المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: حكم استعمال المضبب بالذهب - البيوع المحرمة والمنهي عنها

[عبد الناصر بن خضر ميلاد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالبيع

- ‌المطلب الأول: البيع لغة

- ‌المطلب الثاني: البيع اصطلاحاً

- ‌المطلب الثالث: أركان البيع

- ‌المطلب الرابع: شروط المعقود عليه "المبيع

- ‌المبحث الثاني: مشروعية البيع وحكمه

- ‌المبحث الثالث: المقصود بالأعيان المحرمة

- ‌المطلب الأول: تعريف العين لغة واصطلاحاً والمحرم لغة والحرام عند الأصوليين

- ‌المطلب الثاني: الأعيان المحرمة لنجاستها

- ‌المطلب الثالث: الأعيان المحرمة لغلبة المفسدة فيها

- ‌المطلب الرابع: الأعيان المحرمة لكرامتها

- ‌الباب الأول: في النجاسات

- ‌التمهيد في بيان اختلاف الفقهاء في حرمة بيع النجاسات وأسبابه

- ‌الفصل الأول: بيع الميتة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول حكم بيع الميتة

- ‌المبحث الثاني حكم بيع أجزاء الميتة

- ‌المطلب الأول: حكم بيع عظم الميتة

- ‌المطلب الثاني حكم بيع جلد الميتة

- ‌المطلب الثالث حكم بيع شعر الميتة

- ‌المبحث الثالث خلاصة القول بشأن بيع الميتة

- ‌الفصل الثاني بيع الدم

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف الدم المسفوح

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع الدم المسفوح

- ‌المبحث الثالث: خلاصة ما قاله الفقهاء بشأن بيع الدم

- ‌الفصل الثالث: بيع فضلات الإنسان والحيوان

- ‌المبحث الأول حكم المني وحكم بيعه

- ‌المطلب الأول: حكم المني

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع المني

- ‌المبحث الثاني: حكم أرواث الحيوانات وحكم بيعها

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع رجيع الحيوانات

- ‌المطلب الثالث: حكم التداوي بأبوال الحيوانات

- ‌الفصل الرابع: بيع الكلب والخنزير

- ‌المبحث الأول: حكم الكلب وحكم بيعه

- ‌المطلب الأول: حكم الكلب

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع الكلب

- ‌المبحث الثاني: حكم الخنزير وحكم بيعه وبيع شعره

- ‌المطلب الأول: حكم الخنزير

- ‌المطلب الثاني حكم بيع الخنزير

- ‌المطلب الثالث: حكم بيع شعر الخنزير

- ‌الفصل الخامس: بيع الخمر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حكمة تحريم الخمر

- ‌المبحث الثاني: حكم الخمر

- ‌المبحث الثالث: حكم التداوي بالخمر، وحكم بيعها

- ‌المطلب الأول: حكم التداوي بالخمر

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع الخمر

- ‌الفصل السادس: حكم بيع المتنجسات والانتفاع بها

- ‌الباب الثاني: مانهى الشارع عن الانتفاع به

- ‌الفصل الأول: بيع أواني الذهب والفضة

- ‌المبحث الأول: حكم أواني الذهب والفضة

- ‌المطلب الأول: حكم استعمال واقتناء أواني الذهب والفضة

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع أواني الذهب

- ‌المبحث الثاني: حكم المضبب بالذهب والفضة

- ‌المطلب الأول: حكم استعمال المضبب بالذهب

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع المضبب بالذهب

- ‌المطلب الثالث: حكم استعمال المضبب بالفضة

- ‌المطلب الرابع: حكم بيع المضبب بالفضة

- ‌المطلب الخامس: حكم استعمال المموه بالذهب والفضة

- ‌المطلب السادس: حكم بيع المموه بالذهب أو الفضة

- ‌المطلب السابع: حكم اتخاذ خاتم وساعة الذهب المعدين للرجال واستعمالهما

- ‌المطلب الثامن: حكم بيع خاتم وساعة الذهب المعدين للرجال

- ‌المطلب التاسع في المستثنيات

- ‌الفصل الثاني: وبيع الأصنام والصور

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: بيان حكم الشرع للصور بأنواعها

