المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌45 - باب التشديد في ترك الجماعة - صحيح سنن أبي داود ط غراس - جـ ٣

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌31 - باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت

- ‌32 - باب الأذان فوق المنارة

- ‌33 - باب المؤذن يستدير في أذانه

- ‌34 - باب في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌35 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن

- ‌36 - باب ما جاء في الدعاء عند الأذان

- ‌37 - باب ما يقول عند أذان المغرب

- ‌38 - باب أَخذ الأجر على التأذين

- ‌39 - باب في الأذان قبل دخول الوقت

- ‌40 - باب الأذان للأعمى

- ‌41 - باب الخروج من المسجد بعد الأذان

- ‌42 - باب في المؤذن ينتظر الإمام

- ‌43 - باب في التثويب

- ‌44 - باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام؛ ينتظرونه قعودًا

- ‌45 - باب التشديد في ترك الجماعة

- ‌46 - باب في فضل صلاة الجماعة

- ‌47 - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

- ‌48 - باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظُّلَم

- ‌49 - باب ما جاء في الهَدْي في المشي إلى الصلاة

- ‌50 - باب من خرج يريد الصلاة فسُبق بها

- ‌51 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

- ‌52 - باب التشديد في ذلك

- ‌53 - باب السعي إلى الصلاة

- ‌54 - باب في الجمع في المسجد مرتين

- ‌55 - باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة؛ يصلي معهم

- ‌56 - باب إذا صلى ثم أدرك جماعة؛ يعيد

- ‌57 - باب جُمَّاع الإمامة وفضلها

- ‌58 - باب في كراهية التدافع على الإمامة

- ‌59 - باب من أحق بالإمامة

- ‌60 - باب إمامة النساء

- ‌61 - باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون

- ‌62 - باب إمامة البر والفاجر

- ‌63 - باب إمامة الأعمى

- ‌64 - باب إمامة الزائر

- ‌65 - باب الإمام يقوم مكانًا أرفع من مكان القوم

- ‌66 - باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة

- ‌67 - باب الإمام يصلي من قعود

- ‌68 - باب الرجلين يَؤُمُّ أحدُهما صاحبَه؛ كيف يقومان

- ‌69 - باب إذا كانوا ثلاثة؛ كيف يقومون

- ‌70 - باب الإمام ينحرف بعد التسليم

- ‌71 - باب الإمام يتطوَّع في مكانه

- ‌72 - من باب الإمام يُحْدِثُ بعدما يرفع رأسه من آخر الركعة

- ‌73 - باب ما يُؤْمَرُ به المأمومُ من اتباع الإمام

- ‌74 - باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله

- ‌75 - باب فيمن ينصرف قبل الإمام

- ‌76 - باب جُمَّاعِ أثواب ما يُصَلَّى فيه

- ‌77 - باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلِّي

- ‌78 - باب الرجل يصلِّي في ثوب بعضه على غيره

- ‌79 - باب الرجل يصلِّي في قميص واحد

- ‌80 - باب إذا كان الثوب ضيِّقًا يتَّزِرُ به

- ‌81 - من باب الإسبال في الصلاة

- ‌82 - باب في كم تصلي المرأة

- ‌83 - باب المرأة تصلي بغير خمار

- ‌84 - باب السَّدْل في الصلاة

- ‌85 - باب الصلاة في شُعر النساء

- ‌86 - باب الرجل يصلِّي عاقصًا شَعْرَهُ

- ‌87 - باب الصلاة في النَّعْلِ

- ‌88 - باب المصلِّي إذا خلع نَعْلَيْهِ؛ أين يضعها

- ‌89 - باب الصلاة على الخُمُرِ

- ‌90 - باب الصلاة على الحصير

- ‌91 - باب الرجل يسجد على ثوبه

- ‌92 - باب تسوية الصفوف

- ‌93 - باب الصفوف بين السواري

- ‌94 - باب من يَسْتَحِبُّ أن يَلِيَ الإمامَ في الصفِّ وكراهية التأخُّر

- ‌95 - باب مقام الصبيان من الصف

- ‌96 - بابُ صفِّ النساء، والتأخُّرِ عن الصَّفِّ الأول

- ‌97 - باب مقام الإمام من الصف

- ‌98 - باب الرجل يصلِّي وحده خَلْفَ الصف

- ‌99 - باب الرجل يركع دون الصف

- ‌100 - باب ما يستر المصلِّي

- ‌101 - باب الخَطِّ إذا لم يجد العصا

- ‌102 - باب الصلاة إلى الراحلة

- ‌103 - باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها؛ أين يجعلها منه

