بيع المضبب بالذهب، وذلك بحسب أصل المذهب الحنبلي، وما عليه الأصحاب في المذهب، وأن هذا شامل للضبة اليسيرة والكثيره على سواء، طالما كانت لزينة، وذلك بناء على ما استقر في أصل المذهب بالنسبة للاستعمال لمثل هذه الضبة، وذلك خلافاً لما عليه القاضي أبو بكر، وما اختار الشيخ تقي الدين، وصاحب الرعاية، بإباحة ذلك البيع.
فقد جاء في الإنصاف حكم استعمال المضبب بضبة الذهب المخرج عليه حكم بيع ذلك المضبب، فجاء فيه: "
…
الضبة من الذهب فلا تباح مطلقاً، وهو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم،
…
وقيل: يباح يسير الذهب
…
"1.
الموازنة: بمراجعة ما استقر عليه الفقهاء بشأن بيع المضبب بالذهب بناء على تخريجهم هذا الحكم على ما نصوا عليه من حكم الاستعمال يتضح الآتي:
أن الحنفية مختلفون بشأن بيع المضبب بالذهب، بناء على خلافهم في أصل المسألة، وهو الاستعمال، فالإمام أبو حنيفة ومحمد بن الحسن على إباحة بيع ذلك المضبب بصرف النظر عن كم هذه الضبة أو الغرض من استعمالها، وذلك خلافاً لما عليه أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة من القول بكراهية بيع المضبب بالذهب تأسياً على قول كراهية استعماله.
المالكية على حرمة بيع الإناء المضبب بالذهب مطلقاً بصرف النظر عن كم الضبة والغرض منها، وهناك رأي في المذهب يرى كراهية ذلك البيع.
أن أصل مذهب الشافعية منع بيع المضبب بالذهب، مع خلاف طفيف بشأن مقدار الضبة والغرض منها، حيث يوجد قول في المذهب بأنه لا بأس بإباحة بيع الضبة اليسيرة للحاجة.
الحنابلة على منع بيع المضبب بالذهب مطلقاً، تخريجاً على صحيح مذهبهم من
1 المرداوي 1/82 – 83.