المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌39 - باب في الأذان قبل دخول الوقت - صحيح سنن أبي داود ط غراس - جـ ٣

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌31 - باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت

- ‌32 - باب الأذان فوق المنارة

- ‌33 - باب المؤذن يستدير في أذانه

- ‌34 - باب في الدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌35 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن

- ‌36 - باب ما جاء في الدعاء عند الأذان

- ‌37 - باب ما يقول عند أذان المغرب

- ‌38 - باب أَخذ الأجر على التأذين

- ‌39 - باب في الأذان قبل دخول الوقت

- ‌40 - باب الأذان للأعمى

- ‌41 - باب الخروج من المسجد بعد الأذان

- ‌42 - باب في المؤذن ينتظر الإمام

- ‌43 - باب في التثويب

- ‌44 - باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام؛ ينتظرونه قعودًا

- ‌45 - باب التشديد في ترك الجماعة

- ‌46 - باب في فضل صلاة الجماعة

- ‌47 - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

- ‌48 - باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظُّلَم

- ‌49 - باب ما جاء في الهَدْي في المشي إلى الصلاة

- ‌50 - باب من خرج يريد الصلاة فسُبق بها

- ‌51 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

- ‌52 - باب التشديد في ذلك

- ‌53 - باب السعي إلى الصلاة

- ‌54 - باب في الجمع في المسجد مرتين

- ‌55 - باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة؛ يصلي معهم

- ‌56 - باب إذا صلى ثم أدرك جماعة؛ يعيد

- ‌57 - باب جُمَّاع الإمامة وفضلها

- ‌58 - باب في كراهية التدافع على الإمامة

- ‌59 - باب من أحق بالإمامة

- ‌60 - باب إمامة النساء

- ‌61 - باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون

- ‌62 - باب إمامة البر والفاجر

- ‌63 - باب إمامة الأعمى

- ‌64 - باب إمامة الزائر

- ‌65 - باب الإمام يقوم مكانًا أرفع من مكان القوم

- ‌66 - باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة

- ‌67 - باب الإمام يصلي من قعود

- ‌68 - باب الرجلين يَؤُمُّ أحدُهما صاحبَه؛ كيف يقومان

- ‌69 - باب إذا كانوا ثلاثة؛ كيف يقومون

- ‌70 - باب الإمام ينحرف بعد التسليم

- ‌71 - باب الإمام يتطوَّع في مكانه

- ‌72 - من باب الإمام يُحْدِثُ بعدما يرفع رأسه من آخر الركعة

- ‌73 - باب ما يُؤْمَرُ به المأمومُ من اتباع الإمام

- ‌74 - باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله

- ‌75 - باب فيمن ينصرف قبل الإمام

- ‌76 - باب جُمَّاعِ أثواب ما يُصَلَّى فيه

- ‌77 - باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلِّي

- ‌78 - باب الرجل يصلِّي في ثوب بعضه على غيره

- ‌79 - باب الرجل يصلِّي في قميص واحد

- ‌80 - باب إذا كان الثوب ضيِّقًا يتَّزِرُ به

- ‌81 - من باب الإسبال في الصلاة

- ‌82 - باب في كم تصلي المرأة

- ‌83 - باب المرأة تصلي بغير خمار

- ‌84 - باب السَّدْل في الصلاة

- ‌85 - باب الصلاة في شُعر النساء

- ‌86 - باب الرجل يصلِّي عاقصًا شَعْرَهُ

- ‌87 - باب الصلاة في النَّعْلِ

- ‌88 - باب المصلِّي إذا خلع نَعْلَيْهِ؛ أين يضعها

- ‌89 - باب الصلاة على الخُمُرِ

- ‌90 - باب الصلاة على الحصير

- ‌91 - باب الرجل يسجد على ثوبه

- ‌92 - باب تسوية الصفوف

- ‌93 - باب الصفوف بين السواري

- ‌94 - باب من يَسْتَحِبُّ أن يَلِيَ الإمامَ في الصفِّ وكراهية التأخُّر

- ‌95 - باب مقام الصبيان من الصف

- ‌96 - بابُ صفِّ النساء، والتأخُّرِ عن الصَّفِّ الأول

- ‌97 - باب مقام الإمام من الصف

- ‌98 - باب الرجل يصلِّي وحده خَلْفَ الصف

