الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
33 - باب المؤذن يستدير في أذانه
533 -
عن أبي جُحَيْفة قال:
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو في قُبَّةٍ حمراء من أدَم، فخرج بلال فأذّن، فكنت أتتبَّع فمه ها هنا وههنا، قال: ثَم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حُلَّةٌ حمراءُ بُرُودٌ يَمانِيَةٌ قِطْريٌّ (وفي رواية: قال: رأيت بلالًا خرج إلى الأبطح، فأذن، فلما بلغ: حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ لوى عنقه يمينًا وشمالًا ولم يستدر، ثم دخل فأخرج العنزة)
…
وساق حديثه.
(قلت: إسناد الرواية الأولى صحيح. وقد أخرجها مسلم في "صحيحه" تامًّا، والبخاري وأبو عوانة مختصرًا. والرواية الأخرى صحيحة؛ لكن قوله فيها: (ولم يستدر) شاذ بل منكر. والحديث قال الترمذي: "حسن صحيح"، وتمام الحديث سيأتي برقم (689)).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا قيس -يعني: ابن الربيع-. (ح) وثنا محمد بن سليمان الأنباري: ثنا وكيع عن سفيان جميعًا عن عون بن أبي جُحيَفة عن أبيه. وقال موسى: قال: رأيت بلالًا
…
إلخ.
قلت: الإسناد الأول ضعيف؛ لأن قيس بن الربيع -وإن كان ثقة- فهو سيئ الحفظ، لكن يقويه متابعة سفيان له؛ وإسناد روايته صحيح؛ غير أن قوله:
ولم يستدر
…
مما تفرد به قيس بن الربيع؛ فهي شاذة. وأما قول النووي في "المجموع"(3/ 104):
"وفي رواية أبي داود: فلما بلغ: حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ لوى عنقه يمينًا وشمالًا ولم يستدر. وإسناده صحيح"!
فغير صحيح؛ بل هو من أوهامه رحمه الله تعالى! ولعله اختلطت عليه رواية سفيان الخالية من الاستدارة برواية قيس هذه.
وقد جاءت الاستدارة عن سفيان في بعض الروايات الثابتة عنه؛ كما سنذكره.
والحديث أخرجه البيهقي (1/ 395) من طريق المصنف برواية قيس بن الربيع فقط، وقال:
"هكذا رواه قيس. وخالفه الحجاج بن أرطاة فقال: واستدار في أذانه
…
"؛ ثم ساق إسناده بذلك، ثم قال:
"ويحتمل أن يكون الحجاج أراد بالاستدارة التفاته في: حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ فيكون موافقًا لسائر الرواة؛ والحجاج بن أرطاة ليس بحجة".
قلت: وهذا الجمع هو الذي يجب المصير إليه؛ فإن الاستدارة قد ثبتت في الحديث من طرق أخرى عن عون:
فروى الطبراني من حديث إدريس الأَوْدِي عن عون عن أبيه
…
الحديث؛ وفيه:
وجعل يستدير.
وروى أبو الشيخ الأصبهاني الحديث من جهة حماد بن سلمة وهشيم عن عون عن أبيه؛ وفيه:
فجعل يستدير يمينًا وشمالًا.
ذكره ابن التركماني، والحافظ في "التلخيص"(3/ 179).
وقد ثبت في بعض الروايات عن سفيان أيضًا، كما يأتي.
ثم إن الحديث أخرجه أحمد (4/ 308 - 309): ثنا وكيع
…
به.
ومن طريق أحمد: أخرجه البيهقي (1/ 395).
وأخرجه مسلم (2/ 56) من طرق أخرى عن وكيع
…
به.
ثم قال أحمد: ثنا عبد الرزاق: أنا سفيان
…
به، ولفظه:
رأيت بلالًا يؤذن ويدور، وأتتبع فاه ها هنا وههنا، وإصبعاه في أذنيه، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له حمراء -أراها من أدم-، قال: فخرج بلال بين يديه بالعنزة، فركزها، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال عبد الرزاق: وسمعته بمكة قال- بالبطحاء، يمر بين يديه الكلب والمرأة والحمار؛ وعليه حلة حمراء، كأني أنظر إلى بريق ساقيه.
قال سفيان: نراها حِبَرَةً.
ومن طريقه: أخرجه الحاكم (1/ 202)، وعنه البيهقي.
