الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَللآخِرينَ حَرَكة في نُصرَةِ البَاطَلِ
!
لئن كان سعى الدعاة وحركتهم في نصرة الدين من آثار علو همتهم، ولئن كان نشر مناقبهم وإذاعة أخبارهم من أسباب إيقاظ الغافلين، فإنه قد ينضم إلى هذه الأسباب تقريعُ النائمين والسادرين في الغفلة بأن نذكر لهم حركة أهل الباطل في الانتصار لباطلهم، وبذلهم في سبيل إطفاء نور الِإسلام، وهيهات هيهات {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} .
قال سبحانه: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد} ، وقص عن قوم إبراهيم أنهم قالوا:{حرِّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين} ، وقال في شأن الكافرين:{وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} ، وقال:{وترى كثيرًا منهم يسارعون في الِإثم} وقال أيضًا: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} .
فهي حركة مذمومة مشئومة تعود عليهم بالوبال والنكال، وحبوط الأعمال، قال تعالى:{إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} ،
وقال سبحانه: {وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة} ، وقال تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة
الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا * أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا}، وقال عز وجل:{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا} .
إن حبوط أعمال الكافرين، راجع إلى فقدانهم الإيمان، قال تعالى:{أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم} ، كما أن حركتهم كانت وبالًا عليهم، لأنها كانت إما في طلب الدنيا:{من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوَفّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} ، وإما أنها كانت لصد الناس عن دين الله:{الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم} ، وقال تعالى:{ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} .
ومع هذا كله، فإن الله سبحانه واسى أهل الإيمان وعزاهم فيما يلقون من الألم والضنى والكلال، بقوله عز وجل:{ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليمًا حكيمًا} ، فليس المؤمنون وحدهم الذين يحتملون الألم والقرح، إن أعداءهم كذلك يتألمون، وينالهم القرح واللأواء، ولكن شتان بين المؤمنين الذين يتوجهون إلى الله بجهادهم، ويرتقبون عنده جزاءهم، وبين الكافرين الذين هم حيارى تائهون، ضائعون مضيَّعون، لا يتجهون لله، ولا يرتقبون عنده شيئًا في الحياة، ولا بعد الحياة.
فإذا كانوا مع ذلك يصرون ويدأبون في محاربة الحق، فما أجدر المؤمنين أن يكونوا أشد إصرارًا وصبرًا، وما أجدرهم كذلك أن لا
يكفوا عن ابتغاء القوم، وتطلبهم، وتعقب آثارهم، حتى لا تبقى لهم قوة، وحتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله! إن هذا المعنى هو عين ما نقصده مما سنذكره -فيما يلي إن شاء الله- من سعي الكافرين ودأبهم في تحصيل الدنيا، أو في الصد عن سبيل الله تعالى، بجانب معنى ثانٍ أشار إليه صلى الله عليه وسلم فيما رُوي عنه من قوله:"ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها"(1)، وأشار إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله. عنه حين شكا إلى الله تعالى:"جَلَدَ الفاجر، وعجزَ الثقة"، وأشار إليه أحمد بن حرب في قوله:"يا عجبا لمن يعرف أن الجنة تُزَيَّن فوقه، والنار تُسَعَّرُ تحته، كيف ينام بينهما؟ ".
ومعنى ثالث هو: استثارة الشعور بالاستحياء من الله جل جلاله في قلوب جند الله المسلمين حين يرون مَن لا خلاق لهم عند الله يكدحون ويضحون لنصرة باطلهم، ويوفون مع إمامهم إبليس بالعهد الذي قطعه على نفسه:{فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} ، في حين يتباطأ كثير من المسلمين عن نصرة دين الحق مع أنهم عاهدوا الله على الانقياد لشرعه:{واذكروا عهد الله وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} .
…
(1) رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في "الصحيحة" رقم (953).