- ‌99 - باب الرجل يركع دون الصف

- ‌100 - باب ما يستر المصلِّي

- ‌101 - باب الخَطِّ إذا لم يجد العصا

- ‌102 - باب الصلاة إلى الراحلة

- ‌103 - باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها؛ أين يجعلها منه

- ‌104 - باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام

- ‌105 - باب الدُّنُوِّ من السُّتْرة

- ‌106 - باب ما يُؤْمر المصلِّي أن يَدْرأ عن المَمَرِّ بين يديه

- ‌107 - باب ما ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي

- ‌108 - باب ما يقطع الصلاة

- ‌109 - باب سُتْرَةُ الإمامِ سترةُ مَنْ خلفه

- ‌110 - باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة

- ‌111 - باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة

- ‌112 - باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة

- ‌113 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء

- ‌114 - باب رفع اليدين في الصلاة

- ‌115 - باب افتتاح الصلاة

- ‌116 - باب [مَنْ ذَكَرَ أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين] (1)

- ‌117 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

- ‌118 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌119 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

- ‌120 - باب من رأى الاستفتاح بـ: "سبحانك اللهم وبحمدك

- ‌121 - من باب السَّكْتة عند الافتتاح

- ‌122 - باب من لم يَرَ الجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)

- ‌123 - باب من جهر بها

- ‌124 - باب تخفيف الصلاة للأمر يَحْدُثُ

- ‌125 - باب في تخفيف الصلاة

- ‌126 - باب ما جاء في نقصان الصلاة

- ‌127 - باب القراءة في الظهر

- ‌128 - باب تخفيف الأُخْرَيَيْنِ

- ‌129 - باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر

- ‌130 - باب قدر القراءة في المغرب

- ‌131 - باب من رأى التخفيف فيها

- ‌132 - باب الرجل يُعِيدُ سورة واحدة في الركعتين

- ‌133 - باب القراءة في الفجر

- ‌134 - باب من ترك القراءة في صلاته بـ (فاتحة الكتاب)

- ‌135 - باب من رأى القراءة إذا لم يجهر

- ‌136 - باب ما يجزئ الأُمِّيَّ والأعجمي من القراءة

- ‌137 - باب تمام التكبير

- ‌138 - باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه

- ‌139 - باب النهوض في الفَرْدِ

- ‌140 - باب الإقعاء بين السجدتين

- ‌141 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌142 - باب الدعاء بين السجدتين

- ‌143 - باب رفع النساء إذا كنَّ مع الرجال رؤوسهن من السجدة

- ‌144 - باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين

الفصل: ‌39 - باب في الأذان قبل دخول الوقت

وله شاهد: يرويه الوليد بن مسلم عن سعيد القطيعي عن المغيرة بن شعبة قال:

سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلني إمام قومي، فقال

فذكره نحوه.

أخرجه الطبراني في "الكبير"(20/ 434 - 435).

ورجاله ثقات؛ غير سعيد هذا، ويمكن أن يكون الذي في "الجرح" (2/ 1 / 56/ 245):

"سعيد بن قطن القطعي .. شيخ"!

فإن كان هو؛ فهو -في ظني- منقطع بينه وبين المغيرة، أو بينه وبين الوليد!

‌39 - باب في الأذان قبل دخول الوقت

542 -

عن ابن عمر:

أن بلالًا أذَّن قبل طلوع الفجر؛ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام (زاد في رواية: فرجع فنادى: ألا إن العبد نام).

(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقد قواه ابن التركماني والحافظ ابن حجر العسقلاني).

إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب -المعنى- قالا: ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر.

