الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها: كانت وقعة قحطبة مع عامر بن ضبارة عامل ابن هبيرة على أصبهان بموضع يقال له: جابلق، فقتل عامرا واستولى على عسكره، وسار إلى نهاوند، وسار ابنه الحسن إلى حلوان.
وروي أن عامرا كان في مائة وخمسين ألفا، وكان قحطبة في عشرين ألفا، وسار قحطبة بعد ما فتح نهاوند إلى العراق، وكان ابن هبيرة بجلولاء، فارتحل إلى عكبرا، وجاز قحطبة دجلة ومضى حتى نزل دممّا وارتحل ابن هبيرة مبادرا إلى الكوفة (1).
وفيها: توفي فقيه البصرة أيوب السختياني الحافظ أحد الأعلام، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان أحد علماء المدينة، وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، والزبير بن عدي، وسمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، ومحمد بن جحادة، وقيل: سنة سبع وعشرين وقد تقدم، وهمام بن منبه، وعبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر صاحب مجاهد، وفرقد بن يعقوب السنجي العابد الزاهد، وواصل بن عطاء المعتزلي المعروف بالغزال.
وفيها: وثب روح بن خالد بن قبيصة بن المهلب بالبصرة على سلم بن قتيبة، فسود ودعا إلى بني العباس.
وفيها: حج إبراهيم بن محمد الإمام، ومعه أخوه وولده وبنو أخيه وجماعة من مواليه، ومعه ثلاثون نجيبا برجالها، فشهر أمره للناس.
***
السنة الثانية والثلاثون
فيها: حبس مروان بن محمد إبراهيم بن محمد الإمام وذلك أن نصر بن سيار كتب إلى مروان بقول أبي مريم البجلي الكوفي: [من الوافر]
أرى خلل الرماد وميض نار
…
ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالزندين تورى
…
وإن الحرب أولها كلام
لئن لم يطفها عقلاء قوم
…
يكون وقودها جثث وهام
أقول من التعجب ليت شعري
…
أأيقاظ أمية أم نيام
فإن كانوا لحينهم نياما
…
فقل قوموا فقد حان القيام
(1)«المعارف» (ص 370)، و «تاريخ الطبري» (7/ 405)، و «تاريخ دمشق» (17/ 195).
وأعلمه أن أبا مسلم الخراساني يدعو إلى إبراهيم بن محمد، فكتب مروان إلى الوليد بن معاوية بن عبد الملك وهو عامله على دمشق: أن يكتب إلى عامل البلقاء ليسير إلى كداب والحميمة، ويأخذ إبراهيم بن محمد فيقيده وثاقا، ويبعث به في خيل إلى مروان، ففعل به ذلك، فحبسه مروان بحران، فبقي محبوسا شهرين، ومات بالطاعون، وقيل: بل قتل (1).
ولما حمل إبراهيم بن محمد الإمام إلى مروان .. شيعه أهله، فنعى إليهم نفسه، وأمرهم بالمسير إلى الكوفة مع أخيه أبي العباس السفاح، وجعله الخليفة من بعده، ويقال: إن بعض الشيعة احتال، فأتى إلى مروان بن محمد مستظلما من إبراهيم بن محمد، يزعم أن له دينا على إبراهيم، وأن مروان حبسه قبل أن يسلم إليه دينه، فأرسل معه مروان إلى إبراهيم وهو في الحبس ليوفي الرجل دينه، فلما دخل الشيعي الحبس .. قال لإبراهيم:
يا فاعل، يا تارك تأخذ حقي وإلى من تكلني، فقال له إلى ابن الحارثية؛ يعني: أخاه السفاح، فخرج الشيعي وأعلم أصحابه أن إبراهيم الإمام جعل الأمر بعده إلى أخيه السفاح (2).
