الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمع سليمان التيمي، وروح بن القاسم وغير واحد.
وروى عنه القعنبي، ومسدد، وقتيبة وغيرهم.
وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائة، هذا هو الصواب.
وقال كاتب الواقدي: (مات سنة ثمان وعشرين ومائة)(1).
وقال الإمام أحمد: كان ريحانة البصرة.
ورآه نصر بن علي الجهضمي في النوم فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: دخلت الجنة، فقال له: بماذا؟ قال: بكثرة الصلاة.
870 - [قاضي القضاة أبو يوسف]
(2)
القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي، قاضي القضاة، وهو أول من دعي بذلك.
جالس ابن أبي ليلى، وجماعة من الكبار، وتفقه على الإمام أبي حنيفة، وسمع عطاء بن السائب وطبقته، وروى عنه محمد بن الحسن الشيباني الحنفي، والإمام أحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهم من الأئمة، وكان الغالب عليه مذهب أبي حنيفة، وخالفه في مواضع كثيرة.
ولي القضاء للمهدي، ثم لابنيه الهادي والرشيد، وكان الرشيد يجله ويكرمه، وهو أول من نشر علم أبي حنيفة في أقطار الأرض، وكان مع معرفته بالفقه يحفظ التفسير والمغازي وأيام العرب، ولم يكن في أصحاب أبي حنيفة مثله.
قال حماد بن أبي حنيفة: رأيت يوما أبا حنيفة، وعن يمينه أبو يوسف وعن يساره زفر وهما يتجاولان، فلا يقول أبو يوسف قولا .. إلا أفسده زفر، ولا يقول زفر قولا .. إلا أفسده أبو يوسف إلى وقت الظهر، فلما أذن المؤذن .. ضرب أبو حنيفة فخذ زفر وقال:
(1) في النسخة التي بين أيدينا من «طبقات ابن سعد» (9/ 290) -وهو كاتب الواقدي-توفي سنة (182 هـ).
(2)
«طبقات ابن سعد» (9/ 332)، و «المعارف» (ص 499)، و «تاريخ بغداد» (14/ 242)، و «المنتظم» (5/ 451)، و «وفيات الأعيان» (6/ 378)، و «سير أعلام النبلاء» (8/ 535)، و «العبر» (1/ 284)، و «مرآة الجنان» (1/ 382)، و «البداية والنهاية» (10/ 609)، و «الجواهر المضية» (3/ 611)، و «النجوم الزاهرة» (2/ 107)، و «شذرات الذهب» (2/ 367).
لا تطمع برئاسة في بلدة فيها أبو يوسف، وقضى لأبي يوسف على زفر.
ومن كلام أبي يوسف: صحبة من لا يخشى العار عار يوم القيامة، وكان يقول: العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وأنت إن أعطيته كلك .. كنت من إعطائه البعض على غرر.
قيل: كان يجلس إلى أبي يوسف رجل يطيل الصمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلم؟ فقال: متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غربت الشمس، قال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟ فضحك أبو يوسف وقال: أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعاء نطقك، ثم تمثل وأنشد:[من الطويل]
عجبت لإزراء الغبي بنفسه
…
وصمت الذي قد كان بالقول أعلما
وفي الصمت ستر للغبي وإنما
…
صحيفة لب المرء أن يتكلما
سأله الرشيد عن إمام شاهد رجلا يزني هل يحده؟ قال: فقلت: لا، فسجد الرشيد، فوقع لي أنه قد رأى بعض أهله على ذلك، ثم قال لي: من أين قلت هذا؟ قلت: من قوله صلى الله عليه وسلم: «ادرءوا الحدود بالشبهات» (1) وهذه شبهة، فقال: وأي شبهة في المعاينة؟ ! قلت: ليس توجب المعاينة لذلك أكثر من العلم بما جرى، وليس لأحد أخذ حقه بعلمه، فسجد أخرى، وأمر لي بمال جزيل، وأن ألزم الدار، فما خرجت حتى جاءتني هدية ممن شوهد منه ذلك ومن أمه وأهله، وكان أصلا للنعمة، ولزمت الدار، فصار هذا يستفتيني، وهذا يشاورني، ولم يزل حالي يقوى حتى قلدني قضاء القضاة.