قال أبو داود: "وهذا الحديث لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة"!

ص: 30

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وقد أُعل بما لا يقدح، كما يأتي.

والحديث أخرجه الطحاوي (1/ 83)، والبيهقي (1/ 383) من طرق أخرى عن موسى بن إسماعيل

به.

ثم أخرجاه من طرق أخرى عن حماد بن سلمة

به.

وأخرجه الدارقطني أيضًا (ص 90).

وقد علمت أن الحديث صحيح الإسناد. لكن أعلَّه الأئمة بعلتين:

الأولى: تفرد حماد به.

والأخرى: مخالفة الحديث للحديث الصحيح الوارد من طرق؛ منها: عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:

"إن بلالًا يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم".

أخرجه مسلم (3/ 129) وغيره!

أما العلة الأولى: فقد أعلَّه بها المصنف كما سبق؛ وقال عقب حديث نافع الآخر الآتي بعد هذا:

"وهذا أصح من ذاك"؛ يعني من حديث حماد هذا! وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 114 / رقم 308) عن أبيه:

"ولا أعلم روى هذا الحديث عن أيوب

إلا حماد بن سلمة، وشيئًا حدثنا عمر بن علي الإسْفَذْنِيُّ قال: حدثنا ابن أبي محذورة عن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: والصحيح عن نافع عن ابن عمر: أن

ص: 31

عمر أمر مسروحًا: أذِّن قبل الفجر، وأمره أن يرجع. وفي بعض الأحاديث: أن بلالًا أذن قبل الفجر"!

وأما العلة الأخرى: فقد أعلَّه بها أبو حاتم؛ فقال -وهو تمام كلامه السابق-:

"فلو صح هذا الحديث؛ لدفعه حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والقاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ بلالًا يؤذن بليل، وكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"؛ فقد جوَّز النبي صلى الله عليه وسلم الأذان قبل الفجر، مع أن حديث حماد بن سلمة خطأ. قيل له: فحديث ابن أبي محذورة؟ قال: ابن أبي محذورة شيخ"! وقال الترمذي -بعد أن علق الحديث (1/ 394) -:

"هذا حديث غير محفوظ. والصحيح ما روى عبيد الله بن عمر وغيره عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالًا يؤذن بليل

"

" الحديث.

قال: "ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث" قال:

"ولو كان حديث حماد صحيحًا؛ لم يكن لهذا الحديث معنى؛ إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالًا يؤذن بليل"؛ فإنما أمرهم فيما يستقبل، ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر؛ لم يقل: "إن بلالًا يؤذن بليل". قال علي بن المديني: حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم .. هو غير محفوظ؛ وأخطأ فيه حماد بن سلمة"!

أقول: وهاتان العلتان غير قادحتين عندنا في صحة الحديث؛ وإليك البيان:

أما الأولى: فذلك لأن حماد بن سلمة لم يتفرد بالحديث؛ بل تابعه عن أيوب: سعيد بن زَرْبِيٍّ، كما قال الدارقطني والبيهقي، وهو وإن قالا فيه: إنه ضعيف؛ فقد رواه معمر بن راشد عن أيوب قال:

ص: 32

أذن بلال مرة بليل

فذكره مرسلًا.

أخرجه الدارقطني (ص 91).

ثم إنه لم يتفرد به أيوب عن نافع؛ بل قد تابعه ابن أبي رواد؛ كما سبق في كلام أبي حاتم.

وقد أخرجه البيهقي (1/ 383) من طريق أخرى عن إبراهيم بن عبد العزيز بن أبي محذورة عن ابن أبي رواد.

وهذا إسناد -على انفراده- قوي حسن؛ فإن إبراهيم هذا؛ ذكره ابن حبان في "الثقات"، وصحح له الترمذي حديثًا في الأذان، وقد ذكرناه فيما مضى (رقم 518). وابن أبي رواد، وهو ثقة. ولا يلتفت إلى طعن ابن حبان فيه؛ فإنه بدون بينة؛ كما قال الذهبي. ولذا قال الحافظ في "التقريب":

"صدوق عابد ربما وهم". وقال ابن التركماني -بعد أن وثق إبراهيم المذكور-:

"وباقي السند صحيح أيضًا".

