الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَدْرَةُ كبيري الِهمَّة فَى الناسِ
وكبيرو الهمة يتسابقون إلى المكارم، لا يكلون، ولا يملون، ولا، يقنطون {وهل يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} .
وجد القنوطُ إلى الرجالِ سبيلَه
…
وإليك لم يجدِ القنوطُ سبيلا
ولَرُبَّ فردٍ في سُمُوِّ فعاله
…
وعُلُوِّه خُلُقًا يعادل جيلا
وهم في الناس كالعملة النادرة، أو كالكبريت الأحمر، يصدق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تجدون الناس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة"(1).
وهم في الناس ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين:
وقد كانوا إذا عُدُّوا قليلًا فقد صاروا أعَزَ من القليل.
الواحد منهم بأمة، والفرد منهم بألف:
يعد بألفٍ من رجال زمانه
…
لكنه في الألمعية واحدُ
(1) رواه مسلم وغيره، والراحلة: النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره، فهي كاملة الأوصاف، فإذا كانت في إبل عُرِفت، والهاء فيها للمبالغة كما يقال: رجل نسَّابة، وفهامة، وسميت راحلة؛ لأنها تُرْحل، أي: يجعل عليها الرحْل، فهي فاعلة بمعنى مفعولة، كعيشةٍ راضية، أي: مرضية، ونظائره.
ومعنى الحديث: أن المرضَّى الأحوال من الناس، الكامل الأوصاف، الحسن المنظر، القوي على الأحمال والأسفار، قليل جدًّا، كقلة الراحلة في الإبل، وانظر:"شرح النووي"(16/ 101).
آخر:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتًا
…
إلى المجد حتى عُدَّ ألف بواحدِ
ولذا عظمت المصيبة بفقدهم، وعمت الرزية بموتهم:
تعلَّم ما الرزية فقد مالٍ
…
ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقدُ حُرٍّ
…
يموت بموته بشر كثير
آخر:
فما كان قيسٌ هُلْكُه هُلْكُ واحدٍ
…
ولكنه بنيانُ قوم تَهَدَّما
قال بعض السلف: "موت العالم ثُلْمَةٌ في الإسلام، لا يسدها شىء".
ومما قيل في رثاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
عَمَّت صنائعه، فعم هلاكُه
…
فالناسُ فيه كلهم مأجورُ
والناس مَأتمهم عليه واحدٌ
…
في كل دارٍ رَنَّةٌ وزفيرُ
يُثني عليك لسانُ مَن لم تُولِهِ
…
خيرًا، لأنك بالثناء جديرُ
رَدَّتْ صنائعُه عليه حياته
…
فكأنه من نشرها منشورُ
وقال أبو بكر رضي الله عنه: "صوت القعقاع -أي: ابن عمرو التيمي- في الجيش خير من ألف رجل".
ولما طلب عمرو بن العاص رضي الله عنه المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتح مصر كتب إليه:
(أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن خالد).
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا لأصحابه: "تَمَنُّوا" فقال رجل: "أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبًا،
أنفقه في سبيل الله عز وجل"، فقال: "تمنوا"، فقال رجل: "أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤًا وزبرجدًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله عز وجل، وأتصدق به"، ثم قال: "تمنوا"، قالوا: "ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ "، قال عمر: "لكنى أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالًا مثل أبى عبيدة بن الجراح"، أخرجه صاحب "الصفوة"، وأخرجه الفضائلي وزاد: (فقال رجل: "ما آلوت (1) الإسلام"، قال: "ذلك الذي أردت").
وقال أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن على الباقرُ:
"لكل قوم نجيبةٌ، وإن نجيبة بني أمية عمر بن عبد العزيز، إنه يُبْعَث أمَةً وَحْدَهُ".
وقال الأصمعي: لما صافَّ قتيبهُ بن مسلم للترك، وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع، فقيل:"هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه، يبصبصُ بأصبعه نحوَ السماء"، قال:"تلك الأصبعُ أحبُّ إلَّي من مئة ألف سيف شهير، وشاب طرير".
وقد يقرن ذو الهمة بالعجائب، بل يوفى عليها:
قال يحيى بن معين إمام المحدثين:
"رأيت بمصر ثلاث عجائب: النيل، والأهرام، وسعيد بن عفير".
وهو الإمام الحافظ العلامة الأخباري الثقة أبو عثمان المصري كان من بحور العلم، وحسبك أن ينبهر به يحيى بن معين!
وسئل ابن المبارك عن الجماعة؟ فقال: "أبو بكر وعمر"، فقيل
(1) أي: ما قصرت في النصح للدين.
له: "قد مات أبو بكر وعمر"، قال:"فلانٌ وفلان"، قيل:"قد مات فلانٌ وفلان؟ "، قال ابن المبارك:"أبو حمزة السكري جماعة"(1).
…
(1) هو محمد بن ميمون المروزي، ثقة، فاضل من الطبقة السابعة، روى له الجماعة، ولم يكن يبيع السكر، وإنما سُمِّيَ السكري لحلاوة كلامه، "سير أعلام النبلاء"(7/ 386)، وانظر "شرح السنة"(1/ 216).