- ‌المطلب الأول الصور المجسمة

- ‌المطلب الثاني: التصوير لغير ذي الروح

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع الصور بأنواعها

- ‌المبحث الثالث: المستثنيات

- ‌الفصل الثالث: بيع آلات اللهو

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: آلات اللهو

- ‌المطلب الأول: حكم سماع الغناء

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع آلات اللهو

- ‌المبحث الثاني: النرد

- ‌المطلب الأول حكم اللعب بالنرد

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع النرد

- ‌المبحث الثالث: الشطرنج

- ‌المطلب الأول: حكم اللعب بالشطرنج

- ‌المطلب الثاني بيع الشطرنج

- ‌الفصل الرابع: بيع المخدرات والمفترات

- ‌المبحث الأول: التعريف بالمخدرات والمفترات

- ‌المبحث الثاني: حكم بيع المخدرات

- ‌المبحث الثالث: حكم بيع المفترات

- ‌الفصل الخامس: بيع الإنسان الحر وأجزائه

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حكم بيع الإنسان الحر

- ‌المبحث الثاني: حكم نقل وبيع بعض أجزاء الإنسان الحر

- ‌المطلب الأول حكم نقل أعضاء الإنسان

- ‌المطلب الثاني: حكم بيع بعض أجزاء الإنسان

- ‌الفصل السادس: بيع الأشياء المحرمة لقدسيتها

- ‌المبحث الأول: بيع المصحف

- ‌المبحث الثاني: بيع المصحف للكافر

- ‌المبحث الثالث: بيع أرض مكة

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: حكم استعمال المضبب بالذهب

‌المبحث الثاني: حكم المضبب بالذهب والفضة

إن الحديث عن حكم الشرع بشأن المضبب بالذهب والفضة، متفرع على حكم الشرع في ذلك التضبيب بأحد النقدين، وهل هو حرام، أم أنه حلال، أم أنه مكروه، وهذا بدوره يستلزم ضرورة بيان حكم استعمال المضبب بالذهب أو الفضة أو المموه بأحدهما، ويتضح هذا من خلال المطالب الآتية:

‌المطلب الأول: حكم استعمال المضبب بالذهب

اختلف الفقهاء بشأن حكم استعمال المضبب بالذهب على النحو الآتي:

مذهب الحنفية: أطلق علماء المذهب القول بإباحة استعمال السيف، والسكين، والمنطقة1 المضببة بالذهب، وقالوا بأنه لا بأس بشد فص الخاتم بمسمار من ذهب، لأنه تابع للفص، والعبرة بالأصل دون التبع، وعزو هذا القول لأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، في حين أن أبا يوسف من الحنفية يرى حرمة استعمال المضبب بالذهب مطلقاً باستثناء السيف والسكين والمنطقة المضببة بالذهب، فيباح استعمالها، وكذلك الخاتم الذي ثبت فصه بمسمار من ذهب، وقد خالف في هذا الإمام أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن - رحمهما الله - حيث قالا بإباحة استعمال الإناء المضبب بالذهب في الأكل والشرب وقد قيد صاحب الفتاوى الهندية هذا بعدم وضع فاه على موضع الذهب والفضة كما أنه أباح الجلوس على السرير والكرسي المضببين بالذهب، وقيد استعمال السرج واللجام والركاب المضبب بالذهب بعدم الجلوس على موضع الذهب والفضة.

1 المِنْطَقة: اسم لما يسميه الناس الحياصة، والنطاق إزار فيه تكة تلبسه المرأة وقيل هو حبل تشد به وسطها للمهنة، ومنه قيل لأسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، لأنها كانت تطارق نطاقا على نطاق، وقيل كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتحمل في الآخر الزاد للنبي صلى الله عليه وسلم حين كان في الغار. المصباح المنير للفيومي 611-612 القاموس المحيط للفيروز آبادي 1195.

ص: 260

فقد جاء في بدائع الصنائع: "

وأما الإناء المضبب بالذهب فلا بأس بالأكل والشرب فيه عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو قول محمد ذكره في الموطأ، وعند أبي يوسف يكره، "وجه" قول أبي يوسف أن استعمال الذهب حرام بالنص، وقد حصل باستعمال الإناء فيكره "وجه"

قولهما أن هذا القدر من الذهب الذي عليه هو تابع له والعبرة للمتبوع دون التابع كالثوب المعلم،

وعلى هذا الخلاف الجلوس على السرير المضبب، والكرسي، والسرج، واللجام، والركاب، والتفر المضببة، وكذا المصحف المضبب على هذا الخلاف

وأما السيف المضبب والسكين فلا بأس به بالإجماع، وكذلك المنطقة المضببة لورود الآثار بالرخصة بذلك في السلاح، ولا بأس بشد الفص بمسمار الذهب لأنه تبع للفص والعبرة للأصل دون التبع"1.