ثم إن إبراهيم لم يتفرد به؛ فقد أخرجه الدارقطني (91) من طريق عامر بن مُدْرَكٍ: ثنا عبد العزيز بن أبي رواد

به. وقال:

"وهم فيه عامر بن مدرك، والصواب ما تقدم عن شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن مؤذن عمر عن عمر

قوله"!

قلت: يعني: الأثر الآتي عقب الحديث! وزعْمُهُ أن عامرًا وهم فيه؛ يرده متابعة ابن أبي محذورة له؛ ويظهر أنه لم يقف عليها.

ثم إن عامرًا قد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال:

"ربما أخطأ".

ص: 33

وأخرج له في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك"، كما قال ابن التركماني.

ثم إن للحديث شواهد:

فمنها: ما أخرجه الدارقطني من طريق أبي يوسف القاضي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس:

أن بلالًا أذن قبل الفجر، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يصعد فينادي

الحديث. وقال:

"تفرد به أبو يوسف عن سعيد. وغيره يرسله عن سعيد عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم"!

ثم رواه من طريق عبد الوهاب عن سعيد

به مرسلًا. قال ابن التركماني:

"قلت: أبو يوسف؛ قد وثقه البيهقي وابن حبان، وقد زاد الرفع، فوجب قبول زيادته"!

كذا قال: الرفع! وهو سبق قلم، والصواب "الوصل"، كما يدل عليه السياق.

ثم هب أن الصواب أنه مرسل؛ فهو مرسل قوي الإسناد -كالآتي بعده- يصلح شاهدًا لحديث الباب، كما لا يخفى.

ومنها: ما أخرجه الدارقطني -من طريق يونس بن عبيد-، والبيهقي (1/ 384 - 385) -من طريق سليمان بن المغيرة- كلاهما عن حميد بن هلال قال:

أذن بلال بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارجع

" الحديث. قال البيهقي:

"هكذا رواه جماعة عن حميد مرسلًا". قال الزيلعي (1/ 284):

"قال في "الإمام": لكنه مرسل جيد، ليس في رجاله مطعون فيه".

وبالجملة؛ فالحديث لا شك في صحته بعد هذه المتابعات والشواهد؛ وهي ترد

ص: 34

دعوى وهم حماد بن سلمة فيه؛ مهما كان شأن قائلها.

وذلك من الأدلة على أنه ليس من السهل رد رواية الثقة لمجرد مخالفته لرواية غيره من الثقات؛ لأنه قد تكون المخالفة مخالفة تعدد لا تعارض، كما هو الحال في هذا الحديث، على ما سنبينه في كلامنا الآتي؛ وهو:

وأما الجواب عن العلة الأخرى: فهو أنه لا تعارض ولا مخالفة بين حديث الباب والحديث الآخر: "إن بلالًا يؤذن بليل

" إلخ؛ إلا على افتراض أن بلالًا بقي طيلة حياته يؤذن بليل قبل انشقاق الفجر، ودون إثبات ذلك خَرْطُ القَتَادِ!

بل قد ثبت خلافه، وهو أن بلالًا رضي الله تعالى عنه كان يؤذن بُرْهة من الزمن عند طلوع الفجر؛ وذلك في عهد النبي عليه الصلاة والسلام. والدليل على ما ذهبنا إليه أحاديث.