وفيها: وثب محمد بن خالد القسري بالكوفة، فسود وأخذها لبني العباس، وسار قحطبة في شرقي الفرات، فالتقى هو ويزيد بن عمر بن هبيرة بفم الزاب على الفلوجة العليا، فاقتتلوا ساعة من الليل، ثم انهزم ابن هبيرة ومضى إلى واسط، وخلى معسكره بما فيه من المال والسلاح، وأمر قحطبة أصحابه أن يعبروا الفرات، فعبروا مخاضة، وغرق قحطبة بعد أن أوصى: إن دخلتم الكوفة وقد حدث بي حادث .. فوزير الإمام أبو سلمة الخلال، فسلموا الأمر إليه، فلما غرق قحطبة .. ولوا أمرهم ابنه حميد بن قحطبة إلى أن جاء أخوه الحسن بن قحطبة، فقام بأمر الناس، ودخل الحسن وحميد ابنا قحطبة الكوفة، فسلموا الأمر إلى أبي سلمة الخلال كما أوصاهم به قحطبة (3).
ولما حبس إبراهيم بن محمد الإمام بحران .. سار أبو العباس السفاح في جماعة من أصحابه من كداب والحميمة إلى الكوفة، ودخلها سرا، واختفوا في بني أود، وعلم أبو سلمة الخلال بوصولهم، وتغافل عن ذلك كأنه لم يعلم، وهمّ بتحويل الأمر إلى آل
(1)«تاريخ الطبري» (7/ 369)، و «المنتظم» (4/ 735)، و «البداية والنهاية» (445/ 10، 453).
(2)
«المنتظم» (4/ 493)، و «البداية والنهاية» (10/ 619).
(3)
«تاريخ الطبري» (7/ 417)، و «الكامل في التاريخ» (4/ 397)، و «البداية والنهاية» (10/ 453).
أبي طالب، فكتب إلى ثلاثة منهم، وهم: جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعمر بن علي بن الحسين بن علي، وعبد الله بن الحسن بن الحسن، فلما وصل كتابه إلى جعفر الصادق .. قال: وما أنا وأبو سلمة؟ ! هو شيعة غيري، ثم أحرق كتابه وقال للرسول: قد رأيت الجواب، وكذلك عمر بن علي بن الحسين رد الكتاب على الرسول وقال: ما أعرف أبا سلمة، وأما عبد الله بن الحسن .. فقرأ كتاب أبي سلمة، وركب إلى جعفر بن محمد، وأخبره بكتاب أبي سلمة يدعوه إلى الخلافة، ويرى أنه أحق الخلق بها وقد أجابته شيعتنا من خراسان، فقال له جعفر: ومتى صاروا شيعتك؟ ! أأنت وجهته إلى خراسان وأمرته بلبس السواد؟ ! وهل تعرف أحدا منهم باسمه ونسبه؟ ! فكيف تكون شيعتك وأنت لا تعرفهم ولا يعرفونك؟ ! فقال عبد الله بن الحسن لجعفر: ما هذا الكلام منك إلا لشيء، فقال له جعفر: قد علم الله أني أوجب النصح على نفسي لكل مسلم فكيف أدخره عنك؟ ! لا تمنين نفسك الأباطيل؛ فإن هذه الدولة تتم لهم، وما هي لأحد من ولد أبي طالب، وقد جاءني مثل ما جاءك، فأجبت بما ستعرف خبره، فانصرف وهو غير راض.
وأبطأ على أبي العباس وهو مختف بالكوفة أمر أبي مسلم وأبي سلمة، فخرج أصحاب له يطوفون بالكوفة، فلقي حميد بن قحطبة ومحمد بن صول رجلا من مواليهم ممن كان يحمل لهما الكتب، فعرفاه فسألاه، فأخبرهما أن القوم قد قدموا منذ أيام، وأنهم في سرداب ببني أود، فصارا إلى الموضع، فسلما عليهم وقالا: أيكم عبد الله؟ فقال أبو العباس وأبو جعفر: كلانا عبد الله، فقالا: أيكم ابن الحارثية؟ فقال أبو العباس:
أنا، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، ودنيا منه فبايعاه، وأخرجاهم إلى المسجد الجامع، فصعد أبو العباس المنبر فحصر، وصعد دونه بمرقاة عمه داود بن علي فخطب خطبته المشهورة، وبايع الناس عامة لأبي العباس في يوم الجمعة لأربع عشرة مضت من ربيع الأول، وكان عدد بني العباس يومئذ ثلاثة وأربعين رجلا، ونزل أبو العباس قصر الإمارة، ثم خرج إلى معسكر أبي سلمة، وجعل بينهما ستر يدخل منه، وأقام في معسكره إلى أن انهزم مروان بن محمد بالزاب (1).