وجاء في الفتاوى الهندية: "ولا بأس بالأكل والشرب في إناء مذهب ومفضض، إذا لم يضع فاه على الذهب والفضة وكذا المضبب من الأواني والكراسي إذا لم يقعد على الذهب والفضة، وكذا في حلقة المرآة من الذهب والفضة، وكذا المجمر واللجام والسرج والركاب إذا لم يقعد عليه، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه كره جميع ذلك، وقيل محمد رحمه الله معه، وقيل مع أبي حنيفة رحمه الله تعالى"2.

مذهب المالكية: حرمة استعمال المضبب بالذهب مطلقاً، أي سواء كانت الضبة قليلة أم كبيرة، لحاجة أم لزينة، وإن كان هناك قول في المذهب بكراهية استعمال الإناء المضبب بالذهب في الأكل والشرب ونحو ذلك، وأن هذا فهم من قول الإمام مالك رحمه الله "لا يعجبني أن يشرب في إناء مضبب" وهذا يحتمل التحريم والكراهة، والظاهر هو الكراهة.

فقد جاء في مواهب الجليل: "

والأصح من القولين في المضبب وذي الحلقة المنع كما صرح به ابن

1 الكاساني 5/132.

2 الشيخ نظام وجماعة 5/334.

ص: 261

الحاجب1 وابن الفاكهاني2 وغيرهما

قال مالك في العتبية3 لا يعجبني أن يشرب في إناء مضبب، ولا ينظر في مرآة فيها حلقة، وهو يحتمل التحريم والكراهة، قال ابن عبد السلام4 وظاهره الكراهة وهو الذي عزاه المازري5، والمذهب عندنا كراهة الشرب في الإناء المضبب إذا كان يسيراً، قال بعض شيوخنا وعلة مجرد السرف لا تقتضي التحريم كأواني البلور التي لها الثمن الكثير واليا قوت، فإن استعمالها عندنا جائز غير حرام لكنه مكروه للسرف"6

فمذهب المالكية: في المضبب بالذهب هو الحرمة، وإن كان هناك قول بكراهة استعمال ذلك المضبب، وقد قال الإمام مالك: لا يعجبني الشرب في المضبب، وهذا

1 هو الإمام الفقيه عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الدويني، المصري الدمشقي الاسكندراني، أبو عمرو المعروف بابن الحاجب، ويلقب بجمال الدين، مولده سنة 590?، كان عفيفا متواضعا، منصفا، محبا للعلم وأهله، ناشرا له، من تصانيفه الجامع بين الأمهات في الفقه والمختصر الفقهي والأصولي والشافية. توفي رحمه الله عام 646?. راجع: الديباج المذهب 2/86-89، الأعلام للزر كلي 4/211.

2 هو الإمام الفقيه عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الاسكندري، تاج الدين الفاكهاني تفقه بابن المنير، مولده بالإسكندرية عام 654?،كان فقيها عالما بالحديث والفقه والأصول والعربية اشتغل بالفقه على مذهب الإمام مالك من مصنفاته التحرير والتحبير في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني ورياض الأفهام توفي رحمه الله عام 734?. راجع: شجرة النور الزكية لمحمد بن مخلوف صفحة 204، الديباج المذهب لابن فرحون 2/80.

3 نسبة إلى الإمام محمد بن أجمد العتبي والتي جمعها من سماعه من الإمام سحنون وأصبغ بن حبيب وتسمى أيضا "المستخرجه" وكانت هذه العتيبة عدة الفتوى في بلاد الأندلس. راجع: الديباج المذهب لابن فرحون 2/177.

4 هو محمد بن عبد السلام بن يوسف من فقهاء المالكية، كان إماماً حافظاً عالماً بالحديث له أهلية الترجيح ولي قضاء الجماعة بتونس من تصانيفه "شرح جامع الأمهات لابن الحاجب" توفي سنة 749?. راجع الأعلام للزركلي 6/205، والديباج المذهب 2/329.