الأول: الحديث المتقدم في الكتاب (رقم 532)؛ وفيه أن بلالًا كان ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى ثم يؤذن. والكلام على إسناده سبق تحقيقه هناك فراجعه. قال الزيلعي (1/ 287) -بعد أن ساق الحديث-:

"قال عبد الحق: والصحيح أن بلالًا كان يؤذن بليل. وقال ابن القطان: وهذا أيضًا صحيح على أصله؛ فإن ابن إسحاق عنده ثقة، ولم يعرض له المصنف إلا من جهة معارضة غيره له. قال الشيخ في "الإمام": والتعارض بينهما لا يتحقق إلا بتقدير أن يكون قوله: "إن بلالًا يؤذن بليل" في سائر العام؛ وليس كذلك؛ إنما كان ذلك في رمضان. والذي يقال في هذا الخبر: إنه حسن. انتهى".

الثاني: عن أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال:

"أنت يا بلال تؤذن إذا كان الصبح ساطعًا في السماء؛ فليس ذلك بالصبح؛ إنما الصبح هكذا معترضًا"؛ ثم دعا بسحوره فتسحَّر.

ص: 35

أخرجه أحمد (5/ 172)، والطحاوي (1/ 84).

وفي رواية لأحمد:

ثم أذن بلال للصلاة، فقال:

"أفعلت؟ ! ". قال: نعم. قال:

"يا بلال! إنك لتؤذن إذا كان

" الحديث.

وهو حسن أو صحيح، كما سيأتي تحقيقه بعد، فانظر الحديث (رقم 545 / م).

الثالث: عن ابن عمر قال:

تسحر رسول الله ذات ليلة؛ وعنده قوم، فجاء علقمة ابن عُلَاثة العامري، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم برأس، فجاء بلال ليؤذن بالصلاة، فقال:

"رويدك يا بلال! يَتَسَحَّرْ علقمة". قال في "المجمع"(3/ 153):

"رواه الطبراني في "الكبير"؛ وفيه قيس بن الربيع؛ وثقه شعبة وسفيان الثوري، وفيه كلام".

قلت: ومن طريقه: أخرجه الطيالسي في "مسنده"(ص 258 رقم 1898)، وإسناده هكذا: حدثنا قيس عن زهير بن أبي ثابت الأعمى عن تميم بن عياض عن ابن عمر.

وزهير هذا؛ قال الذهبي في "الميزان":

"ثقة".

وأما تميم بن عياض؛ فلم أعرفه.

الرابع: عن أنس بن مالك مرفوعًا:

ص: 36

"لا يمنعنكم أذان بلال من السحور؛ فإن في بصره شيئًا".

أخرجه الطحاوي (1/ 84)، وأحمد (3/ 140) من طريق محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس.

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن التركماني (1/ 385):

"سنده جيد".

الخامس: عن سمرة بن جندب مرفوعًا:

"لا يغرَّنَّكم نداء بلال؛ فإن في بصره سوءًا".

أخرجه أحمد (5/ 9): ثنا عفان: ثنا همام: حدثني سوادة قال: سمعت سمرة بن جندب.

وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

وقد أخرجه في "صحيحه"(3/ 130) من طريق سوادة هذا -وهو ابن حنظلة-؛ دون قوله:

"فإن

" إلخ.

وقد ذكره الزيلعي (1/ 284) بتمامه، وذكر أنه رواه أبو داود والنسائي والترمذي وأحمد!

وعزوه لغير أحمد وهم أو تساهل؛ فإنه عندهم كرواية مسلم؛ وسيأتي في الكتاب إن شاء الله تعالى (رقم 2031).

السادس: عن شيبان:

أنه غدا إلى السجد .. فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يتغدَّى؛ قال:

ص: 37

"هَلُمَّ إلى الغداء". فقال: يا رسول الله! إني أريد الصيام! قال:

"وأنا أريد الصيام؛ إن مؤذننا في بصره سوء؛ أذن قبل الفجر".

أخرجه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"؛ وفيه قيس بن الربيع أيضًا.

والظاهر أن هذا المؤذن هو بلال؛ المصرَّح به في الأحاديث المتقدمة.

السابع: عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال"؛ وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر.

أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" -كما في "نصب الراية"(1/ 289) -.

