الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُلُوّ هِمَّة "اللؤلؤ العَادِلي
"
قال الإمام الذهبي رحمه الله في "السير":
(الحاجبُ: من أبطال الإسلام، وهو كان الندوبَ لحرب فرنج الكَرَك الذين ساروا لأخذ طَيبة، أو فرنج سواهم ساروا في البحر المالح، فلم يَسِرْ لؤلؤ إلا ومعه قُيودٌ بعددهم، فأدركهم عند الفحلتين فأحاط بهم، فسلَّموا نفوسهم، فقيَّدهم، وكانوا أكثر من ثلاث مئة مقاتل، وأقبل بهم إلى القاهرة، فكان يومًا مشهودًا)(1).
* وهذا مجاهد ينتدب نفسه للمهمة الجسيمة، ويمضي نحو همته، ويلح سائلًا مولاه:
فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن
…
على شَرْجَعٍ (2) يُعْلَى بخُضْرِ المطارفِ (3)
ولكنَّ قبري بطنُ نَسْرٍ مقيلهُ
…
بجو السماء، في نسورٍ عواكفِ (4)
(1)"سير أعلام النبلاء"(21/ 384).
(2)
الشرجع: النعش.
(3)
المطارف: الأطراف، أي الأيدي.
(4)
فهو لا يحلق بروحه سامية في فلك الشموخ فحسب، بل ببدنه أيضًا، حتى إنهم لا يصلون إليه، لأنه استقر في بطون النسور، فيراغمهم ميتًا، كما راغمهم حيًّا.
علوّ في الحياة وفي الممات
…
لَحَقُّ تلك إحدى المَكْرُمات
وأمسي شهيدًا ثاويًا في عصابة
…
يُصابون في فجٍّ من الأرض خائفِ (1)
فوارس من بغداد ألَّف بينهم
…
تُقى الله، نزَّالون، عند التزاحف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى
…
وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحفِ
* وعن أحمد بن إبراهيم قال: نظر يونس إلى قدميه عند موته، فبكى، فقيل له:"ما يُيكيك يا أبا عبد الله؟ "، قال:"قدماي لم تغبرا في سبيل الله عز وجل".
* وهذا الإمام المبارك عبد الله بن المبارك يعقد مقارنة بين من تخلى للعبادة وبين من آثر الجهاد في سبيل الله تعالى في قصيدته إلى عابد الحرمين الفضيل بن عياض رحمه الله:
يا عابدَ الحرمين لو أبصرتَنا
…
لعلِمْتَ أنك في العبادة تلعبُ
من كان يخضب جِيدَه بدموعه
…
فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يُتْعِب خيلَه في باطل
…
فخيولنا يومَ الكريهة تتعب
ريح العبير لكم، ونحن عبيرنا
…
رَهْج (2) السنابك (3) والغبار الأطيب
(1) الخائف: المنخفض.
(2)
الرَّهْج: الغبار.
(3)
السنابك: جمع السُّنْبُك، وهو من كل شيء طَرَفُه، والسنبك من السيف: طرف حليته
ولقد أتانا عن مقال نبينا
…
قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خهل الله في
…
أنف امرئ ودخانُ نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا
…
ليس الشهيد بميت لا يكذب
* وتقدم قول الإمام أبي محمد على بن حزم الأندلسي رحمه الله:
مُناي من الدنيا علومٌ أبثها
…
وأنشرها في كل بادٍ وحاضرِ
دعاء إلى القرآن والسنن التي
…
تناسى رجالٌ ذكرها في المحاضرِ
وألزم أطراف الثغور مجاهدًا
…
إذا هيعةٌ ثارت فأولُ نافِرِ
لألقى حمامي مقبلًا غير مُدْبر
…
بسُمْرِ العوالي والدقاق البواترِ
كفاحًا مع الكفار في حومَةِ الوغى
…
وأكرمُ موتٍ للفتى قتلُ كافرِ
فيا ربِّ لا تجعل حمامي بغيرها
…
ولا تجعلنِّي من قطين المقابرِ
* وهذا الإمام الجليل أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي المالكي رحمه الله (ت 741 هـ) يقول قبل وفاته:
قصدي المؤمل في جهري وإسراري
…
ومطلبي من إلهي الواحد البارِ
شهادة في سبيل الله خالصة
…
تمحو ذنوبي وتنجيني من النارِ
إن المعاصيَ رجسٌ لا يُطَهِّرُها
…
إلا الصوارمُ في أيمان كفارِ
وبعد أن أنشد الأبيات قال: "أرجو الله أن يُعطيني ما سألتُه في هذه الأبيات"، فأعطاه الله ما تمنى، وقُتل في نفس اليوم في موقعة "طريف" مع النصارى بعد أن أبلى في قتالهم بلاءً حسنًا، رحمه الله، وأعلى درجته في الشهداء.
برئ الإسلام من شاك مضيم
…
لا يراه غيرَ صومٍ وصلاه
ذروة الدين جهاد في الصميم
…
فلنجاهد أو لتلفظنا الحياه
آخر:
إن نفسًا ترتضي الإسلام دينا
ثم ترضى بعده أن تستكينا
أو ترى الإسلام في أرضٍ مهينا (1)
ثم تهوى العيش نفس لن تكونا
في عداد المسلمين العظماء
…
وشجعان الأمة وأبطالها لا يحاط بهم كثرة، وفرسانها ورجالها لا يحصون عدة، وفيما ذكرنا كفاية ومقنع، إذ ليس في استيفاء بطولاتهم مطمع، وعن أراد الوقوف على المزيد، فليتتبع الغزوات المؤلفة، والتواريخ المصنفة، يَرَ من علو همتهم في الجهاد ما يبهر العقول، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} .
…
(1) لا يجوز أن يوصف الإسلام بالمهانة، ولكن وصف الضعف وما يتبعه من ذل ومهانه قد يطرأ على بعض من ينتسبون إِليه.