المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كبار الهمة النابغون .. مختصر الطريق إلى المجد - علو الهمة

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌البَابُ الُأوَل المقدمَاتُ

- ‌ما هي الهَمَة

- ‌الهمةُ مولودةٌ مع الآدمي

- ‌لابُدَّ للسالِكِ مِن همةٍ تُسيَّرهُ، وتُرقَِّيهِ، وعلم يُبصِّرُه، وَيهدِيهَ

- ‌أقسَامُ الناس من حيث القوتان العلمية والعملية

- ‌الهمَّة مَحَلهَا القلب

- ‌همة المؤمن أبلغ من عمله

- ‌قوَّةٌ المؤًمِن في قَلُبهِ

- ‌حياة القلب بالعلم والهمة

- ‌لماذا يستبدلون الذي هو أدني بالذى هو خيرٌ

- ‌تَفَاوتُ الِهمَّم ِحَتَّى بَين الحيواَنَاتَ

- ‌تَفَاضُل الناس ِبتفاوفت هِمَمهم

- ‌الباب الثاني خصائصُ كبِير الِهمة

- ‌يَا عَالي الهمَّة بِقَدر ِمَا تتعَنَّى، تنالُ مَا تتمنى

- ‌كبير الهمة لا ينقض عزمه

- ‌عَلَامَ يندَم ُكبَيرُ الهِمَّةَ

- ‌يا كبير الهمة: لا يضرك التفرد فإن طرق العلاء قليلة الإيناس

- ‌أحَوالُ خَسِيس الِهمَّةَ

- ‌أصدق الأسماء حارِث، وَهَمَّام

- ‌عُلوِيَّةُ الرَّوحَ وَسُفِليَّةُ البدَنِ

- ‌عَالِي الِهمَةِ لَا يَقنعَ بِالدوَنِ ولَا يُرضيه إلَا معالي الأمُورِ

- ‌نَدْرَةُ كبيري الِهمَّة فَى الناسِ

- ‌عَالي الهمة لَا يَرضَي بِمَا دُونَ الجنَّةَ

- ‌الدُّنيَا جيفَةٌ، وَالأَسدُ لَاَ يقعُ على الجيَفِ

- ‌لِمَاذَا لَا يوصَفُ الكافِرُ بعلو الِهمَةَ

- ‌استِخفَافُ السَّلَف الصاِلح بِأَعَراض الدنيَا

- ‌عالي الهمة عصامي، لَا عِظَامي

- ‌عَالي الهمةِ شِريف النفسِ يَعُرِف قَدْرَ نَفسِهِ

- ‌خَسيسُ الهِمَّة دَنيءُ النَّفْسِ

- ‌فرُوق تمسُّ الحَاجَة إِلَى بَيَانِهَا

- ‌الفَرْق بَينَ شَرفِ النَّفْسِ وَالتيه

- ‌الفَرق بَين صِيانَةِ النفسِ وَالتكبُّر

- ‌الفَرْقُ بَيْنَ "التَّواضُعِ" وَالمَهَانَةِ

- ‌الفَرْقُ بَينَ المنَافَسَةَ والحَسَدِ

- ‌الفَرُقُ بَينَ حُبِّ الرِّياسَةِ، وَحُبِّ الِإمَامَةِ فِي الدِّينِ

- ‌البابُ الثَّالِثالحَثُّ عَلَى عُلُوِّ الِهمَّةِ في القُرآنِ وَالسُّنَّةِ

- ‌الصَّحَابَة رضي الله عنهم أَعْلَى الأُمَمِ هِمَّةً

- ‌الباب الرابع مجَالَاتُ عُلُوِّ الهِمَّةِ

- ‌الفَصْلُ الأَوَل عُلُوُّ هِمَّةِ السَّلَفِ الصَّالِح فِي طَلَبِ العِلْمِ

- ‌(1) حِرْصُهُم عَلَى طَلَبِ العِلْمَ الشَّريفِ

- ‌(2) عُلُوّ هِمَّتِهِم فِي قِرَاءَةِ كُتبِ الحَدِيثِ فِي أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ

- ‌(3) عُلُوُّ هِمَّتِهِم فِي الرِّحْلَةِ لطِلَب العِلْمِ

- ‌(4) مُعانَقَتهم الفَقْر فِي سَبيل ِالطَّلبِ

- ‌(5) مُعَانَاتهم الجُوع وَالمرَض والشَّدَائِدِ وَالمخاطَرة بِالنفسِ في طَلَبِ العلم

