الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتجاريا الكلام، فرفع عصاه وشجها بها في رأسها، وخرج إلي وأنا أضحك، فقال:
ما يضحكك؟ ! قلت: خير، فقال: والله لتخبرنّي، فأخبرته بقصة الرجل والمرأة اللذين نزلت عليهما قبله، فقال: إن هذه التي عندي أخت ذلك الرجل، وتلك التي عنده أختي، فبت متعجبا، وانصرفت.
وحكى الهيثم أيضا قال: صار سيف عمرو بن معدي كرب الزبيدي الذي اسمه (الصمصامة) إلى موسى الهادي، فجرّده يوما وجعله بين يديه، وأذن للشعراء فدخلوا عليه، ودعا بمكتل فيه بدرة، وقال: قولوا في هذا السيف، فبدر ابن يامين البصري وأنشد:[من الخفيف]
حاز صمصامة الزبيديّ من بي
…
ن جميع الأنام موسى الأمين
سيف عمرو وكان فيما سمعنا
…
خير ما أغمدت عليه الجفون
أخضر اللون بين حدّيه برد
…
من ذباح تبين فيه المنون
أوقدت فوقه الصواعق نارا
…
ثم شابت به الزعاف القيون
فإذا ما سللته بهر الشم
…
س سناه فلم تكد تستبين
ما يبالي من انتضاه لضرب
…
أشمال سطت به أم يمين
وكأنّ الفرند والجوهر الجا
…
ري في صفحتيه ماء معين
مع أبيات أخر، فقال الهادي: أصبت والله ما في نفسي! واستخفه السرور، وأمر له بالمكتل والسيف، فلما خرج .. قال للشعراء: إنما حرمتم من أجلي فشأنكم والمكتل، ففي السيف غنائي، قال في «مروج الذهب»:(فاشتراه منه بخمسين ألفا)(1).
وتوفي الهيثم سنة ست ومائتين.
1006 - [طاهر بن الحسين الخزاعي]
(2)
طاهر بن الحسين الخزاعي من أنفسهم، وقيل: مولاهم، الملقب ذا اليمينين.
لما خلع الأمين أخاه المأمون، وسير علي بن عيسى بن ماهان لحربه، والوصول به
(1)«مروج الذهب» (4/ 194).
(2)
«تاريخ بغداد» (9/ 358)، و «المنتظم» (6/ 163)، و «وفيات الأعيان» (2/ 517)، و «سير أعلام النبلاء» (10/ 108)، و «تاريخ الإسلام» (14/ 203)، و «الوافي بالوفيات» (16/ 394)، و «مرآة الجنان» (2/ 34)، و «النجوم الزاهرة» (2/ 149)، و «شذرات الذهب» (3/ 35).
مقيدا .. جهز المأمون من خراسان طاهر بن الحسين المذكور لمحاربة ابن ماهان المذكور، فالتقيا، وكسر ابن ماهان المذكور، ثم جهز الأمين جيشا آخر، فكسرهم طاهر أيضا، ثم تقدم إلى بغداد، وحاصر الأمين بها سنة إلى أن ظفر به وقتله، وأرسل برأسه إلى المأمون، فكان من أكبر أعوان المأمون، وكان المأمون يرعى خدمته ومناصحته، وكان أديبا شجاعا جوادا ممدحا.
ركب مرة ببغداد في حراقة، فاعترضه مقدس بن صيفي الشاعر وقال: أيها الأمير؛ أرأيت أن تسمع مني أبياتا، فقال: قل، فأنشد:[من المتقارب]
عجبت لحرّاقة ابن الحسين
…
لا غرقت كيف لا تغرق
وبحران من فوقها واحد
…
وآخر من تحتها مطبق
وأعجب من ذاك أعوادها
…
وقد مسّها كيف لا تورق
فأعطاه طاهر على هذه الثلاثة الأبيات ثلاثة آلاف درهم وقال له: زدنا حتى نزيدك، فقال: حسبي.
وتواعد طاهر المذكور بالقتل الكاتب خالد بن جيلويه-بجيم ومثناتين آخر الحروف، كحمدويه-فبذل له خالد من المال شيئا كثيرا، فلم يقبله، فقال خالد: قد قلت شيئا فاسمعه، ثم شأنك وما أردت، فقال طاهر-وكان يعجبه الشعر-: قل، فقال:[من الكامل]
زعموا بأن الصقر صادف مرة
…
عصفور برّ ساقه المقدور
فتكلم العصفور فوق جناحه
…
والصقر منقضّ عليه يطير
ما كنت يا هذا لمثلك لقمة
…
ولئن شويت فإنني لحقير
فتهاون الصقر المدلّ بنفسه
…
كرما فأفلت ذلك العصفور
فقال طاهر: أحسنت، وعفا عنه، وهذه الأبيات قد تقدمت في ترجمة هشام بن عبد الملك لبعض أولاد الأعراب (1).
يروى أن إسماعيل بن جرير كان مداحا لطاهر بن الحسين المذكور، فقيل له: إنه يسرق الشعر يمدحك به، فألزمه أن يذمه بأبيات، فاستعفاه فلم يعفه، فقال:[من الوافر]
رأيتك لا ترى إلا بعين
…
وعينك لا ترى إلا قليلا
(1) انظر (2/ 79).