- ‌104 - باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام

- ‌105 - باب الدُّنُوِّ من السُّتْرة

- ‌106 - باب ما يُؤْمر المصلِّي أن يَدْرأ عن المَمَرِّ بين يديه

- ‌107 - باب ما ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي

- ‌108 - باب ما يقطع الصلاة

- ‌109 - باب سُتْرَةُ الإمامِ سترةُ مَنْ خلفه

- ‌110 - باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة

- ‌111 - باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة

- ‌112 - باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة

- ‌113 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء

- ‌114 - باب رفع اليدين في الصلاة

- ‌115 - باب افتتاح الصلاة

- ‌116 - باب [مَنْ ذَكَرَ أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين] (1)

- ‌117 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

- ‌118 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌119 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

- ‌120 - باب من رأى الاستفتاح بـ: "سبحانك اللهم وبحمدك

- ‌121 - من باب السَّكْتة عند الافتتاح

- ‌122 - باب من لم يَرَ الجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)

- ‌123 - باب من جهر بها

- ‌124 - باب تخفيف الصلاة للأمر يَحْدُثُ

- ‌125 - باب في تخفيف الصلاة

- ‌126 - باب ما جاء في نقصان الصلاة

- ‌127 - باب القراءة في الظهر

- ‌128 - باب تخفيف الأُخْرَيَيْنِ

- ‌129 - باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر

- ‌130 - باب قدر القراءة في المغرب

- ‌131 - باب من رأى التخفيف فيها

- ‌132 - باب الرجل يُعِيدُ سورة واحدة في الركعتين

- ‌133 - باب القراءة في الفجر

- ‌134 - باب من ترك القراءة في صلاته بـ (فاتحة الكتاب)

- ‌135 - باب من رأى القراءة إذا لم يجهر

- ‌136 - باب ما يجزئ الأُمِّيَّ والأعجمي من القراءة

- ‌137 - باب تمام التكبير

- ‌138 - باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه

- ‌139 - باب النهوض في الفَرْدِ

- ‌140 - باب الإقعاء بين السجدتين

- ‌141 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌142 - باب الدعاء بين السجدتين

- ‌143 - باب رفع النساء إذا كنَّ مع الرجال رؤوسهن من السجدة

- ‌144 - باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين

الفصل: ‌45 - باب التشديد في ترك الجماعة

555 -

عن أنس قال:

أقيمت الصلاة؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم نَجيٌّ في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم.

(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في "صحاحهم").

إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.

والحديث أخرجه البخأري (2/ 98)، ومسلم (2/ 195) من طريقين آخرين عن عبد الوارث

به.

ثم أخرجه البخاري (11/ 71)، ومسلم، وأبو عوانة (2/ 30)، والنسائي (1/ 128)، والبيهقي (2/ 22)، وأحمد (3/ 101) من طرق أخرى عن عبد العزيز

به نحوه.

‌45 - باب التشديد في ترك الجماعة

556 -

عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما من ثلاثة -في قرية ولا بَدْوٍ- لا تقام فيهم الصلاة؛ إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئبُ من الغنم القاصيةَ".

قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة".

ص: 58

(قلت: إسناده حسن، وقال النووي: "إسناده صحيح"، وقال الحاكم: "صدوق رواته"، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (2098) في "صحيحيهما").

إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زائدة: ثنا السائب بن حُبَيْشٍ عن مَعْدان ابن أبي طلحة اليَعْمَرِي عن أبي الدرداء.

وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال "الصحيح"؛ غير السائب بن حبيش، وهو الكَلاعي الحمصي، وقد وثقه العجلي وابن حبان. وقال الدارقطني:

"صالح الحديث من أهل الشام، لا أعلم حدث عنه غير زائدة".