قال ابن خلكان: (وهذا يخالف ما تقدم: أنه ولي القضاء لثلاثة من الخلفاء) اه (2)
ولعله ولي الآن القضاء الأكبر الذي عبر عنه بقضاء القضاة، وكانت تولية الثلاثة؛ لمجرد القضاء، ويحتمل أنه كان قد عزل في أيام الهادي، ثم قلده الرشيد القضاء عند هذه القضية، فيصدق أنه ولي القضاء للثلاثة، والله أعلم بحقيقة الحال.
قال الشيخ اليافعي: (وقول أبي يوسف: وليس لأحد أخذ حقه بعلمه .. منتقض بمسألة الظفر؛ فإن له أخذ قدر حقه، ولو قال: وليس للقاضي أن يقضي بعلمه في حدود الله تعالى .. كان صوابا) اه
(1) أخرجه الحاكم (4/ 384)، والترمذي (1424).
(2)
«وفيات الأعيان» (6/ 381).
قال بشر بن الوليد الكندي: قال لي القاضي أبو يوسف: دعاني الرشيد ليلا فراعني ذلك، فدخلت عليه وعنده عيسى بن جعفر، فسلمت، فرد وقال: أظننا روعناك، فقلت: إي والله وكذلك من خلفي، فقال: اجلس، فجلست حتى سكن روعي، فقال:
إن عند هذا جارية، وامتنع من بيعها أو هبتها لي، وزعم أن عليه يمينا بالعتاق، وصدقة ما يملك ألا يبيعها ولا يهبها، فهل في ذلك مخرج؟ قلت: نعم يهب لك نصفها، ويبيعك نصفها، فيكون لم يهبها ولم يبعها، قال عيسى: أفيجوز ذلك؟ قلت: نعم، قال:
فأشهدك أني قد وهبت له نصفها، وبعته نصفها الباقي بمائة ألف دينار، ثم أحضرت الجارية والمال، فقال الرشيد: يا يعقوب؛ بقيت واحدة هي مملوكة ولا بد أن تستبرأ، ولا أقدر أصبر عنها ليلتي هذه، فقلت: يا أمير المؤمنين؛ تعتقها وتزوّجها؛ فإن الحرة لا تستبرأ، قال: قد أعتقتها، فمن يزوجنيها؟ قلت: أنا، فدعا بمسرور وحسين، فخطبت ثم زوجته إياها على عشرين ألف دينار، ودعا بالمال فدفعه إليها، ثم قال: انصرف يا يعقوب، ثم قال لمسرور: احمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم، وكذا وكذا من الثياب، فحمل ذلك معي، قال بشر بن الوليد: فالتفت إليّ أبو يوسف وقال: هل رأيت بأسا فيما فعلت؟ قلت: لا، فأعطاني عشر المال، فشكرته ودعوت له، وذهبت لأقوم .. فإذا بعجوز دخلت فقالت: يا أبا يوسف؛ إن بنتك تقرئك السلام وتقول: والله؛ ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي عرفته، وقد حملت إليك النصف منه، وخلفت الباقي لما أحتاج إليه، فقال: رديه، لا أقبله، أخرجتها من الرق، وزوجتها بأمير المؤمنين، وترضى لي بهذا؟ قال بشر: فلم نزل نتلطف به أنا وعمومتي حتى قبلها، وأمر لي منها بألف دينار.
قال يحيى بن معين: كنت عند أبي يوسف القاضي وعنده جماعة من أصحاب الحديث وغيرهم، فوافته هدية أم جعفر احتوت على تخوت دبيقي، وشرب، وطيب وغير ذلك، فذاكرني رجل حديث:«من أتته هدية وعنده قوم جلوس .. فهم شركاؤه فيها» (1) فسمعها أبو يوسف فقال: أبي تعرّض؟ إنما قاله صلى الله عليه وسلم والهدايا يومئذ الأقط والتمر والزبيب، ولم تكن الهدايا ما ترون، يا غلام؛ أشله إلى الخزائن.
قال يحيى بن معين: كان القاضي أبو يوسف يصلي بعد ما ولي القضاء كل يوم مائتي ركعة.
(1) أخرجه الطبراني في «الكبير» (3/ 93).