الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البَرَكة .. في السَّعْي وَالحَركةِ
بالرغم من التحفظات على فكر ومنهج جماعة التبليغ، إلا أننا نقر بأنها أوفر الجماعات الإسلامية حظًّا من علو الهمة في الحركة الواسعة الدءوب، ولهم في ذلك إنجازت رائعة أثمرت إسلامَ كثيرٍ من المشركين، وهداية الكثير من الفاسقين، وتبليغ دين الله في آفاق المعمورة.
حكى من شهد مجلسًا لهم قال: (جلسنا يومًا في المسجد للتعارف، فقال شيخ وقور يُعرف نفسه، وقد جاوز السبعين من عمره: "اسمي الحاج وحيد الدين، أعمل في التجارة، وعمري الآن تسع سنوات! "، فاستغربنا، وقلنا له في دهشة: "تسع سنوات؟! "، قال: نعم، لأنني أحسب عمري من تاريخ دخولي في هذه الدعوة، أما قبل ذلك فإني أعتبر عمري ضائعًا .. !)، وكان هذا الرجل إذا وقف ليلقي موعظته يقول:"لا تضيعوا أعماركم مثلي، واشتغلوا بالدعوة إلى الله تعالى".
وقد حدث أن سألنا أميرهم: "لماذا تذهبون إلى المقاهي لدعوة الناس؟ "، قال:"أرأيتم إن كان عندكم مريض ماذا تفعلون له؟ "، قلنا:"إن كان مرضه ثقيلًا نحضر له الطبيب في المنزل، وأما إذا كان مرضه خفيفًا، فإنه يذهب بنفسه إلى الطبيب"، قال: "فكذلك الذين لم يعرفوا طريق المسجد مرضهم الإيماني ثقيل، فنحن نذهب
إليهم") (1).
وسمعت بعض مشائخهم يحكي موقفًا تعرض له، إذ خرج للدعوة في حانة خمر في مدينة أوروبية، واستهدف رجلاً مسلمًا كان يجالس امرأة وهو يشرب الخمر، فوعظه، ونصحه، وذكره بالله، حتى لان قلبه، ودمعت عيناه، فأخذ بذراعه ليقوده إلى المسجد، وأخذت المرأة بذراعه الآخر، تنازعه فيه، وكانت الغلبة له بعد تجاذب شديد من الطرفين، وأتى به إلى المسجد، وعلَّمه كيف يتطهر، ويصلي، ثم تاب، وحسنت توبته. وهم يجتهدون في "ابتكار" الحيل الخيرية لجذب الناس إلى الدين، كذلك التبليغي الذى أراد دعوة طبيب مشهور، فدفع قيمة الفحص، ولما جاءت نوبته دخل عليه، فتهيَّأ الطبيب لفحصه، فإذا به يخبره أنه ليس بمريض، وإنما رغب أن يذكِّره بالله، وينصحه في الدين، وراح يفعل ذلك، حتى رق قلب الطبيب، وتأثر بموعظته، وأراد أن يرد عليه قيمة الكشف، فأبى قائلاً:"هذه قيمة ما استغرقته من وقتك"
…
ومن ذلك: أنه لما صعد الإنسان إلى القمر، قال أحدهم:"ولو صعد الناس إلى القمر، وتحول بعض منهم عن الأرض، لنرسلنَّ وراءهم قافلة تخرج في سبيل الله، وتصعد إلى القمر لتدعوهم".
ويقول الأستاذ الراشد حفظه الله:
(حركة التبليغ أجادت غرس الثقة في دعاتها، وبخطبة واحدة يتعلمونها يجوبون الآفاق، ويواجهون المجتمع، وآخرون يأمرون إخوانهم بضم الرأس، ويقولون لفتى الصحوة: "أنت في خندق،
(1)"لطائف من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف" ص (188).
احترس، وأتقن الاختباء!! " (1) اهـ.
* وهذا أخ مؤذن يأسف ويحزن حزنًا شديدًا، إذ بلغه أن برج ساعة "بيج بن" الشهيرة في لندن قد مال، وإنه مهدد بالانهيار، فلما سئل عن سر أسفه وحزنه قال:"ما زلت أؤمل أن يُعِزَّ الله المسلمين، ويفتحوا بريطانيا، وأصعد على هذا البرج كي أؤذن فوقه".
* وأعرف أخًا أمريكيًّا من أصل أسباني ممن أسلم لله، وحَسُن إسلامه يعيش مع زوجته الأمريكية التي أسلمت أيضًا في مدينة "نيويورك"، وقد انتدب نفسه للدعوة إلى الله، فيخرج هو وزوجته، ويقفان أمام الكنيسة، ليلتقط روادها من الرجال، ويدعوهم إلى الإسلام، وكذلك تفعل زوجته مع النساء، وذلك كلَّ أحَدٍ.
* وأعرف أخًا يعيشى في "ألمانيا" أحسبه -والله حسيبه- مجتهدًا في الدعوة إلى الله غاية الاجتهاد، حتى لا يكاد يذوق طعمًا للراحة، وقد استحوذت الدعوة على كل كيانه، حتى أرهق نفسه، وشُغل عن بيته وأهله وولده، فرأى إخوانه أن يُمنح عطلة إجبارية، وذهبوا به صحبة أسرته إلى منتجع ناءٍ لا يعرفه فيه أحد، ولا يعرف فيه أحدًا، كي يهنأ ببعض الراحة، وواعدوه أن يعودوا لإرجاعه بعد أيام، ولما رجعوا إليه وجدوه قد أسس جمعية إسلامية في هذا المكان قوامها بعض العمال المغاربة وغيرهم ممن انقطعت صلتهم بالدين، ففتش عنهم في مظانِّ وجودهم، ودعاهم إلى طاعة الله سبحانه، وألَّف بينهم، وأقاموا مسجدًا كان فيما بعد منطلقًا للدعوة إلى الله في تلك البلدة.
(1)"صناعة الحياة" ص (60).
إنها "الحركة" سر شيوع دعوة الإسلام المباركة في أرجاء الدنيا، ينطلق بها جنود لا يعلمهم إلا الله {وما يعلم جنود ربك إلا هو} .
ويلفتنا الأستاذ محمد أحمد الراشد -حفظه الله تعالى- إلى ميزان غريب نقيس به تلك "الحركة الحياتية- المتفجرة".
(وقد كنتُ في الأيام الخوالي ألاطِفُ إخواني فأفتش عن أحذيتهم، ليس على نظافتها، وصبغها، ورونقها، كالتفتيش العسكري، بل على استهلاكها، وتقطعها، والغبار الذي عليها، وأقْلِبها فأرى النعل، فمن كان أسفل حذائه متهرئًا تالفًا فهو الناجح، وأقول له:"شاهدك معك: حذاؤك يشهد لك أنك تعمل، وتغدو في مصالح الدعوة وتروح، وتطبق قاعدة: {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين}، وبكثرة حركتك تلف حذاؤك، فأنت المجتاز المرضي عندي".
قال "صباح": (قد والله بعد عشرين سنة يأخذني تأنيب الضمير كلما رأيت حذائي لا غبار عليه، وأتذكر ذاك التفتيش)(1).
…
(1)"السابق" ص (112).