5 هو الفقيه المالكي، أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري، نسبة إلى مازر بلدة في صقلية، ولد رحمه الله بمدينة المهدية بإفريقية ولم يكن في عصره للمالكية أفقه منه ولا أقوم لمذهبهم، من مصنفاته شرح التلقين والمعلم بفوائد مسلم توفي رحمه الله عام 536?. راجع: الأعلام للزر كلي 6/277، الديباج المذهب 2/256.

6 الحطاب 1/129.

ص: 262

يحتمل أمرين أحدهما الحرمة والآخر الكراهة، وقد رجح ابن عبد السلام أن الظاهر إنما هو الكراهة،

وقال المازري والمذهب عندنا كراهة الشرب في الإناء المضبب إذا كانت الضبة يسيرة.

مذهب الشافعية: القول بحرمة استعمال المضبب بالذهب، وذلك في أصل المذهب، غير أنه قد وجد تفصيل بين فقهاء المذهب فيما يتعلق بمقدار الضبة والغرض منها.

فقد جاء في مغني المحتاج: "وما ضبب من إناء بذهب أو فضة ضبة كبيرة وكلها أو بعضها وإن قل لزينة حرم استعماله واتخاذه

" 1.

وجاء في المهذب: "وأما المضبب بالذهب، فإنه يحرم قليله وكثيره،

فإن اضطر إليه جاز

" 2

وجاء في المجموع: "فرع" "إذا ضبب الإناء تضبيباً جائزاً فله استعماله مع وجود غيره من الآنية التي لا فضة فيها، وهذا لا خلاف فيه صرح به إمام الحرمين وغيره

"3.

فأساس مذهب الشافعية: حرمة استعمال المضبب بالذهب مع خلاف في المذهب بشأن مقدار الضبة والغرض منها، فنص مغني المحتاج حرمة الضبة من ذهب ومن فضة إذا كانت كبيرة وكانت لزينة كلها أو بعضها، في حين أن نص المهذب يفيد أنه يحرم استعمال ضبة الذهب على وجه التحديد قليلها وكثيرها على السواء، وأنه إذا اضطر إليه جاز، وقد علق المجموع حكم الاستعمال على حكم التضبيب ذاته.

مذهب الحنابلة: القول بحرمة استعمال المضبب بالذهب مطلقاً، سواء كانت الضبة كبيرة أو صغيرة، باستثناء قبيعة4 السيف من الذهب، فإنها تباح، وهذا هو صحيح المذهب، وإن

1 الشربيني 1/46.

2 الشيرازي 1/63.

3 النووي 1/315 – 317.

4 القبيعة: هي بفتح القاف وكسر الباء الموحدة وهي التي تكون على رأس قائم السيف وطرف مقبضه. راجع: المجموع للنووي 1/313. وجاء في مختار الصحاح: أن قبيعة السيف هي ما على مقبضه من ذهب أو فضة أو حديد. راجع: مختار الصحاح صفحة 241 مادة قبع.

ص: 263

كان الخلاف جارياً بشأن مقدار الضبة والغرض منها، وبالتالي حكم استعمالها.

فقد جاء في الإنصاف: "

الضبة من الذهب فلا تباح مطلقاً، وهو الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم،

وقيل: يباح يسير الذهب، قال أبو بكر1: يباح يسير الذهب،

وقيل يباح لحاجة، واختاره الشيخ تقى الدين وصاحب الرعاية2، وأطلق ابن تميم3 في الضبة اليسيرة من الذهب الوجهين، قال الشيخ تقى الدين: وقد غلط طائفة من الأصحاب حيث حكت قولاً بإباحة يسير الذهب تبعاً في الآنية عن أبي بكر،

فائدة: حد الكثير ما عُدَّ كثيراً، على الصحيح من المذهب، وقيل: ما استوعب أحد جوانب الإناء، وقيل: ما لاح على بعد؛

يسيره بالشروط المتقدمة فتباح، وكثيره لغير حاجة فلا تباح مطلقاً على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، وجزم به.

واختار الشيخ تقي الدين الإباحة إذا كانت أقل مما هي فيه، وكثيره لحاجة4 فلا تباح على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور وهو ظاهر في المحرر5؛

وقيل لا يحرم اختاره ابن عقيل وهو مقتضى اختيار الشيخ تقي الدين بطريق الأولى،

ويسيره لحاجة، فلا تباح على الصحيح من المذهب نص عليه وقطع به في الهداية

" 6.

