الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤمنين على معصية فتركها؛ خوفا من الله عز وجل؟ قال: نعم؛ هويت وأنا شاب جارية، ثم ظفرت بها، وعزمت على ارتكاب الفاحشة منها، ثم ذكرت النار وهولها، وأن الزنا من الكبائر، فأشفقت من ذلك، وكففت عنها؛ مخافة من الله عز وجل، فقال ابن السماك: قال الله تعالى: {وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى} ، فسرّ هارون بذلك.
وناقش الشيخ اليافعي ابن السماك في ذلك بأن المراد من الآية: الخوف من الله، ونهي النفس عن ارتكاب الكبائر إلى الممات، أما من وقع منه ذلك، ثم أعقبه الوقوع في الكبائر؛ فإن مات على الإسلام .. فهو تحت المشيئة، وإن مات على الكفر-والعياذ بالله - .. فهو من أهل النار، وهو المراد بالآية الأولى {فَأَمّا مَنْ طَغى} إلى آخرها (1).
يحكى أن ابن السماك وعظ يوما فأعجبه وعظه، فرجع إلى منزله، فنام فسمع قائلا يقول:[من الكامل]
يا أيها الرجل المعلم غيره
…
هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
…
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
وأراك تلقح بالرشاد عقولنا
…
قولا وأنت من الرشاد عديم
تصف الدواء لذي السقام من الضنا
…
ومن الضنا والداء أنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
فانتبه، وآلى على نفسه ألا يعظ شهرا.
توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة.
876 - [موسى الكاظم]
(2)
السيد أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم.
(1) انظر «مرآة الجنان» (1/ 393).
(2)
«الجرح والتعديل» (8/ 139)، و «تاريخ بغداد» (13/ 27)، و «وفيات الأعيان» (5/ 308)، و «تهذيب الكمال» (29/ 43)، و «سير أعلام النبلاء» (6/ 270)، و «تاريخ الإسلام» (12/ 417)، و «مرآة الجنان» (1/ 394)، و «شذرات الذهب» (2/ 377).
كان عابدا صالحا جوادا حليما كبير القدر، وهو أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين في اعتقاد الإمامية، كان يدعى العبد الصالح؛ لكثرة عبادته واجتهاده.
ومما يحكى من حلمه وسخائه ما بلغه عن شخص أنه يؤذيه، فبعث إليه بألف دينار، فقال: أشهد أنك من بيت النبوة.
وكان مسكنه المدينة، فنقله المهدي إلى بغداد، وحبسه بها، فرأى المهدي في النوم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ} قال الربيع: فدعاني المهدي ليلا، فراعني ذلك، فجئته .. فإذا هو يقرأ هذه الآية، وكان أحسن الناس صوتا، وقال لي: عليّ بموسى بن جعفر، فجئته به، فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال له: يا أبا الحسن؛ رأيت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه، وأخبره برؤياه، فتؤمنني ألا تخرج عليّ ولا على أحد من أولادي، فقال: والله؛ لا فعلت ذلك، ولا هو من شأني، قال: صدقت، أعطوه ثلاثة آلاف دينار، وردوه إلى المدينة، قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا فما أصبح .. إلا وهو في الطريق؛ خوف العوائق.
ثم إن الرشيد حبسه في خلافته حتى توفي في حبسه.
وروي: أن الرشيد لما زار النبي صلى الله عليه وسلم .. قال: السلام عليك يا بن عم؛ مفتخرا بذلك، فقال موسى الكاظم: السلام عليك يا أبت، فتغير وجه هارون.
ويروى: أن موسى الكاظم رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: حبست مظلوما، فقل هذه الكلمات؛ فإنك لا تبيت هذه الليلة في الحبس، فقلت: بأبي وأمي ما أقول؟ قال: قل: يا سامع كل صوت، ويا سابق الفوت، ويا كاسي العظام لحما وناشرها بعد الموت؛ أسألك بأسمائك الحسنى، وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليما ذا أناة لا يقوى على أناته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ولا يحصى عددا؛ افرج عني.
فرأى المهدي تلك الليلة الحسين بن علي وبيده حربة، وقال له: إن خليت عن موسى وإلا .. نحرتك بهذه الحربة، فأرسله وخلى عنه، وأعطاه ثلاثين ألف درهم، وخيره بين المقام عنده على ما يحب وبين الرجوع إلى المدينة.
وتوفي رحمه الله في المحرم سنة ثلاث وثمانين ومائة.