وللحديث طريقان:

الأول: أخرجه النسائي (1/ 105) من طريق خُبَيْبِ بن عبد الرحمن عن عمَّته أُنَيْسَةَ.

والطريق الثاني: أخرجه أحمد (6/ 185): ثنا إسماعيل بن عمر قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد قال:

قلت لعائشة أم المؤمنين: أيَّ ساعة توترين؟ لعله قالت: ما أوتر حتى يؤذنون، وما يؤذنون حتى يطلع الفجر. قالت: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال وعمرو ابن أم مكتوم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا أذن عمرو فكُلُوا واشربوا؛ فإنه رجل ضرير البصر، وإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم؛ فإن بلالًا لا يؤذن -كذا قال- حتى يصبح".

وهذا رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه منقطع بين يونس بن أبي إسحاق والأسود بن يزيد؛ فإن بين وفاتيهما (84) سنة. ولعل يونس رواه عن أبيه عن

ص: 38

الأسود؛ فسقط ذكر الأب من الناسخ أو الطابع (*)!

ومما يؤيد هذا الاحتمال: أن أبا إسحاق معروف بالرواية عن الأسود بن يزيد.

والله أعلم.

ثم رأيت للحديث طريقًا ثالثًا: أخرجه البيهقي (1/ 382) من طريق يعقوب ابن محمد بن عيسى المدني: ثنا عبد العزيز بن محمد: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة

مرفوعًا به نحوه؛ وزاد: قالت عائشة:

وكان بلال يبصر الفجر. قال هشام:

وكانت عائشة تقول: غلط ابن عمر! وقال البيهقي:

"كذا روي بإسناده. وحديث عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة أصح".

قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، رجاله كلهم ثقات؛ إلا أن يعقوب ابن محمد بن عيسى المدني قد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه.

وحديث عبيد الله بن عمر الذي أشار إليه البيهقي ورجحه على هذا؛ قد أخرجه هو (1/ 382 و 429)، ومسلم (13/ 29) من طرق عن عبيد الله

به؛ بلفظ حديثه عن نافع عن ابن عمر، وقد تقدم في صدر هذا البحث.

ورواية الجماعة عنه أصح كما قال البيهقي؛ لكن رواية حفص قوية أيضًا؛ لأنه قد شهد لها الطريقان الآخران للحديث، ويشهد له أيضًا الحديث الآتي، وهو:

الثامن: عن أنيسة بنت خبيب قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(*) كذا قال الشيخ رحمه الله، والذي يبدو -والله أعلم- أن (يونس عن أبي إسحاق) في السند تحرف إلى (يونس بن أبي إسحاق) في بعض الطبعات ومنها طبعة الشيخ، فإنها على الصواب في بعض الطبعات الأخرى، وبذا يكون السند متصلًا.

ص: 39

"إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا".

قالت: وإن كانت المرأة ليبقى عليها من سحورها؛ فتقول لبلال: أمْهِلْ حتى أفرغ من سحوري.

أخرجه أحمد (6/ 433): ثنا هشيم: ثنا منصور -يعني: ابن زاذان- عن خبيب بن عبد الرحمن عنها.

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه الطحاوي (1/ 83)، وكذا النسائي (1/ 105)، والطبراني.

وقد تابعه شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن

به.

أخرجه البيهقي (1/ 382) بإسناد صحيح عنه.

لكن اختلف فيه أيضًا على شعبة؛ كما بينته في "الثمر المستطاب". لكن الأصح عندي: هذه الرواية؛ لمتابعة منصور له عليها ولا اختلاف فيها.

وقد أخرجه ابن حبان (رقم 887)، وابن خزيمة وابن المنذر من طرق عن شعبة

به، كما في "الفتح"(2/ 81)، وقال:

"وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب، وأن الصواب حديث الباب [قلت: يعني: حديث ابن عمر من طريق عبد الله بن دينار عنه]. وقد كنت أميل إلى ذلك، إلى أن رأيت الحديث في "صحيح ابن خزيمة" من طريقين آخرين؛ وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه، وهو قوله: "إذا أذن عمرو؛ فإنه ضرير البصر؛ فلا يغرَّنَّكم، وإذا أذن بلال فلا يطعَمَنَّ أحد". وأخرجه أحمد.

