الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصَل الثاني
أسَبابُ انحطَاطِ الهِمَمِ
*
منها: الوهن
، وهو كما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حب الدنيا، وكراهية الموت"(1).
- أما حب الدنيا: فرأس كل خطيئة كما في الحكمة المشهورة، وهو أصل التثاقل إلى الأرض، وسبب الاستئسار للشهوات، والانغماس في الترف، والتنافس على دار الغرور التي:
تفانى الرجال على حبها
…
وما يحصلون على طائل
قال ابن الجوزي رحمه الله: (واعلم أن زمان الابتلاء ضيف قِراهُ الصبر، كما قال أحمد بن حنبل: "إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل، فلا تنظر إلى لذة المترفين، وتلمحْ عواقبهم، ولا تضق صدرًا بضيق المعاش، وعلل الناقة بالحدْو تسِرْ:
طاوِلْ بها الليلَ مالَ النجمُ أم جَنحَا
…
وماطِلِ النومَ ضَنَّ الجَفْنُ أمْ سَمَحا
فإن تَشَكَّتْ فَعَلِّلْها المَجَرَّةَ مِن
…
ضوءِ الصباحِ وعِدْها بالرواحِ ضحَى
وقد كان أهدي إلى أحمد بن حنبل هدية -أي من المنصور- فردَّها، ثم قال بعد سنة لأولاده:"لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت".
(1) جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، قال الألباني:"صحيح بمجموع طريقيه" كما في "الصحيحة" رقم (958).
ومَرَّ بشر على بئر، فقال له صاحبه:"أنا عطشان"، فقال:"البئر الأخرى"، فمرَّ عليها، فقال له:"الأخرى"، ثم قال:"كذا تُقطع الدنيا"، ودخلوا إلى بشر الحافي وليس في داره حصير، فقيل له:"ألا بذا تؤذي؟ " فقال: "هذا أمير ينقضي"(1) اهـ.
- وأما كراهية الموت: فثمرة حب الدنيا والحرص على متاعها، مع تخريب الآخرة، فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب، قال الطغرائي مبينًا أثر حب السلامة في الانحطاط بالهمة:
حب السلامة يثني عزم صاحبه
…
عن المعالي ويغري المرء بالكَسَلِ
إن حب الدنيا، وكراهية الموت صنوان لا يفترقان، وإن الهمة العالية لا تسكن القلب الجبان، وتأمل حال خسيس الهمة، الذي أورثته التربية الفاسدة حرصًا على حياةٍ؛ أيِّ حياة ولو ذليلة، وغرست فيه حب السلامة في موطن الجرأة والِإقدام والمخاطرة:
أضحت تُشَجِّعُني هندٌ فقلتُ لها
…
إن الشجاعة مقرونٌ بها العَطَبُ
لا والذي حَجَّت الأنصارُ كعبتَه
…
ما يشتهي الموت عندي مَن له أرب
للحرب قومٌ أضلَّ اللَّهُ سعيهم
…
إذا دعتهم إلى حوماتها وثبوا
ولست منهم ولا أهوى فعالهم
…
لا القتل يعجبني منهم ولا السلبُ (2)
آخر:
يقول لي الأمير بغير جرمٍ
…
تقدَّمْ حين حلَّ بنا المِراسُ
فما لي إن أطعتُك في حياة
…
ولا لي غير هذا الراسِ راسُ (3)
(1)"صيد الخاطر" ص (540 - 541).
(2)
و (3)"المحاسن والأضداد" للجاحظ ص (59)، وأين هذان من قول=