الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمع المغيرة بن عبد الرحمن، ومالك بن أنس، ومحمد بن إبراهيم بن دينار وغيرهم.
وروى عنه البخاري ومسلم في «صحيحيهما» حديثا واحدا (1)، وروى عنه غيرهما.
توفي بالمدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
1199 - [يحيى بن أكثم]
(2)
يحيى بن أكثم-بالمثلثة-القاضي المشهور، الإمام المذكور.
كان فقيها بارعا عالما بصيرا بالأحكام، سالما من انتحال البدعة، قائما بكل معضلة.
كان المأمون بخراسان، وأراد أن يولي رجلا قضاء البصرة، فوصف له يحيى بن أكثم فاستحضره، فلما رآه دميم الخلق .. استحقره، فعلم يحيى ذلك فقال: يا أمير المؤمنين؛ سلني إن كان القصد علمي لا خلقي، فسأله عن شخص مات وخلف أبوين وبنتين ولم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين، فقال يحيى للمأمون: الميت الأول رجل أو امرأة؟ فعلم المأمون أنه قد علم المسألة.
وقيل: إنه قال: إذا عرفت الميت الأول .. فقد عرفت الجواب؛ وذلك أنه إن كان الميت الأول رجلا .. فتصح المسألتان من أربعة وخمسين، وإن كانت امرأة .. لم يرث الجد في المسألة الثانية؛ لأنه أبو أم، فتصح المسألتان من ثمانية عشر، وتعرف هذه المسألة بالمأمونية، فلما علم المأمون علم يحيى وعقله .. ولاه قضاء البصرة بعد إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، وذلك سنة اثنتين ومائتين.
فدخل البصرة وسنه إذ ذاك عشرون سنة، فاستصغره أهل البصرة فقالوا: كم سن القاضي؟ فعلم أنه استصغر فقال: سن عتاب بن أسيد الذي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة، وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذي وجهه النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا
(1) أخرج له البخاري ثلاثة أحاديث، وهي ذوات الأرقام التالية:(119) و (3708) و (4261)، ومسلم حديث رقم (1927).
(2)
«التاريخ الكبير» (8/ 263)، و «المعارف» (ص 20)، و «أخبار القضاة» (2/ 160)، و «الجرح والتعديل» (9/ 129)، و «تاريخ بغداد» (14/ 195)، و «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 150)، و «وفيات الأعيان» (6/ 147)، و «سير أعلام النبلاء» (12/ 5)، و «تاريخ الإسلام» (18/ 536)، و «مرآة الجنان» (2/ 135)، و «شذرات الذهب» (3/ 193).
على اليمن، وأنا أكبر من كعب بن سور-بضم السين-الذي وجهه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيا على أهل البصرة، فجعل جوابه احتجاجا.
وغلب يحيى على المأمون، وأخذ بمجامع قلبه، فقلده القضاء الأكبر، وتدبير مملكته، فكانت الوزراء لا تعمل شيئا إلا بعد مطالعته، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي المأمون وولي المعتصم، فعزله عن القضاء، وجعل مكانه أحمد بن أبي دؤاد.
قال طلحة بن محمد الشاهد: ولا نعلم أحدا غلب على سلطانه في زمانه إلا يحيى بن أكثم، وأحمد بن أبي دؤاد.
وسئل بعض البلغاء عن أنبلهما فقال: كان أحمد يجد مع جاريته وابنه، ويحيى يهزل مع خصمه وعدوه.
وكان يحيى سليما من البدعة، وينتحل مذهب أهل السنة، وله يوم عظيم في الإسلام؛ وذلك أن المأمون أمر بالنداء بتحليل المتعة-يعني متعة النساء-فدخل عليه القاضي يحيى مظهرا الكآبة، فقال له المأمون: ما لي أراك متغيرا؟ فقال: غما يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام، قال: وما حدث في الإسلام؟ قال: النداء بتحليل الزنا، قال: الزنا؟ قال:
نعم المتعة زنا، قال: ومن أين قلت هذا؟ قال: من كتاب الله، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلاّ عَلى أَزْااجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ} .
يا أمير المؤمنين؛ زوجة المتعة ملك اليمين؟ قال: لا، قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث، ويلحق منها الولد، ولها شرائط؟ قال: لا، قال: فقد صار متجاوز هذين من العادين، وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روى عن عبد الله والحسن ابني محمد ابن الحنيفة عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان قد أمر بها.
فالتفت المأمون إلى محمد بن منصور وأبي العيناء-وكانا حاضرين المجلس-وقال:
أمحفوظ هذا من حديث الزهري؟ فقالا: نعم يا أمير المؤمنين، رواه جماعة منهم مالك بن أنس، فقال: أستغفر الله، نادوا بتحريم المتعة. فنادوا بها.