قلت: وقال الحاكم بعد أن أخرج الحديث:

"وقد عرف من مذهب زائدة أنه لا يحدث إلا عن الثقات". ووافقه الذهبي.

وهذه فائدة لا تجدها في كتب الرجال؛ فينبغي أن تقيد.

هذا وقد ذكر في "التهذيب" راويًا آخر عنه؛ وهو حفص بن عمر بن رواحة الحلبي.

والحديث أخرجه النسائي (1/ 135)، والحاكم (1/ 211)، وأحمد (5/ 196 و 6/ 446) من طرق عن زائدة بن قدامة

به. وقال الحاكم:

"حديث صدوق رواته، متفق على الاحتجاج بهم؛ إلا السائب بن حبيش؛ وقد عرف من مذهب زائدة أنه لا يحدث إلا عن الثقات"، ووافقه الذهبي.

ثم أخرجه الحاكم في موضع آخر (1/ 246)، وقال:

"حديث صحيح"، ووافقه الذهبي أيضًا.

ص: 59

وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (2098) في "صحيحيهما"؛ كما في "الترغيب"(1/ 156). وقال النووي في "المجموع"(4/ 183):

"إسناده صحيح". وأما في "الرياض"؛ فقال -كما قلنا نحن-: "إسناده حسن".

وللحديث طريق أخرى: عند أحمد (6/ 445).

وفيه حاتم بن أبي نصر؛ وهو مجهول.

557 -

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لقد هممت أن آمُرَ بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال -معهم حُزَمٌ من حَطَبٍ- إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأُحَرِّق عليهم بيوتهم بالنار".

(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في "صحاحهم").

إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

والحديث أخرجه مسلم (2/ 123)، وابن ماجة (1/ 265)

بإسناد المصنف.

وأخرجه أبو عوانة (2/ 5) عن شيخ آخر عن أبي معاوية.

ص: 60

ثم أخرجه هو، ومسلم، والبخاري (2/ 111 - 112) من طرق أخرى عن الأعمش

به نحوه.

وللحديث -في "الصحاح الثلاثة: البخاري ومسلم وأبا عوانة"، والنسائي (1/ 135)، والترمذي، والدارمي (1/ 292)، و "المسند"(2/ 244 و 292 و 314 و 376) - طرق أخرى عن أبي هريرة؛ ومنها ما يأتي في الكتاب عقب هذا.

وله في "مسند الطيالسي"(رقم 1717) شاهد من حديث جابر رضي الله تعالى عنه.

558 -

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لقد هممت أن آمر فِتْيَتِي، فيجمعوا حزمًا من حطب، ثم آتيَ قومًا يصلُّون في بيوتهم -ليست بهم علة-، فأحرِّقها عليهم".

قلت ليزيد بن الأصم: يا أبا عوف! الجمعةَ عَنَى أو غيرها؟

قال: صُمَّتَا أُذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يَأْثِرُهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما ذكر جمعة ولا غيرها.

(قلت: حديث صحيح؛ دون قوله: "ليست بهم علة"؛ وإن كانت صحيحة المعنى، والصحيح:"يسمعون النداء". وأخرجه مسلم مختصرًا.

وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح").

إسناده: حدثنا النُّفَيْلِيُّ: ثنا أبو المَلِيح: حدثني يزيد بن يزيد: حدثني يزيد ابن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير يزيد بن يزيد؛ وهو يزيد بن يزيد بن

ص: 61

جابر، شيخ من أهل الرَّقَةِ:

كذا رواه الطبراني في "المعجم الأوسط": عن أحمد بن عبد الرحمن بن عفان عن أبي جعفر النفيلي عن أبي المليح قال: حدثنا

فذكره؛ كما في "تهذيب التهذيب"؛ وهو غير يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي؛ فإن هذا ثقة مشهور.

والمترجم -كما في "التقريب"- مجهول؛ وقال:

"قيل: هو الذي قبله -يعني: الأزدي-. وقيل: آخر من أهل الرقة مجهول".

قلت: لكنه لم يتفرد بالحديث؛ بل قد تابعه عليه غير ما واحد؛ فكان حديثه هذا صحيحًا، كما يأتي بيانه.

والحديث أخرجه البيهقي (3/ 56) من طريق المؤلف.