- ‌(6) مُعَانَاتهم والسَّهَر فى طَلَبِ العِلمِ

- ‌(7) حِرصهم على مَجَالِسِ العُلَمَاءِ

- ‌(8) مُبَادَرتهم الأَزمَان حِرصًا عَلى العِلمِ

- ‌(9) عُلُوّ هِمَّتهم فِي مُذَاكَرَةٍ العِلْمِ وَمُدَارَسَتهِ

- ‌(10) عُلوّ هِمِّتِهِم فِي حِفْظِ العلْمِ الشَّريفِ

- ‌(11) شِدَّة محبتهِم للِكتبِ

- ‌(12) عُلُوّ همَّتِهِم فَي نَشْرِ العِلْمِ وَتَعلِيمه

- ‌(13) عُلُوّ هِمَّتِهِم في التَّصنِيفِ

- ‌(14) هِمَمٌ لَمْ تَعْرِف الشيبَ

- ‌(15) عُلُوّ هِمَّتِهِمْ في طَلَبِ العِلْم ِوَتَعْلِيمه حتَّى آخرِ رَمَقٍ

- ‌الفَصلُ الثَّانَىعُلُوّ هِمَّةِ السَّلَفِ فِي العِبَادَةِ والاستقَامَةَ

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثعُلُوّ الهِمَّةَ فِي البَحثِ عَنِ الحَقِّ

- ‌(1) سلَمَانُ الفَارِسيّ .. أنموذج ِمِثَالي لِلبَاحث عَن الحَقيقَةَ

- ‌(2) عُلُوّ هِمَّةَ أبيِ ذرٍّ رضي الله عنه فِي البَحْثِ عَن الحَقِّ

- ‌(3) عُلُوّ هِمَّةَ الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد التّرجُمَان الميُورْقي(756 - 832 هـ) "القسيس انسلم تورميدا" سابقًا أكبر علماء النصارى في القرن الثامن الهجري

- ‌(4) عُلُوّ هِمَّة الأَخِ "رحمة بورنومو" في بَحْثِهِ عَنِ الدّينِ الحَقِّ

- ‌الفصل الرابععُلُوّ الهِمَّة فِي الدَّعوَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى كبيرُ الهِمَّة يَحْمِل هَمَّ الأُمَّةِ

- ‌حَرَكة الدَّاعِيةِ

- ‌الحَرَكة قِيَامَة وَبَعثٌ لِلرُّوحِ

- ‌نمَاذِج مِن حَرَكةِ السَّلَفِ فِي الدَّعَوةِ إلَى اللهِ تَعَالى وَحِرْصِهِم عَلَى هِدَايَةِ الخَلْقِ

- ‌وَمِنْ نمَاذِج حِرْصِهِمْ عَلَى تَعْلِيم النَّاسِ العِلْمَ الشَّرِيف:

- ‌مُخاطرتهمْ بأَنفُسِهِمْ في نُصْرَةِ الدِّينِ

- ‌البَرَكة .. في السَّعْي وَالحَركةِ

- ‌الفَاسِقُ ضَالَّة الداعيَةِ

- ‌وَللآخِرينَ حَرَكة في نُصرَةِ البَاطَلِ

- ‌هَلُمَّ فَلنَستَحي مِنَ الله

- ‌الفَصل الخامس

- ‌عُلُوّ الهِمَّة في الجِهَادِ في سَبيلِ اللهِ تَعَالَى

- ‌عُلُوّ هِمَّةِ فَارسِ الإسلَامِ السُّرمَارِي

- ‌عُلُوّ هِمَّة "اللؤلؤ العَادِلي

- ‌الباب الخامس

- ‌الفَصْل الأولحَال الأمَّةِ عندَ سقوطِ الِهمَّةِ

- ‌الفصَل الثانيأسَبابُ انحطَاطِ الهِمَمِ

- ‌ منها: الوهن

- ‌ ومنها: الفتور

- ‌ ومنها: إهدار الوقت الثمين

- ‌ ومنها: العجز والكسل

- ‌ ومنها الغفلة

- ‌ ومنها: التسويف والتمني:

- ‌ ومنها: ملاحظة سافل الهمة من طلاب الدنيا

- ‌ ومنها: العشق

- ‌ ومنها: الانحراف في فهم العقيدة

- ‌ ومنها: الفناء في ملاحظة حقوق الأهل والأولاد

- ‌ ومنها: المناهج التربوية والتعليمية الهدَّامة التى تثبط الهمم

- ‌ ومنها: توالي الضربات، وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام

- ‌الفَصْل الثالِثمِن أسبَابِ الارتقاءِ بالهِمَّةِ

- ‌ العلم والبصيرة

- ‌ ومنها: إرادة الآخرة، وجعل الهموم همًّا واحدًا:

- ‌ ومنها: كثرة ذكر الموت:

- ‌ ومنها: الدعاء؛ لأنه سنة الأنبياء

- ‌ ومنها: الاجتهاد في "حصر" الذهن

- ‌ ومنها: التحول عن البيئة المثبطة:

- ‌ صحبة أولي الهمم العالية

- ‌ ومنها: نصيحة المخلصين:

- ‌ المبادرة والمداومة والمثابرة في كل الظروف

- ‌الفَصْل الرابعأطفَالنَا…وَعلُوّ الهِمَّةِ

- ‌الأطفال هم المستقبل:

- ‌ذُو الهِمَّة العَالِية لَا يخْفَى مِنْ زمَانِ الصِّبَا

- ‌سِيمَاهُم في كَلَامِهِم كَمَا هِيَ في وجُوهِهِمُ

- ‌كِبارُ الهِمَّةَ النَّاِبغُونَ .. مُختَصَرُ الطَّرِيقِ إِلَى المَجْدِ

- ‌التَّشجِيِعُ وَأَثَره في النّهُوضِ بِالِهمَّةِ

- ‌اغْتَنِم شَبَابكَ قَبلَ هَرَمِكَ

- ‌الفَصْل الخامِسْأثر عُلُوّ الِهمَّةِ في إصْلَاحَ الفَرْدِ والأُمَّةِ

- ‌من منكم "يوسف" هذه الأحلام

الفصل: ‌كبار الهمة النابغون .. مختصر الطريق إلى المجد

‌كِبارُ الهِمَّةَ النَّاِبغُونَ .. مُختَصَرُ الطَّرِيقِ إِلَى المَجْدِ

النابغون الفائقون من أبناء الأمة يختصهم الله سبحانه وتعالى بمواهب واستعدادت فطرية، وخصائص ذاتية متميزة، فهم (ليسوا مجرد أشخاص ماهرين في أداء الاختبارات، ولا مجرد أشخاص ممتازين في أداء بعض المهارات فحسب، بل لديهم خصائص شخصية واجتماعية وبدنية طيبة تفوق ما عند أقرانهم العادين.

ومن أهم الخصائص: سلامة البدن، وقوة الذاكرة، وسرعة التعلم، والتفوق في التحصيل الدراسي (1)، وحب الاستطلاع، والدافعية للإنجاز، والثقة بالنفس، والاستقلالية، والمثابرة، والتفوق في القيمة النظرية، وفي الميول العلمية، والنضوج الاجتماعي، والنشأة في ظروف اجتماعية طيبة) (2).

إن المرء لا يولد عالمًا، وإنما تربيه جماعة، وتصنعه بيئة، وتتعهده بالرعاية والتعليم، حتى يمتلك ناصية العلم الذي يطلبه.

(1) ومن أمثلة ذلك في عصرنا الطفل "سيد جلال الأفغاني" الذي التحق بجامعة البترول بالظهران وعمره عشر سنوات في العام الجامعي (1980 - 1981)، وكان قد حصل على الثانوية العامة وعمره ثماني سنوات، وتعلم الأوردية والإنكليزية والروسية وعمره تسع سنوات.

(2)

"رعاية النابغين في الإسلام وعلم النفس" للدكتور كمال إبراهيم مرسي ص (143 - 144).

ص: 381

والأمة التي تهتم بالنابغين، تصنع بهم مستقبلها المشرق، لأنهم يصلحون أمرها، ويسهمون في ازدهارها، والأمة التي تهمل رعاية نابغيها سوف تشقى حين يتولى أمورها جهلة قاصرون يوردونها المهالك، أو مرضى نفسيون معقدون يسومونها سوء العذاب، أو سفلة أصحاب نفوس دنيئة وهمم خسيسة يبيعونها لأعدائها بثمن بخس.

ومع كون المواهب استعدادات فطرية فإنها لا تؤدي إلى النبوغ إلا إذا توفرت لأصحابها الظروف البيئية المناسبة والتربة الصالحة اللازمة لتنميتها وصقلها.

وتعد الأسرة -وبخاصة الوالدان أو من يقوم مقامهما- أهم عناصر البيئة تأثيرًا في إظهار النبوغ، وزراعة الهمة العالية في قلوب الأطفال منذ نعومة أظفارهم، وهذا ما قد يفسر لنا سر أتصال سلسلة النابغين من أبناء أسر معينة، كآل تيميةَ مثلًا- حيث اجتمعت الاستعدادات الفطرية الموروثة، والقدرات الإبداعية، مع البيئة المساعدة التي تكشف هذه المواهب مبكرًا، وتنميها، وتوجهها إلى الطريق الأمثل.

