الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) عُلوّ هِمِّتِهِم فِي حِفْظِ العلْمِ الشَّريفِ
قال أبو زُرعة: "كان أحمدُ بن حنبل يحفظُ ألفَ ألفِ حديثٍ (أي: مليونًا)، فقيل له: ما يُدْريك؟ قال: ذاكرتُه وأخذتُ عليه الأبوابَ".
وقال سليمانُ بن شُعبةَ: "كَتَبوا عن أبي داودَ أربعين ألف حديث، وليس معه كتابٌ".
وقال أبو زُرْعَة الرازى: "أحفظُ مائتي ألفِ حديثٍ، كما يحفظُ الإنسانُ: {قل هو الله أحد}، وفي المذاكرةِ ثلاثمائةِ ألفِ حديثٍ".
وقال هشام الكلبي: (حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد، كان لي عم يعاتبني على حفظ القرآن، فدخلت بيتًا، وحلفت أن لا أخرج حتى أحفظ القران، فحفظته في ثلاثة أيام، ونظرت يومًا في المرآة لأخذ ما دون القبضة، فأخذت ما فوق القُبَضة).
وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ: (سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعَمَدوا إلى مِئة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد هذا، وإسنادَ هذا المتن هذا، ودفعوا إلى كل واحدٍ عشرة أحاديث ليُلقوها على البخاري في المجلس، فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم، فسأل البخاريَّ عن حديث من عَشَرَته، فقال:
"لا أعرفه"، وسأله عن آخر، فقال:"لا أعرفه"، وكذلك حتى فرغ من عَشَرَتِهِ.
فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون:"الرجلُ فَهِمَ"، ومَنْ كان لا يدرى قضَى على البخاري بالعَجْزِ، ثم انتدب آخر، ففعل كما فعل الأول، والبخاري يقول:"لا أعرفه"، ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس، وهو لا يزيدهم على:"لا أعرفه"، فلما علم أنهم قد فرغوا، التفت إلى الأول منهم، فقال:"أما حديثك الأول فكذا، والثاني كذا، والثالث كذا إلى العشرة" فَردَّ كل متن إلى إسناده، وفعل بالآخرين مثلَ ذلك، فأقر له الناس بالحفظ، فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول: الكبش النَّطَّاح) اهـ.
قال ابن النجار: سمعت شيخنا عبد الوهاب بن الأمين، يقول:(كنت يومًا مع الحافظ أبي القاسم بن عساكر، وأبي سعد بن السمعاني، نمشي في طلب الحديث ولقاء الشيوخ، فلقينا شيخًا، فاستوقفه ابنُ السمعاني، ليقرأ عليه شيِئًا، وطاف على الجزء الذي هو سماعُه في خريطته، فلم يجده، وضاق صدره، فقال له ابن عساكر: "ما الجزء الذي هو سماعه؟ "، فقال: كتاب "البعث والنشور" لابن أبي داود، سمعه من أبى نصر الزينبي، فقال له: "لا تحزن"، وقرأه عليه من حفظه أو بعضه)، قال ابن النجار:"الشك من شيخنا".
- قال ابن العميد: (ما كنت أظن في الدنيا حلاوة كحلاوة الوزارة أو الرياسة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، وكان الطبراني يغلبه بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلبه بفطنته حتى ارتفعت أصواتهما، إلى أن قال الجعابي: "عندي حديث ليس
في الدنيا إلا عندي"، فقال: "هات"، قال: "حدثنا أبو خليفة أنا سليمان بن أيوب" (وحدث بحديث)، فقال الطبراني: "أنا سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة، فاسمعه مني عاليًا"، فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه).
- عن محمد بن أحمد الواعظ قال: (قام أبو بكر بن الباغندي يصلي، فكبر، ثم قال:"حدثنا محمد بن سليمان لوين"، فسبحنا به، فقال:{بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالين} .
ورُوِيَ عنه أيضًا قال: {قد حُبِّبَ إليَّ الحديث، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أقل:"ادع الله لي"، وقلت له:"يا رسول الله! أيهما أثبت في الحديث: منصور أو الأعمش؟ "، فقال لي:"منصور، منصور")، وقال ابن كثير:"إنه ربما يسرد بعض الأحاديث بأسانيدها في الصلاة والنوم، وهو لا يشعر".
- وكان يحيى بن هلال بن مطر يجلس كل يوم لإسماع "المدونة" من الظهر إلى الليل، يستوعب قراءتها كل شهر.
وقال الِإمام أبو إسحاق الشيرازي صاحب "المهذب": (كنت أعيد كل درس مائة مرة، وإذا كان في المسئلة بيت شعر يُستشهد به حفظت القصيدة كلها من أجله).
- قال الذهبي: سمعت الشيخ تقي الدين أبا العباس يقول: (كان الشيخ ابن مالك يقول: "أُلين للشيخ المجد الفقه، كما ألين لداود الحديد")، قال الشيخ: (وكانت في جدنا حِدَّة، اجتمع ببعض
الشيوخ، وأورد عليه مسألة، فقال:"الجواب عنها من ستين وجهًا، الأول كذا، والثاني كذا، وسردها إلى آخرها، وقد رضينا عنك بإعادة أجوبة الجميع"، فخضع له، وابتهر).
وقال الشيخ تقي الدين: (وجدناه عجيبًا في سرد المتون وحفظ المذاهب بلا كلفة، سافر مع ابن عمه إلى العراق ليخدمه، وله ثلاث عشرة سنة، فكان يبيت عنده، ويسمعه يكرر مسائل الخلاف، فيحفظ المسألة) اهـ.
وكان الشيخ أحمد بن الحسن بن أنو شروان الرومي الحنفي (652 هـ - 745 هـ)"يحفظ في كل يوم من أيام الدرس ثلثمائة سطر، أقام فوق السبعين سنة يدرس بدمشق".
- عكف أبو صالح أيوب بن سليمان على كتاب "العَروض" حتى حفظه، فسأله بعضهم عن إقباله عّلى هذا العلم بعد الكبير، فقال:"حضرت قومًا يتكلمون فيه، فأخذني ذلٌّ في نفسي أن يكون باب من العلم لا أتكلم فيه".
**