وأخرجه أحمد من طريق أخرى عن ابن الأصم، فقال:(2/ 539): ثنا كثير: ثنا جعفر: ثنا يزيد بن الأصم

به نحوه؛ وقال:

"يسمعون النداء ثم لا يأتون الصلاة". فسئل يزيد: أفي الجمعة هذا أم في غيرها؟ قال: ما سمعت أبا هريرة يذكر جمعة ولا غيرها؛ إلا هكذا.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وكثير: هو ابن هشام أبو سهل الرَّقيُّ.

وجعفر: هو ابن برقان.

وقد أخرجه البيهقي (3/ 55 - 56) من طريق أبي نعيم: ثنا جعفر بن برقان

به.

دون سؤال يزيد.

ص: 62

وكذلك أخرجه مسلم (2/ 123)، والترمذي (2/ 422 - 423)، وأحمد (2/ 472) من طريق وكيع عن جعفر

به؛ وليس عندهم:

"يسمعون النداء". وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح".

قلت: فقد اختلف جعفر بن برقان في جملة من الحديث مع يزيد بن يزيد؛ فقال هذا:

"ليست بهم علة". وقال جعفر في رواية أحمد الصحيحة والبيهقي:

"يسمعون النداء".

وهذا هو الصحيح؛ لما علمت من جهالة يزيد، وإن كانت روايته -من حيث المعنى- صحيحة. وإنما كلامنا من حيث الإسناد والمبنى.

ثم إن الروايتين اتفقتا على أن أبا هريرة لم يذكر في الحديث نوع الصلاة التي هدَّد صلى الله عليه وسلم المتخلفين عنها بالحرق.

فذلك مما يدل على شذوذ ما رواه البيهقي من طريق عبد الرزاق: ثنا معمر عن جعفر بن برقان

به؛ إلا أنه قال:

"لا يشهدون الجمعة"! وقال البيهقي عقبها:

"كذا قال: "الجمعة". وكذلك روي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود. والذي يدل عليه سائر الروايات: أنه عبر بـ "الجمعة" عن الجماعة، والله أعلم". وتعقبه ابن التركماني بقوله:

"قلت: التعبير بـ "الجمعة" وإرادة الجماعة بعيد؛ وفيه تلبيس على

ص: 63

المخاطبين. والوجه أن يقال: لا منافاة بين رواية: "لا يشهدون الجمعة"، ورواية:"لا يشهدون الصلاة"؛ فيعْمَلُ بالروايتين، ويتوجه الذم إلى من ترك الجمعة، وإلى من ترك الجماعة! قلت: هذا الجمع إنما يصح أن يقال في حق حديث أبي هريرة وحديث ابن مسعود -الذي أشار إليه البيهقي، وهو في "صحيح مسلم" وغيره، ويأتي-، ولكنه لا يصح أن يقال في الجمع بين روايتي حديث أبي هريرة؛ لأن في بعض طرقه -في "الصحاح الثلاثة" و "مسند أحمد" (2/ 292) -:

"إنها صلاة النساء"!

ولذلك رجح الحافظ في "الفتح" أنها لا تختص بصلاة الجمعة. والله أعلم.

559 -

عن عبد الله بن مسعود قال:

حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيثُ يُنادى بهن؛ فإنهن من سنن الهدى، وإن الله عز وجل شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق بيِّن النفاق، ولقد رأيتُنا وإن الرجل ليُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته، ولو صلَّيتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم؛ تركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم.

(قلت: حديث صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"؛ إلا أنهما قالا: لضللتم؛ بدل: لكفرتم).

إسناده: حدثنا هارون بن عَبَّاد الأزدي: ثنا وكيع عن المسعودي عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود.

ص: 64

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ هارون بن عباد الأزدي لم يذكروا توثيقه عن أحد؛ وقد روى عنه محمد بن وضاح القرطبي أيضًا؛ فهو مجهول الحال.

والمسعودي ضعيف؛ لاختلاطه كما قد سبق. لكن قال عبد الله بن أحمد عن أبيه:

"سماع وكيع من المسعودي قديم، وأبو نعيم أيضًا".

فهذا من صحيح حديثه؛ لأنه من رواية وكيع عنه كما ترى؛ لولا أن الراوي عن وكيع مجهول.