وجاء عن عائشة أيضًا: أنها كانت تنكر حديث ابن عمر، وتقول: إنه غلط.

أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها

فذكر

ص: 40

الحديث؛ وزاد: قالت عائشة: وكان بلال يبصر الفجر. قال: وكانت عائشة تقول: غلط ابن عمر". انتهى.

وقد جمع ابن خزيمة والضبعي بين الحديثين بما حاصله: أنه يحتمل أن يكون الأذان كان نُوَبًا بين بلال وابن أم مكتوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّم الناس أن الأذان الأول منهما لا يحرِّم على الصائم شيئًا، ولا يدل على دخول وقت الصلاة؛ بخلاف الثاني. وجزم بذلك ابن حبان؛ ولم يُبْدهِ احتمالًا. وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره. وقيل: لم يكن نوبًا؛ وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان؛ فإن بلالًا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده، ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر.

وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت:

كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة؛ فإذا رأى الفجر تمطَّى ثم أذن.

أخرجه أبو داود، وإسناده حسن.

ورواية حميد عن أنس:

أن سائلًا سأل عن وقت الصلاة؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا، فأذن حين طلع الفجر

الحديث.

أخرجه النسائي، وإسناده صحيح (1). ثم أردف بابن أم مكتوم، وكان يؤذن

(1) الحديث في "سننه الصغرى"(1/ 94) بإسناد صحيح كما قال الحافظ؛ لكن ليس فيه أن المأمور هو بلال! فلعل ذلك في "سننه الكبرى"!

وقد أخرجه البيهقي (1/ 377 - 388)، وأحمد (3/ 113).

ومعناه في "صحيح مسلم" و"أبي عوانة" من حديث أبي موسى وبريدة؛ وقد مضيا في الكتاب (رقم 422 و 424).

ص: 41

بليل، واستمر بلال على حالته الأولى. وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها. ثم في آخر الأمر؛ أخر ابن أم مكتوم لضعفه، ووكل به من يراعي له الفجر، واستمر أذان بلال بليل، وكان سبب ذلك ما روي أنه ربما كان أخطأ الفجر، فأذن قبل طلوعه وأنه أخطأ مرة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول: ألا إن العبد نام، يعني: أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبيُّن الفجر.

وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولًا مرفوعًا، ورجاله ثقات حفاظ؛ لكن اتفق أئمة الحديث -علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري والذُّهْلِيُّ وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني- على أن حمادًا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه على عمر ابن الخطاب، وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه، وأن حمادًا تفرد برفعه. ومع ذلك؛ فقد وجد له متابع.

أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زَرْبِيّ -وهو بفتح الزاي، وسكون الراء، بعدها موحدة، ثم ياء كياء النسب-؛ فرواه عن أيوب موصولًا؛ لكن سعيد ضعيف.

ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضًا؛ لكن أعضله فلم يذكر نافعًا ولا ابن عمر. وله طريق أخرى عن نافع: عند الدارقطني وغيره، اختلف في رفعها ووقفها أيضًا.

وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حميد بن هلال.

وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلًا. ووصلها يونس عن سعيد بذكر أنس.

وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا قُوَّةً ظاهرةً. فلهذا -والله أعلم- استقر أن بلالًا يؤذن الأذان الأول.

ص: 42

فتبين مما تقدم أن حديث الباب حديث صحيح، وأن ما أعلّوه به -من التفرُّد والمخالفة- غير صحيح؛ فلا يغتر بذلك أحد؛ فإن المعصوم من عصمه الله الواحد الأحد!

543 -

عن نافع عن مؤذنٍ لعمر -يقال له: مسروح-:

أذن قبل الصبح، فأمره عمر

فذكر نحوه.