فرب أم ذكية محبة للعلم (1)، أو أب عالم مشهود بعلمه، كان سببًا فِي تيسير السبيل إلى العلم، ومجالسة العلماء، مما كان له أثر بليغ في تنمية نبوغ أبنائهم.

فهذا "الزبير بن العوام" فارس رسول الله على صلى الله عليه وسلم الذي عدل به عمر رضي الله عنه ألفًا من الرجال، يشب في كنف أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخت أسد الله حمزة، وهؤلاء

(1) انظر: "عودة الحجاب"(2/ 191 - 212).

ص: 382

الكملة العظماء عبد الله، والمنذر، وعروة أبناء الزبير، كلهم ثمرات أمهم ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.

وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يتربى على أمه فاطمة بنت أسد، وخديجة بنت خويلد رضي الله عنهما، وهذا عبد الله بن جعفر سيد أجواد العرب تعاهدته أمه أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وهذا أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أريب العرب وألمعيها، ورث عن أمه هند بنت عتبة همة تجاوز الثريا، وهي القائلة -وقد قيل لها ومعاوية وليد بين يديها-:"إني أظن أن هذا الغلام سيسود قومه "-: "ثكِلتُه إذًا إن لم يَسُد إلا قومه".

ولما نُعي إليها ولدها يزيد بن أبي سفيان قال لها بعض المعزين: "إنا لنرجو أن يكون في معاوية خلف منه"، فقالت:"أوَ مثل معاوية يكون خَلَفًا من أحد؟ والله لو جمعت العرب من أقطارها، ثم رُمي به فيها، لخرج من أيها شاء".

وقد كان معاوية رضي الله عنه إذا نوزغ بالفحر بالمقدرة، وجوذب بالباهاة بالرأي، انتسب إلى أمه، فصدع أسماع خصمه بقوله:"أنا ابن هند".

وهذا سفيان الثوري الإمام الجليل، والعلم الشامخ كان ثمرة أم صالحة غذته بلبانها، وحاطته بكنفها، حتى صار إمام المسلمين، وأمير المؤمنين في الحديث، قالت له أمه وهو صغير:"يا بني! اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي".

وهذ الِإمام الثقة الثبت أبو عمرو الآوزاعي نشأ يتيمًا في حجر أمه،

ص: 383

التي تنقلت به من بلد إلى بلد، وربته تربية عجزت الملوك وأبناؤها عنها، حتى استُفتي في الفقه وله ثلاث عشرة سنة.

وكذا فعلت أم الإمام "ربيعة بن أبي عبد الرحمن" شيخ الإمام مالك، فقد كان ثمرة تربية أم فاضلة أنفقت عليه أمه ثلاثين ألف دينار خلَّفها زوجها عندها، وهي حامل به، وخرج إلى الغزو، ولم يعد لها إلا بعد أن استكمل ولده الرجولة والمشيخة.

وها هي أم الإمام مالك إمام دار الهجرة تؤزه على طلب العلم، وتلبسه ثياب العلم، وتقول له:"اذهب إلى ربيعة، فتعلم من أدبه قبل علمه".

ومات والد الإمام الشافعي وهو جنين أو رضيع، فتولته أمه بعنايتها، وأشرقت عليه بحكمتها، وتنقلت به من "غزة" إلى "مكة" مستقر أخواله، فربته بينهم هنالك.

ونشأ الإمام الشافعي يتيمًا فقيرًا، ولم تستطع أمه دفع أجر معلِّمه، إلا أن المعلم قبل أن يعلمه بدون أجر، وتعهده بالرعاية، وجعل له منزلة خاصة بين التلاميذ، لما لمسه فيه من نباهة، وسرعة في الحفظ.

قال الشافعي رحمه الله: "كنت يتيمًا في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي أن يعلمني بدون أجر، وأن أخلفه في الدرس إذا قام".

وهذا إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله مات أبوه إسماعيل، وهو صغير، فنشأ يتيمًا في حجر أمه، وكان امرأة عابدة صاحبة كرامات.

ص: 384

وهل يمكن أن نغفل تأثير البيئة المحيطة ونركز فقط على ثمرة هذه البيئة في رجل مثل عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وهل كان يمكن لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أن يمارس دوره في تجديد الدين، ويتهيأ له لولا البيئة الصالحة التي وجَّهته إلى المعالي (1)، وبذرت بذور "الهمة العالية" في قلبه منذ طفولته.

