الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خرج بالكوفة وتبعه خلق كثير، فلما خرج .. أتته طائفة كبيرة وقالوا: تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نتبعك، فقال: أتبرأ ممن تبرأ منهما، فقالوا: إذا نرفضك، فمن ذلك الوقت سموا: الرافضة، وسميت شيعة زيد: زيدية.
فلما خرج .. قاتله متولي العراق من جهة هشام بن عبد الملك وهو الأمير يوسف بن عمر بن محمد بن يوسف، وجده محمد بن يوسف المذكور هو أخو الحجاج بن يوسف، فالحجاج عم أبي الأمير يوسف بن عمر المذكور، فخذل زيدا أتباعه من أهل الكوفة، وغدروا به كما غدروا من قبله بجده، فقتل زيد رحمه الله في جمع كثير من أصحابه، وانهزم ابنه يحيى بن زيد إلى خراسان، وصلب على كناسة الكوفة، ويقال: إنهم صلبوه عريانا فنسجت العنكبوت عليه حتى سترت عورته، وإنهم صلبوه إلى غير القبلة فتحولت خشبته إلى القبلة، وبقي مصلوبا إلى أن ولي الوليد بن يزيد، فأمر بإحراق جثته الشريفة فأحرقت، وكان قتله في سنة اثنتين وعشرين ومائة.
585 - [القاضي إياس]
(1)
إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني البصري أبو واثلة قاضي البصرة المشهور بالذكاء الذي يضرب به المثل في الذكاء، وإياه عنى أبو تمام بقوله:[من الكامل]
إقدام عمرو في سماحة حاتم
…
في حلم أحنف في ذكاء إياس
سمع أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وأباه معاوية بن قرة وغيرهم.
روى عنه محمد بن عجلان، وحميد الطويل، وخالد الحذاء وغيرهم.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى نائبه بالعراق عدي بن أرطأة: أن اجمع بين إياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة الجرشي، وول قضاء البصرة أحدهما، فجمعهما عدي، فقال: إياس:
أيها الأمير؛ سل عني وعنه فقيهي المصر الحسن البصري وابن سيرين، وكان القاسم يأتيهما، وإياس لا يأتيهما فعرف القاسم أنه إن سألهما .. أشارا به، فقال: لا تسأل عني وعنه، فو الله الذي لا إله إلا هو؛ إنه أفقه وأعلم بالقضاء مني، فإن كنت كاذبا .. فما يحل
(1)«وفيات الأعيان» (1/ 247)، و «سير أعلام النبلاء» (5/ 155)، و «تاريخ الإسلام» (8/ 41)، و «الوافي بالوفيات» (9/ 465)، و «مرآة الجنان» (1/ 257)، و «البداية والنهاية» (9/ 387)، و «تهذيب التهذيب» (1/ 197)، و «شذرات الذهب» (2/ 94).
لك أن توليني وأنا كاذب، وإن كنت صادقا .. فينبغي لك أن تقبل قولي، فقال إياس: إنك جئت برجل وأوقفته على شفير جهنم فنحى نفسه عنها بيمين كاذبة يستغفر الله منها وينجو مما يخاف، فقال عدي بن أرطأة: أما إذ فهمتها فأنت لها، فولاه قضاء البصرة، وكان أحد العقلاء الفضلاء الدهاة.
يحكى: أنه قال: ما غلبني سوى رجل واحد شهد عندي أن البستان الفلاني-وذكر حدوده-ملك فلان، فقلت له: كم عدد شجره؟ فسكت، ثم قال لي: منذ كم يحكم سيدنا القاضي في هذا المجلس؟ فقلت: منذ كذا وكذا سنة، فقال: كم عدد خشب بيتك؟ فقلت: الحق معك، وأجزت شهادته.
ومن فطنته أنه سمع نباح كلب، فقال: هذا على رأس بئر، فاستقرءوا النباح فوجدوه كما قال، فقيل له في ذلك، فقال: إني سمعت الصوت كأنه يخرج من بئر.
ومنها: أنه حدث ما يقتضي الخوف وهناك ثلاث نسوة لا يعرفهن، فقال: ينبغي أن تكون هذه حاملا، وهذه مرضعا، وهذه بكرا، فكشف عن ذلك، فكان كما تفرس، فقيل: من أين أخذت ذلك؟ فقال: رأيت الحامل وضعت يدها على بطنها، والمرضع وضعت يدها على ثديها، والبكر وضعت يدها على فرجها، وعند الخوف لا يضع الإنسان يده إلا على ما يعز عليه ويخاف عليه.
وسمع يهوديا يقول: ما أحمق المسلمين! يزعمون أن أهل الجنة يأكلون ولا يحدثون فقال له: أفكل ما تأكل تحدثه؟ فقال: لا؛ لأن الله تعالى يجعله غذاء، قال: فلا شك أن الله يجعل كل ما يأكله أهل الجنة غذاء.
ورأى برحبة واسط آجرة، فقال: تحت هذه الآجرة دابة، فرفعت فإذا تحتها حية منطوية، فقيل له في ذلك، فقال: رأيت ما بين الآجرتين نديّا من بين جميع تلك الرحبة، فعلمت أن تحتها شيئا يتنفس.
وقال: رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين نجري معا، فلم يسبقني ولم أسبقه، وعاش أبي ستا وسبعين سنة وهأنا فيها، فلما كانت آخر لياليه .. قال: هذه الليلة أستكمل فيها عمر أبي، فنام فأصبح ميتا، وذلك في سنة اثنتين وعشرين ومائة.
قيل لوالده: كيف ابنك لك؟ قال: نعم الابن، كفاني أمر دنياي وفرغني لآخرتي.