الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همه الدنيا، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له" (1).
*
ومنها: كثرة ذكر الموت:
لأنه يدفع إلى العمل للآخرة، والتجافي عن دار الغرور، ومحاسبة النفس، وتجديد التوبة، وإيقاظ العزم على الاستقامة.
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (يينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة فقال: "علام اجتمع عليه هؤلاء؟ " قيل: "على قبر يحفرونه"، قال: ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدر بين يدي أصحابه مسرعًا حتى انتهى إلى القبر، فجثا عليه، قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بل الثرى من دموعه، ثم أقبل علينا، قال: "أي إخواني! لمثل هذا اليوم فأعِدُّوا")(2).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك بملء فيه، وهو لا يدري أأرضى الله أم أسخطه، وأبكاني فراق الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه، وهول المُطلَع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي الله، يوم تبدو السريرة علانية، ثم لا يدري إلى الجنة أو إلى النار".
وقيل لبعض الزهاد: "ما أبلغ العظات؟ " قال: "النظر إلى
(1) رواه ابن ماجه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، وصححه الألباني في "الصحيحة" رقم (948).
(2)
أخرجه البخاري في "التاريخ"، وابن ماجه، وأحمد، وحسنه في "الصحيحة" رقم (1751).
الأموات"، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأوزاعي: "أما بعد، فإنه مَن أكثر ذكر الموت، رضي من الدنيا باليسير".
وعن عطاء قال: (كان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء، فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون).
وكان يقول صالح المري: "إن ذكر الموت إذا فارقنى ساعة فَسَدَّ علَيَّ قلبي"، وقال الدقاق:"من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوجل بثلاثة: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة".
(كما أن مشاهدة المحتَضَرين، وملاحظة سكرات الموت ونزعاته، وتأمل صورة الميت بعد مماته، مما يقطع عن النفوس لذاتها، ويطرد عن القلوب مسراتها، ويمسح الأجفان من النوم، والأبدان من الراحة، ويبعث على العمل، ويزيد في الاجتهاد والتعب.
ذكر عن الحسن البصري أنه دخل على مريض يعوده، فوجده في سكرات الموت، فنظر إلى كربه، وشدة ما نزل به، فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم، فقالوا له:"الطعام يرحمكم الله"، فقال:"يا أهلاه، عليكم بطعامكم وشرابكم، فوالله رأيت مصرعًا لا أزال أعمل له حتى ألقاه") (1).
وقال اللبيدي: وجدت بعد موت أبي إسحاق الجبنياني رحمه الله رقعة تحت حصيره مكتوبة بخطه: (رجل وقف له هاتف، فقال له:
(1)"التذكرة" للقرطبي ص (12).