الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلائق، والله اعلم) (1) اهـ.
وقال أيضًا:
(علو الهمة: أن لا تقف دون الله، ولا تتعوض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلاً منه، ولا تبيع حظها من الله، وقربه والأنس به، والفرح والسرور والابتهاج به، بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم: كالطائر العالي على الطيور، لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التى تصل إليهم، فإن "الهمة" كلما علت، بعدت عن وصوله الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان، فإن الآفات قواطع وجواذب، وهي لا تعلو إلى المكان العالي فتجتذب منه، وإنما تجتذب من المكان السافل، فعلو همة المرء: عنوان فلاحه، وسفول همته: عنوان حرمانه)(2) اهـ.
والهمة طليعة الأعمال ومقدمتها، قال أحد الصالحين:"همتك فاحفظها، فإن، الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها، صلح له ما وراء ذلك من الأعمال"(3)، وعن عبيد الله بن زياد بن ظبيان قال:(كان لي خال من "كلب"، فكان يقول لي: "يا عبيد هِمَّ؛ فإن الهمة نصف المروءة ").
الهمةُ مولودةٌ مع الآدمي
قال ابن الجوزي في: "لفتة الكبد إلى نصيحة الولد":
(وما تقف همة إلا لخساستها، وإلا فمتى علت الهمة فلا تقنع
(1)"مدارج السالكين"(3/ 3 - 4).
(2)
"السابق"(3/ 171 - 172).
(3)
"بصائر تربوية" ص (137).
بالدون، وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حُثَّتْ سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزًا فسل المنعم، أو كسلًا فسل الموفق، فلن تنال خيرًا إلا بطاعته، فمن الذي أقبل عليه ولم ير كل مراد؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة؟ أو حظي بغرض من أغراضه؟) اهـ.
وقوله رحمه الله: "وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات" بسبب عجز أو كسل، أو ركون إلى وسوسة الشيطان، وركوب الهوى، وتسويل النفس الأمارة بالسوء، فهنا تحتاج الهمة إلى إيقاظ وتنبيه وتذكير برضا من تطلب؟ وفي أي نعيم ترغب؟ ومن أي عقاب ترهب؟ كما فعل ذلك البطل الذي لا نعرف اسمه، لكن حسبه أن الله يعلمه، وهو وحده الذي يثيبه:
عن عبد الله بن قيس، أبي أمية الغفاري قال:(كنا في غزاة لنا، فحضر عدوُّهم، فصِيحَ في الناس، فهم يثوبون إلى مصافهم، إذا رجل أمامي، رأسُ فرسي عند عَجُز فرسه، وهو يخاطب نفسه ويقول: "أيْ نفس ألم أشهد مشهد كذا وكذا؟ فقلتِ لي: أهلُكَ وعيالُك فأطعتك ورجعتُ؟ ألم أشهد مشهد كذا وكذا؟ فقلت: أهلُك وعيالُك فأطعتك ورجعت؟ والله لأعرضنك اليوم على الله، أخذكِ، أو تركك"، فقلت: لأرمُقنَّه اليوم، فرمقته، فحمل الناسُ على عدوهم، فكان في أوائلهم، ثم إن العدوَّ حمل على الناس فانكشفوا، فكان في حُماتهم، ثم إن الناس حملوا، فكان في أوائلهم، ثم حمل العدو، وانكشف الناس، فكان في حُماتهم، قال: "فوالله ما زال ذلك دأبه حتى رأيته صريعًا، فعددت به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنةً")(1).
(1)"صفة الصفوة"(4/ 421).