لكن قد توبع عليه كما يأتي؛ فالحديث صحيح على كل حال.

والحديث أخرجه النسائي (1/ 136) -من طريق عبد الله بن المبارك-، وأحمد (1/ 455) -من طريق أبي قَطَن (واسمه عمرو بن الهيثم) - كلاهما عن المسعودي

به.

وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(رقم 313): حدثنا المسعودي

به.

وقد تابعه أخوه أبو العميس -واسمه عتبة بن عبد الله المسعودي- عن علي ابن الأقمر

به.

أخرجه مسلم (2/ 124)، وأبو عوانة (2/ 7)، والبيهقي (3/ 58 - 59)، وأحمد (1/ 414 - 415).

وتابع عليًّا عن أبي الأحوص: إبراهيم بن مسلم الهَجَرِي: عند ابن ماجة (1/ 261)، وأحمد (1/ 382).

وكل هؤلاء قالوا: لضللتم؛ بدل: لكفرتم.

ص: 65

فقد تفرد بها المؤلف.

560 -

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر -قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض-؛ لم تُقْبَلُ منه الصلاة التي صلَّى".

(قلت: حديث صحيح؛ لكن بلفظ:

"من سمع النداء، فلم يأته؛ فلا صلاة له إلا من عذر".

وقال النووي: "حديث صحيح"، وقال الحاكم:"هو صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(2061). وصححه أيضًا عبد الحق في "أحكامه"، وأبو محمد بن حزم في "المحلى").

إسناده: حدثنا قتيبة: ثنا جرير عن أبي جناب عن مَغْراءَ العبدي عن عدي ابن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي جناب -واسمه: يحيى بن أبي حية الكلبي-، وقد اتفقت كلمات الأئمة على تضعيفه، وهم على طائفتين: منهم من أطلق فيه الضعف، ومنهم من ضعفه بسبب تدليسه. وقال الحافظ:

"ضعفوه؛ لكثرة تدليسه".

وشيخه مغراء العبدي -وكنيته أبو المخارق الكوفي-؛ قال الذهبي: "تكلم فيه".

وذكره ابن حبان في "الثقات".

ص: 66

وقد روى عنه جماعة من الثقات. ونقل أبو العرب التميمي وابن خُلْفون عن العِجْلي أنه قال:

"لا بأس به". وقال ابن القطان:

"لم أره في كتاب الكوفي"؛ يعني: العجلي. قال:

"ولا يعرف فيه تجريح"، وأنكر على عبد الحق طعنه في حديثه. كذا في "تهذيب التهذيب". وفي "التقريب":

"مقبول". والله أعلم.

وقال المنذري في "مختصره"(رقم 519):

"في إسناده أبو جناب يحيى بن أبي حية الكلبي؛ وهو ضعيف". وزاد الحافظ في "التلخيص"(4/ 304):

" .. ومدلس؛ وقد عنعن"، وقال النووي (4/ 191):

"إسناده ضعيف".

والحديث أخرجه البيهقي (3/ 75) من طريق المصنف ومحمد بن داود بن دينار: ثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد

به.

وأخرجه الدارقطني (161) من طريق المصنف أيضًا.

والحاكم (1/ 245 - 246) من طريق أخرى عن قتيبة، ومن طريق سليمان بن قرم عن أبي جناب

به.

- لكن الحديث له طريق أخرى صحيحة عن عدي بن ثابت: أخرجه ابن ماجة (1/ 265)، والدارقطني، والحاكم، وابن حبان في "صحيحه"(2061) -عن

ص: 67

عبد الحميد بن بيان-، والحاكم أيضًا -عن عمرو بن عون-، والبيهقي (3/ 174) -من طريق أحمد: ثنا أبو معمر- ثلاثتهم قالوا: ثنا هُشَيْمُ بن بَشِير: ثنا شعبة ثنا عدي بن ثابت: ثنا سعيد بن جبير

مرفوعًا باللفظ الذي أوردناه آنفًا (ص 66) وقال الحاكم:

"هو صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا. وقال الحافظ في "بلوغ المرام" (2/ 27):

"وإسناده على شرط مسلم؛ لكن رجح بعضهم وقفه"!

قلت: يأتي الجواب عن هذا الترجيح.

