الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَفَاضُل الناس ِبتفاوفت هِمَمهم
قال الله تعالى: {إن سعيكم لشتَّى} .
والهمة رزق من الله عز رجل، والله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، ومن حكمته سبحانه أن فاضل بين خلقه في قواهم العملية، كما فاضل بينهم في قواهم العلمية.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
…
وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
وتعظم في عين الصغير صغارُها
…
وتصغر في عين العظيم العظائم
اجتمع عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبه، فقال لهم مصعب:"تمنَّوا"، فقالوا:"ابدأ أنت"، فقال:"وِلاية العراق، وتزوُّج سكَِينة ابنة الحسين، وعائشة بنت طلحهَ بن عبيد الله"، فنال ذلك، وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف درهم، وجهَّزها بمثلها، وتمنى عروة بن الزبير الفقه، وأن يُحمل عنه الحديثُ، فنال ذلك، وتمنى عبد الملك الخلافة، فنالها"، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة.
ويدل على تفاوت الهمم أن من الناس من ينشط للسهر في سماع سمر، ولا يسهل عليه السهر في سماع القرآن الكريم، ومنهم من يحفظ بعض القرآن، ولا يتوق إلى التمام، ومنهم من يعرف قليلًا من الفقه، ومنهم قنوع بصلاة ركعتين في الليل، ومنهم من يطلب معالي الأمور، دون أن تكون له إرادة وسعي في تحقيقها، فهذا مغتر بالأماني الكاذبة:
وما نيل المطالب بالتمني
…
ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا
وما استعصى على قوم منال
…
إذا الإقدام كان لهم ركابا
ولو علت بهم الهمم لجدَّت في تحصيل كل الفضائل، ونَبَتْ عن النقص، فاستخدمت البدن، كما قال الشاعر:
ولكل جسم في النُّحول بَلِيَّةٌ
…
وبلاءُ جسمي من تفاوت همتي
وقال المتنبي:
وإذا النفوس كُنَّ كبارًا
…
تعبت في مرادها الأجسامُ
آخر:
وقائلةٍ: لِمْ غيرتك الهمومُ
…
وأمرك ممتثل في الُأمَمْ
فقلتُ: ذريني على غُصَّتي
…
فإن الهمومَ بقدر الهِمَمْ
لما ولي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله الخلافة خيَّر امرأته "فاطمة" بين أن تقيم معه على أنه لا فراغ له إليها، وبين أن تلحق بأهلها، فبكت، وبكى جواريها لبكائها، فسمعت ضجة في داره، ثم اختارت مقامها معه على كل حال -رحمها الله.
وقال له رجل: "تَفَرَّغ لنا يا أمير المؤمنين"، فأنشأ يقول:
قد جاء شغلٌ شاغل
…
وعدلْت عن طرق السلامهْ
ذهب الفراغ فلا فرا
…
غَ لنا إلى يوم القيامهْ
وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله:
الجسم يُذيبه حقوقُ الخِدمَهْ
…
والقلب عذابه علوُّ الهمهْ
والعمر بذاك ينقضى في تعب
…
والراحة ماتت فعليها الرحمهْ
***