الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
971 - [يحيى بن المبارك اليزيدي]
(1)
يحيى بن المبارك العدوي المعروف باليزيدي؛ لصحبته يزيد بن منصور خال المهدي، صاحب التصانيف الأدبية.
كان إماما في النحو، واللغة، والأدب، والقراءة، وكان شاعرا فصيحا.
أخذ العربية وأخبار الناس عن الخليل بن أحمد، وأبي عمرو بن العلاء، ودخل مكة في رجب، وحدث بها عن أبي عمرو بن العلاء، وابن جريج، وخالف أبا عمرو في حروف يسيرة من القراءة.
وأخذ عنه ابنه محمد، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو عمرو الدوري، وأبو شعيب السوسي، وكان يؤدب أولاد يزيد بن منصور خال المهدي، وبه عرف، وإليه نسب، كما تقدم.
اتصل بالرشيد، فجعل ابنه المأمون في حجره، فكان يؤدبه، ويأخذ عليه بحرف أبي عمرو، وكان الكسائي يؤدب الأمين، ويأخذ عليه بحرف حمزة.
قال اليزيدي: وجهت إلى المأمون يوما بعض خدمه فأبطأ، ثم وجهت إليه آخر فأبطأ، فقلت: إن هذا الفتى ربما اشتغل بالبطالة، فلما خرج .. أمرت بحمله، وضربته بسبع درر، فإنه ليدلك عينيه من البكاء .. إذ قيل: هذا جعفر بن يحيى قد أقبل، فأخذ منديلا فمسح عينيه، وجمع عليه ثيابه، وقام إلى فراشه فقعد عليه متربعا، ثم قال: ليدخل، فدخل، وقمت عن المجلس وخفت أن يشكوني إليه، فألقى منه ما أكره، قال: فأقبل عليه بوجهه، وحدثه حتى أضحكه وضحك إليه، فلما هم بالحركة .. دعا بدابته، وأمر غلمانه فسعوا بين يديه، ثم سأل عني، فجئت، فقال: خذ ما بقي علي من حزبي، فقلت: أيها الأمير؛ أطال الله بقاءك، لقد خشيت أن تشكوني إلى جعفر، قال: حاشى لله، أتراني يا أبا محمد أطلع الرشيد على هذا؟ ! فكيف بجعفر يطلع علي أني محتاج إلى الأدب،
(1)«تاريخ بغداد» (14/ 152)، و «المنتظم» (6/ 119)، و «وفيات الأعيان» (6/ 183)، و «سير أعلام النبلاء» (9/ 562)، و «تاريخ الإسلام» (14/ 450)، و «معرفة القراء الكبار» (1/ 320)، و «مرآة الجنان» (2/ 3)، و «بغية الوعاة» (2/ 340)، و «شذرات الذهب» (3/ 9).
يغفر الله لك، لقد بعد ظنك، خذ في أمرك، فقد خطر ببالك ما لا يكون أبدا ولو عدت في كل يوم مائة مرة.
قالوا: وسأل المأمون اليزيدي عن شيء فقال: لا، وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين، فقال: لله درك! ما وضعت قطّ واو موضعا أحسن من موضعها في لفظك.
قال اليزيدي: دخلت على المأمون يوما والدنيا غضة، وعنده نعم تغنّيه، وكانت من أجمل أهل دهرها:[من الكامل]
وزعمت أني ظالم فهجرتني
…
ورميت في قلبي بسهم نافذ
فنعم هجرتك فاغفري وتجاوزي
…
هذا مقام المستجير العائذ
ولقد أخذتم من فؤادي أنسه
…
لا شلّ ربي كفّ ذاك الآخذ
واستعادها المأمون الصوت ثلاث مرات، ثم قال: يا يزيدي؛ أيكون شيء أحسن مما نحن فيه؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: وما هو؟ قلت: الشكر لمن خولك هذا الإنعام العظيم، فقال: أحسنت وصدقت، ووصلني، وأمر بمائة ألف يتصدق بها.
وحكي أنه وقع بين اليزيدي والكسائي تنازع في هذا البيت: [من مجزوء الرمل]
لا يكون العير مهرا
…
لا يكون المهر مهر
فقال الكسائي: مهر الثاني منصوب على أنه خبر كان، ففي البيت على التقدير أقوال، وقد علم كون حرف الروي فيما قبله مرفوعا.
وقال اليزيدي: الصواب رفعه؛ لأن الكلام قد تم عند قوله: (لا يكون) الثانية، وهي مؤكدة للأولى، ثم استأنف فقال: المهر مهر، وضرب بقلنسوته الأرض وقال: أنا أبو محمد، فقيل له: أتكتني بحضرة أمير المؤمنين؟ ! والله إن خطأ الكسائي مع حسن أدبه لأحسن من صوابك مع سوء أدبك، فقال: حلاوة الظفر أذهبت عني حسن التحفظ.
قال بعضهم: دخل اليزيدي على الخليل بن أحمد وهو جالس على وسادة، فأوسع له وأجلسه، فقال اليزيدي: أحسبني ضيقت عليك، فقال الخليل: ما ضاق موضع على متحابين، والدنيا لا تسع متباغضين.
توفي اليزيدي سنة اثنتين ومائتين.