عن سعيد بن عُفير قال: (حدَّثنا يعقوب، عن أبيه أن عبد العزيز ابن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدَّبُ بها، وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهدُه، وكان يُلزمُه الصلواتِ، فأبطأ يومًا عن الصلاة، فقال: "ما حَبَسَكَ؟ " قال: "كانت مُرَجِّلَتي تُسَكِّن شعري"، فقال: "بلغ من تسكين شعرك أن تُؤثِرَه على الصلاة"، وكتب بذلك إلى والده، فبعث عبدُ العزيز رسولًا إليه فما كلَّمه حتى حَلَق شعره).

وعن أبي قَبيل: (أن عمر بن عبد العزيز بكى وهو غلام صغير، فأرسلت إليه أمه، وقالت: "ما يُبكيك؟ " قال: "ذكرتُ الموت"، قال: وكان يومئذ قد سمع القرآن، فبكت أمُّه حين بلغها ذلك).

ونقل الزبير بن بكار عن العتبي قال: (إن أولَ ما استُبين من عمر

(1) أطلق عامة العلماء القول بأن عمر بن عبد العزيز رحمه الله هو مجدد القرن الأول، (ونحن نسلم بذلك، ولكننا نقول: ما كان لعمر بن عبد العزيز أن يقوم بهذه الحركة الواسعة المتعددة الجوانب لولا وجود عدد كبير من أجلاء التابعين وساداتهم، وهم كانوا ساعده الأيمن في تنفيذ مشاريعه التجديدية العظيمة) اهـ. من "البيان" ص (16 - 17) العدد الثالث، وعلى رأس هؤلاء السادات رجاء بن حيوة الذي أشار على سليمان بن عبد الملك عند وفاته باستخلاف عمر بن عبد العزيز، انظر:"سير أعلام النبلاء"(5/ 123).

ص: 385

ابن عبد العزيز أن أباه ولي مصر، وهو حديث السن، يُشَكُّ في بلوغه، فأراد إخراجه، فقال:"يا أبت! أوَ غيرَ ذلك؟ لعله أن يكون أنفعَ لي ولك: تُرَحِّلني إلى المدينة، فأقعد إلى فقهاء أهلها، وأتأدب بآدابهم، فوجَّهه إلى المدينة، فاشتهر بها بالعلم والعقل مع حداثة سنه".

* وتأمل كيف اكتشف والدُ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله نضوجه الاجتماعي المبكر، فراح ينمي ثقته بنفسه، ويصقل مواهبه، ويُعِده لتحمل المسئوليات، فقد كتب في ذلك إلى صاحبٍ له فقال رحمه الله:(تحققت أنه بلغ الاحتلام قبل إكمال سن اثنتي عشرة سنة على التمام، ورأيته أهلًا للصلاة بالجماعة والائتمام، فقدمته لمعرفته بالأحكام، وزوَّجته بعد البلوغ مباشرة، ثم طلب مني الحج إلى بيت الله الحرام، فأجبته بالاسعاف إلى ذلك المرام، فحج وقضى ركن الإسلام)(1) اهـ.

وبغير هذا "النضوج الاجتماعي المبكر" والتربية الواعية -التي تنمي الملكات، وتغرس الثقة في النفس، وتحررها من التواكل والتبعية والطفولية- لا نستطع أن نفسر ظاهرة ارتحال العلماء في سن الصبا والشباب المبكر في أقطار الدنيا طلبًا للعلم، وقد فارقوا الأهل والأوطان، وكابدوا المخاطر والمشاق دون كلل ولا ملل ولا تبرم.

* وقد تكون البيئة المترفة عائقًا بليغ الِإعاقة عن المضي في طريق المجد، ومع ذلك يترفع عليها صاحب الهمة العالية، ويسخرها لإنجاز المطالب الجسيمة، كحال الِإمام أبي محمد علي بن حزم رحمه الله، الذي نشأ

(1) نقلًا من "رعاية النابغين" ص (160).

ص: 386

نشأة مترفة، ولكنه انصرف عن مطامح الدنيا ومطامعها في سبيل طلب العلم، فقد جرت مناظرة بين الإمامين ابن حزم وأبي الوليد الباجي رحمهما الله، فلما انقضت قال الباجي لابن حزم:"تَعذُرُني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سُرُج الحُرَّاس"، فأجابه ابن حزم:"وتعذرني أيضًا فإن أكثر مطالعاتي كانت على منائر -أي: مصابيح- الذهب والفضة"(1)، قال ياقوت الحموي:"أراد أن الغنى أضيعُ لطلب العلم من الفقر! "(2).

