الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسنوي عنه: "ما أخرجت مصر بعد ابن الحدَّاد أفقه منه" اهـ (1). ومما يرُوى (أن أميرًا بالشام أدر على الحسن بن الهيثم مالاً كثيرًا، فقال له: "يكفيني قوتُ يومٍ، وتكفيني جارية وخادم، فما زاد على قوت يومي: إن أمسكتهُ كنتُ خازنك، وإن أنفقته كنت كهرمانك ووكيلك، وإذا اشتغلت بهذين الأمرين فمن الذي يشتغل بأمري وعلمي؟ ")(2).
*
ومنها: التحول عن البيئة المثبطة:
إن للبيئة المحيطة بالإنسان أثرًا جسيمًا لا يخفى، فإذا كانت بيئة مثبطة داعية إلى الكسل والخمول وإيثار الدون فإن على المرء أن يهجرها إلى حيث تعلو همته، كي يتحرر من سلطان تأثيرها، وينعم بفرصة الترقي إلى المطالب العالية (3).
تقول ابنة السعدي وهي تلومني
…
أما لك عن دار الهوان رحيلُ
فإن عناء المستنيم إلى الأذى
…
بحيث يذل الأكرمون طوبل
وعندك محبوك السراة مطهم
…
وفي الكف مطرور الشباة صقيل (4)
(1)"الدرر الكامنة"(1/ 306).
(2)
"خمسة أعلام في الفكر الإسلامي" لمصطفى عبد الرازق، نقلاً من "رعاية النابغين" ص (153).
(3)
والهجرة تكون فرضًا واجبًا إذا كانت من دار الكفر إلى دار الإسلام.
(4)
فرس محبوك: قوي شديد، سَراة الفرس: أعلى متنه، والمطهَّم: التام المتناهي في الحسن، والمطرور: ذو المنظر والرواء والهيئة الحسنة، والشباة: حَدُّ طَرَفِ السيف، والصقيل: المجلوُّ.
وأشد الناس حاجة إلى تجديد البيئة المحيطة، وتنشيط الهمة، الحديث العهد بالتوبة، فإن من شأن التحول من بيئة المعصية إلى بيئة الطاعة أن ينسيه ما يجذبه إلى صحبة السوء وأماكن السوء، فيجتمع قلبه، ويلتئم شمله، وتتوحد همته وتتوجه بصدق وعزم إلى أسلوب من الحياة جديد، وهذا عين ما أشار به "العالم" الواعي على قاتل المائة (1)، حين شفَّع قوله:"نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة" بقوله: "انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء"، ولما جاءه الموت، واختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كان قربه إلى القرية الصالحة بالنسبة إلى بلد السوء سببًا في قبض ملائكة الرحمة إياه، ففي بعض الروايات:"فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجُعل من أهلها"، وفي رواية:"فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقرَّبي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له" وفي رواية: "فنأى بصدره نحوها".
ولعل هذا المعنى كامن أيضًا في تشريع نفي الزاني غير المحصن وتغريبه سنة بعيدًا عن وطنه، كي تجتمع عليه عقوبة بدنية بالجلد، وعقوبة قلبية بالنفي، وفي الوقت نفسه يُبْعَد عن مسرح الجريمة كي ينسى ذكراها، ولا يبقى حيث يعامل باحتقار وإهانة، ويتعرض للمضايقات، ويُعْطَى فرصة كافية لاستئناف التوبة الصادقة والحياة الكريمة.
ولعل هذه الحكمة التربوية المستقاة من تلك الأدلة الشرعية هي مستند
(1) متفق عليه.