الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العشرون الأولى من المائة الثانية
[الاعلام]
496 - [عمر بن عبد العزيز]
(1)
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشي الأموي أبو حفص.
أحد الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وأحد المجددين للدين.
أمه: أم عاصم حفصة بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، مر عمر بن الخطاب ليلة يعس بالمدينة، فسمع امرأة تقول لبنتها: قومي امذقي اللبن، قالت: أوما سمعت نهي أمير المؤمنين عن ذلك؟ ! فقالت: وأين منا أمير المؤمنين الآن؟ ! فقالت البنيّة: والله؛ ما كنت لأطيعه في العلانية وأعصيه في السر.
وقيل: إنها قالت: إن غاب عمر .. فرب عمر لا يغيب، فاستحسن عمر كلامها، فزوج ابنه عاصما على البنية، فولدت له أم عاصم، فتزوجها عبد العزيز بن مروان، فولدت له عمر.
ويقال: إن عبد العزيز لما أراد أن يتزوج أم عمر .. قال لقيّمه: اجمع لي أربع مائة دينار من طيب مالي؛ فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح، فتزوج أم عمر المذكورة، فولد بمصر سنة إحدى وستين، فأرسل به أبوه إلى المدينة ليتعلم القرآن والسنن، واستنابه الوليد بن عبد الملك على المدينة وعلى عمارة المسجد الشريف، وقرّبه سليمان بن عبد الملك، وكان يستشيره في أموره، فلما حضر سليمان الوفاة .. أراد أن يعهد إلى بعض بنيه وهو غلام، فقال له رجاء بن حيوة: ما تصنع يا أمير المؤمنين؟ إن مما يحفظ به الخليفة في قبره أن يستخلف على المسلمين الرجل الصالح، فقال سليمان: أنا أستخير الله وانظر فيه، ولم أعزم عليه، ثم بعد يومين قال لرجاء بن حيوة: ما ترى في داود بن سليمان؛
(1)«طبقات ابن سعد» (7/ 324)، و «المعارف» (ص 362)، و «تاريخ الطبري» (6/ 565)، و «حلية الأولياء» (5/ 253)، و «المنتظم» (4/ 538)، و «الكامل في التاريخ» (4/ 113)، و «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 17)، و «تهذيب الكمال» (21/ 432)، و «سير أعلام النبلاء» (5/ 114)، و «تاريخ الإسلام» (7/ 187)، و «فوات الوفيات» (3/ 133)، و «مرآة الجنان» (1/ 208)، و «البداية والنهاية» (9/ 277)، و «العقد الثمين» (6/ 331)، و «تهذيب التهذيب» (3/ 240)، و «شذرات الذهب» (2/ 5).
يعني: ابنه، فقلت: هو غائب عنك بقسطنطينية، ولا تدري أحي هو أم ميت، قال: فمن ترى؟ قلت: رأيك، ثم قال: كيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟ قلت: أعلمه والله خيّرا فاضلا مسلما، قال: هو والله على ذلك، ثم قال: والله؛ لئن وليته ولم أولّ أحدا سواه ..
لتكونن فتنة؛ فلا يتركونه عليهم أبدا إلا أن أجعل أحدهم بعده وكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز: إني أوليك الخلافة من بعدي، ومن بعدك يزيد بن عبد الملك، فليسمع المؤمنون له وليطيعوا، وليتقوا الله ولا يختلفوا فيطمع فيهم، وختم الكتاب، ثم بعث إلى صاحب شرطته يأمره أن يجمع أهل بيته، فلما اجتمعوا .. قال لرجاء: اذهب بكتابي وأخبرهم أنه كتابي، ومرهم فليبايعوا لمن وليت فيه، ففعل رجاء، فقالوا: ندخل ونسلم على أمير المؤمنين، قال: نعم، فقال لهم سليمان: في هذا الكتاب عهدي، فبايعوا وأطيعوا لمن سميت فيه، فبايعوه رجلا رجلا، وخرج بالكتاب مختوما.
قال رجاء: فلما تفرقوا .. جاءني عمر بن عبد العزيز، فقال: إني أخشى أن يكون هذا قد أسند إليّ شيئا من الأمر، فأنشدك الله إلا أعلمتني، إن كان ذلك حتى أستعفيه الآن قبل أن تأتي حال لا أقدر فيها على ما أقدر عليه الساعة.
قال رجاء: وجاءني هشام بن عبد الملك فقال: إن لي بك حرمة ومودة قديمة، وعندي شكر، فأعلمني هذا الأمر؛ فإن كان إليّ .. علمت، وإن كان إلى غيري .. تكلمت؛ فليس مثلي يصرف عنه ذلك ولك الله علي لا أذكر من هذا شيئا.
فقال له رجاء: لا والله لا أخبرك حرفا واحدا مما أسر إليّ، فانصرف هشام يضرب بإحدى يديه على الأخرى وهو يقول: فإلى من تخرج إذن من بني عبد الملك؟
فلما مات سليمان .. جمعهم رجاء قبل أن يعلموا بموته، وأخذ عليهم البيعة ثانيا لمن في الكتاب، فلما بايعوه ثانية .. نعى إليهم سليمان وأظهر الكتاب.