* وربما نشأ كبير الهمة في بيئة معدِمةٍ قاسية تكون كفيلة بإطفاء همته، والقضاء على نبوغه، فييسر الله له من الأسباب ما يأخذ بيده، أو يقيض له من ينمي مواهبه، ويتكفل بأمره:

نشأ المتنبي شاعر العرب الفحل في أسرة فقيرة غير متعلمة، لكن الله قيَّض له فرصة التعليم المجاني في كُتَّاب خاص بأبناء أشراف الكوفة،

(1)"معجم الأدباء"(12/ 239).

(2)

وعلق الشيخ محمد أبو زهرة -عفا الله عنه- على اعتذار الإمامين قائلاً: "يرى ابن حزم أن كثرة المال وطيب العيش تسُدُّ مسالكَ العلم إلى النفوس، فلا تتجه إلى العلم، فإن الجِدَة قد تُسَهِّل اللهو، وتفتحُ بابه، وإذا انفتح بابُ اللهو سُدَّ بابُ النور والمعرفة، فلذائذ الحياة وكثرتها تطمس نور القلب، وَتُعمي البصيرة، وتَذهبُ بِحِدَّة الإدراك.

أما الفقير -وإن شغله طلب القوت- قد سُدَّت عليه أبواب اللهو، فأشرقت النفس، وانبثق نور الهداية، هذا نظر ابن حزم. أما نظر الباجي فإنه متجه إلى الأسباب المادية من حيث تُسهل الحياة المادية، من غير نظر إلى الأسباب المادية النفسية التي تضمن أن الغنى يكون في كثير من الأحوال معه الانصرافُ عن العلم إلى اللهو، وقد توفرت ذرائعه" اهـ. من كتابه "ابن حزم" ص (56).

ص: 387

وشجعه أصحاب المكتبات على قراءة الكتب دون مقابل.

ويُروى أن وراقًا كان يلازمه قال: (كان اليوم عندي -أي المتنبي- وقد أحضر رجل كتابًا في نحو ثلاثين ورقة لبيعه، فأخذه أبو الطيب، ونظر فيه طويلًا، فقلت له: "ما هذا؟ أريد بيعه، وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا يكون في شهر إن شاء الله"، فقال المتنبي: "إن كنت حفظته هذه المدة؟ " قلت: "أهب لك الكتاب"، قال: "اسمها مني"، فأخذت الدفتر من يده، وأقبل يتلوه حتى انتهى إلى آخره).

ومِن أشهر مَن كان يُعنَى بالتفتيش عن النابغين، ويستنقذهم من ظروفهم القاسية، ويأخذ بأيديهم في طلب العلم الِإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، فقد حرص الإمام أبو حنيفة -عندما تولى حلقة الدرس بعد شيخه حماد- على رعاية تلاميذه النابغين، فقد كان يواسيهم من ماله الخاص، ويعينهم على نوائب الدهر، حتى أنه كان يزوج من كان في حاجة إلى الزواج وليست عنده مئونته، ويرسل لكل تلميذ حاجته، قال شريك أحد تلامذته:(كان يُغني من يعلمه، وينفق عليه وعلى عياله، فإذا تعلَّم قاله له: "لقد وصلت إلى الغنى الأكبر بمعرفة الحلال من الحرام"، وكان ينظر إلى نفوس تلاميذه، ويتعهدها بالرعاية والنصيحة، فإذا وجد من أحدهم إحساسًا بالعلم يمازجه الغرور، أزال عنه درن الغرور ببعض الاختبارات، التى تثبت له أنه ما زال في حاجة إلى مزيد من العلم).

* وذكر الكردري في مناقبه بسنده إلى أبي يوسف رحمه الله تعالى، قال: (كنت أطلب الحديث وأنا مقل المال، فجاء إلي أبي وأنا عند الِإمام، فقال لي: "يا بني لا تمدنَّ رجلك معه، فإن خبزه مشوي

ص: 388

وأنت محتاج"، فقعدت عن كثير من الطلب، واخترت طاعة والدي، فسأل عني الإمام، وتفقدني، وقال حين رآني: "ما خلَّفَك عنا؟ " قلت: "طلب المعاش"، فلما رجع الناس، وأردت الانصراف دفع إليَّ صرة فيها مائة درهم، فقال: "أنفق هذا، فإذا تمَّ أعلمني، والزم الحلقة"، فلما مضت مدة دفع إليَّ مائة أخرى، وكلما تنفد كان يعطيني بلا إعلام كأنه كان يُخْبَرُ بنفادها، حتى بلغت حاجتي من العلم، أحسن الله مكافأته، وغفر له).