وأخرجه الترمذي (1/ 375) من طريق أخرى عن عبد الرزاق، وقال:
"حديث حسن صحيح".
وروى البخاري (2/ 91)، والدارمي (1/ 271 - 272)، من طريق محمد بن يوسف قال: ثنا سفيان
…
به مختصرًا؛ بلفظ:
أنه رأى بلالًا يؤذن، فجعلت أتتبع فاه ها هنا وههنا بالأذان. ثم قال الحاكم:"حديث صحيح على شرطهما"، ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا.
وفيه إثبات الدوران في الأذان؛ وهو مما يدل على ضعف رواية قيس بن الربيع الذي نفى الدوران.
لكن قد ذكر البيهقي أن هذه اللفظة: (ويدور) رواها عبد الرزاق إجازةً عن سفيان عن عون بن أبي جحيفة
…
مدرجًا في الحديث. وبيَّن ذلك الحافظ في "الفتح"(2/ 91)، فقال:
"فأما قوله: (ويدور) فهو مدرج في رواية سفيان عن عون، بيَّن ذلك يحيى ابن آدم عن سفيان عن عون عن أبيه قال: رأيت بلالًا أذَّن، فأتبع فاه ها هنا وههنا، والتفتَ يمينًا وشمالًا. قال سفيان: كان حجاج -يعني: ابن أرطاة- يذكر لنا عن عون أنه قال: فاستدار في أذانه، فلما لقينا عونًا؛ لم يذكر فيه الاستدارة. أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من طريق يحيى بن آدم. وكذا أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان، لكن لم يُسَمِّ حجاجًا، وهو مشهور عن حجاج. أخرجه ابن ماجة وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من طريقه. ولم يتفرد به؛ بل وافقه إدريس الأودي ومحمد العرزمي عن عون، لكن الثلاثة ضعفاء. وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل، وهو قيس بن الربيع، فرواه عن عون فقال في حديثه: ولم يستدر. أخرجه أبو داود".
قلت: ثم ذكر الحافظ الجمع بين الروايتين بنحو ما نقلناه عن البيهقي آنفًا، ثم قال:
"وأما وضع الإصبعين في الأذنين؛ فقد رواه مُؤَمَّلٌ عن سفيان. أخرجه أبو عوانة. وله شواهد ذكرتها في "تغليق التعليق"، أصحها ما رواه أبو داود واين حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه قال: قلت لبلال: كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم
…
فذكر الحديث، وفيه: قال بلال: فجعلت أصبعي في أذنيَّ فأذنت".
قلت: الحديث عند المصنف في "الخراج"، وسيأتي إن شاء الله تعالى (رقم
…
)؛ لكن ليس فيه هذا المقدار؛ إلا أن المصنف قد أشار إلى أنه لم يسق الحديث بتمامه؛ فالظاهر أن هذا مما اختصره، وهو في الطبراني "الكبير"(1/ 56 / 1)؛ لكن ظاهره أنه ليس في الأذان.
ثم إن كلام الحافظ هذا يشعر أن الاستدارة تفرد بها الثلاثة الضعفاء عن عون، وعبد الرزاق عن سفيان عنه! وليس كذلك.
أما الأول؛ فقد نقلنا -فيما سبق- عن الحافظ نفسه: أن حماد بن سلمة وهشيمًا قد رويا الاستدارة أيضًا.
وأما الآخر؛ فقال ابن التركماني:
"وروى أبو نعيم الحافظ في "مستخرجه" على كتاب البخاري قال: وثنا أبو أحمد: ثنا المُطَرِّزُ: ثنا بُنْدار ويعقوب قالا:
ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن عون عن أسامة [كذا! والصواب عن أبيه]: رأى بلالًا يؤذن ويدور
…
إلى آخره".
فهذه الطرق تبين أن الاستدارة صحيحة عن عون، وأن نفيها من قيس بن الربيع وهم منه؛ فكان شاذًّا بل منكرًا.
لكن المراد منها الالتفات يمينًا وشمالًا، كما سبق عن البيهقي والحافظ. ورواية حماد وهشيم المتقدمة صريحة في ذلك.
ثم إن الحديث أخرجه أبو عوانة أيضًا في "صحيحه"(1/ 329) مختصرًا كالبخاري؛ لكن من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان.
ثم رواه أتم منه من طريق مؤمل عن سفيان؛ وفيه الزيادة التي عزاها الحافظ