الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"أحسِن، أحسن عملك، فقد دنا أجلك"، فقال لي ولده عبد الرحمن:"إنه كان إذا قصَّر في العمل، أخرج الرقعة، فنظر فيها، ورجع إلى جِدَّه") (1).
ما زال يلهج بالرحيل وذِكره
…
حتى أناخ ببابه الجمَّالُ
فأصابه مستيقظًا متشمرا
…
ذا أُهْبةٍ لم تُلْهِهِ الآمال
*
ومنها: الدعاء؛ لأنه سنة الأنبياء
، وجالب كل خير، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"أعجز الناس من عجز عن الدعاء" الحديث (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:"إذا تمنَّى أحدكم، فليُكثر، فإنما يسأل ربه"(3)، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن عباس ما دل على ذكائه دعا له:"اللهم فقهه في الدين" وعلِّمه التأويل" (4)، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم عقب الصلاة: "اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك" (5).
إذا لم يكن من الله عون للفتى
…
فأول ما يجني عليه: اجتهاده
*
ومنها: الاجتهاد في "حصر" الذهن
(6)، وتركيز الفكر في معالي
(1)"ترتيب المدارك"(2/ 516).
(2)
رواه الطبراني في "الأوسط"، والبيهقى في "الشعب"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(رقم 1055).
(3)
رواه ابن حبان وصححه، والطبراني في "الأوسط"، وقال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح" اهـ من "المجمع"(10/ 150).
(4)
رواه البخاري.
(5)
رواه أبو دواد، والنسائي، وصححه النووي.
(6)
قال: "وليم مولتون مارستن" -المتخصص في علم النفس-:
"والعقل الإنساني يصبح أداة مدهشة الكفاءة إذا ركزَ تركيزًا قويًّا حادًّا"،=
الأمور، ولنا في أئمة السلف والخلف أحسن الأسوة في ذلك، قال الحسن:"نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل".
كان الخليل بن أحمد يخرج من منزله، فلا يشعر إلا وهو في الصحراء، ولم يُرِدْها من شغله بالفكر.
وكان يدخل الداخل إلى أبي تمام الشاعر، وهو يعمل الشعر، فلا يشعر به. وكانت لابن سَحْنون سُرِّيَّة، فطلب منها ذات يوم أن تُعِدَّ له طعامًا، وشُغِل بالتأليف والرد على المخالفين، وأحضرت الطعام، وبعد طول انتظار أخذت تطعمه -تلقمه- حتى أتى عليه، وتمادى في عمله حتى الفجر، ثم سألها أن تحضر الطعام فأخبرته بأنه أتى عليه دون أن يشعر.
وذكر السبكي في "طبقات الشافعية" عن أبيه الإمام تقي الدين أنه:
=ونقل عن وليم جيمس وهو أبو علم النفس الحديث أنه قال:- "إن الفرق بين العباقرة وغيرهم من الناس العاديين ليس مرجعه إلى صفة أو موهبة فطرية للعقل، بل إلى الموضوعات والغايات التى يوجهون إليها هممهم وإلى درجة التركيز التي يسعهم أن يبلغوها".
ثم يقول: "وليم مولتون": "وهذه القدرة تكتسب بالمرانة، والمرانة تتطلب الصبر فإن الانتقال من الشرود إلى حصر الذهن حصرًا بيِّنًا محكمًا هو ثمرة الجهد الملح، فإن استطعت أن ترد عقلك مرة بعد أخرى وخمسين مرة، ومئة مرة إلى الموضوع الذي اعتزمت معالجته فإن الخواطر التي تتنازعك لا تلبث أن تخلي مكانها للموضوع الذي آثرته بالاختيار ثم تلقى نفسك آخر الأمر قادرًا على حصر ذهنك بإرادتك فيما تختار" اهـ. نقلًا من "روح الصلاة في الإسلام" للشيخ عفيف طبارة ص (32).
(كان من الاشتغال على جانب عظيم بحيث يستغرق غالب ليله وجميع نهاره، كان يخرج من البيت صلاة الصبح فيشتغل على المشايخ إلى أن يعود قريب الظهر، فيجد أهل البيت قد عملوا له فرُّوجًا فيأكله، ويعود إلى الاشتغال إلي المغرب، فيأكل شيئًا حُلْوًا لطيفًا، ثم يشتغل بالليل، وهكذا لا يعرف غير ذلك، حتى ذكر لي أن والده قال لأمِّه: "هذا الشاب ما يطلب قطُّ درهمًا ولا شيئًا، فلعله يرى شيئًا يريد أن يأكله، فضعي في منديله درهمًا أو درهمين"، فوضعت نصف درهم، قالت الجدة: فاستمر نحو جمعتين وهو يعود والمنديل معه، والنصف فيه، إلى أن رمى به إليَّ، وقال: "أيش أعمل بهذا؟ خذوه عني" (1).
وكان الإمام ابن مالك النحوي -صاحب "الألفية" وغيرها- كثير المطالعة، سريع المراجعة، لا يكتب شيئًا من محفوظه حتى يراجعه في محله، ولا يُرى إلا وهو يصلي أو يتلو أو يصنف أو يقرأ.
حُكَي: (أنه توجه يومًا مع أصحابه للفُرجة بدمشق، فلما بلغوا الموضع الذي أرادوه، غفلوا عنه بسويعة، فطلبوه فلم يجدوه، ثم فحصوا عنه فوجدوه منكبًّا على أوراقه).
قلبٌ يطل على أفكاره، ويَدٌ تُمضي الأمورَ، ونفسٌ لهوُها التعب والشيخ أحمد بن علي نجم الدين بن الرفعة:"كان كثير الصدقة، مُكِبًّا على الاشتغال، حتى عرض له وجع المفاصل، بحيث كان الثوب إذا لمس جسمه آلمه، مع ذلك معه كتاب ينظر إليه، وربما انكبَّ على وجهه وهو يُطالع"، وهو الذي قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية بعد مناظرة بينهما:"رأيت شيخًا تتقاطر فروع الشافعية من لحيته"، وقال
(1)"طبقات الشافعية"(10/ 144).