ثم إن هشيمًا لم يتفرد به؛ بل تابعه قُرَادٌ -واسمه: عبد الرحمن بن غزوان-: عند الدارقطني والحاكم.

وسعيد بن عامر وأبو سليمان داود بن الحكم: عند الحاكم؛ وقال:

"هذا حديث قد أوقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة، وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وهشيم وقراد أبو نوح ثقتان؛ فإذا وصلاه؛ فالقول فيه قولهما". وقال الحافظ في "التلخيص":

"وإسناده صحيح؛ لكن قال الحاكم: وقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة"!

قلت: لكن الحاكم قد أجاب عن ذلك، وهو جواب صائب، مبني على القاعدة المسلّمة المشهورة: أن زيادة الثقة مقبولة! فكان الأولى بالحافظ أن ينقل تمام كلام الحاكم على سبيل الحكاية، إذا كان لا يريد أن يتبناه كله!

هذا؛ ومن الغرائب قول الدارقطني:

"رفعه هشيم وقراد -شيخ من البصريين مجهول-"!

ص: 68

ولعله خفي عليه أن قراد إنما هو لقبه وأن اسمه ما ذكرنا آنفًا، وهو ثقة كما قال الحاكم؛ بل الدارقطني نفسه وثقه في "الجرح والتعديل"، كما نقله في "التهذيب"؛ وهو من رجال البخاري.

ومتابعه سعيد بن عامر ثقة أيضًا؛ وهو الضُّبَعي، من رجال "الصحيحين".

ولشعبة فيه شيخ آخر: أخرجه قاسم بن أصبغ في كتابه فقال: ثنا إسماعيل ابن إسحاق القاضي: ثنا سليمان بن حرب: ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير

به مرفوعًا. قال ابن التركماني:

"ذكره عبد الحق في "أحكامه"؛ وقال: حسبك بهذا الإسناد صحة".

قلت: ورواه ابن حزم في "المحلى"(4/ 190) من طريق قاسم بن أصبغ، ثم صححه (ص 191).

وأخرجه الخطيب في "تاريخه"(6/ 285)، والبيهقي (3/ 174) من طرق أخر عن إسماعيل بن إسحاق

به. وقال الخطيب:

"قال لنا أبو بكر البرقاني: تفرد به إسماعيل بن إسحاق عن سليمان بن حرب".

قلت: وهما ثقتان إمامان حافظان؛ فلا يضر تفردهما بالحديث بهذا الإسناد.

ولذلك صححه ابن حزم وابن عبد الحق.

وقد خلط الأستاذ الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المحلى" بين إسناد شعبة هذا: عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير، وبين إسناده المتقدم: عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير، فجعلهما إسنادًا واحدًا من روايته عن عدي عن سعيد! وهو وهم، تبعته عليه في كتابي "نقد التاج"؛ فليصحح.

ص: 69

كما أن صاحب "التاج" خلط أيضًا بين إسناد المصنف للحديث وبين إسناد ابن ماجة فيه، فجعلها إسنادًا واحدًا؛ حيث قال (1/ 268):

"رواه أبو داود، وابن ماجة؛ قال: بسند ضعيف"!

وهذا خلط فاحش؛ حيث أدّى إلى تضعيف الإسناد الصحيح.

وله مثل هذا كثير في الكتاب المذكور ذلك؛ مما حملنا على نقده، وقد فرغنا من الجزء الأول فيه منذ أمد، ولما يَتَسَنَّ لنا الاستمرار في نقده إلى نهايته! ومن الله تعالى التوفيق، ومنه نرجو العصمة من الخطأ والزلل.

هذا؛ وللحديث شواهد:

منها: ما أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي حَصِين عن أبي بُرْدة بن أبي موسى عن أبيه مرفوعًا بلفظ:

"من سمع النداء فارغًا صحيحًا، فلم يجب؛ فلا صلاة له".

وهو على شرط البخاري؛ لولا أن أبا بكر بن عياش سيئ الحفظ. لكنه قد توبع؛ فقال الحافظ:

"ورواه البزار من طريق قيس بن الربيع عن أبي حَصِينٍ أيضًا".

قلت: فهو صحيح أيضًا مرفوعًا؛ وإن صح موقوفًا.