* وذكر الكردري أيضًا أن الحسن بن زياد كان فقيرًا، وكان يلازمه -أي الِإمام- وكان أبوه يقول له:"لنا بنات، وليس لنا ابن غيرك، فاشتغل بهن"، فلما بلغ الخير الإمام أجرى عليه رزقًا، وقال:"الزم الفقه، فإني ما رأيت فقيهًا معسرًا قط".

وربما لمح شخصًا عالي الهمة، تلوح من محياه أمارات النبوغ فضنَّ بموهبته أن تُنْفَقَ في طلب الدنيا، وشجعه على طلب العلم:

* قال أبو حنيفة رحمه الله: (مررت يومًا على الشعبي وهو جالس، فدعاني، وقال: "إلامَ تختلف؟ " فقلَت: "أختلف إلى فلان"، قال: "لم أعن إلى السوق، عنيتُ الاختلاف إلى العلماء"، فقلت له: "أنا قليل الاختلاف إليهم"، فقال: "لا تفعل، وعليك بالنظر في العلم، ومجالسة العلماء؛ فإني أرى فيك يقظة وحركة"، قال: "فوقع في قلبي من قوله، فتركت الاختلاف -أي إلى السوق- وأخذت في العلم، فنفعني الله تعالى بقوله").

* وعن مكي بن إبراهيم -أحد شيوخ البخاري- قال: (كنت أتجر، فقدمت على أبي حنيفة قدمة، فقال لي: "يا مكي! أراك تتجر، التجارة إذا كانت بغير علم دخل فيها فساد كثير، فلم لا تتعلم العلم،

ص: 389

ولم لا تكتب؟ " فلم يزل بي حتى أخذت في العلم وكتابته وتعلمه، فرزقني الله منه شيئًا كثيرًا، فلا أزال أدعو لأبي حنيفة في دبر كل صلاة وعندما ذكرته، لأن الله يركته فتح في باب العلم).

وربما كان لتجربة الإمام أبي حنيفة مع شيخه الِإمام حماد أثر عظيم في مسلكه هذا، فقد اكتشف حماد نبوغ أبي حنيفة وعلو همته، فخصَّه برعايته، وقرَّبه من مجلسه مؤملًا أن يكون حسنة من حسناته يهديها إلى الأمة:

* انخرط أبو حنيفة النعمان في التعليم على يد شيخه حَمَّاد بالمسجد الجامع بالكوفة، وعندما لمس فيه النجابة، وسرعة الحفظ، وسلامة التفكير، أجلسه بإزائه، واحترم رأيه، وشجعه على الاجتهاد والاستقلال بالرأي، ولم يتبرم من كثرة أسئلته واستفساراته، لما فيها من عمق ودقة. فمما يُروى أن أبا حنيفة انصرف من مجلس حماد، بعد أن سأله عدة أسئلة، وألحَّ في الجدل حتى احمرَّ وجه حماد، الذي قال لجاره واصفًا صلاح تلميذه:"هذا على ما ترى منه -أي من كثرة الأسئلة- يقوم الليل كله ويحييه"، واستمر أبو حنيفة ملازمًا أستاذه ثماني عشرة سنة، ولم يستقل بالدرس والتمحيص إلا بعد وفاة حماد.

وربما كانت نصيحة عابرة من عالم مخلصٍ بدايةَ نقطة تحولٍ فِي حياة أحد النابغين إلى انتفاع عموم الأمة به، كذلك الِإمام الذي لقي نابغة كبير الهمة وقد جاور في الحرم المكي الشريف، وخلَّى مكانه في التعليم والدعوة في بلده، فأرشده إلى تصحيح مساره بقوله:"ليس هذا مكانك".

* وكان سبب أخذ الشافعي فِي العلم ما حكاه مصعب بن عبد الله الزبيري قال: "كان الشافعي رحمه الله في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام

ص: 390

العرب والأدب، ثم أخذ في الفقه بعدُ" قال:(وكان سبب أخذه في العلم أنه كان يومًا يسير على دابة له وخلفه كاتب لأبي، فتمثل الشافعي ببيت شعر فقرعه كاتب أبي بسوطه، ثم قال له: "مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا؟ أين أنت من الفقه؟ " فهزَّه ذلك، فقصد مجالسة الزَّنْجي مسلم بن خالد، وكان مفتي مكة، ثم قدم علينا فلزم مالك بن أنس).