(قلت: حديث صحيح).

إسناده: حدثنا أيوب بن منصور: ثنا شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن أبي رواد: نا نافع.

وهذا إسناد رجاله موثقون؛ غير مسروح؛ ففيه جهالة، كما قال الذهبي في "الميزان".

وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الحافظ:

"مقبول".

وقد خولف ابن أبي روَّاد في إسناده، فقال عبيد الله بن عمر: عن نافع عن ابن عمر قال:

كان لعمر مؤذن

الحديث نحوه، كما يأتي عقب هذا. وقال المصنف: إنه أصح. وذلك لأن عبيد الله بن عمر أحفظ من ابن أبي رواد، وهذا موصول.

ولذلك صححه أبو حاتم، كما سبق في الحديث الذي قبله.

والحديث أخرجه الدارقطني (ص 90)، والبيهقي (1/ 384) من طريق المصنف.

ص: 43

544 -

قال أبو داود: "وقد رواه حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع أو غيره: أن مؤذنًا لعمر -يقال له: مسروح-

".

(قلت: وهذا منقطع بين نافع وعمر، لكنه صح موصولًا بذكر ابن عمر بينهما؛ وهو الذي بعده).

إسناده: لم أجد من وصله! وعلقه الترمذي أيضًا، فقال (1/ 394 - 395):

"وروى عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع: أن مؤذنًا لعمر أذن بليل، فأمره عمر أن يعيد الأذان. وهذا لا يصح؛ لأنه عن نافع عن عمر منقطع"!

قلت: ورواية ابن أبي رواد؛ قد وصلها المصنف كما سبق، وهي ليست منقطعة؛ بل هي موصولة بذكر مسروح بين نافع وعمر، وإنما علتها جهالة مسروح هذا، كما نقلناه عن الذهبي هناك.

545 -

قال أبو داود: "ورواه الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان لعمر مؤذن -يقال له: مسعود

وذكر نحوه. وهذا أصح من ذاك".

(قلت: لم أجد من وصله -كالذي قبله-؛ وقد صححه أبو حاتم).

إسناده: لم أجد من وصله! وفي هذه الرواية زيادة (ابن عمر) بين نافع وعمر، فعادت بذلك موصولة، وزالت بذلك شبهة الانقطاع أو الجهالة. ولذلك صححه أبو حاتم، كما تقدم ذكره قريبًا.

واعلم أن هذه القصة لا تردُّ قصة بلال المذكورة في الباب، ولا تدل على ضعفها، كما توهم بعضهم! بل كلا القصتين صحيح. ومما يدل على ذلك: أن ابن أبي رواد -الذي هو من رواة هذه- قد روى القصة الأخرى أيضًا عن نافع عن ابن

ص: 44

عمر؛ كما سبق ذكره عند الكلام على حديث بلال؛ فتنبه لهذا؛ فإنه يفيدك -إن شاء الله تعالى- قناعة زائدة على ما تقدم في صحة حديث بلال.

545 / م- عن بلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:

"لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا"؛ ومدَّ يديه عرضًا.

(قلت: حديث حسن).

إسناده: حدثنا زهير بن حرب: ثنا وكيع: ثنا جعفر بن بُرْقان عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال.

قال أبو داود: "وشداد مولى عياض لم يدرك بلالًا".

قلت: وكذا قال الهيثمي (3/ 152)؛ فهو إسناد منقطع.

وبذلك أعله البيهقي في "المعرفة". وقال ابن القطان:

"وشداد أيضًا مجهول، لا يعرف بغير رواية جعفر بن برقان عنه". نقله الزيلعي (1/ 284). وقال الذهبي في ترجمة شداد:

"لا يعرف".

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات" على قاعدته! وقال الحافظ:

"مقبول يرسل".

وبقية رجال الإسناد ثقات رجال مسلم.

لكن الحديث عندي حديث حسن؛ لأن له شاهدًا من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال:

ص: 45