الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَاسِقُ ضَالَّة الداعيَةِ
وفيما يلي قصة واقعية تبرز قيمة عنصر "المبادرة" و"المبادأة"، و"الحركة" إلى مواقع يندر مَن يتأهل لاقتحامها، بحثًا عن هذه الضالة المنشودة، حكاها الشيخ علي الطنطاوي، وهي قصة توبة حدثت في "مرقص" فقال، وفقه الله:
[دخلت أحد مساجد مدينة "حلب" فوجدت شابًّا يصلي فقلت: سبحان الله إن هذا الشاب من أكثر الناس فسادًا: يشرب الخمر، ويفعل الزنا، ويأكل الربا، وهو عاق لوالديه، وقد طرداه من البيت، فما الذي جاء به إلى المسجد؟!، فاقتربت منه وسألته:"أنت فلان؟!! "، قال:"نعم"
…
قلت: "الحمد لله على هدايتك .. أخبرني كيف هداك الله؟؟ "، قال:"هدايتي كانت على يد شيخ وَعَظَنا في مرقص" .. قلت مستغربًا: "في مرقص؟!! "، قال: "نعم
…
في مرقص" .. ، قلت: "كيف ذلك؟! "، قال: "هذه هي القصة" .. فأخذ يرويها، فقال:
(كان في حارتنا مسجد صغير
…
يؤم الناسَ فيه شيخ كبير السن
…
وذات يوم التفت الشيخ إلى المصلين وقال لهم: "أين الناس"! .. ما بال أكثر الناس وخاصة الشباب لا يقربون المسجد، ولا يعرفونه؟!! " .. فأجابه المصلون:"إنهم في المراقص والملاهي" .. قال الشيخ: "وما هي المراقص والملاهي؟!! " رد عليه أحد المصلين: "المرقص صالة كبيرة فيها
خشبة مرتفعة تصعد عيها الفتيات عاريات أو شبه عاريات يرقصن والناس حولهن ينظرون إليهن"
…
فقال الشيخ: "والذين ينظرون إليهن من المسلمين؟ "، قالوا:"نعم" .. قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله .. هيا بنا إلى تلك المراقص ننصح الناس .. قالوا له: "يا شيخ .. أين أنت .. تعظ الناس وتنصحهم في المرقص؟! " قال: "نعم
…
"، حاوَلوا أن يثنوه عن عزمه، وأخبروه أنهم سيواجَهون بالسخرية والاستهزاء، وسينالهم الأذى فقال: "وهل نحن خير من محمد صلى الله عليه وسلم؟! "، وأمسك الشيخ بيد أحد المصلين ليدله على المرقص .. ، وعندما وصلوا إليه سألهم صاحب المرقص: "ماذا تريدون؟!! " قال الشيخ: "نريد أن ننصح من في المرقص"، تعجب صاحب المرقص
…
وأخذ يمعن النظر فيهم، ورفض السماح لهم
…
فأخذوا يساومونه ليأذن لهم، حتى دفعوا له مبلغًا من المال يعادل دخله اليومي
…
وافق صاحب المرقص .. وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي).
قال الشاب: (فلما كان الغد كنت موجودًا في المرقص .. بدأ الرقص من إحدى الفتيات .. ولما انتهت أسدل الستار ثم فتح .. فإذا بشيخ وقور يجلس على كرسي، فبدأ بالبسملة، وحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بدأ في وعظ الناس الذين أخذتهم الدهشة، وتملكهم العجب، وظنوا أن ما يرونه هو فقرة فكاهية .. فلما عرفوا أنهم أمام شيخ يعظهم أخذوا يسخرون منه، ويرفعون أصواتهم بالضحك والاستهزاء، وهو لا يبالي بهم .. واستمر في نصحه ووعظه حتى قام أحد الحضور، وأمرهم بالسكوت والإنصات حتى يسمعوا
ما يقوله الشيخ ....
قال: فبدأ السكون والهدوء يخيم على أنحاء المرقص حتى أصبحنا لا نسمع إلا صوت الشيخ، فقال كلامًا ما سمعناه من قبل
…
تلا علينا آيات من القرآن الكريم، وأحاديث نبوية، وقصصًا لتوبة بعض الصالحين، وكان مما قاله: "أيها الناس .. إنكم عشتم طويلًا وعصيتم الله كثيرًا .. فأين ذهبت لذة المعصية؟ لقد ذهبت اللذة، وبقيت الصحائف سوداء ستُسألون عنها يوم القيامة، وسيأتي يوم يهلك فيه كل شيء إلا الله سبحانه وتعالى .. أيها الناس
…
هل نظرتم إلى أعمالكم إلى أين ستؤدي بكم؟ إنكم لا تتحملون نار الدنيا، وهي جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم فكيف بنار جهنم .. بادروا بالتوبة قبل فوات الأوان
…
".
قال: فبكى الناس جميعًا .. وخرج الشيخ من المرقص، وخرج الجميع وراءه، وكانت توبتهم على يده، حتى صاحب المرقص تاب، وندم على ما كان منه .. ) اهـ (1).
…
(1) نقلاً عن "العائدون إلى الله" ص (73 - 76).