وعن الشافعي رحمه الله قال: (كنت أنظر في الشعر، فارتقيت عقبة

بمنى فإذا صوت من خلفي: "عليك بالفقه")، وعن الحميدي قال:

(قال الشافعي: خرجت أطلب النحو والأدب فلقيني مسلم بن خالد الزنجي فقال: "يا فتى من أين أنت؟ "، قلت: "من أهل مكة"، قال: "أين منزلك؟ " قلت: "شِعب بالخيف"، قال: "من أي قبيلة أنت؟ " قلت: "من عبد مناف" قال: "بخ بخ لقد شرفك الله في الدنيا والآخرة، ألا جعلتَ فهمَك في هذا الفقه فكان أحسن بك؟! ").

ثم رحل الشافعي من مكة إلى المدينة قاصدًا الأخذ عن أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله، وفي رحلته مصنف مشهور مسموع، فلما قدم عليه قرأ عليه "الموطأ" حفظًا، فأعجبته قراءته ولازمه، وقال له مالك:"اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن"، وفي رواية أخرى أنه قال له:"إن الله عز وجل قد ألقى على قلبك نورًا فلا تطفه بالمعاصي"، وكان للشافعي رحمه الله حين أتى مالكًا ثلاثَ عشرةَ سنة، ثم وليَ باليمن.

وقد أمره بالِإفتاء شيخه أبو خالد مسلم بن خالد الزنجي إمام أهل مكة ومفتيها، وقال له:"أفت يا أبا عبد الله! فقد -والله- آن لك أن تفتي"، وكان للشافعي إذ ذاك خمسَ عشرةَ سنة، وأقاويل أهل

ص: 391

عصره فِي هذا كثيرة مشهورة، وأخِذَ عن الشافعي العلمُ في سن الحداثة مع توفر العلماء في ذلك العصر، وهذا من الدلائل الصريحة لعظم جلالته وعلو مرتبته، وهذا كله من المشهور المعروف في كتب مناقبه وغيرها.

* وحكى ابنُ العلامة القرآني الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى أن أمارات النبوغ، وعلو الهمة لما لاحت على والده في طفولته، قال له شيخه:"يا بني إن العلماء يقولون: إن من وجد من نفسه استعدادًا وموهبة تؤهله للإمامة تعيَّن عليه طلبها، وإن طلب الإمامة في الدين متعين عليك، فلا تضيع نفسك" اهـ بمعناه.

* ومن عجيب النماذج الناجحة في زراعة الهمة العالية في الأطفال ما يقال من أن الشيخ أقشمس الدين الذي تولى تربية السلطان محمد الفاتح العثماني رحمه الله، كان يأخذ بيده، ويمر به على الساحل ويشير إلى أسوار القسطنطينية التي تلوح من بعد شاهقة حصينة، ثم يقول له: أترى إلى هذه المدينة التى تلوح في الأفق إنها القسطنطينية، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلًا من أمته سيفتحها بجيشه، ويضمها إلى أمة التوحيد، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رُوي عنه:"لَتَفْتَحُنَّ القسطنطينية، ولَنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ولنعم الجيشُ ذلك الجيش"(1)، وما زال يكرر هذه الِإشارة على مسمع الأمر الصبي إلى أن نمت شجرة الهمة فِي نفسه العبقرية، وترعرعت في قلبه، فعقد العزم على أن يجتهد ليكون هو ذلك الفاتح الذي بَشَّر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وقد كان، فقد كان والده السلطان مراد الثاني -منذ صغره- يستصحبه معه بين حين وآخر إلى بعض المعارك، ليعتاد مشاهدة الحرب والطعان، ومناظر الجنود في

(1) انظر "السلسلة الضعيفة والموضوعة" رقم (882).

ص: 392

تحركاتهم واستعداداتهم ونزالهم، وليتعلم قيادة الجيش وفنون القتال عمليًّا، حتى إذا ما ولي السلطنة، وخاض غمار المعارك خاضها عن دراية وخبرة.

ولما جاء اليوم الموعود شرع السلطان محمد "الفاتح" في مفاوضة الإمبراطور قسطنطين ليسلمه القسطنطينية، فلما بلغه رفض الإمبراطور تسليم المدينة، قال رحمه الله:

"حسنًا عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر".

وحاصر السلطان "محمد الفاتح" -أنعم به من فاتح- القسطنطينية واحدًا وخمسين يومًا، تعددت خلالها المعارك العنيفة، وبعدها سقطت المدينة الحصينة التي استعصت على الفاتحين قبله، على يد بطل شاب، له من العمر ثلاث وعشرون سنة، وحقق هذا الفاتح البطل للمسلمين أملًا غاليًا ظل يراودهم ثمانية قرون، حاولوا تحقيقه مرارًا فلم يفلحوا، وكأنَّ القدر كان قد ادَّخر هذا الشرف لهذا البطل المغوار.

***

ص: 393