1 هو أحمد بن محمد بن الحجاج أبو بكر المروذي عالم بالفقه والحديث كان من أجلّ أصحاب الإمام أحمد خصيصا بخدمته يأنس به الإمام توفي ببغداد سنة 275 هـ. راجع: الأعلام للزركلي 1/205.

2 هو ابن حمدان الحنبلي.

3 هو محمد بن تميم أبو عبد الله الحراني فقيه حنبلي، تفقه على الشيخ مجد الدين ابن تيمية وعلي أبي الفرح ابن أبي الفهم وناصر الدين البيضاوي وغيرهم، من تصانيفه "المختصر" وصل فيه إلى أثناء الزكاة هو يدل على علم صاحبه وفقه نفسه وجودة فهمه. راجع: طبقات الحنابلة لابن رجب 2/290.

4 جاء في المجموع: "أما الحاجة: فقال الأصحاب: المراد بها غرض يتعلق بالتضبيب سوى الزينة كإصلاح موضع الكسر ونحوه ولا يتجاوز به موضع الكسر إلا بقدر ما يتمسك به" راجع: النووي 1/314 – 315.

5 المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لمجد الدين ابن تيمية أبي البركات المتوفى سنة652هـ.

6 المرداوي 1/82 – 83 – 84.

ص: 264

وجاء في كشاف القناع: "إلا المضبب بضبة يسيرة عرفاً، أي في عرف الناس، لأنه لم يرد تحديدها من فضة لحاجة1، كتشعيب قدح احتاج إلى ذلك فيجوز تشعيبه واستعماله؛

بخلاف الكبيرة والتي لغير حاجة، وعلم منه أن ضبة الذهب حرام مطلقاً

ومباشرتها بدونها أي بدون الحاجة تكره، لأن فيها استعمالاً للضبة بلا حاجة في الجملة، ولا تحرم لإباحة الاتخاذ"2.

فالخلاف حاصل في مذهب الحنابلة بشأن استعمال المضبب بالذهب على هذا النحو:

فصحيح المذهب أن الضبة من الذهب لا يباح استعمالها مطلقاً أي سواء كانت قليلة أم كثيرة لحاجة أم لزينة، وهذا ما عليه الأصحاب في المذهب الحنبلي، وقال: أبو بكر بإباحة يسير الذهب، وقيل يباح لحاجة وهذا ما اختاره الشيخ تقي الدين وصاحب الرعاية، وقال ابن تميم بالوجهين، ونص كشاف القناع يفيد أن ضبة الذهب حرام مطلقاً.

الموازنة: من خلال مطالعة نصوص الفقهاء بشأن حكم الشرع في استعمال المضبب بالذهب يتبين الآتي:

أن الحنفية مختلفون بشأن هذه المسألة حيث يرى الإمام أبو حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني أنه لا بأس بالأكل والشرب في الإناء المضبب بالذهب، باعتبار أن المدار على المتبوع دون التابع، فطالما كان الإناء وهو المتبوع لا بأس به، كان التابع وهو القدر من الذهب في الضبة كذلك لا بأس به، في حين أن أبا يوسف يرى كراهية ذلك، وهذا الخلاف.

يجري بالنسبة للكرسي والسرير واللجام ونحو ذلك، خلافاً للسكين والسيف ونحو

1 الحاجة: أن يتعلق بها أي الضبة غرض غير زينة، بأن تدعو الحاجة إلى فعلها لا أن لا تندفع بغيرها، فتجوز الضبة المذكورة عند انكسار القدح ونحوه، ولو وجد غيرها أي غير الضبة اليسيرة من الفضة، لأن احتياجها إلى كونها من ذهب أو فضة بأن لا يجد غيرهما ضرورة، وهي تبيح المنفرد وتباح مباشرتها أي الضبة الجائزة لحاجة تدعو إلى مباشرتها كاندفاق الماء بدون ذلك ونحوه. راجع: كشاف القناع 1/65 – 66.

2 البهوتي1/65 – 66.

ص: 265

ذلك حيث لا بأس به على سبيل الإجماع.

