الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12) عُلُوّ همَّتِهِم فَي نَشْرِ العِلْمِ وَتَعلِيمه
عن عمرو بن سواد قال: قال لي الشافعي: "ولدت بعسقلان، فلما أتت عليَّ سنتان حملتني أمي إلى مكة، وكانت نهمتي في شيئين: الرمي، وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى إني لأصيب من عشرةٍ عشرةَ"، وسَكَتَ عن العلم، فقلت:"أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي".
وبرع "الشافعي" في الشعر واللغة وأيام العرب، فنقل القاضي ابن خلكان أن الأصمعي (122 - 216 هـ) على جلالة قدره في هذه العلوم قرأ على الشافعي أشعار الهذليين، وذكر أن أحد علماء الأنساب في العراق تحدث مع الشافعي في هذا العلم، فوجده من كبار العلماء فيه، فلما طال بينهما الحديث، قال له الشافعي:"مِثلي ومثلك لا يليق بهما أن يتحدثا عن أنساب الرجال من قِبَل آبائهم، فتعال نتحدث عن أنسابهم من قبل أمهاتهم"، ولقيه طلبة الطب في الفسطاط، فوجدوا عنده من المعرفة في علومهم ما أطمعهم في أن يخصص لهم درسًا يأخذون فيه عنه علوم الطب، فأشار إلى الفقهاء واقفين ينتظرونه في ظل جدار جامع عمرو بن العاص فقال:"وهل ترك لي هؤلاء من الوقتَ ما أتفرغ به لكم؟ ".
وقال الربيع بن سليمان المرادي (174 - 270 هـ)، وهو راوي كتب الشافعي، ومن أخص أصحابه، وأول من أملى الحديث بجامع
ابن طولون: (لما قدم الشافعي الفسطاط كان يجالسه أرباب الخلق - عبد الله بن الحكم ونظراؤه -وكان حسن الوجه والخلق، فحُبِّبَ إلى أهل مصر من الفقهاء والنبلاء والأعيان، وكان يجلس في حلقته إذا صلى الصبح بجامع عمرو، فيجيئه أهل القرآن ويسألونه، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فيسألونه عن معانيه وتفسره؛ فإذا ارتفعت الشمس قاموا، واستوت الحلقة للمناظرة والمذاكرة؛ فإذا ارتفع النهار تفرقوا، وجاء أهل العربية والعَروض والشعر والنحو حتى يقترب انتصاف النهار، ثم ينصرف إلى منزله في الفسطاط).
وقال الربيع: أقام الشافعي ها هنا في الفسطاط أربع سنين فأملى ألفًا وخمسين ورقة، وخرج كتاب "الأم" ألفي ورقة، وكتاب "السنن" وأشياء كثيرة، كلها في أربع سنين، وكان مع ذلك عليلًا شديد العلة، وربما خرج الدم وهو راكب، حتى يملأ سراويله وخفه (يعني من البواسير).
وكان "سفيان الثوري" يقول: "لو لم يأتني أصحاب الحديث، لأتيتهم في بيوتهم"، وقال:"لو أني أعلم أن أحدًا يطلب الحديث بنية، لأتيتُه في بيته حتى أحدثه".
- وأوصى ابن القاسم عيسى بن دينار، فقال:"عليك بأعظم مدائن الأندلس فانزلها، ولا تنزل منزلاً يضيع ما حملت من علم".
وهذه همة الإمام الهمام ابن حزم الأندلسي "رحمه الله" تتمدد، وتتمطى، وتتسامى، فانظر الآفاق التي بلغتها، إذ يقول:
مُناي من الدنيا علومٌ أبثها
…
وأنشرها في كل بادٍ وحاضر
دعاءٌ إلى القرآنِ والسنن التي
…
تناسى رجالٌ ذكرها في المحاضرِ
وألزمُ أطرافَ الثغور مجاهدًا
…
إذا هيعة ثارت فأولُ نافرِ
لألقَى حمامي مقبلًا غير مدبر
…
بسُمْرِ العوالي والدقاق البواتر
كفاحًا مع الكفارِ في حومةِ الوغى
…
وأكرمُ موتٍ للفتى قتلُ كافرِ
فيا ربِّ لا تجعل حِمامي بغيرها
…
ولا تجعلنِّي من قطينِ المقابرِ
***