وفيها: سار مروان بن محمد بجنود الشام والجزيرة والموصل، وحشدت معه بنو أمية كلهم بأنفسهم وأبناءهم حتى نزلوا الزاب بقرب الموصل، فجهز إليهم أبو العباس السفاح
(1)«تاريخ الطبري» (7/ 423)، و «الفرج بعد الشدة» (4/ 275)، و «البداية والنهاية» (10/ 454).
عمه عبد الله بن علي لمحاربة مروان، فالتقوا بالزاب قرب الموصل، فانهزم مروان إلى الشام، واستولى عبد الله بن علي على الجزيرة، وهدم عبد الله بن علي قصر مروان الذي بحران وكان أنفق عليه عشرة آلاف ألف درهم، ثم قصد عبد الله بن علي دمشق، فهرب مروان إلى مصر، واستناب بدمشق ابن عمه الوليد بن معاوية بن مروان، ونزل عبد الله بن علي دمشق، فحاصرها وأخذها بالسيف وفيها خمسون ألف مقاتل، لكن إذا انقضت المدة .. لم تنفع العدة، وقتل بها من الأمويين عدة ألوف، منهم: أميرها الوليد بن معاوية بن عبد الملك، وسليمان بن هشام بن عبد الملك وسليمان بن يزيد بن عبد الملك، وأسر يزيد بن معاوية بن عبد الملك، وعبد الله بن عبد الجبار بن يزيد بن عبد الملك، فبعث بهما إلى أبي العباس فصلبهما بالحيرة، وهدم عبد الله بن علي سور دمشق حجرا حجرا، وقتل بنهر أبي فطرس سبعين رجلا من بني أمية (1).
وفيها: قتل داود بن علي جماعة من بني أمية بالحجاز.
وفيها: خلع ابن الورد الكلابي، ودعا إلى أبي سفيان وهو بقنسرين، فتوجه إليه عبد الصمد بن علي عم السفاح فقتله، وبعث عبد الله بن علي طائفة من الجند تبعت مروان بن محمد إلى مصر، فخرج منها هاربا، فقتل ببوصير من أعمالها لثلاث بقين من ذي الحجة، وحمل رأسه إلى أبي العباس السفاح، فخر السفاح ساجدا، ثم رفع رأسه وقال:
الحمد لله الذي أظهرني عليك وأظفرني بك، ولم يبق ثأري قبلك وقبل أهلك أعداء الدين، ثم تمثل بقول ذي الإصبع:[من البسيط]
لو يشربون دمي لم يرو شاربهم
…
ولا دماؤهم للغيظ ترويني (2)
وفيها: توفي الإمام ابن الإمام عبد الله بن طاوس اليماني النحوي، والحافظ منصور بن المعتمر السلمي، والفقيه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري المدني، وصفوان بن سليم، ويونس بن ميسرة المقرئ الأعمى، وأمير العراقين يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري، وآخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد بن مروان الأموي، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ.
وفيها: قتل أبو سلمة الخلال أحد شيعة بني العباس.
***
(1)«تاريخ خليفة» (1/ 404)، و «المنتظم» (5/ 15)، و «الكامل في التاريخ» (5/ 18)، و «مرآة الجنان» (1/ 276).
(2)
«المنتظم» (16/ 5، 20)، و «الكامل في التاريخ» (20/ 5، 25).