الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسي وأجهدها على الاشتغال لمناظرته ومقاومته؛ فإن ظاهر هذا اللفظ أن ابن داود هو الذي بلغته وفاة ابن سريج، فقال هذا القول، وهذا لا يصح؛ لأن ابن سريج مات بعده في سنة ست وثلاث مائة.
نعم؛ يحكى أنه لما مات ابن داود .. تأسف ابن سريج وقال: كيف تأكل الأرض مثله) (1).
1396 - [أحمد ابن مسروق الطوسي]
(2)
أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي، السيد الجليل، الشيخ العارف، أستاذ أبي القاسم الجنيد.
توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين.
1397 - [أبو القاسم الجنيد]
(3)
أبو القاسم الجنيد بن محمد القواريري-كان أبوه قواريريا-الخزاز-بخاء معجمة، وزاي مشددة مكررة-كان يعمل الخز.
سيد الطائفة، وأستاذ الطريقة، أصله من نهاوند، وولد ونشأ بالعراق، تفقه بأبي ثور صاحب الشافعي، وقيل: بل كان على مذهب سفيان الثوري.
وصحب خاله السري، والحارث بن أسد المحاسبي وغيرهما من المشايخ، وصحبه الإمام أبو العباس بن سريج، وكان ابن سريج إذا تكلم في الأصول والفروع بكلام، فعجب الحاضرون .. قال: هذا من بركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد.
وكان الجنيد شيخ وقته، وفريد عصره، له كلام في الطريقة وأسرار الحقيقة مشهور.
قال: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة.
(1)«مرآة الجنان» (2/ 230).
(2)
«طبقات الصوفية» للسلمي (ص 237)، و «تاريخ الإسلام» (22/ 74)، و «العبر» (2/ 116)، و «مرآة الجنان» (2/ 231)، و «شذرات الذهب» (3/ 415).
(3)
«طبقات الصوفية» للسلمي (ص 155)، و «حلية الأولياء» (10/ 255)، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 66)، و «تاريخ الإسلام» (22/ 118)، و «العبر» (2/ 116)، و «مرآة الجنان» (2/ 231)، و «شذرات الذهب» (3/ 416).
وسئل عن العارف فقال: من نطق عن سرك وأنت ساكت.
ورئيت في يده سبحة، فقيل له: أنت مع شرفك تأخذ سبحة في يدك؟ فقال: طريق وصلت به إلى ربي، لا أفارقه.
وكان رضي الله عنه من صغره منطقا بالمعارف والحكم، حتى إن خاله السري سئل عن الشكر والجنيد يلعب مع الصغار، فقال له: ما تقول يا غلام؟ فقال: الشكر ألاّ تستعين بنعمه على معاصيه، فقال السري: ما أخوفني عليك أن يكون حظك في لسانك، فقال الجنيد: فلم أزل خائفا من قوله هذا حتى دخلت عليه يوما بشيء كان محتاجا إليه، فقال لي: أبشر؛ فإني دعوت الله عز وجل أن يسوق لي ذلك على يد مفلح أو موفق. اللهم؛ إنا نسألك التوفيق.
قال رحمه الله: قال لي خالي: تكلم على الناس، وكان في قلبي حشمة من الكلام على الناس؛ فإني كنت أتهم نفسي في استحقاق ذلك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وكانت ليلة جمعة، فقال لي: تكلم على الناس، فانتبهت، وأتيت باب السري قبل أن يفتح، فدققت الباب، فقال لي: لم تصدق حتى قيل لك هذا؟ ! فقعدت في غد للناس بالجامع، وانتشر في الناس أن الجنيد قعد يتكلم على الناس، فوقف علي غلام نصراني متنكرا وقال: أيها الشيخ؛ ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله» فأطرقت ساعة، ثم رفعت رأسي فقلت له: أسلم، فقد حان وقت إسلامك، فأسلم الغلام.
وفي ذلك كرامتان للجنيد: اطلاعه على كفر الغلام، وعلى أنه سيسلم في الحال، وكل ذلك باطلاع الله تعالى له تفضلا وتكرما.
قال الشيخ اليافعي: (وذكر بعض المشايخ أنه لما صنف عبد الله بن سعيد بن كلاّب كتابه الذي رتبه على جميع المذاهب .. قال: هل بقي أحد؟ قيل له: نعم، طائفة يقال لها:
الصوفية، قال: هل لهم من إمام يرجعون إليه؟ قيل: نعم، الأستاذ أبو القاسم الجنيد، فأرسل إليه يسأله عن حقيقة مذهبه، فأجابه أن مذهبنا إفراد القدم عن الحدث، وهجران الإخوان والأوطان، ونسيان ما يكون وما كان، فتعجب ابن كلاّب من هذا الجواب وقال:
هذا شيء أو كلام لا يمكن فيه المناظرة، ثم حضر مجلس الجنيد وسأله عن التوحيد، فأجابه بعبارة مشتملة على معارف الأسرار والحكم فقال: أعد علي ما قلت، فأعاده بعبارة
أخرى، فقال: هذا شيء آخر، فأعده علي، فأعاده لا بتينك العبارتين، فقال: ما يمكننا حفظ ما تقول، فأمله علينا، فقال: لو كنت أجريه .. كنت أمليه، فاعترف بفضله وعلو شأنه) (1).
وعن بعض مشايخ الصوفية أنه قال: قال الكعبي من كبار أئمة المعتزلة: رأيت لكم شيخا ببغداد يقال له الجنيد، ما رأت عيني مثله، كان الكتبة يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة لرقة كلامه، والشعراء لفصاحته، والمتكلمون لمعانيه، وكلامه ناء عن فهمهم.
وعن الأستاذ أبي القاسم الجنيد أنه قال: دخلت الكوفة في بعض أسفاري، فرأيت دارا لبعض الرؤساء وقد شف عليها النعيم، وعلى بابها عبيد وغلمان، وفي بعض رواشنها جارية تغني وتقول:[من الوافر]
ألا يا دار لا يدخلك حزن
…
ولا يعبث بصاحبك الزمان
فنعم الدار أنت لكل ضيف
…
إذا ما الضيف أعوزه المكان
قال: ثم مررت بعد مدة؛ فإذا الباب مسود، والجمع مبدد، وقد ظهر عليها كآبة الذل والهوان، وأنشد لسان الحال:[من الكامل]
ذهبت محاسنها وبان شجونها
…
فالدهر لا يبقي مكانا سالما
فاستبدلت من أنسها بتوحش
…
ومن السرور بها عزاء راغما
قال: فسألت عن خبرها، فقيل لي: مات صاحبها، فآل أمرها إلى ما ترى، فقرعت الباب الذي كان لا يقرع، فكلمتني جارية بكلام ضعيف، فقلت لها: يا جارية؛ أين بهجة هذا المكان وأنواره، وشموسه وأقماره، وقصاده وزواره؟ ! فبكت، ثم قالت: يا شيخ؛ كانوا فيه على سبيل العارية، ثم نقلتهم الأقدار إلى دار القرار، وهذه عادة الدنيا: ترحل من سكن فيها، وتسيء إلى من أحسن إليها، فقلت لها: يا جارية؛ مررت بها في بعض الأعوام وفي هذا الروشن جارية تغني:
ألا يا دار لا يدخلك حزن
فبكت، وقالت: أنا-والله-تلك الجارية، ولم يبق من أهل هذه الدار أحد غيري، فالويل لمن غرته دنياه، فقلت لها: كيف قربك القرار في هذا الموضع الخراب؟ ! فقالت
(1)«مرآة الجنان» (2/ 233).