ومن شواهده: ما روى في "الحلية"(9/ 250)

بإسناده عن ابن عمر مرفوعًا:

"من سمع الفلاح، فلم يجبه؛ فلا هو معنا، ولا هو وحده". وقال: "غريب".

ص: 70

قلت: وفيه من لم أعرفه!

561 -

عن ابن أم مكتوم:

أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني؛ فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال:"هل تسمع النداء؟ ". قال: نعم. قال: "لا أجد لك رخصة".

(قلت: إسناده حسن صحيح، وقال النووي:"إسناده صحيح أو حسن".

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه").

إسناده: حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي رَزِين عن ابن أم مكتوم.

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أنه روى لعاصم مقرونًا بغيره؛ وهو حسن الحديث كما سبق.

وأبو رزين: اسمه مسعود بن مالك الأَسَدي الكوفي، وقد أنكر ابن القطان سماعه من ابن أم مكتوم؛ كما في "التهذيب".

لكن قد ذكر أيضًا أن أبا رزين هذا كان غلامًا على عهد عمر، وأن ابن أم مكتوم مات في آخر خلافة عمر. ومعنى هذا أن أبا رزين قد أدرك ابن أم مكتوم وهو غلام يعقل؛ فروايته عنه محمولة على الاتصال عند الجمهور؛ فإنكار ابن القطان لسماعه منه؛ لا ندري ما وجهه؟ ! فإن ثبت فالإسناد منقطع.

ص: 71

لكن الحديث صحيح على كل حال؛ لما له من الطرق والشواهد، كما يأتي.

والحديث أخرجه ابن ماجة (1/ 265) -عن زائدة-، وأحمد (3/ 423) -عن شيبان- كلاهما عن عاصم

به. وقال النووي في "المجموع"(4/ 191) -بعد أن عزاه للمصنف:

"إسناده صحيح أو حسن".

وأخرجه أيضًا الطبراني في "الصغير"(ص 150)، والحاكم (1/ 246 - 247 و 3/ 635)، والبيهقي (3/ 58) من طرق عن عاصم.

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"، كما في "الترغيب"(1/ 157).

وللحديث طريقان آخران:

الأول: أخرجه الدارقطني (ص 146)، وأحمد (3/ 423) من طريقين عن حُصَيْنِ بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن ابن أم مكتوم

به؛ إلا أنه قال:

"أتسمع الإقامة؟ " بدل: "النداء".

وهذا إسناد صحيح على شرطهما. وقال المنذري:

"إسناده جيد".

وأخرجه الحاكم من طريق ثالثة عنه؛ وصححه، ووافقه الذهبي.

وأما الطريق الأخرى؛ فتأتي في الكتاب عقب هذا.

وله شاهد من حديث أبي هريرة في "صحيح مسلم"(2/ 124)، و "أبي عوانة"(2/ 6).

ص: 72

وشواهد أخرى؛ تراجع في "مجمع الزوائد"(2/ 42 - 43).

562 -

وعنه قال:

يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوامِّ والسباع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ فحيّ هلًا".

(قلت: إسناده صحيح، وقال النووي: "إسناده حسن").

إسناده: حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء: ثنا أبي: نا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم.

قال أبو داود: "وكذا رواه القاسم الجَرْمِيُّ عن سفيان، ليس في حديثه: "حي هلًا"

".

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير هارون بن زيد بن أبي الزرقاء وأبيه؛ وهما ثقتان بلا خلاف.

والحديث أخرجه البيهقي (3/ 58) من طريق المصنف.

وبإسناده: أخرجه النسائي (1/ 136 - 137).

وأخرجه الحاكم (1/ 246 - 247) من طريق علي بن سهل الرملي: ثنا زيد بن أبي الزرقاء

به؛ إلا أنه سقط من روايته: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فصارت عنده هكذا: عن عبد الرحمن بن عابس عن ابن أم مكتوم! ولذلك قال:

"حديث صحيح الإسناد؛ إن كان ابن عابس سمع من ابن أم مكتوم"!

قلت: لكن الحديث موصول برواية ابن زيد بن أبي الزرقاء؛ حيث ذكر بينهما: عبد الرحمن بن أبي ليلى.

ص: 73