فقال هشام: لا أبايعه والله أبدا، فقال له رجاء: إذن والله أضرب عنقك، قم فبايع من قد بايعته مرتين، فقام يجر رجليه، وأخذ رجاء بضبعي عمر فأجلسه على المنبر وهو يسترجع لما وقع فيه، وهشام يسترجع لما فاته، ثم أخرجت جنازة سليمان، فخرج أولاد عبد الملك ركبانا، وخرج عمر بن عبد العزيز ماشيا، فلما انصرف من الدفن .. عرضت
عليه دواب سليمان، فركب منها بغلة شهباء وانصرف، ثم بدأ بأهله فرد ما كان بأيديهم من المظالم، ثم فعل ذلك بالناس، ثم كتب إلى عماله في الجهات برد المظالم إلى أهلها.
وعن أبي بكر بن محمد قال: كتب إليّ عمر: أن استقر في الدواوين، فانظر إلى كل جور جاره من قبلي في حق مسلم أو معاهد فرده إليه، فإن مات أهل المظلمة .. فرده إلى ورثتهم، وما كان يقدم على أحد من عماله كتاب منه إلا فيه رد مظلمة، أو إحياء سنة، أو إطفاء بدعة، أو قسم، أو تقدير عطاء حتى خرج من الدنيا.
ولما استخلف .. باع كل ما كان بملكه من الفضول من عبد ولباس وعطر وكل ما يستغنى عنه، فبلغ ذلك ثلاثة وعشرين ألف دينار، فجعله في السبيل، وكان قبل الخلافة متنعما في مطعمه وملبسه، حتى إنه كان يؤتى بالثوب النفيس فيقول: ما أحسنه لولا خشونة فيه، فلما ولي الخلافة .. زهد في الدنيا، حتى كان يؤتى بالثوب الخشن فيقول: ما أحسنه لولا نعومة فيه.
وقال رضي الله عنه: لي نفس تواقة تاقت إلى معالي الأمور فنالت الخلافة، ثم تاقت إلى الجنة.
ومناقبه كثيرة، وقد أجمعوا على جلالته وفضله، ووفور علمه وصلاحه، وزهده وورعه، وعدله وشفقته على المسلمين، وحسن سيرته فيهم، وبذل وسعه في الاجتهاد في طاعة الله تعالى، وحرصه على اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته وسنة الخلفاء الراشدين.
وخرج في أيامه بسطام اليشكري الخارجي المعروف بشوذب في ثمانين رجلا، وهزم جيوش العراق، فكتب إليه عمر: بلغني أنك خرجت كما تزعم غضبا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولست بأولى بذلك مني، فهلم فلنتناظر؛ فإن كان الحق بأيدينا ..
دخلت فيما دخل فيه الناس، وإن كان في يدك .. نظرنا في أمرك، فأمسك بسطام عن الحرب، وبعث إليه رجلين، فلما وصلا إلى عمر .. قالا له: أخبرنا عن يزيد لم تقره خليفة بعدك؟
قال: صيّره غيري.
قالا: أفرأيت لو وليت مالا لغيرك، ثم وكلته إلى غير مأمون عليه أتراك كنت أديت الأمانة إلى من ائتمنك عليه؟
قال: أنظراني ثلاثا، فخرجا من عنده، وبلغ ذلك بني مروان، فخافوا أن يخرج ما في أيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد، فدسوا إلى عمر من سقاه سما، فلم يلبث بعد خروجهما من عنده ثلاثا حتى مات بدير سمعان قرية من حمص، وقبره مشهور هناك يزار ويتبرك به.
توفي يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة، وفي ذلك يقول جرير من قصيدة:[من البسيط]
لو كنت أملك والأقدار غالبة
…
تأتي رواحا وتبيانا وتبتكر
رددت عن عمر الخيرات مصرعه
…
بدير سمعان لكن يغلب القدر
وعمره تسع وثلاثون سنة وستة أشهر، وكان يقال له: أشج بني أمية؛ لأن دابة ضربته في وجهه فشجته.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلا.
وكان لعمر بن عبد العزيز أربعة عشر ابنا، منهم الولد الصالح عبد الملك، كان من أعبد الناس وأبرهم بوالديه، وكان وزيرا صالحا لأبيه، وبطانة خير يشير عليه بمصالح الرعية، ويعينه على الاهتمام بمصالح المسلمين، وتوفي قبل أبيه وهو ابن سبع عشرة سنة وستة أشهر.
قال الإمام أحمد ابن حنبل: (روي في الحديث: «إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة دينها»، فنظرنا في المائة الأولى؛ فإذا هو عمر بن عبد العزيز) اه (1)
قال النووي: (وهذا الحديث الذي ذكره الإمام أحمد رواه أبو داود في «سننه» عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمله العلماء في المائة الأولى على عمر، وفي الثانية على الشافعي، وفي الثالثة على أبي العباس بن سريج، وقيل: أبو الحسن الأشعري، وفي الرابعة على أبي سهل الصعلوكي، أو ابن الباقلاني، أو أبي حامد الأسفراييني، وفي الخامسة على الإمام أبي حامد الغزالي) اه (2)
(1) أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (51/ 339).
(2)
«تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 18)، والحديث في «سنن أبي داود» (4291).