أن المالكية يرون حرمة استعمال المضبب بالذهب مطلقاً، سواء كانت قليلة أو كثيرة، لحاجة أو لزينة، وهناك رأي في المذهب يقول بكراهية استعمال الإناء المضبب بالذهب في الأكل والشرب خاصة.

أن أساس مذهب الشافعية هو حرمة استعمال المضبب بالذهب، وإن كان الخلاف في مقدار الضبة والغرض منها.

وأن صحيح مذهب الحنابلة أنه لا يباح استعمال الضبة من الذهب مطلقاً، سواء كانت قليلة، أم كثيرة، لحاجة، أم لزينة، وقال أبو بكر بإباحة يسير الذهب، وقيل يباح لحاجة.

فخلاصة القول في مسألة استعمال المضبب بضبة الذهب تنحصر في مذهبين:

المذهب الأول: يرى حرمة استعمال المضبب بالذهب، وإلى هذا ذهب المالكية، وهو أساس مذهب الشافعية، على خلاف وتفصيل بشأن مقدار الضبة، والغرض منها، وهو صحيح مذهب الحنابلة، وهذا ما ذهب إليه أبو يوسف من الحنفية.

المذهب الثاني: يرى إباحة استعمال المضبب بالذهب، وهذا ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة ومحمد بن الحسن حيث عبرا عن هذا بأنه لا بأس به، وهو قول لأبي بكر من الحنابلة خاصة ما إذا كانت الضبة يسيرة، وفي قول عندهم إذا كانت الضبة لحاجة.

الأدلة: استدل أصحاب المذهب الأول القائلون بحرمة استعمال المضبب بالذهب بما يلي:

1-

ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم".

2-

وبما روي عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة".

فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استعمال المتخذ من الذهب في الأكل والشرب، وهذا يفيد التحريم للوعيد الشديد الوارد في حديث أم سلمة، ويقاس على الأكل

ص: 266

والشرب غيرهما من وجوه الاستعمال كما سبق بيانه1 فتحرم كذلك، وما ضبب بذهب قد اشتمل على ذهب، وإذا حرم استعمال المتخذ من الذهب، فإنه يحرم استعمال المشتمل عليه كذلك.

3-

فضلاً عن أن علة التحريم هي الفخر، والخيلاء، والسرف، وكسر قلوب الفقراء، وإذا كانت هذه هي علة التحريم، فإن الخيلاء والفخر وغيرهما من وجوه الاستعلاء والتجبر تكون موجودة في ذلك التضبيب، وأنها في الذهب أشد من الفضة2.

واستدل أصحاب المذهب الثاني القائلون بإباحة استعمال المضبب بالذهب بما يلي:

1-

ما روي عن مزيدة العصري3 قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة"4.

فدل هذا الحديث على إباحة استعمال المضبب بالذهب، وقد استدل به الحنابلة على ما ذهبوا إليه من إباحة استعمال السيف إذا كانت قبيعته من الذهب.

2-

فضلاً عن أن مقدار الذهب الذي تتخذ فيه الضبة تابع لما ضبب به، والعبرة للمتبوع دون التابع، كالثوب المعلم 5، والجبة المكفوفة 6 بالحرير7.

1 في صفحة 285.

2 مغني المحتاج 1/46.

3 هو مزيدة - بوزن كبيرة - ابن جابر، وقيل ابن مالك العَصَري -بفتح المهملتين- العبدي صحابي مقل. راجع: الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 2546، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 9/177.

4 الحديث أخرجه الترمذي برقم 1690 وقال هذا حديث حسن غريب، والطبراني في الكبير 20/46، راجع: نصب الراية للزيلعي 4/233.

5 الثوب المعلم: هو الذي عليه أعلام من حرير طرز بها. راجع: مختار الصحاح للرازي صفحة 62.

6 المكفوف: الثوب خاط حاشيته وهي الخياطة الثانية بعد الشّل، ويقال هو ما جعل له كفة، فكيف بها جوانبه ويعطف عليه، ويكون هذا في الذيل والفرّج والكمين، والمكفوف بالحرير هو ما اتخذ جبة من حرير وكان لذيله وأكمامه كفاف منه. راجع: مختار الصحاح للرازي صفحة 263، نيل الأوطار للشوكاني 2/87.

7 بدائع الصنائع 5/132....................الأصل أن يكون هنا=

ص: 267