الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كبير الهمة لا ينقض عزمه
قال تعالى: {فإذا عزمت فتوكل على الله} .
وامتدح سبحانه الصالحين بقوله: {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} ، وقال تعالى:{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلاً} .
ولما أشار الشباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة أحد - بالخروج إلى المشركن ومقاتلتهم خارج المدينة، نزل صلى الله عليه وسلم على رأيهم، وبعد أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، دخل إلى منزله، فتدجج بسلاحه، فظاهر بين درعين، ثم خرج على قومه بكامل عدته الحربية، وأذن فيهم بالخروج إلى العدو، وكان ذوو الرأي قد ندموا حين شعروا أنهم استكرهوا الرسول صلى الله عليه وسلم على اتباع خطة لمقاتلة العدو، كان يفضل غيرها، فقالوا له:"ما كان لنا أن نخالفك، ولا نستكرهك على الخروج، فاصنع ما شئت، امكث كما أمرتنا"، فلم يرض أن ينقض همته، وقال لهم مصممًا على الخروج:"ما ينبغي لنبى إذا لبس لأمَتَه -أي: كامل سلاحه- أن يضعها، حتى يحكم الله بينه وبين عدوه" الحديث (1).
(1) رواه الطبري، وأحمد، والبيهقي، وهو حسن بطرقه.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: أرسلت الأنصار عمر إلى أبي بكر ليحبس الجيش، أو ليولي عليهم رجلًا أقدمَ سِنًّا من أسامة، فقال أبو بكر:"والله لو علمت أن السباع تجر برجلي إن لم أرُدَّه ما رددتُه، ولا حللت لواءً عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقال عمر:"إن الأنصار أمروني أن أبلغك، وهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنًّا من أسامة"، فوثب أبو بكر -وكان جالسًا- فأخذ بلحية عمر، فقال:"ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأمرني أن أنزعه! ".
فخرج عمر إلى الناس، فقالوا له:"ما صنعت؟ " فقال: "امضوا، ثكلتكم أمهاتكم، حسبي ما لقيت في سبيلكم من خليفة رسول الله".
-وحين جاءه عمر في حروب الردة يقول: "تألف الناس، وارفق بهم"، فقال أبو بكر:"رجوت نصرتك، وجئتني بخذلانك!! أجبار في الجاهلية، وخوار في الِإسلام؟! إنه قد انقطع الوحي، وتم الدين، أوَ يَنْقُص وأنا حي!! ".
قال عمر: "فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال حتى عرفت أنه الحق".
وكان هذا المبدأ -وهو عدم نقص العزم- هو ما اعتمده فريق من الهاجرين رضي الله عنهم حين استشارهم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وأخبرهم أن الوباء وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم:"خرجتَ لأمرٍ، ولا نرى أن ترجع عنه"(1).
(1) هذا هو الشاهد بغض النظر عن ارتفاع خلافهم بعدُ بقياس عمر، ثم بحديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وانظر:"فتح البار"(10/ 179)، "وصحيح مسلم"(2219).
- وقال جعفر الخلدي البغدادي: "ما عقدتُ لله على نفسي عقدًا، فنكثته".
- وقال صالح بن الإمام أحمد بن حنبل.
(عزم أبي على الخروج إلى مكة، ورافق يحيى بن معين، فقال أبي: "نجح، ونمضي إلى صنعاء إلى عبد الرزاق"، قال: فمضينا حتى دخلنا مكة، فإذا عبد الرزاق في الطواف، وكان يحيى يعرفه، فطفنا، ثم جئنا إلى عبد الرزاق، فسلم عليه يحيى، وقال: "هذا أخوك أحمد بن حنبل"، فقال: "حياه الله، إنه ليبلغني عنه كل ما أسر به، ثبته الله على ذلك"، ثم قام لينصرف، فقال يحيى: "ألا نأخذ عليه الموعد؟ "، فأبى أحمد، وقال: "لِمَ أغير النية في رحلتي إليه؟ "، أو كما قال، ثم سافر إلى اليمن لأجله، وسمع منه الكتب، وأكثر عنه).
- وقال الحافظ أبو إسحاق الحبال: (كنتُ يومًا عند أبي نصر السِّجزي، فدُقَّ الباب، فقُمتُ ففتحتُه، فَدَخَلَت امرأة وأخرَجتْ كيسًا فيه ألفُ دينار، فوضعَتْه بين يدي الشيخ، وقالت:"أنفِقْها كما ترى"، قال:"ما المقصود؟ "، قالت:"تتزوَّجُني، ولا حاجة لي في الزواج، ولكن لأخدمك"، فأمَرَهَا بأخذ الكيس، وأن تنصرف.
فلما انصرفَتْ، قال:"خرجتُ من سِجسِتْان بِنيّةِ طلب العلم، ومتى تزوَّجتُ سقَطَ عني هذا الأسم، وما أُوثِرُ على ثواب طلب العلم شيئًا").
***