الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
849 - [الإمام مالك]
(1)
مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي-من ذي أصبح بطن من حمير- أبو عبد الله الإمام المشهور إمام دار الهجرة.
ولد سنة ثلاث-أو أربع أو خمس-وتسعين بعد أن مكث حملا في بطن أمه ثلاث سنين.
وسمع من نافع، والزهري، وهشام بن عروة، وغيرهم من كبار التابعين.
وروى عنه عبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ومعن بن عيسى القعنبي، وخلق من الأئمة، وأخذ القراءة عرضا على المقرئ نافع بن أبي نعيم.
وكان رضي الله عنه طويلا جسيما، عظيم الهامة، أبيض اللحية والرأس، قيل: كان له لحية تبلغ صدره، وكان يلبس الثياب العدنية الرفيعة البيض، أثنى عليه العلماء الثناء المرضي.
قال الإمام الشافعي: إذا ذكر العلماء .. فمالك النجم.
وقال ابن عيينة وقد بلغه موت مالك: ما ترك على وجه الأرض مثله.
وقال مالك رحمه الله تعالى: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك.
وقال رضي الله عنه محدثا بنعمة ربه: قل رجل كنت أتعلم منه ومات حتى يجيئني ويستفتيني.
وكان رحمه الله تعالى يعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يحدث وهو في الطريق، ولا وهو مستوفز، وضرب بعضهم لما سأله عن حديث وهو في الطريق، وكان إذا أراد أن يحدث .. توضأ وسرح لحيته، وجلس على صدر فراشه متربعا متمكنا في جلوسه بوقار وهيبة، ثم حدث، وربما بخر بالعود في مجلسه، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يركب في المدينة مع كبره وضعف سنه؛ تعظيما لها.
قال الواقدي: كان مالك يشهد الصلوات الخمس والجمعة في المسجد، ويشهد
(1)«طبقات ابن سعد» (7/ 570)، و «المعارف» (ص 498)، و «تهذيب الكمال» (27/ 92)، و «سير أعلام النبلاء» (8/ 43)، و «تاريخ الإسلام» (11/ 316)، و «العبر» (1/ 272)، و «مرآة الجنان» (1/ 373)، و «الديباج المذهب» (1/ 69)، و «شذرات الذهب» (2/ 350)، و «شجرة النور الزكية» (1/ 50).
الجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، ويجتمع إليه أصحابه في المسجد، ثم ترك الجلوس في المسجد، فكان يصلي وينصرف، وترك حضور الجنائز، وكان يأتي أصحابها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله؛ فلم يشهد الصلوات في المسجد، ولا الجمعة، ولا يعزي أحدا، ولا يقضي له حقا، واحتمل الناس له ذلك حتى مات، فقيل له في ذلك، فقال:
ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره.
وسعي به إلى جعفر بن سليمان بن علي عم المنصور وأمير المدينة، وقالوا: إنه لا يصحح بيع المكره وطلاقه، ويعرض بذلك لعدم صحة بيعتكم، وأنه لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء، فغضب جعفر وجرده وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت كتفه، ونال منه أمرا عظيما، فلم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة، وكأنما كانت تلك السياط حليا حلي بها.
ولما حج المنصور .. اعتذر إليه من فعل جعفر بن سليمان به، وأراد أن يقيده منه، فقال مالك: والله؛ ما رفعت عني الأسواط .. إلا وقد عفوت عنه؛ لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال القعنبي: دخلت على مالك في مرض موته، فرأيته يبكي، فقلت: وما يبكيك؟ قال: يا بن قعنب؛ ومن أحق بالبكاء مني؟ ! والله؛ لوددت أني ضربت لكل مسألة أفتيت فيها برأي بسوط سوط، ولقد كانت لي السعة فيما سبقت إليه، وليتني لم أفت بالرأي، أو كما قال.
وتوفي رحمه الله تعالى بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، ودفن بالبقيع، ورثاه أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج بقوله:[من الطويل]
سقى الله جدثا بالبقيع لمالك
…
من المزن من غادي السحائب براق
إمام «موطؤه» الذي طبقت به
…
أقاليم في الدنيا فساح وآفاق
إمام به شرع النبي محمد
…
له حذر من أن يضام وإشفاق
له مسند عال صحيح بهمة
…
فللكل منه حين يرويه إطراق
وأصحاب صدق كلهم علم فسل
…
بهم إنهم إن أنت سائلت حذاق
ولو لم يكن إلا ابن إدريس وحده
…
كفاه على أن السعادة أرزاق