وذكر الخطيب: (أن المأمون قال ليحيى بن أكثم المذكور: من الذي يقول: [من المنسرح]
قاض يرى الحد في الزناء ولا
…
يرى على من يلوط من باس
قال: يقوله يا أمير المؤمنين أحمد بن أبي نعيم الذي يقول:
لا أحسب الجور ينقضي وعلى ال
…
أمة وال من آل عباس
فأفحم المأمون خجلا وقال: ينبغي أن ينفى أحمد بن أبي نعيم إلى السند) (1).
وهذان البيتان من جملة أبيات له يقول فيها:
لا أفلحت أمة وحق لها
…
بطول نكس وطول إتعاس
ترضى بيحيى يكون سائسها
…
وليس يحيى لها بسواس
قاض يرى الحد ....
ومما يناسب الجواب المذكور: أن ثقة الدولة بلغه شيء عن الشاعر عبد الله بن إبراهيم المعروف بابن المؤدب، فلم يزل في طلبه حتى ظفر به، فقال له: ما الذي بلغني عنك؟ قال: المحال، أيد الله الأمير، قال: من هو الذي يقول في شعره: [من الكامل]
فالحر ممتحن بأولاد الزنا
فقال هو الذي يقول:
وعداوة الشعراء بئس المقتنى
والمصراعان عجزا بيتين من قصيدة للمتنبي يمدح بها ابن عمار، وصدر الأول منهما:
وانه المشير عليك فيّ بضلّة
…
فالحر ممتحن بأولاد الزنا
وصدر الثاني:
ومكائد السفهاء واقعة بهم
…
وعداوة الشعراء بئس المقتنى
وذكر الخطيب في «تاريخه» : (أنه ذكر لأحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى ما يرمي الناس به يحيى بن أكثم فقال: سبحان الله، سبحان الله! من يقول هذا؟ وأنكر ذلك إنكارا شديدا)(2)، وكذلك النووي رحمه الله تعالى في «تهذيبه» برأ يحيى من ذلك ونزهه (3).
ولما توجه المأمون إلى مصر في سنة خمس عشرة ومائتين .. كان معه القاضي يحيى، فولاه قضاء مصر، فحكم بها ثلاثة أيام، ثم خرج مع المأمون.
وروي عن يحيى بن أكثم أنه قال: اختصم إلي في الرصافة الجد الخامس بطلب ميراث ابن ابن ابن ابنه.
قال الشيخ اليافعي: (ومثل ذلك وجد عندنا في بلد يافع من اليمن حتى كان يقول الابن السافل: يا جد؛ أجب جدك)(1).
وكان بعض الشعراء يتردد إلى يحيى ويغشى مجلسه، وكان بعض الأحيان لا يقدر على الوصول إليه إلا بعد مشقة ومذلة يقاسيها، وانقطع عنه، فعاتبته زوجته في ذلك مرارا فأنشدها:[من الطويل]
تكلفني إذلال نفسي لعزها
…
وهان عليها أن أهان لتكرما
تقول سل المعروف يحيى بن أكثم
…
فقلت سليه رب يحيى بن أكثما
وقد قدمنا أن المعتصم عزل القاضي يحيى، وجعل مكانه القاضي أحمد بن أبي دؤاد، فلما فلج أحمد .. ولي ابنه محمد القضاء.
ثم إن المتوكل بن المعتصم غضب على ابن أبي دؤاد فصادره، وصادر ولده محمدا وعزله عن القضاء، وأعاد القاضي يحيى بن أكثم، وخلع عليه خمس خلع، ثم عزله وولى في رتبته جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، فجاء كاتبه إلى القاضي يحيى فقال: سلّم الديوان، فقال: شاهدان عدلان على أمير المؤمنين أنه أمرني بذلك، فأخذ الديوان منه قهرا، وغضب عليه المتوكل فأمر بقبض أملاكه، ولزم بيته، ثم حج وعزم على المجاورة بمكة، فلما اتصل به رجوع المتوكل له .. رجع يريد العراق، فلما وصل إلى الربذة .. توفي بها يوم الجمعة منتصف ذي الحجة من سنة اثنتين-أو ثلاث-وأربعين ومائتين.
وذكر الأستاذ أبو القاسم القشيري في «رسالته» : (أن أبا عبد الله الحسين بن عبد الله بن سعيد كان صديقا للقاضي يحيى بن أكثم، قال: فرأيته في النوم بعد موته فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي إلا أنه وبخني ثم قال: يا يحيى؛ خلطت عليّ في دار الدنيا. فقلت: يا رب؛ اتكلت على حديث حدثني به أبو معاوية الضرير عن الأعمش،
(1)«مرآة الجنان» (2/ 141).